المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌35 - كتاب المهدي - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ١١

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌29 - كِتَاب الْحُرُوفِ وَالْقِرَاءَات

- ‌30 - كِتَاب الْحَمَّامِ

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ التَّعَرِّي)

- ‌(باب فِي التَّعَرِّي)

- ‌31 - كِتَاب اللِّبَاسِ

- ‌(باب في ما يدعى بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الدُّعَاءِ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَمِيصِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَقْبِيَةِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الشُّهْرَةِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الصُّوفِ وَالشَّعَرِ)

- ‌(باب لبس المرتفع)

- ‌(بَاب لِبَاسِ الْغَلِيظِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَزِّ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي لبس الحرير)

- ‌(بَاب مَنْ كَرِهَهُ أَيْ لُبْسُ الْحَرِيرِ)

- ‌(بَاب الرُّخْصَةِ فِي الْعَلَمِ وَخَيْطِ الْحَرِيرِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِعُذْرٍ)

- ‌(بَاب فِي الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الْحِبَرَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْبَيَاضِ)

- ‌(باب في الخلقان وفي غسل الثوب الْخُلْقَانُ)

- ‌(بَاب فِي الْمَصْبُوغِ بِالصُّفْرَةِ)

- ‌(بَاب فِي الخضرة)

- ‌(بَاب فِي الْحُمْرَةِ)

- ‌(بَاب فِي الرُّخْصَةِ)

- ‌(بَاب فِي السَّوَادِ)

- ‌(بَاب فِي الْهُدْبِ فِي الْقَامُوسِ)

- ‌(بَاب فِي الْعَمَائِمِ)

- ‌(بَاب فِي لِبْسَةِ الصَّمَّاءِ)

- ‌(بَاب فِي حَلِّ الْأَزْرَارِ)

- ‌(بَاب فِي التَّقَنُّعِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي إِسْبَالِ الْإِزَارِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْكِبْرِ)

- ‌(بَاب فِي قَدْرِ مَوْضِعِ الْإِزَارِ)

- ‌(بَاب فِي لِبَاسِ النِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي قول الله تَعَالَى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ الْآيَةُ بِتَمَامِهَا)

- ‌(باب في قول الله تعالى وليضربن بخمرهن على جيوبهن)

- ‌(بَاب فِيمَا تُبْدِي الْمَرْأَةُ مِنْ زِينَتِهَا هِيَ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ أَوْ

- ‌(بَاب فِي الْعَبْدِ يَنْظُرُ إِلَى شَعْرِ مَوْلَاتِهِ)

- ‌(باب في قوله تعالى غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ)

- ‌(باب في قوله وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)

- ‌(باب كيف الِاخْتِمَارِ)

- ‌(بَاب فِي لِبْسِ الْقَبَاطِيِّ لِلنِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي قَدْرِ الذَّيْلِ)

- ‌(بَاب فِي أُهُبِ الْمَيْتَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَوَى أَنْ لَا يستنفع بإهاب الميتة)

- ‌(بَاب فِي جُلُودِ النُّمُورِ وَالسِّبَاعِ)

- ‌(بَاب فِي الِانْتِعَالِ)

- ‌(بَاب فِي الْفُرُشِ)

- ‌(بَاب فِي اتِّخَاذِ السُّتُورِ)

- ‌(بَاب فِي الصَّلِيبِ فِي الثَّوْبِ أَيْ صُورَةُ الصَّلِيبِ فِيهِ)

- ‌(بَاب فِي الصُّوَرِ)

- ‌32 - كِتَاب التَّرَجُّل

- ‌(باب فِي اسْتِحْبَابِ الطِّيبِ)

- ‌(بَاب فِي إِصْلَاحِ الشَّعَرِ)

- ‌(بَاب فِي الْخِضَابِ لِلنِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي صِلَةِ الشَّعْرِ)

- ‌(بَاب فِي رَدِّ الطِّيبِ)

- ‌(بَاب في طيب المرأة لِلْخُرُوجِ)

- ‌(بَاب فِي الْخَلُوقِ لِلرِّجَالِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّعَرِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْفَرْقِ)

- ‌(بَاب فِي تَطْوِيلِ الْجُمَّةِ)

- ‌(باب في الرجل يضفر شَعْرَهُ)

- ‌(بَاب فِي حَلْقِ الرَّأْسِ)

- ‌(باب في الصبي له ذؤابة)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ)

- ‌(بَاب فِي أَخْذِ الشَّارِبِ)

- ‌(بَاب فِي نَتْفِ الشَّيْبِ)

- ‌(بَاب فِي الْخِضَابِ)

- ‌(باب فِي خِضَابِ الصُّفْرَةِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي خِضَابِ السَّوَادِ)

- ‌(بَاب فِي الِانْتِفَاعِ بِالْعَاجِ)

- ‌33 - كِتَاب الْخَاتَم

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْخَاتَمِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي خاتم الحديد)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْجَلَاجِلِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي رَبْطِ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ)

- ‌34 - كِتَاب الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِم

- ‌(باب ذكر الفتن ودلائلها)

- ‌(باب النَّهْيِ عَنْ السَّعْيِ فِي الْفِتْنَةِ)

- ‌(بَاب فِي كَفِّ اللِّسَانِ)

- ‌(باب الرخصة في التبدي فِي الْفِتْنَةِ)

- ‌(باب النَّهْيِ عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ)

- ‌(بَاب فِي تَعْظِيمِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ)

- ‌(بَاب مَا يُرْجَى فِي الْقَتْلِ)

- ‌35 - كِتَاب الْمَهْدِيِّ

- ‌36 - كِتَاب الْمَلَاحِم

- ‌(بَاب مَا يُذْكَرُ فِي قَرْنِ المائة)

- ‌(بَابِ مَا يُذْكَرُ مِنْ مَلَاحِمِ الرُّومِ)

- ‌(بَاب فِي أَمَارَاتِ الْمَلَاحِمِ)

- ‌(بَاب فِي تَوَاتُرِ الْمَلَاحِمِ)

- ‌(بَاب فِي تَدَاعِي الْأُمَمِ عَلَى الْإِسْلَامِ)

- ‌(بَاب فِي الْمَعْقِلِ مِنْ الْمَلَاحِمِ)

- ‌(باب في ارْتِفَاعِ الْفِتْنَةِ فِي الْمَلَاحِمِ)

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ تَهْيِيجِ التُّرْكِ والْحَبَشَةِ)

- ‌(بَاب فِي قِتَالِ التُّرْكِ)

- ‌(بَاب فِي ذِكْرِ الْبَصْرَةِ)

- ‌(بَاب ذكر الْحَبَشَةِ)

- ‌(باب أمارت السَّاعَةِ)

- ‌(باب حَسْرِ الْفُرَاتِ)

- ‌(بَاب خُرُوجِ الدَّجَّالِ)

- ‌(بَاب فِي خَبَرِ الْجَسَّاسَةِ)

- ‌(باب خبر بن الصائد)

- ‌(بَاب الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ [4336] عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ)

- ‌(بَاب قِيَامِ السَّاعَةِ)

