الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتهى
وقال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ مُتَّحِدَةٌ وَالرِّوَايَةَ مُتَعَدِّدَةٌ فَالْمَعْنَى عَنْ كَنْزٍ عَظِيمٍ مِقْدَارَ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا غَيْرَ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ الْجَبَلُ مَعْدِنًا مِنْ ذَهَبٍ انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْفِتَنِ وَمُسْلِمٌ فِيهِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَلَاحِمِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى
4 -
(بَاب خُرُوجِ الدَّجَّالِ)
هُوَ فَعَّالٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ الدَّجْلِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ وَسُمِّيَ الْكَذَّابُ دَجَّالًا لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بباطله
وقال بن دُرَيْدَ سُمِّيَ دَجَّالًا لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بِالْكَذِبِ وَقِيلَ لِضَرْبِهِ نَوَاحِيَ الْأَرْضِ يُقَالُ دَجَلَ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقِيلَ بَلْ قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْأَرْضَ فَرَجَعَ إِلَى الْأَوَّلِ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ اخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهِ دَجَّالًا عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ
[4315]
عَنْ رِبْعِيٍّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ اسْمٌ بِلَفْظِ النَّسَبِ (بْنِ حِرَاشٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ معجمة (اجتمع حذيفة) هو بن الْيَمَانِ (وَأَبُو مَسْعُودٍ) أَيِ الْأَنْصَارِيُّ (لِأَنَّا بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ أَعْلَمُ مِنْهُ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلدَّجَّالِ فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّجَّالَ لَا يَعْلَمُ بَاطِنَ أَمْرِ الْمَاءِ وَالنَّارِ كَمَا يَعْلَمُ حُذَيْفَةُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِأَبِي مَسْعُودٍ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ مَا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَيْضًا سَمِعَ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قُلْتُ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ هَذِهِ أَنَّ جُمْلَةَ لِأَنَّا بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ أَعْلَمُ مِنْهُ مَقُولَةُ حُذَيْفَةَ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَلَكِنْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله لِأَنَّا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مَقُولَةُ رسول الله فَعَلَى هَذَا لَا يَتَمَشَّى الِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ بَلِ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ فَتَفَكَّرْ (إِنَّ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الدَّجَّالِ (فَالَّذِي تَرَوْنَ أَنَّهُ نَارٌ مَاءٌ إِلَخْ) وَفِي حَدِيثِ سَفِينَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مَعَهُ وَادِيَانِ أَحَدُهُمَا جَنَّةٌ وَالْآخَرُ نَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأنه يجي مَعَهُ مِثْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي هَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلَافِ الْمَرْئِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّائِي فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالُ سَاحِرًا
فَيُخَيِّلُ الشَّيْءَ بِصُورَةِ عَكْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ بَاطِنَ الْجَنَّةِ الَّتِي يُسَخِّرُهَا الدَّجَّالُ نَارًا وَبَاطِنَ النَّارِ جَنَّةً وَهَذَا الرَّاجِحُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنِ النِّعْمَةِ وَالرَّحْمَةِ بِالْجَنَّةِ وَعَنِ الْمِحْنَةِ وَالنِّقْمَةِ بِالنَّارِ فَمَنْ أَطَاعَهُ فَأَنْعَمَ عليه بجنته يؤول أَمْرُهُ إِلَى دُخُولِ نَارِ الْآخِرَةِ وَبِالْعَكْسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمِحْنَةِ وَالْفِتْنَةِ فَيَرَى النَّاظِرُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ دَهْشَتِهِ النَّارَ فَيَظُنُّهَا جَنَّةً وَبِالْعَكْسِ
انْتَهَى (فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ) أَيِ الدَّجَّالَ أَوْ مَا ذُكِرَ مِنْ تَلْبِيسِهِ (سَيَجِدُهُ مَاءً) أَيْ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ بِالْقَلْبِ أَوْ بِحَسَبِ الْمَآلِ
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْحَالِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
[4316]
مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ) أَيْ خَوَّفَهُمْ بِهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ بَعْدَ نُوحٍ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ أُمَّتَهُ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عن بن عُمَرَ
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ إِنْذَارُ نُوحٍ قَوْمَهُ بِالدَّجَّالِ مَعَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ ثَبَتَتْ أَنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَ أُمُورٍ ذُكِرَتْ وَأَنَّ عِيسَى يَقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ يَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ فَيَحْكُمُ بِالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ وَقْتَ خُرُوجِهِ أَخْفَى عَلَى نُوحٍ وَمَنْ بَعْدَهُ فَكَأَنَّهُمْ أُنْذِرُوا بِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُمْ وَقْتَ خُرُوجِهِ فَحَذَّرُوا قَوْمَهُمْ مِنْ فتنته ويؤيده قوله فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَّ لَهُ وَقْتُ خُرُوجِهِ وَعَلَامَاتِهِ فَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَالَهُ وَوَقْتَ خُرُوجِهِ فَأُخْبِرَ بِهِ فَبِذَلِكَ تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ
انْتَهَى (أَلَا) حَرْفُ التَّنْبِيهِ (وَإِنَّهُ) أَيِ الدَّجَّالَ (أَعْوَرٌ وَإِنَّ رَبّكَمْ تَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرٍ) إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ أَدِلَّةَ الْحُدُوثِ فِي الدَّجَّالِ ظَاهِرَةٌ لِكَوْنِ الْعَوَرِ أَثَرٌ مَحْسُوسٌ يُدْرِكُهُ الْعَالِمُ وَالْعَامِّيُّ وَمَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَى الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِذَا ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَهُوَ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ وَالْإِلَهُ يَتَعَالَى عَنِ النَّقْصِ عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ
ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ (وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَكْتُوبًا بِالنَّصْبِ وَفِي بعض نسخ البخاري الذي شرح الحافظ بن حَجَرٍ عَلَيْهِ وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ
قَالَ الْحَافِظُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْجُمْهُورِ مَكْتُوبًا وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِمَّا اسْمُ إِنَّ وَإِمَّا حَالٌ وَتَوْجِيهُ الْأَوَّلِ
أَنَّهُ حُذِفَ اسْمُ إِنَّ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ وَالِاسْمُ الْمَحْذُوفُ إِمَّا ضَمِيرُ الشَّأْنِ أَوْ يَعُودُ عَلَى الدَّجَّالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَافِرٌ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
[4318]
فِي هَذَا الْحَدِيثِ) أَيِ السَّابِقِ (يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ بن مَاجَهْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ قَالَ الْحَافِظُ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِدْرَاكَ فِي الْبَصَرِ يَخْلُقُهُ اللَّهُ لِلْعَبْدِ كَيْفَ شَاءَ وَمَتَى شَاءَ فهذا يراه المؤمن بغير بصره وإن كَانَ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَرَاهُ الْكَافِرُ وَلَوْ كَانَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ كَمَا يَرَى الْمُؤْمِنُ الْأَدِلَّةَ بِغَيْرِ (بِعَيْنِ) بَصِيرَتِهِ وَلَا يَرَاهَا الْكَافِرُ فَيَخْلُقُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ الْإِدْرَاكَ دُونَ تَعَلُّمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ تَنْخَرِقُ فِيهِ الْعَادَاتُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْكِتَابَةَ الْمَذْكُورَةَ حَقِيقَةً جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَامَةً قَاطِعَةً بِكَذِبِ الدَّجَّالِ فَيُظْهِرُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ عَلَيْهَا وَيُخْفِيهَا عَلَى مَنْ أَرَادَ شَقَاوَتَهُ
وَحَكَى عِيَاضٌ خِلَافًا وَأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ هِيَ مَجَازٌ عَنْ سِمَةِ الْحُدُوثِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ أَنْ لَا تَكُونَ الْكِتَابَةُ حَقِيقَةً بَلْ يُقَدِّرُ اللَّهَ عَلَى غَيْرِ الْكَاتِبِ عِلْمَ الْإِدْرَاكِ فَيَقْرَأُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَقَ لَهُ مَعْرِفَةُ الْكِتَابِ وَكَانَ السِّرُّ اللَّطِيفُ فِي أَنَّ الْكَاتِبَ وَغَيْرَ الْكَاتِبِ يَقْرَأُ ذَلِكَ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كَوْنَهُ أَعْوَرُ يُدْرِكُهُ كُلُّ مَنْ رَآهُ
فَاللَّهُ أَعْلَمُ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْحَبْحَابُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ أَيْضًا مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ بَاءٌ بِوَاحِدَةٍ
[4319]
عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وسكون الهاء والمد اسمه قِرْفَةُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ بَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَالَهُ الْحَافِظُ (مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ) أَيْ بِخُرُوجِهِ وَظُهُورِهِ (فَلْيَنْأَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَمْرٌ غَائِبٌ مِنْ نَأَى يَنْأَى حُذِفَ الْأَلِفُ لِلْجَزْمِ أَيْ فَلْيَبْعُدْ (عَنْهُ) أَيْ مِنَ الدَّجَّالِ (وَهُوَ) أَيِ الرَّجُلُ (يَحْسِبُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا أَيْ يَظُنُّ (أنه
أَيِ الرَّجُلَ بِنَفْسِهِ (فَيَتْبَعُهُ) بِالتَّخْفِيفِ وَيُشَدَّدُ أَيْ فَيُطِيعُ الدَّجَّالَ (مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيُفْتَحُ أَيْ مِنْ أَجْلِ مَا يُثِيرُهُ وَيُبَاشِرُهُ (مِنَ الشُّبُهَاتِ) أَيِ الْمُشْكِلَاتِ كَالسِّحْرِ وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَصِيرُ تَابِعُهُ كَافِرًا وَهُوَ لَا يَدْرِي (أَوْ لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (هَكَذَا قَالَ) هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَيْ هَكَذَا قَالَ شَيْخِي عَلَى الشَّكِّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ هَكَذَا قَالَ نَعَمْ أَيْ هَلْ قَالَ شَيْخُكَ هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ فَقَالَ نَعَمْ هَكَذَا قَالَ شَيْخِي عَلَى الشَّكِّ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[4320]
حَدَّثَنِي بَحِيرٌ) بكسر المهملة بن سَعِيدٍ السُّحُولِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (عَنْ جُنَادَةَ) بِضَمِّ أوله ثم نون بن أَبِي أُمَيَّةَ الْأَزْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيُّ يُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ كَثِيرٌ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ فَقَالَ الْعِجْلِيُّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا اثْنَانِ صَحَابِيٌّ وَتَابِعِيٌّ مُتَّفِقَانِ فِي الِاسْمِ وَكُنْيَةِ الْأَبِ ورواية جنادة الأزدي عن النبي فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَرِوَايَةُ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ
كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لَا تَعْقِلُوا) أَيْ لَا تَفْهَمُوا مَا حَدَّثْتُكُمْ فِي شَأْنِ الدَّجَّالِ أَوْ تَنْسَوْهُ لِكَثْرَةِ مَا قُلْتُ فِي حَقِّهِ
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله حَتَّى غَايَةُ حَدَّثْتُكُمْ أَيْ حَدَّثْتُكُمْ أَحَادِيثَ شَتَّى حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكُمُ الْأَمْرُ فَلَا تَعْقِلُوهُ فَاعْقِلُوهُ
وَقَوْلُهُ (إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ) أَيْ بِكَسْرِ إِنَّ اسْتِئْنَافٌ وَقَعَ تَأْكِيدًا لِمَا عَسَى أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْهِمُ انْتَهَى
وَقِيلَ خَشِيتُ بِمَعْنَى رجوت وكلمة لا زائدة ذكره القارىء (قَصِيرٌ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى قِصَرِ قَامَةِ الدَّجَّالِ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي شَأْنِ الدَّجَّالِ أَنَّهُ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ
وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَصِيرًا بَطِينًا عظيم الخلقة
قال القارىء وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَوْنِهِ كَثِيرَ الْفِتْنَةِ أَوِ الْعَظَمَةُ مَصْرُوفَةٌ إِلَى الْهَيْبَةِ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُغَيِّرُهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ (أَفْحَجُ) بِفَاءٍ فَحَاءٍ فَجِيمٍ كَأَسْوَدَ هُوَ الَّذِي إِذَا مَشَى بَاعَدَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ كَالْمُخْتَتَنِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ عُيُوبِهِ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ (جَعْدٌ) بِفَتْحِ جِيمٍ فَسُكُونِ عَيْنٍ وَهُوَ مِنَ الشَّعْرِ خِلَافُ السَّبْطِ أَوِ الْقَصِيرِ مِنْهُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (أَعْوَرُ) أَيْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ (مَطْمُوسُ الْعَيْنِ) أَيْ مَمْسُوحُهَا بالنظر إلى
الْأُخْرَى
قَالَ فِي النِّهَايَةِ إِنَّ الدَّجَّالَ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ أَيْ مَمْسُوحُهَا مِنْ غَيْرِ بَخَصٍ وَالطَّمْسُ اسْتِئْصَالُ أَثَرِ الشَّيْءِ وَالدَّجَّالُ سُمِّيَ بِالْمَسِيحِ لِأَنَّ عَيْنَهُ الْوَاحِدَةَ مَمْسُوحَةٌ وَيُقَالُ رَجُلٌ مَمْسُوحُ الْوَجْهِ وَمَسِيحٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى عَلَى أَحَدِ شِقَّيْ وَجْهِهِ عَيْنٌ وَلَا حَاجِبٌ إِلَّا اسْتَوَى انتهى
وفي المصباح قال بن فَارِسٍ الْمَسِيحُ الَّذِي مُسِحَ أَحَدُ شِقَّيْ وَجْهِهِ وَلَا عَيْنَ وَلَا حَاجِبَ وَسُمِّيَ الدَّجَّالُ مَسِيحًا لِأَنَّهُ كَذَلِكَ انْتَهَى
وَبِالْفَارِسِيَّةِ كور مَحْو كرده شده جشم وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله قال قال رسول الله إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ إِنَّ اللَّهَ ليس بأعور وإن الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ (لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ) أَيْ مُرْتَفِعَةٍ فَاعِلَةٍ مِنِ النُّتُوءِ (وَلَا جَحْرَاءَ) بِفَتْحِ جِيمٍ وَسُكُونِ حَاءٍ أَيْ وَلَا غَائِرَةٍ وَالْجُمْلَةُ الْمَنْفِيَّةُ مُؤَكِّدَةٌ لِإِثْبَاتِ الْعَيْنِ الْمَمْسُوحَةِ وَهِيَ لَا تُنَافِي أَنَّ الْأُخْرَى نَاتِئَةٌ بَارِزَةٌ كَنُتُوءِ حَبَّةِ الْعِنَبِ قَالَهُ القارىء وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا جَخْرَاءَ بِجِيمٍ فَخَاءٍ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ هِيَ الضَّيِّقَةُ ذَاتُ غَمَصٍ وَرَمَصٍ وَامْرَأَتُهُ جَخْرَاءُ إِذَا لَمْ تَكُنْ نَظِيفَةَ الْمَكَانِ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْجِيمِ مَعَ الْحَاءِ وَلَا جَحْرَاءَ أَيْ غَائِرَةٍ مُنْجَحِرَةٍ فِي نُقْرَتِهَا
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ بِالْخَاءِ وَأَنْكَرَ الْحَاءَ انْتَهَى (فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إِنِ اشْتَبَهَ عَلَيْكُمْ أَمْرُ الدَّجَّالِ بِنِسْيَانِ مَا بَيَّنْتُ لَكُمْ مِنَ الْحَالِ أَوْ إِنْ لُبِسَ عَلَيْكُمْ أَمْرُهُ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْأُلُوهِيَّةِ بالأمور الخارقة عن العادة قاله القارىء
قُلْتُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنِ الْتَبَسَ
وَهَذَا يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ مِنَ الِاحْتِمَالَيْنِ الَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا القارىء بَلْ يُعَيِّنُهُ (فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ) أَيْ أَقَلَّ مَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ هُوَ التَّنْزِيهُ عَنِ الْحُدُوثِ وَالْعُيُوبِ لَا سِيَّمَا النَّقَائِصُ الظَّاهِرَةُ الْمَرْئِيَّةُ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ وَلِيَ الْقَضَاءَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيُّ الدِّمَشْقِيُّ أَحَدُ زُهَّادِ الشَّامِ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ عَابِدٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ
أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُمَرَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى هَدْي رَسُولِ الله فلينظر إلى هدي عمر بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَفِيهِ مَقَالٌ
[4321]
صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ حُجَّةٌ (أخبرنا الوليد) بن مسلم الدمشقي عالم الشام وثقه بن مُسْهِرٍ وَالْعِجْلِيُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ وَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ (أخبرنا بن جَابِرٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ الدِّمَشْقِيُّ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ وبن دَاوُدَ (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ) وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَدُحَيْمٌ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ (عن عبد
الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ نُفَيْرٍ) الْحَضْرَمِيِّ الشَّامِيِّ وثقه أبو زرعة والنسائي وبن سَعْدٍ (عَنْ أَبِيهِ) جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الشَّامِيِّ مُخَضْرَمٌ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَهَذَا لَفْظُهُ حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ قَاضِي حِمْصَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سِمْعَانَ الْكِلَابِيَّ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّاعِدِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ (عَنِ النَّوَّاسِ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ (بن سِمْعَانَ) بِكَسْرِ السِّينِ وَتُفْتَحُ (إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ) أَيْ مَوْجُودٌ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَرْضًا وَتَقْدِيرًا (فَأَنَا حَجِيجُهُ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ مِنَ الْحُجَّةِ وَهِيَ الْبُرْهَانُ أَيْ غَالِبٌ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ وَفِي الْمَجْمَعِ أَيْ مُحَاجُّهُ وَمُغَالِبُهُ بِإِظْهَارِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ وَالْحُجَّةُ الدَّلِيلُ وَالْبُرْهَانُ حَاجَجْتُهُ حِجَاجًا وَمُحَاجَّةً فَأَنَا مُحَاجٌّ وَحَجِيجٌ (دُونَكُمْ) أَيْ قُدَّامَكُمْ وَدَافِعُهُ عَنْكُمْ وَأَنَا إِمَامُكُمْ وَأَمَامُكُمْ وَفِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْمُحَاجَّةِ مَعَهُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَى مُعَاوَنَةِ مُعَاوِنٍ مِنْ أُمَّتِهِ فِي غَلَبَتِهِ عَلَيْهِ بالحجة كذا ذكره الطيبي
فإن قيل أو ليس قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ وَأَنَّ عِيسَى يَقْتُلُهُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْوَقَائِعِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ فِي زمنه يقال هو تورية للتخويف ليلجئوا إِلَى اللَّهِ مِنْ شَرِّهِ وَيَنَالُوا فَضْلَهُ أَوْ يُرِيدُ عَدَمَ عِلْمِهِ بِوَقْتِ خُرُوجِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى السَّاعَةُ قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ
وقال القارىء نَقْلًا عَنِ الْمُظْهِرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ تَحَقُّقَ خُرُوجِهِ وَالْمَعْنَى لَا تَشُكُّوا فِي خُرُوجِهِ فَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ لَا مَحَالَةَ وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ عَدَمَ عِلْمِهِ بِوَقْتِ خُرُوجِهِ كَمَا أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْرِي مَتَى السَّاعَةُ
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الْوَجْهَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هَذَا قَبْلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ انْتَهَى
قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِذَلِكَ تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ كَمَا تَقَدَّمَ (فَامْرُؤٌ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ (حَجِيجٌ نَفْسُهِ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ حَجِيجٍ أَيْ فَكُلُّ امْرِئٍ يُحَاجُّهُ وَيُحَاوِرُهُ وَيُغَالِبُهُ لِنَفْسِهِ قاله الطيبي قال القارىء أَيْ لِيَدْفَعَ شَرَّهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْحُجَّةِ لَكِنْ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ يَسْمَعُ الْحُجَّةَ وَإِلَّا فَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ شَرَّهُ بِتَكْذِيبِهِ وَاخْتِيَارِ صُورَةِ تَعْذِيبِهِ انْتَهَى (وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) يعني والله سُبْحَانَهُ وَلِيُّ كُلِّ مُسْلِمٍ وَحَافِظُهُ فَيُعِينُهُ عَلَيْهِ
وَيَدْفَعُ شَرُّهُ (فَلْيَقْرَأُ عَلَيْهِ بِفَوَاتِحِ سُورَةِ الْكَهْفِ) أَيْ أَوَائِلِهَا (فَإِنَّهَا جِوَارِكُمْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ أَمَانِكُمْ (وَمَا لَبْثُهُ) بِفَتْحِ لَامٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ مَا قَدْرُ مُكْثِهِ وَتَوَقُّفِهِ (قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ) أَيْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ (كَسَنَةٍ) أَيْ فِي الطُّولِ (وَسَائِرُ أَيَّامِهِ) أَيْ بِوَاقِي أَيَّامِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهَذِهِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ طَوِيلَةٌ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمُ انْتَهَى