الفصل: ‌35 - كتاب المهدي

‌35 - كِتَاب الْمَهْدِيِّ

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشْهُورَ بَيْنَ الْكَافَّةِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ ظُهُورِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ يُؤَيِّدُ الدِّينَ وَيُظْهِرُ الْعَدْلَ وَيَتَّبِعُهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَسْتَوْلِي عَلَى الْمَمَالِكِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَيُسَمَّى بِالْمَهْدِيِّ وَيَكُونُ خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَثَرِهِ وَأَنَّ عِيسَى عليه السلام يَنْزِلُ مِنْ بَعْدِهِ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ أَوْ يَنْزِلُ مَعَهُ فَيُسَاعِدُهُ عَلَى قَتْلِهِ وَيَأْتَمُّ بِالْمَهْدِيِّ فِي صَلَاتِهِ وَخَرَّجُوا أَحَادِيثَ الْمَهْدِيِّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ أَبُو داود والترمذي وبن مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ وَأَسْنَدُوهَا إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِثْلَ عَلِيٍّ وبن عباس وبن عُمَرَ وَطَلْحَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَثَوْبَانَ وَقُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ وَعَلِيٍّ الْهِلَالِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ رضي الله عنه وَإِسْنَادُ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ بَيْنَ صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ وَقَدْ بَالَغَ الْإِمَامُ الْمُؤَرِّخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلْدُونَ الْمَغْرِبِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي تَضْعِيفِ أَحَادِيثَ الْمَهْدِيِّ كُلِّهَا فَلَمْ يُصِبْ بَلْ أَخْطَأَ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

ذكر الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله مَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ حَدِيث الخلافة بعد وثلاثون سَنَة وَحَدِيث اِثْنَا عَشَر خَلِيفَة ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ فَكَيْف الْجَمْع قِيلَ لَا تَعَارُض بَيْن الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّ الْخِلَافَة الْمُقَدَّرَة بِثَلَاثِينَ سَنَة هي خلافة النبوة كما في حَدِيث أَبِي بَكْرَة وَوَزْن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي بَكْر وَرُجْحَانه وَسَيَأْتِي وَفِيهِ فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خِلَافَة نُبُوَّة

ثُمَّ يُؤْتِي اللَّه الْمُلْك مَنْ يَشَاء

ص: 243

وَمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ مَنْ كَذَّبَ بِالْمَهْدِيِّ فَقَدْ كَفَرَ فَمَوْضُوعٌ وَالْمُتَّهَمُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ وَرُبَّمَا تَمَسَّكَ الْمُنْكِرُونَ لِشَأْنِ الْمَهْدِيِّ بِمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ لَا مَهْدِيَّ إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَمَ وَالْحَدِيثُ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَفِيهِ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [4279] لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا أَيْ مُسْتَقِيمًا سَدِيدًا جَارِيًا عَلَى الصَّوَابِ وَالْحَقِّ (حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً وَلَفْظُ مُسْلِمٍ لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا (كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ) الْمُرَادُ بِاجْتِمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ انْقِيَادُهَا لَهُ وَإِطَاعَتُهُ

قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ قَدْ مَضَى مِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ هَذَا الْعَدَدِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَأَمَّا الْخُلَفَاء الِاثْنَا عَشَر فَلَمْ يَقُلْ فِي خِلَافَتهمْ إِنَّمَا خِلَافَة نُبُوَّة

وَلَكِنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ اِسْم الْخُلَفَاء وَهُوَ مُشْتَرَك وَاخْتَصَّ الْأَئِمَّة الرَّاشِدُونَ مِنْهُمْ بِخَصِيصَةٍ فِي الْخِلَافَة وَهِيَ خِلَافَة النُّبُوَّة وَهِيَ الْمُقَدَّرَة بِثَلَاثِينَ سَنَة خِلَافَة الصِّدِّيق سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَة أَشْهُر وَاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَخِلَافَة عُمَر بْن الْخَطَّاب عَشْر سِنِينَ وَسِتَّة أَشْهُر وَأَرْبَع لَيَالٍ وَخِلَافَة عُثْمَان اِثْنَتَيْ عَشْر سَنَة إِلَّا اِثْنَيْ عَشَر يَوْمًا وَخِلَافَة عَلِيّ خَمْس سِنِينَ وَثَلَاثَة أَشْهُر إِلَّا أَرْبَعَة عَشَر يَوْمًا

وَقُتِلَ عَلِيّ سَنَة أَرْبَعِينَ

فَهَذِهِ خِلَافَة النُّبُوَّة ثَلَاثُونَ سَنَة

وَأَمَّا الْخُلَفَاء اِثْنَا عَشَر فَقَدْ قَالَ جَمَاعَة مِنْهُمْ أَبُو حَاتِم بْن حِبَّانَ وَغَيْره إِنَّ آخِرهمْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فَذَكَرُوا الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة ثُمَّ مُعَاوِيَة ثُمَّ يَزِيد اِبْنه ثُمَّ مُعَاوِيَة بْن يَزِيد ثُمَّ مَرْوَان بْن الْحَكَم ثُمَّ عَبْد الْمَلِك اِبْنه ثُمَّ الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك ثُمَّ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك ثُمَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَكَانَتْ وفاته على رأس المائة وهي القرن الفضل الَّذِي هُوَ خَيْر الْقُرُون وَكَانَ الدِّين فِي هَذَا الْقَرْن فِي غَايَة الْعِزَّة

ثُمَّ وَقَعَ مَا وَقَعَ وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَوْقَع عَلَيْهِمْ اِسْم الْخِلَافَة بِمَعْنَى الْمُلْك فِي غَيْر خِلَافَة النُّبُوَّة قَوْله فِي الْحَدِيث الصَّحِيح مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي خُلَفَاء يَعْمَلُونَ بِمَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ وَسَيَكُونُ مِنْ بَعْدهمْ خُلَفَاء يَعْمَلُونَ بِمَا لَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ من أنكر بريء وَمَنْ أَمْسَكَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ

ص: 244

وَقِيلَ إِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ يَفْتَرِقُ النَّاسُ عَلَيْهِمْ

وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ السَّبِيلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يَعْتَقِبُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُقْسِطِينَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِاسْمِ الْخَلِيفَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْوِلَاءِ وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ عَلَى الْوَلَاءِ فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُسَمَّوْنَ بِهَا عَلَى الْمَجَازِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي قَدْ تَوَجَّهَ هُنَا سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَّا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْأَرْبَعَةُ وَالْأَشْهُرُ الَّتِي بُويِعَ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ

قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ فِي حَدِيثِ الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا

وَلَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَالسُّؤَالُ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ وَلِيَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ

قَالَ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ بَاطِلٌ لأنه لَمْ يَقُلْ لَا يَلِي إِلَّا اثْنَا عَشَرَ خَلِيفةً وَإِنَّمَا قَالَ يَلِي وَقَدْ وَلِيَ هَذَا الْعَدَدُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ وُجِدَ بَعْدَهُمْ غَيْرُهُمُ انْتَهَى

قَالَ هَذَا إِنْ جُعِلَ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ كُلَّ وَالٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُسْتَحِقِّي الْخِلَافَةَ الْعَادِلِينَ وَقَدْ مَضَى مِنْهُمْ مَنْ عُلِمَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ هَذَا الْعَدَدِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ انْتَهَى

وَقَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ وَلِيُّ اللَّهِ الْمُحَدِّثُ فِي قُرَّةِ الْعَيْنَيْنِ فِي تَفْضِيلِ الشَّيْخَيْنِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ فِي حَدِيثِ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ ظَاهِرًا إِلَى أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَوَجْهُ الِاسْتِشْكَالِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَاظِرٌ إِلَى مَذْهَبِ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ الَّذِينَ أَثْبَتُوا اثْنَيْ عَشَرَ إِمَامًا والأصل إن كلامه بِمَنْزِلَةِ الْقُرْآنِ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ قَدْ هَلَكَ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ سَبْعِينَ سَنَةً مِمَّا مَضَى وَقَدْ وَقَعَتْ أَغْلَاطٌ كَثِيرَةٌ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْنُ نَقُولُ مَا فَهِمْنَاهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ أَنَّ ابْتِدَاءَ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْجِهَادِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمَعْنَى فَإِنْ يَهْلِكُوا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّكِّ وَالتَّرْدِيدِ بَلْ بَيَانُ أَنَّهَا تَقَعُ وَقَائِعٌ عَظِيمَةٌ يُرَى نَظَرًا إِلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ أَمْرَ الْإِسْلَامِ قَدِ اضْمَحَلَّ وَشَوْكَةَ الْإِسْلَامِ وَانْتِظَامَ الْجِهَادِ قَدِ انْقَطَعَ ثُمَّ يُظْهِرُ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ الْخِلَافَةِ وَالْإِسْلَامِ وَإِلَى سَبْعِينَ سَنَةً لَا يَزَالُ هَذَا الِانْتِظَامُ وَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ فَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ مِنِ ابْتِدَاءِ الْجِهَادِ وَقَعَتْ حَادِثَةُ قَتَلَ ذِي النُّورَيْنِ وَتَفَرَّقَ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْضًا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَقْعَةُ الْجَمَلِ وصفين

ص: 245

وَفِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ لَمَّا ظَهَرَ الْفَسَادُ وَالتَّقَاتُلُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَجُعِلَ جِهَادُ الْكُفَّارِ مَتْرُوكًا وَمَهْجُورًا إِلَى حِينَ عُلِمَ نَظَرًا إِلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ وَهَنَ وَاضْمَحَلَّ وَكَوْكَبُهُ قَدْ أَفَلَ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ جَعَلَ أَمْرَ الْخِلَافَةِ مُنْتَظِمًا وَأَمْضَى الْجِهَادَ إِلَى ظُهُورِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَتَلَاشِي دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ فَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْضًا فُهِمَ بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ أُبِيدَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يُرِيدُ ثُمَّ أَيَّدَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَشَادَ مَنَارَهُ وَجَلَّى نَهَارَهُ حَتَّى حَدَثَتِ الْحَادِثَةُ الْجَنْكِيزِيَّةُ وَإِلَيْهَا إِشَارَةٌ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّي أَنْ يُؤَخِّرَهَا نِصْفَ يَوْمٍ فَقِيلَ لِسَعْدٍ وَكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ قَالَ خَمْسُ مِائَةِ سنة رواه أحمد فتارة أخبر النبي عَنْ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ وَخَصَّصَهُ بِثَلَاثِينَ سَنَةً وَالَّتِي بَعْدَهُمْ عَبَّرَهَا بِمُلْكٍ عَضُوضٍ وَتَارَةً عَنْ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ وَالَّتِي تَتَّصِلُ بِهَا كِلَيْهِمَا مَعًا وَعَبَّرَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةٍ وَتَارَةً عَنِ الثَّلَاثَةِ كُلِّهَا مَعًا وَعَبَّرَهَا بِخَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَأَمَّا مَا فَهِمَ هَذَا الْمُسْتَشْكِلُ فُلًّا يَسْتَقِيمُ أَصْلًا بِوُجُوهٍ

الأول أن المذكور ها هنا الْخِلَافَةُ لَا الْإِمَامَةُ وَلَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ مِنْ هَؤُلَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ

الثَّانِي أَنَّ نِسْبَتَهُمْ إِلَى قُرَيْشٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَإِنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَمَّا فَعَلُوا أَمْرًا وَكُلُّهُمْ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ يُسَمُّونَهُمْ بِذَلِكَ الْبَطْنِ وَلَمَّا كَانُوا مِنْ بُطُونٍ شَتَّى يُسَمُّونَهُمْ بِالْقَبِيلَةِ الْفَوْقَانِيَّةِ الَّتِي تَجْمَعُهُمْ

الثَّالِثُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَئِمَّةً لَمْ يَقُولُوا بِظُهُورِ الدِّينِ بِهِمْ بَلْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الدِّينَ قَدِ اختفى بعد وفاته وَالْأَئِمَّةُ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِالتَّقِيَّةِ وَمَا اسْتَطَاعُوا عَلَى أَنْ يُظْهِرُوهُ حَتَّى إِنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِظْهَارِ مَذْهَبِهِ وَمَشْرَبِهِ

الرَّابِعُ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ حَرْفِ إِلَى أَنْ تَقَعَ فَتْرَةً بَعْدَ مَا يَنْقَضِي عَصْرُ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً وَهُمْ قَائِلُونَ بِظُهُورِ عِيسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَمَالِ الدِّينِ بَعْدَهُمْ فَلَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَى الْغَايَةِ وَالْمُغَيَّا كَمَا لَا يَخْفَى

فَالتَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَعْتَبِرُوا بِمُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَبَنِيهِ الْأَرْبَعِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ الرَّاشِدِينَ

وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْ مُخَالِفِيهِ

وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه قَدْ ذَكَرَا عَنِ النبي ما يدل على أن تسلط بن الزُّبَيْرِ وَاسْتِحْلَالَ الْحَرَمِ بِهِ مُصِيبَةٌ مِنْ مَصَائِبِ الْأُمَّةِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا أَحْمَدُ عَنْ قَيْسِ بْنِ أبي حازم قال جاء بن الزُّبَيْرِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْغَزْوِ فَقَالَ عُمَرُ اجْلِسْ فِي بَيْتِكِ فَقَدْ غزوت مع رسول الله

قَالَ فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الَّتِي تَلِيهَا اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَجِدُ بِطَرَفِ

ص: 246

الْمَدِينَةِ مِنْكَ وَمِنْ أَصْحَابِكِ أَنْ تَخْرُجُوا فَتُفْسِدُوا على أصحاب محمد وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فَمِنْ لَفْظِهِ بِطَرَفِ الْمَدِينَةِ يُفْهَمُ أن واقعة الجمل غير مراد ها هنا بَلِ الْمُرَادُ خُرُوجُهُ لِلْخِلَافَةِ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَدْ أَشَارَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ جَوَابِ الْحَسَنِ رضي الله عنه وَلَمْ ينتظم الْخِلَافَةِ عَلَيْهِ وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ سَاقِطٌ مِنْ هَذَا الْبَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ مُدَّةً يُعْتَدُّ بِهَا وَسُوءِ سِيرَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الْبِشَارَةُ بِوُجُودِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً صَالِحًا يُقِيمُ الْحَقَّ وَيَعْدِلُ فِيهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَوَالِيهِمْ وَتَتَابُعُ أَيَّامِهِمْ بَلْ قَدْ وُجِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ وَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهم وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِلَا شَكٍّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَبَعْضِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ وِلَايَتُهُمْ لَا مَحَالَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُمِ الْمَهْدِيُّ الْمُبَشَّرُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الواردة بذكره أنه يواطىء اسمه اسم النبي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِيهِ فَيَمْلَأُ عَدْلًا وَقِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا وَلَيْسَ هَذَا بِالْمُنْتَظَرِ الَّذِي يَتَوَهَّمُ الرَّافِضَةُ وُجُودَهُ ثُمَّ ظُهُورَهُ مِنْ سِرْدَابِ سَامِرَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةً ولا جود بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ هُوَ مِنْ هَوَسِ الْعُقُولِ السَّخِيفَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُ فِيهِمُ الِاثْنَا عَشْرِيَّةِ مِنَ الرَّوَافِضِ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمُ انْتَهَى