قُلْتُ فَمَا قِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ لِكَثْرَةِ غُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ وَشِدَّةِ بَلَاءِ اللَّعِينِ يُرَى لَهُمْ كَالسَّنَةِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي يَهُونُ كَيْدُهُ وَيَضْعُفُ مُبْتَدَأُ أَمْرِهِ فَيُرَى كَشَهْرٍ وَالثَّالِثُ يُرَى كَجُمُعَةٍ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَزِيدُ قَدْرًا وَالْبَاطِلُ يَنْقُصُ حَتَّى يَنْمَحِقَ أَثَرًا أَوْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّمَا اعْتَادُوا بِالْفِتْنَةِ وَالْمِحْنَةِ يَهُونُ عَلَيْهِمْ إِلَى أَنْ تَضْمَحِلَّ شِدَّتُهَا مَرْدُودٌ وَبَاطِلٌ (اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ) قَالَ القارىء نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَيِ اقْدُرُوا الْوَقْتَ صَلَاةَ يَوْمٍ فِي يَوْمٍ كَسَنَةٍ مَثَلًا قَدْرَهُ أَيْ قَدْرَهُ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ كَمَحْبُوسٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ أَنَّهُ إِذَا مَضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظُّهْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَصَلُّوا الظُّهْرَ ثُمَّ إِذَا مَضَى بَعْدَهُ قَدْرَ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَصَلُّوا الْعَصْرَ وَإِذَا مَضَى بَعْدَ هَذَا قَدْرَ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ وَكَذَا الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْقَضِيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ صَلَوَاتُ سنة فرائض كلها مؤادة فِي وَقْتِهَا
وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي كَشَهْرٍ وَالثَّالِثُ الَّذِي كَجُمُعَةٍ فَقِيَاسُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَيْ يُقَدَّرُ لَهُمَا كَالْيَوْمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الْيَوْمِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ قَالُوا وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ وَوُكِلْنَا إِلَى اجْتِهَادِنَا لَاقْتَصَرْنَا فِيهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ (عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ) الْمَنَارَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذِهِ الْمَنَارَةُ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ انْتَهَى
وَفِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ لِلسُّيُوطِيِّ قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ قَدْ جُدِّدَ بِنَاءُ مَنَارَةٍ فِي زَمَانِنَا فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِ مِائَةٍ مِنْ حِجَارَةٍ بِيضٍ وَكَانَ بِنَاؤُهَا مِنْ أَمْوَالِ النَّصَارَى الَّذِينَ حَرَقُوا الْمَنَارَةَ الَّتِي كَانَتْ مَكَانَهَا وَلَعَلَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ الظَّاهِرَةِ حَيْثُ قَيَّضَ اللَّهُ تَعَالَى بِنَاءَ هَذِهِ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ مِنْ أَمْوَالِ النَّصَارَى لِيَنْزِلَ عِيسَى عليه السلام (شَرْقِيَّ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى (دِمَشْقَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَتُكْسَرُ (فَيُدْرِكُهُ) أَيْ يُدْرِكُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
الدَّجَّالَ (عِنْدَ بَابِ لُدٍّ) بِضَمِّ لَامٍ وَتَشْدِيدِ دَالٍ مَصْرُوفٌ وَهُوَ بَلْدَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ وَقِيلَ بِفِلَسْطِينَ
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فَبَيْنَمَا هُوَ كذلك إذ بعث الله المسيح بن مَرْيَمَ عليه السلام فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَاذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَّانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرَفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِيَ عِيسَى قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثَهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى عليه السلام أَنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا فَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عليه السلام وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عليه السلام وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَاهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عليه السلام وَأَصْحَابُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ صريح في أن نبي الله عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ عِنْدَ قُرْبِ السَّاعَةِ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ الْمَوْعُودَ الْمُنْذَرَ بِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ والفساد نزول عيسى بن مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فتنة الدجال ولفظ النسائي وبن مَاجَهْ مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ [4322](عَنِ السَّيْبَانِيِّ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَبِي زُرْعَةَ يَحْيَى بْنُ أَبِي عُمَرَ وَكَذَا نَسَبُهُ فِي الْأَطْرَافِ (نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ
وَالْمُؤَلِّفُ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ مُخْتَصَرًا وَأَحَالَ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَسَاقَهُ بن مَاجَهْ بِتَمَامِهِ