قُلْتُ زَعَمَتِ الشِّيعَةُ خُصُوصًا الْإِمَامِيَّةَ مِنْهُمْ أَنَّ الْإِمَامَ الْحَقَّ بَعْدَ رسول الله عَلِيٌّ رضي الله عنه ثُمَّ ابْنُهُ الْحَسَنُ ثُمَّ أَخُوهُ الْحُسَيْنُ ثُمَّ ابْنُهُ عَلِيٌّ زَيْنُ الْعَابِدِينَ ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ ثُمَّ ابْنُهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ ثُمَّ ابْنُهُ مُوسَى الْكَاظِمُ ثُمَّ ابْنُهُ عَلِيٌّ الرِّضَا ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ التَّقِيُّ ثُمَّ ابْنُهُ عَلِيٌّ النَّقِيُّ ثُمَّ ابْنُهُ الْحَسَنُ الْعَسْكَرِيُّ ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ الْمَهْدِيُّ وَزَعَمُوا أَنَّهُ قَدِ اخْتَفَى خَوْفًا مِنْ أَعْدَائِهِ وَسَيَظْهَرُ فَيَمْلَأُ الدُّنْيَا قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا وَلَا امْتِنَاعَ فِي طُولِ عُمْرِهِ وَامْتِدَادِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ كَعِيسَى وَالْخَضِرِ

وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اخْتِفَاءَ الْإِمَامِ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ حُصُولِ الْأَغْرَاضِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ وُجُودِ الْإِمَامِ وَإِنَّ خَوْفَهُ مِنَ الْأَعْدَاءِ لَا يُوجِبُ الِاخْتِفَاءَ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ إِلَّا الِاسْمُ بَلْ غَايَةُ الأمران يُوجِبَ اخْتِفَاءَ دَعْوَى الْإِمَامَةِ كَمَا فِي حَقِّ آبَائِهِ الَّذِينَ كَانُوا ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَدَّعُونَ الْإِمَامَةَ وَأَيْضًا فَعِنْدَ فَسَادِ الزَّمَانِ وَاخْتِلَافِ الْآرَاءِ وَاسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ احْتِيَاجُ النَّاسِ إِلَى الْإِمَامِ أشد وَانْقِيَادُهُمْ لَهُ أَسْهَلُ كَذَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ

قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا زَعَمَتِ الشِّيعَةُ مِنْ أَنَّ الْمَهْدِيَّ الْمُبَشَّرَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ وَأَنَّهُ مُخْتَفٍ وَسَيَظْهَرُ هِيَ عَقِيدَةٌ بَاطِلَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ

وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا مَا زَعَمَ أَكْثَرُ الْعَوَامِّ وَبَعْضُ الْخَوَاصِّ فِي حَقِّ الْغَازِي الشَّهِيدِ الْإِمَامِ

ص: 247

الْأَمْجَدِ السَّيِّدِ أَحْمَدَ البريلوي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ الْمَوْعُودُ الْمُبَشَّرُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ وَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَشْهِدْ فِي مَعْرَكَةِ الْغَزْوِ بَلْ إِنَّهُ اخْتَفَى عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ مَوْجُودٌ فِي هَذَا الْعَالَمِ إِلَى الْآنَ حَتَّى أَفْرَطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إِنَّا لَقِينَاهُ فِي مَكَّةَ الْمُعَظَّمَةِ حَوْلَ الْمَطَافِ ثُمَّ غَابَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ سَيَعُودُ وَسَيَخْرُجُ بَعْدَ مُرُورِ الزَّمَانِ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ جورا وظلما وهذا غَلَطٌ وَبَاطِلٌ وَالْحَقُّ الصَّحِيحُ أَنَّ السَّيِّدَ الْإِمَامَ اسْتُشْهِدَ وَنَالَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَلَمْ يَخْتَفِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ قَطُّ وَالْحِكَايَاتُ الْمَرْوِيَّةُ فِي ذَلِكَ كُلُّهَا مَكْذُوبَةٌ مُخْتَرَعَةٌ وَمَا صَحَّ مِنْهَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ وَقَدْ طَالَ النِّزَاعُ قي أَمْرِ السَّيِّدِ الشَّهِيدِ مِنْ حَيَاتِهِ وَاخْتِفَائِهِ حَتَّى جَعَلُوهُ جُزْءَ الْعَقِيدَةِ وَيُجَادِلُونَ مَنْ يُنْكِرُهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى مِنْ صَنِيعِ هَؤُلَاءِ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ الْمُنْكَرَةِ الْوَاهِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قال المنذري بعد إخراج حديث الجابر ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ أَبَا خَالِدٍ سَعِيدًا وَالِدَ إِسْمَاعِيلَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعَ مِنْهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ وَقَوْلُهُ كُلَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مُسْنَدُ سَمُرَةَ بْنِ جُنَادَةَ وَقِيلَ سَمُرَةُ بْنُ عَمْرٍو السُّوَائِيُّ وَالِدُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِيهِ فَسَأَلْتُ الَّذِي يَلِينِي فَقَالَ كُلٌّ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَيْسَ فِيهِ قُلْتُ لِأَبِي وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ النَّمِرِيُّ سَمُرَةَ هَذَا وَقَالَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ حَدِيثًا وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ عن النبي يكون بعدي اثني عَشَرَ خَلِيفَةً كُلَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُهُ وَابْنُهُ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ صَاحِبٌ لَهُ رِوَايَةٌ انْتَهَى

[4280]

(عَزِيزًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عزيزا منيعا قال القارىء أَيْ قَوِيًّا شَدِيدًا أَوْ مُسْتَقِيمًا سَدِيدًا (وَضَجُّوا) أَيْ صَاحُوا وَالضَّجُّ الصِّيَاحُ عِنْدَ الْمَكْرُوهِ وَالْمَشَقَّةِ والجزع (ثم قال) أي رسول الله (كَلِمَةً خَفِيفَةً) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ خَفِيَّةً وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ (قُلْتُ لِأَبِي) أَيْ سَمُرَةَ رضي الله عنه (يَا أَبَتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَكَانَ فِي الْأَصْلِ يَا أَبِي فَأُبْدِلَتِ الْيَاءُ بِالتَّاءِ (مَا قَالَ) أي رسول الله (قَالَ) أَيْ أَبِي (كُلَّهُمْ) أَيْ كُلَّ الْخُلَفَاءِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

ص: 248

[4281]

(ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ (الْهَرْجُ) أَيْ الْفِتْنَةُ وَالْقِتَالُ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ

[4282]

(كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ) أَيْ كُلٌّ مِنْ عمر بن عبيد وأبو بَكْرٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزَائِدَةَ وَفِطْرٍ رَوَوْا عَنْ عاصم وهو بن بهدلة (عن زر) أي بن حُبَيْشٍ (قَالَ زَائِدَةُ) أَيْ وَحْدَهُ (مِنِّي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي

وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْمَهْدِيَّ مِنْ بَنِي الحسن أو من بني الحسين

قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ النِّسْبَتَيْنِ الْحَسَنَيْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ حَسَنِيٌّ وَمِنْ جَانِبِ الْأُمِّ حُسَيْنِيٌّ قِيَاسًا عَلَى مَا وَقَعَ فِي وَلَدَيْ إِبْرَاهِيمَ وَهُمَا إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيْثُ كَانَ أَنْبِيَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ وَإِنَّمَا نبئ من ذرية إسماعيل نبينا وَقَامَ مَقَامَ الْكُلِّ وَنِعْمَ الْعِوَضُ وَصَارَ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ فَكَذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَتْ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ وَأَكَابِرُ الْأُمَّةِ مِنْ أَوْلَادِ الْحُسَيْنِ فَنَاسَبَ أَنْ يَنْجَبِرَ الْحَسَنُ بِأَنْ أُعْطِيَ لَهُ وَلَدٌ يَكُونُ خَاتَمَ الْأَوْلِيَاءِ وَيَقُومُ مَقَامَ سَائِرِ الْأَصْفِيَاءِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ لَمَّا نَزَلَ الْحَسَنُ رضي الله عنه عَنِ الْخِلَافَةِ الصُّورِيَّةِ كَمَا وَرَدَ فِي مَنْقَبَتِهِ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ أُعْطِيَ لَهُ لِوَاءُ وِلَايَةِ الْمَرْتَبَةِ الْقُطْبِيَّةِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَتِهَا النِّسْبَةُ الْمَهْدَوِيَّةُ الْمُقَارِنَةُ لِلنُّبُوَّةِ الْعِيسَوِيَّةِ وَاتِّفَاقُهُمَا عَلَى إِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْمِلَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَسَيَأْتِي فِي حديث أبي إسحاق عن علي رضي الله عنه مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى

ص: 249

قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَأْتِي عَنْ قَرِيبٍ وَلَفْظُهُ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ فَقَالَ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سماه النبي وسيخرج من صلبه رجل الخ (يواطىء اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي) فَيَكُونُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ حَيْثُ يَقُولُونَ الْمَهْدِيُّ الْمَوْعُودُ هُوَ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ

(يَمْلَأُ الْأَرْضَ) اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ لِحَسَبِهِ كَمَا أَنَّ مَا قَبْلَهُ مُعَيِّنٌ لِنَسَبِهِ أَيْ يَمْلَأُ وَجْهَ الْأَرْضِ جَمِيعًا أَوْ أَرْضَ الْعَرَبِ وَمَا يَتْبَعُهَا وَالْمُرَادُ أَهْلُهَا (قِسْطًا) بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ (وَعَدْلًا) أَتَى بِهِمَا تَأْكِيدًا (كَمَا مُلِئَتْ) أَيِ الْأَرْضُ قَبْلَ ظُهُورِهِ (لَا تَذْهَبُ) أَيْ لَا تَفْنَى (أَوْ لَا تَنْقَضِي) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ خَصَّ الْعَرَبَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمُ الْأَصْلُ وَالْأَشْرَفُ انْتَهَى

وَقَالَ الطِّيبِيُّ لَمْ يَذْكُرِ الْعَجَمَ وَهُمْ مُرَادُونَ أَيْضًا لِأَنَّهُ إِذَا مَلَكَ الْعَرَبَ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ وَكَانُوا يَدًا وَاحِدَةً قَهَرُوا سَائِرَ الْأُمَمِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ انْتَهَى

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَأْتِي فِي هذا الباب

قال القارىء وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ الْعَرَبَ لِغَلَبَتِهِمْ فِي زَمَنِهِ أَوْ لِكَوْنِهِمْ أَشْرَفُ أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ وَمُرَادُهُ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى سرابيل تقيكم الحر أَيْ وَالْبَرْدَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ يُطِيعُونَهُ بِخِلَافِ الْعَجَمِ بِمَعْنَى ضِدُّ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُمْ خِلَافٌ في إطاعته والله تعالى أعلم انتهى

(يواطىء اسْمُهُ اسْمِي) أَيْ يُوَافِقُ وَيُطَابِقُ اسْمُهُ اسْمِي (لَفْظُ عُمَرَ وَأَبِي بَكْرٍ بِمَعْنَى سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ أَيْ لَفْظُ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي بَكْرٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ

قُلْتُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ والمنذري وبن الْقَيِّمِ وَقَالَ الْحَاكِمُ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَزَائِدَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ وَطُرُقُ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ إِذْ عَاصِمٌ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المسلمين انتهى

وعاصم هذا هو بن أَبِي النَّجُودِ وَاسْمُ أَبِي النَّجُودِ بَهْدَلَةُ أَحَدُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَأَنَا أَخْتَارُ قِرَاءَتَهُ

وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا وَأَبُو زُرْعَةَ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ عِنْدِي مَحَلُّ الصِّدْقِ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ الْحَافِظُ

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا سُوءُ الْحِفْظِ

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ

ص: 250

وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ

قَالَ الذَّهَبِيُّ ثَبْتٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ دُونَ الثَّبْتِ صَدُوقٌ يَهِمُ وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ

وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ بَهْدَلَةَ ثِقَةٌ عَلَى رَأْيِ أَحْمَدَ وَأَبِي زُرْعَةَ وَحَسَنُ الْحَدِيثِ صَالِحُ الِاحْتِجَاجِ عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا سُوءُ الْحِفْظِ فَرَدُّ الْحَدِيثِ بِعَاصِمٍ لَيْسَ مِنْ دَأْبِ الْمُنْصِفِينَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ جَاءَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عَاصِمٍ أَيْضًا فَارْتَفَعَتْ عَنْ عَاصِمٍ مَظِنَّةُ الْوَهْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[4283]

(حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ) بالتصغير (أخبرنا فطر) هو بن خليفة القرشي المخزومي وثقه أحمد وبن مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ (لَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلًا) هو المهدي (يملأها) أي الأرض

والحديث أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنِ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلِكُ جِبَالَ الدَّيْلَمِ وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَفِي الْقَامُوسِ الدَّيْلَمُ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ

وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ

قُلْتُ الْحَدِيثُ سَنَدُهُ حَسَنٌ قَوِيٌّ وَأَمَّا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكُوفِيُّ فَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ والنسائي والعجلي وبن سَعْدٍ وَالسَّاجِيُّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَيَكْفِي تَوْثِيقُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ لعدالته فلا يلتفت إلى قول بن يُونُسَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَالْجُوزَجَانِيِّ فِي تَضْعِيفِهِ بَلْ هُوَ قَوْلٌ مَرْدُودٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[4284]

(الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْعِتْرَةُ وَلَدُ الرَّجُلِ لِصُلْبِهِ وَقَدْ يَكُونُ الْعِتْرَةُ أَيْضًا الْأَقْرِبَاءُ وَبَنُو الْعُمُومَةِ وَمِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه يَوْمَ السَّقِيفَةِ نَحْنُ عِتْرَةُ رسول الله انْتَهَى