وَفِيهِ فَقَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ قَالَ هُمْ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّي بِهِمُ الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مَرْيَمَ الصُّبْحَ فَرَجَعَ ذَلِكَ الْإِمَامُ يَنْكُصُ يَمْشِي الْقَهْقَرَى لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى يُصَلِّي
بِالنَّاسِ فَيَضَعُ عِيسَى يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ تَقَدَّمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ فَيُصَلِّي بِهِمْ إِمَامُهُمْ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ عِيسَى عليه السلام افْتَحُوا الْبَابَ فَيُفْتَحُ وَوَرَاءَهُ الدَّجَّالُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُودِيٍّ كُلُّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلًّى وَسَاجٍ فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا وَيَقُولُ عِيسَى عليه السلام إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةٌ لَنْ تَسْبِقَنِي بِهَا فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ اللُّدِّ الشَّرْقِيِّ فَيَقْتُلُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ قَالَ رسول الله فيكون عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام فِي أُمَّتِي حَكَمًا عَدْلًا وَإِمَامًا مُقْسِطًا يَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَذْبَحُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الجزية فذكره بطوله
ورواية بن مَاجَهْ هَذِهِ فِيهَا ضَعْفٌ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ قَدْ ضُعِّفَ
وَأَمَّا إِسْنَادُ الْمُؤَلِّفِ لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ فَصَحِيحٌ وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ
عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَأَمَّا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الرَّمْلِيُّ فَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وأحمد والنسائي وبن سَعْدٍ
وَأَمَّا يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيُّ فوثقه أحمد ودحيم وبن خِرَاشٍ وَالْعِجْلِيُّ
وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السيباني فوثقه بن حِبَّانَ وَذَكَرَهُ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ
[4323]
عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ عَنْ أَبِي الدرداء أن نبي الله وَهَكَذَا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (عُصِمَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ وُقِيَ وَحُفِظَ (مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) أَيْ مِنْ آفَاتِهِ
(قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا قَالَ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ) عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْغَطَفَانِيِّ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَمَا رَوَاهُ همام عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلُهُ (إِلَّا أَنَّهُ) أَيْ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ (قَالَ مَنْ حَفِظَ مِنْ خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْكَهْفِ
إِلَخْ) فَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَهَمَّامٌ كِلَاهُمَا اتَّفَقَا فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ قَتَادَةَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ لَكِنِ اخْتَلَفَا فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ فَقَالَ هَمَّامٌ فِي رِوَايَتِهِ مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَقَالَ هِشَامٌ مَنْ حَفِظَ مِنْ
خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَتَابَعَ هِشَامًا شُعْبَةُ فَقَالَ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْكَهْفِ
هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْإِمَامِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْغَطَفَانِيِّ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أن نبي الله قَالَ مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ
وَحَدَّثَنَا محمد بن المثنى وبن بَشَّارٍ قَالَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أخبرنا شعبة ح
وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ شُعْبَةُ مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ وَقَالَ هَمَّامٌ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ كَمَا قَالَ هِشَامٌ
فَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ هَذِهِ تُنَادِي أَنَّ هَمَّامًا وَهِشَامًا كِلَيْهِمَا مُتَّفِقَانِ فِي الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ وَقَالَا عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ وأما شعبة فقال من آخرالكهف
وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أول الكهف
وقال المزي في الأطراف وأخرج النسائي أي في السنن الكبرى في فضائل القرآن وَفِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْكَهْفِ وَقَالَ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ
وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَفَّانَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ مِثْلُ الْأَوَّلِ عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ
انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا فِي أَوَّلِهَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ فَمَنْ تَدَبَّرَهَا لَمْ يُفْتَتَنْ بِالدَّجَّالِ وَكَذَا فِي آخِرِهَا أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يتخذوا إِلَخْ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ فَقِيلَ لِمَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا لَمْ يَسْتَغْرِبْ أَمْرَ الدَّجَّالِ وَلَمْ يَهُلْهُ ذَلِكَ فَلَمْ يُفْتَتَنْ بِهِ وَقِيلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِيُنْذِرَ بَأْسًا شديدا من لدنه تَمَسُّكًا بِتَخْصِيصِ الْبَأْسِ بِالشِّدَّةِ وَاللَّدُنِّيَّةِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا يَكُونُ مِنَ الدَّجَّالِ مِنْ دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ واستيلائه وعظم فتنته ولذلك عظم أَمْرَهُ وَحَذَّرَ عَنْهُ وَتَعَوَّذَ مِنْ فِتْنَتِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَتَدَبَّرَهَا وَوَقَفَ عَلَى مَعْنَاهَا حَذِرَهُ فَأَمِنَ مِنْهُ
وَقِيلَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ السُّورَةِ كُلِّهَا فَقَدْ رُوِيَ مَنْ حَفِظَ سُورَةَ الْكَهْفِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الدَّجَّالُ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَوَّلَ سُورَةِ الْكَهْفِ مَعَ مَنْ رَوَى مِنْ آخِرِهَا وَيَكُونُ ذِكْرُ الْعَشْرِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِدْرَاجِ فِي حِفْظِهَا كُلِّهَا
انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ
قُلْتُ وَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ أَيْضًا رِوَايَةُ عَشْرِ آيَاتٍ مَعَ مَنْ رَوَى ثَلَاثَ آيَاتٍ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فَلَفْظُ مُسْلِمٍ مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ وفي لفظ من آخر الكهفوفي لَفْظٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ
يَعْنِي [4324](عِيسَى عليه السلام هَذَا تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي بَيْنَهُ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ (نَبِيٌّ) اسْمٌ مُؤَخَّرٌ لِلَيْسَ
قال السيوطي في مرقاة الصعود أول الْحَدِيثُ عِنْدَ أَحْمَدَ الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَإِنِّي أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى بن مَرْيَمَ
لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ انْتَهَى
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال سمعت رسول الله يَقُولُ أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ الْأَنْبِيَاءُ أولاد علات وليس بيني وبينه نبي
و (إنه) أَيْ عِيسَى عليه السلام (نَازِلٌ) وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ عَنْ أبي هريرة عن النبي قال يمكث عيسى في الأرض بعد ما ينزل أربعون سنة ثم يموت ويصلي عليه المسلمين وَيَدْفِنُوهُ
وَهَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْبَصْرِيُّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ هُوَ أَصْدَقُ النَّاسِ وَقَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ وَقَالَ وَكِيعٌ جَبَلُ الْعِلْمِ وشيخه هشام هو بن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ أَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَقَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ أَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ آدَمَ فَهُوَ من رجال مسلم ووثقه بن حِبَّانَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ بِنُزُولِ عِيسَى عليه السلام يرتفع التكاليف لِئَلَّا يَكُونَ رَسُولًا إِلَى أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَأْمُرُهُمْ عَنِ اللَّهِ وَيَنْهَاهُمْ وَهَذَا مَرْدُودٌ لِقَوْلِهِ تعالى وخاتم النبيين وقوله لَا نَبِيَّ مِنْ بَعْدِي وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ عِيسَى عليه السلام يَنْزِلُ نَبِيًّا بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا بَلْ إِذَا نَزَلَ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أتباع محمد كما أخبر حَيْثُ قَالَ لِعُمَرَ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي فَعِيسَى عليه السلام إِنَّمَا يَنْزِلُ مُقَرِّرًا لِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَمُجَدِّدًا لَهَا إذ هي آخر الشرائع
ومحمد آخِرُ الرُّسُلِ فَيَنْزِلُ حَكَمًا مُقْسِطًا وَإِذَا صَارَ حَكَمًا فَإِنَّهُ لَا سُلْطَانَ يَوْمَئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا إِمَامَ وَلَا قَاضِيَ وَلَا مُفْتِيَ غَيْرَهُ وَقَدْ قَبَضَ اللَّهُ الْعِلْمَ وَخَلَا النَّاسُ مِنْهُ فَيَنْزِلُ وَقَدْ عَلِمَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عِلْمِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْعَمَلِ بِهِ فِي نَفْسِهِ فَيَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَيُحَكِّمُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِذْ لَا أَحَدَ يَصْلُحُ لِذَلِكَ غَيْرَهُ
قَالَ السُّيُوطِيُّ مَا قَالَهُ كَكَوْنِ الْعُلَمَاءِ يُسْلَبُونَ عِلْمَهُمْ بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ لَا تَزَالُ الْأُمَّةُ بِعُلَمَائِهِمْ وَقُضَاتِهِمْ وَغَيْرِهِمْ إِلَّا أَنَّ الْإِمَامَ الْأَكْبَرَ الْمَرْجُوعَ إِلَيْهِ هُوَ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَبْضُ الْعِلْمِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُؤْمِنِينَ
(رَجُلٌ) أَيْ هُوَ رَجُلٌ (مَرْبُوعٌ) أَيْ بَيْنَ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ (بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُمَصَّرَةُ مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا صُفْرَةٌ خَفِيفَةٌ أَيْ يَنْزِلُ عِيسَى عليه السلام بَيْنَ ثَوْبَيْنِ فِيهِمَا صُفْرَةٌ خَفِيفَةٌ (كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ) كِنَايَةٌ عَنِ النَّظَافَةِ وَالنَّضَارَةِ (فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ) أَيْ يَكْسِرُهُ