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ عِتْرَةُ الرَّجُلِ أَخَصُّ أقاربه وعترة النبي بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ قُرَيْشٌ وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُمُ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ انْتَهَى (مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ) ضُبِطَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ وَبِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ

قَالَ فِي الْمُجْتَمَعِ

بِضَمِّ وَاوٍ وَسُكُونِ لَامٍ جَمْعُ وَلَدٍ

وَفِي الْمِشْكَاةِ مِنْ أَوْلَادِ فَاطِمَةَ

قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ الْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَهْدِيَّ يَكُونُ بَعْدَ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ ذُرِّيَّةِ فَاطِمَةَ مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ لَا الْحُسَيْنِ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ

وَقَالَ السندي في حاشية بن ماجه قال بن كَثِيرٍ فَأَمَّا الْحَدِيثُ

ص: 251

الَّذِي أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَرْفُوعًا الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ عَمِّي فَإِنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ كَمَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ انْتَهَى

وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي إِسْنَادِهِ كَذَّابٌ (يَذْكُرُ مِنْهُ صَلَاحًا) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ لِعَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ أَيْ يَذْكُرُ أَبُو الْمَلِيحِ صَلَاحَهُ

قَالَ المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَهُوَ الرَّقِّيُّ وَسَمِعْتُ أَبَا الْمَلِيحِ يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ عُمَرَ الرَّقِّيَّ يُثْنِي عَلَى عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ وَيَذْكُرُ مِنْهُ صَلَاحًا

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ عَلِيُّ بْنُ نُفَيْلٍ جَدُّ النُّفَيْلِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ عَلِيُّ بْنُ نُفَيْلٍ حَرَّانِيٌّ هُوَ جَدُّ النُّفَيْلِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمَهْدِيِّ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ وَسَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي الْمَهْدِيِّ أَحَادِيثُ خِيَارٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ هَذَا اللَّفْظِ بِلَفْظِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ مُجْمَلًا هذا آخر كلامه

وفي إسناده هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا زِيَادُ بْنُ بَيَانٍ

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ زِيَادُ بْنُ بَيَانٍ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ النُّفَيْلِيَّ جَدَّ النُّفَيْلِيِّ في إسناده نظر

سمعت بن حَمَّادٍ يَذْكُرُهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَسَاقَ الْحَدِيثَ

وَقَالَ وَالْبُخَارِيُّ إِنَّمَا أَنْكَرَ مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ بَيَانٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِهِ

هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ وَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ كَلَامِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ بَيَانٍ وَهَمَ فِي رَفْعِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ

[4285]

(الْمَهْدِيُّ مِنِّي) أَيْ مِنْ نَسْلِي وَذُرِّيَّتِي (أَجْلَى الْجَبْهَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْجَلَا مَقْصُورًا انْحِسَارُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ مِنَ الشَّعْرِ أَوْ نِصْفِ الرَّأْسِ أَوْ هُوَ دُونَ الصَّلَعِ وَالنَّعْتُ أَجْلَى وَجَلْوَاءُ وَجَبْهَةٌ جَلْوَاءُ وَاسِعَةٌ وَكَذَلِكَ فِي الْقَامُوسِ فَمَعْنَى أَجْلَى الْجَبْهَةِ مُنْحَسِرُ الشَّعْرِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ أَوْ وَاسِعُ الْجَبْهَةِ قَالَ القارىء وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْمَقَامِ (أَقْنَى الْأَنْفِ) قَالَ فِي النهاية القنافي الْأَنْفِ طُولُهُ وَدِقَّةُ أَرْنَبَتِهِ مَعَ حَدَبٍ فِي وَسَطِهِ يُقَالُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ قَنْوَاءُ انْتَهَى

قُلْتُ للأرنبة طرف الأنف والحدب الارتفاع

قال القارىء وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَفْطَسَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهُ الْهَيْئَةِ

(وَيَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ زَادَ فِي رِوَايَةٍ أَوْ تِسْعَ وَفِي أُخْرَى يَمُدُّهُ اللَّهُ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عِمْرَانُ الْقَطَّانُ وَهُوَ أَبُو الْعَوَّامِ عِمْرَانُ بْنُ دَاوَرٍ

ص: 252

الْقَطَّانُ الْبَصْرِيُّ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ عَفَّانُ بن مسلم وأحسن عليه الثناء بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى

وَفِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ أَحْمَدُ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَالِحَ الْحَدِيثِ انْتَهَى

[4286]

(يَكُونُ) أَيْ يَقَعُ (اخْتِلَافٌ) أَيْ فِي مَا بَيْنَ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ (عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ) أَيْ حُكْمِيَّةٍ وَهِيَ الْحُكُومَةُ السُّلْطَانِيَّةُ بِالْغَلَبَةِ التَّسْلِيطِيَّةِ (فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) أَيْ كَرَاهِيَةً لِأَخْذِ مَنْصِبِ الْإِمَارَةِ أَوْ خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ الْوَاقِعَةِ فِيهَا وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْمُعَطَّرَةُ أَوِ الْمَدِينَةُ الَّتِي فِيهَا الْخَلِيفَةُ (هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ) لِأَنَّهَا مَأْمَنُ كُلِّ مَنِ الْتَجَأَ إِلَيْهَا وَمَعْبَدُ كُلِّ مَنْ سَكَنَ فِيهَا قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَهُوَ الْمَهْدِيُّ بِدَلِيلِ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ الْمَهْدِيِّ (فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ) أَيْ بَعْدَ ظُهُورِ أَمْرِهِ وَمَعْرِفَةِ نُورِ قَدْرِهِ (فَيُخْرِجُونَهُ) أَيْ مِنْ بَيْتِهِ (وَهُوَ كَارِهٌ) إِمَّا بَلِيَّةَ الْإِمَارَةِ وَإِمَّا خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ (بَيْنَ الرُّكْنِ) أَيِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (وَالْمَقَامِ) أَيْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام (وَيُبْعَثُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُرْسَلُ إِلَى حَرْبِهِ وَقِتَالِهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ سَيِّدِ الْأَنَامِ وَأَقَامَ فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ (بَعْثٌ) أَيْ جَيْشٌ (مِنَ الشَّامِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ (بِهِمْ) أَيْ بِالْجَيْشِ (بِالْبَيْدَاءِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رحمه الله هِيَ أَرْضٌ مَلْسَاءُ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ

وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ اسْمُ مَوْضِعٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا يُرَادُ بِهَا (فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ وَمَا جُعِلَ لِلْمَهْدِيِّ مِنَ الْعَلَامَةِ (أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ) جَمْعُ بَدَلٍ بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُمُ الْأَوْلِيَاءُ وَالْعُبَّادُ الْوَاحِدُ بَدَلٌ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كلما مات منهم واحدا بدل بِآخَرَ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ لَمْ يَرِدْ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ ذِكْرُ الْأَبْدَالِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ وَوَرَدَ فِيهِمْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ خَارِجَ السِّتَّةِ جَمَعْتُهَا فِي مُؤَلَّفٍ انتهى

قلت إنا نذكر ها هنا بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي شَأْنِ الْأَبْدَالِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا الْأَبْدَالِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثُونَ رَجُلًا قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ رَجُلًا أَوْرَدَهُ

ص: 253

السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ الْعَزِيزِيُّ وَالْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْأَبْدَالُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ بِهِمْ تَقُومُ الْأَرْضُ وَبِهِمْ تُمْطَرُونَ وَبِهِمْ تُنْصَرُونَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ أَوْرَدَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ الْعَزِيزِيُّ وَالْمُنَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَبْدَالُ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَبِهِمْ يُنْصَرُونَ وَبِهِمْ يُرْزَقُونَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ أَوْرَدَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ قَالَ الْعَزِيزِيُّ وَالْمُنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه الْأَبْدَالُ بِالشَّامِ وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ رَجُلًا يُسْقَى بِهِمُ الْغَيْثُ وَيُنْتَصَرُ بِهِمْ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَيُصْرَفُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ بِهِمُ الْعَذَابُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْعَزِيزِيُّ وَالْمُنَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْمُنَاوِيُّ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْحَكِيمِ لَمْ يَسْبِقُوا النَّاسَ بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا تَسْبِيحٍ وَلَكِنْ بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَصِدْقِ الْوَرَعِ وَحُسْنِ النِّيَّةِ وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ وَقَالَ لَا يُنَافِي خَبَرُ الْأَرْبَعِينَ خَبَرَ الثَّلَاثِينَ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَثَلَاثُونَ عَلَى قَلْبِ إِبْرَاهِيمَ وَعَشَرَةٌ لَيْسُوا كَذَلِكَ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي حلية الأولياء بإسناده عن بن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ خِيَارُ أُمَّتِي فِي كُلِّ قَرْنٍ خَمْسُ مِائَةٍ وَالْأَبْدَالُ أَرْبَعُونَ فَلَا الْخَمْسُ مِائَةٍ يَنْقُصُونَ وَلَا الْأَرْبَعُونَ كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ عز وجل مِنَ الْخَمْسِ مِائَةٍ مَكَانَهُ وَأُدْخِلَ فِي الْأَرْبَعِينَ وَكَأَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنَا عَلَى أَعْمَالِهِمْ قَالَ يَعْفُونَ عَمَّنْ ظَلَمَهُمْ وَيُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ وَيَتَوَاسَوْنَ فِي مَا اتاهم الله عز وجل أورده القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَمَامَ إِسْنَادِهِ

وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا فِي وَجْهِ تَسْمِيَةِ الْأَبْدَالِ وُجُوهًا مُتَعَدِّدَةً وَمَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ وَجْهِ التَّسْمِيَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ

(وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ) أَيْ خِيَارُهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ عُصْبَةُ الْقَوْمِ خيارهم قاله القارىء

وقَالَ فِي النِّهَايَةِ جَمْعُ عِصَابَةٍ وَهُمُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْأَرْبَعِينَ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه الْأَبْدَالُ بِالشَّامِ وَالنُّجَبَاءُ بِمِصْرَ وَالْعَصَائِبُ بِالْعِرَاقِ أَرَادَ أَنَّ التَّجَمُّعَ لِلْحُرُوبِ يَكُونُ بِالْعِرَاقِ وَقِيلَ أَرَادَ جَمَاعَةً مِنَ الزُّهَّادِ وَسَمَّاهُمْ بِالْعَصَائِبِ لِأَنَّهُ قَرَنَهُمْ بِالْأَبْدَالِ وَالنُّجَبَاءِ انْتَهَى

وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَبْدَالَ وَالْعَصَائِبَ يَأْتُونَ الْمَهْدِيَّ (ثُمَّ يَنْشَأُ) أَيْ يَظْهَرُ (رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ) هَذَا هُوَ الَّذِي يُخَالِفُ الْمَهْدِيَّ (أَخْوَالُهُ) أَيْ أَخْوَالُ الرَّجُلِ الْقُرَشِيِّ (كَلْبٌ) فَتَكُونُ أُمُّهُ كَلْبِيَّةً قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رحمه الله يُرِيدُ أَنَّ أُمَّ الْقُرَشِيِّ تَكُونُ كَلْبِيَّةً فَيُنَازِعُ الْمَهْدِيَّ فِي أَمْرِهِ وَيَسْتَعِينُ عَلَيْهِ بِأَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي كَلْبٍ (فَيَبْعَثُ) أَيْ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْقُرَشِيُّ الْكَلْبِيُّ (إِلَيْهِمْ) أَيِ الْمُبَايِعِينَ لِلْمَهْدِيِّ (بَعْثًا) أَيْ جَيْشًا (فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ) أَيْ فَيَغْلِبُ الْمُبَايِعُونَ عَلَى الْبَعْثِ الَّذِي بَعَثَهُ الرَّجُلُ الْقُرَشِيُّ الْكَلْبِيُّ (وَذَلِكَ) أَيِ الْبَعْثُ (بَعْثُ كَلْبٍ) أَيْ جيش كلب باعثه هوى نفس

ص: 254

الْكَلْبِيِّ (وَيَعْمَلُ) أَيِ الْمَهْدِيُّ (فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نبيهم) فَيَصِيرُ جَمِيعُ النَّاسِ عَامِلِينَ بِالْحَدِيثِ وَمُتَّبِعِيهِ (وَيُلْقِي) مِنَ الْإِلْقَاءِ (الْإِسْلَامَ بِجِرَانِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ ثُمَّ رَاءٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ ثُمَّ نُونٌ هُوَ مُقَدَّمُ الْعُنُقِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْجِرَانُ بَاطِنُ الْعُنُقِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَتَّى ضَرَبَ الْحَقُّ بِجِرَانِهِ أَيْ قَرَّ قَرَارَهُ وَاسْتَقَامَ كَمَا أَنَّ الْبَعِيرَ إِذَا بَرَكَ وَاسْتَرَاحَ مَدَّ عُنُقَهُ عَلَى الْأَرْضِ انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامٍ يَعْنِي الدَّسْتُوَائِيَّ تِسْعَ سِنِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَبْعَ سِنِينَ وذكره أيضا من حديث همام وهو بن يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ وَقَالَ سَبْعَ سِنِينَ

وَالرَّجُلُ الذي لم يسم سُمِّيَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَرَفَعَ الْحَدِيثَ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ

[4288]

(عَنْ أَبِي خَلِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَبُو الْعَوَّامِ وَهُوَ عِمْرَانُ بْنُ دَاوَرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ

وَأَبُو الْخَلِيلِ هُوَ صَالِحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الضُّبَعِيُّ الْبَصْرِيُّ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ آخِرُ الحروف ساكنة ولام انتهى

قال بن خَلْدُونَ خَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ صَاحِبِ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ثُمَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ الْمُبْهَمُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ لَا مَطْعَنَ فِيهِمْ وَلَا مَغْمَزَ

وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ وَقَتَادَةُ مُدَلِّسٌ وَقَدْ عَنْعَنَهُ وَالْمُدَلِّسُ لَا يُقْبَلُ مِنْ حَدِيثِهِ إِلَّا مَا صَرَّحَ فِيهِ بِالسَّمَاعِ مَعَ أَنَّ الحديث ليس فيه تصريح بذكر الْمَهْدِيِّ

نَعَمْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي أَبْوَابِهِ انْتَهَى

قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ يَعْلَمُ تَدْلِيسَ قَتَادَةَ بَلْ هُوَ أَعْرَفُ بِهَذِهِ القاعدة

ص: 255

من بن خَلْدُونَ وَمَعَ ذَلِكَ سَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ وبن القيم ولم يَتَكَلَّمُوا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَعُلِمَ أَنَّ عِنْدَهُمْ عِلْمًا بِثُبُوتِ سَمَاعِ قَتَادَةَ مِنْ أَبِي الْخَلِيلِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[4289]

(بِقِصَّةِ جَيْشِ الْخَسْفِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْقِبْطِيَّةِ قَالَ دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلَاهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ بن الزبير فقالت قال رسول الله يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا إِلَخْ (كَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا) أَيْ غَيْرَ رَاضٍ كَأَنْ يَكُونُ مُكْرَهًا أَوْ سَالِكَ الطَّرِيقِ مَعَهُمْ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ رَاضِيًا بِمَا قَصَدُوا (قَالَ يُخْسَفُ بِهِمْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ الناس قال نعم فيهم المستبصر والمجبور وبن السَّبِيلِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا الْمُسْتَبْصِرُ فَهُوَ الْمُسْتَبِينُ لِذَلِكَ الْقَاصِدُ لَهُ عَمْدًا وأما المجبور فهو المكره وأما بن السَّبِيلِ فَالْمُرَادُ بِهِ سَالِكُ الطَّرِيقِ مَعَهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ (وَلَكِنْ يُبْعَثُ) أَيِ الْكَارِهُ (عَلَى نِيَّتِهِ) فَيُجَازَى عَلَى حَسْبِهَا

وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ

قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ يَقَعُ الْهَلَاكُ فِي الدُّنْيَا عَلَى جَمِيعِهِمْ وَيَصْدُرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ

قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ يَقَعُ الْهَلَاكُ فِي الدُّنْيَا عَلَى جَمِيعِهِمْ وَيَصْدُرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَصَادِرَ شَتَّى أَيْ يُبْعَثُونَ مُخْتَلِفِينَ عَلَى قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ فَيُجَازَوْنَ بِحَسْبِهَا

قَالَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُمْ فِي ظَاهِرِ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

[4290]

(وَحُدِّثْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إِنَّ ابْنِي هَذَا) إِشَارَةٌ إِلَى تَخْصِيصِ الْحَسَنِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْحُسَيْنُ أَوِ الْحَسَنُ (كَمَا سماه النبي) أَيْ بِقَوْلِهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ الله أن

ص: 256

يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (مِنْ صُلْبِهِ) أَيْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ (يُشْبِهُهُ فِي الخلق) بضم الخاء واللام وتكن (وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ يُشْبِهُهُ فِي السِّيرَةِ وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الصُّورَةِ

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ الْمَهْدِيَّ مِنْ أَوْلَادِ الْحَسَنِ وَيَكُونُ لَهُ انْتِسَابٌ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ إِلَى الْحُسَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ الشِّيعَةِ إِنَّ الْمَهْدِيَّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ فإنه حسيني بالاتفاق

قاله القارىء

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا مُنْقَطِعٌ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبَيْعِيُّ رَأَى عَلِيًّا عليه السلام رُؤْيَةً

(عَنْ أَبِي الْحَسَنِ) هَكَذَا فِي نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حديث يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ حَرَّاثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَهْدِيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ غير مشهور عن علي

انتهى

تَفَرَّدَ بِهِ مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ

انْتَهَى

وَفِي الْخُلَاصَةِ هِلَالُ بْنُ عَمْرٍو الْكُوفِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ شَيْخٌ لِمُطَرِّفٍ مَجْهُولٌ

انْتَهَى

وقال بن خَلْدُونَ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي هَارُونَ هُوَ مِنْ وَلَدِ الشِّيعَةِ

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي حَدِيثِهِ خَطَأٌ

وَقَالَ الذَّهَبِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وَأَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبَيْعِيُّ فَرِوَايَتُهُ عَنْ عَلِيٍّ مُنْقَطِعَةٌ

وَأَمَّا السَّنَدُ الثَّانِي فَأَبُو الْحَسَنِ فِيهِ وَهِلَالُ بْنُ عَمْرٍو مَجْهُولَانِ وَلَمْ يُعْرَفْ أَبُو الْحَسَنِ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْهُ

انتهى كلام بن خَلْدُونَ

وَأَمَّا فِي سَائِرِ النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ فَفِيهِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَمْرٍو

وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(يَخْرُجُ رَجُلٌ) أَيْ صَالِحٌ (مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ) أَيْ مِمَّا وَرَاءَهُ مِنَ الْبُلْدَانِ كَبُخَارَى وسمرقند

ص: 257

وَنَحْوِهِمَا (يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ) اسْمٌ لَهُ وَقَوْلُهُ (حَرَّاثٌ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ صِفَةٌ لَهُ أَيْ زَرَّاعٌ

هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحَارِثُ بْنُ حَرَّاثٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (عَلَى مُقَدِّمَتِهِ) أَيْ عَلَى مُقَدِّمَةِ جَيْشِهِ (يُقَالُ له منصور) الظاهر أنه اسم له (يوطىء أَوْ يُمَكِّنُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي الْأَوَّلُ مِنِ التوطئة والثاني من التمكين

قال القارىء أو هي بمعنى الواو أي يهيىء الْأَسْبَابَ بِأَمْوَالِهِ وَخَزَائِنِهِ وَسِلَاحِهِ وَيُمَكِّنُ أَمْرَ الْخِلَافَةِ ويقويها ويساعده بكسره (لِآلِ مُحَمَّدٍ) أَيْ لِذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ عُمُومًا وَلِلْمَهْدِيِّ خُصُوصًا أَوْ لِآلِ مُقْحَمٍ وَالْمَعْنَى لِمُحَمَّدٍ المهدي

قاله القارىء

قُلْتُ كَوْنُ لَفْظِ الْآلِ مُقْحَمًا غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلِ الظَّاهِرُ هُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِآلِ مُحَمَّدٍ ذريته وأهل بيته

وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ أَيْ يَجْعَلُهُمْ فِي الْأَرْضِ مَكَانًا وَبَسْطًا فِي الْأَمْوَالِ وَنُصْرَةً عَلَى الأعداء (كما مكنت قريش لرسول الله) قال القارىء وَالْمُرَادُ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَدَخَلَ فِي التَّمْكِينِ أَبُو طَالِبٍ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُؤْمِنْ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ

وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ أَيْ فِي آخِرِ الْأَمْرِ وَكَذَا قَالَ الطِّيبِيُّ (وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ نَصْرُهُ) أَيْ نَصْرُ الْحَارِثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ نَصْرُ الْمَنْصُورِ وَهُوَ الْأَبْلَغُ أَوْ نَصْرُ مَنْ ذُكِرَ مِنْهُمَا أَوْ نَصْرُ الْمَهْدِيِّ بِقَرِينِةِ الْمَقَامِ إِذْ وُجُوبُ نَصْرِهِمَا عَلَى أَهْلِ بِلَادِهِمَا وَمَنْ يَمُرُّ بِهِمَا لِكَوْنِهِمَا مِنْ أَنْصَارِ الْمَهْدِيِّ (أَوْ قَالَ إِجَابَتُهُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي

وَالْمَعْنَى قَبُولُ دَعْوَتِهِ وَالْقِيَامُ بِنُصْرَتِهِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ قَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُدَ قَالَ هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ هِلَالُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ عَنْ عَلِيٍّ انْتَهَى

ص: 258