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِ أَيْ فَيُبْطِلُ النَّصْرَانِيَّةَ وَيَحْكُمُ بالملة الحنيفية
وقال بن الْمَلَكِ الصَّلِيبُ فِي اصْطِلَاحِ النَّصَارَى خَشَبَةٌ مُثَلَّثَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّ عِيسَى عليه الصلاة والسلام صُلِبَ عَلَى خَشَبَةٍ مُثَلَّثَةٍ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ صُورَةُ الْمَسِيحِ (وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ) أَيْ يُحَرِّمُ اقْتِنَاءَهُ وَأَكْلَهُ وَيُبِيحُ قَتْلَهُ (وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ يُكْرِهُ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ بَلِ الْإِسْلَامَ أَوِ الْقَتْلَ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فَلَا يَبْقَى ذِمِّيٌّ تُجْرَى عَلَيْهِ جِزْيَةٌ أَيْ لَا يَبْقَى فَقِيرٌ لِاسْتِغْنَاءِ النَّاسِ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ فَتَسْقُطُ الْجِزْيَةُ لِأَنَّهَا إِنَّمَا شُرِعَتْ لِتُرَدَّ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ تَقْوِيَةً لَهُمْ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مُحْتَاجٌ لَمْ تُؤْخَذْ
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَوْ أَرَادَ بِوَضْعِ الْجِزْيَةِ تَقْرِيرَهَا عَلَى الْكُفَّارِ بِلَا مُحَابَاةٍ فَيَكْثُرُ الْمَالُ بِسَبَبِهِ
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ صَوَابَهُ أَنَّ عِيسَى لَا يَقْبَلُ غَيْرَ الْإِسْلَامِ
وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَتَكُونُ الدَّعْوَةُ وَاحِدَةً
قَالَ النَّوَوِيُّ فَلَيْسَ بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ نَسْخٌ لِمَا تُقُرِّرَ بِشَرِيعَتِنَا لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِأَنَّهَا تَسْتَمِرُّ إِلَى نُزُولِهِ فتوضع
فنبينا محمد بَيَّنَ غَايَةَ اسْتِمْرَارِهَا فَلَا نَسْخَ لِشَرِيعَتِهِ بَلْ هو عمل بما بينه
كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
(وَيُهْلِكُ) مِنَ الْإِهْلَاكِ أَيْ عِيسَى عليه السلام (الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ) مَفْعُولُ يُهْلِكُ
زَادَ أَحْمَدُ ثُمَّ تَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسْدُ مَعَ الْإِبِلِ وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ وَتَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ (فَيَمْكُثُ) أَيْ عِيسَى عليه السلام (فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً) قَالَ
الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ وَيُشْكِلُ بِمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ سَبْعَ سِنِينَ قَالَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ السَّبْعُ عَلَى مُدَّةِ إِقَامَتِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُضَافًا لِمُكْثِهِ بِهَا قَبْلَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَعُمُرُهُ إِذْ ذَاكَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً بِالْمَشْهُورِ
انْتَهَى
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي فِي كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَيَمْكُثُ عِيسَى فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً
وَرَوَى مُسْلِمٌ من حديث بن عَمْرٍو فِي مُدَّةِ إِقَامَةِ عِيسَى بِالْأَرْضِ بَعْدَ نُزُولِهِ أَنَّهَا سَبْعُ سِنِينَ
وَرَوَى نُعَيْمُ بْنُ حماد في كتاب الفتن من حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ عِيسَى إِذْ ذَاكَ يَتَزَوَّجُ فِي الأرض ويقيم بها تسع عشر سَنَةً
وَبِإِسْنَادٍ فِيهِ مُبْهَمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ مَرْفُوعًا
انْتَهَى
(ثُمَّ يُتَوَفَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ يُتَوَفَّى بِطَيْبَةَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ هُنَالِكَ وَيُدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مَكْتُوبٌ فِي التوراة صفة محمد وعيسى بن مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ
كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ آدَمَ هَذَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ بَصْرِيٌّ يُقَالُ فيه بن بُرْثُنٍ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَسْكِينِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ فِي قَوْلٍ وَيُعْرَفُ بِصَاحِبِ السِّقَايَةِ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ آدَمَ إِنَّمَا نُسِبَ إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يُعْرَفُ
انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ مُخْتَصَرًا
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ آدَمَ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ السِّقَايَةِ صَدُوقٌ
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ رُوحَ اللَّهِ عِيسَى نَازِلٌ فِيكُمْ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيُهْلِكَ اللَّهُ فِي زمانه المسيح الدجال وتقع الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ
قلت تواترت الأخبار عن النبي في نزول عيسى بن مريم مِنَ السَّمَاءِ بِجَسَدِهِ الْعُنْصُرِيِّ إِلَى الْأَرْضِ عِنْدَ قُرْبِ السَّاعَةِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ
قال النووي قال القاضي نزول عيسى عليه السلام وَقَتْلُهُ الدَّجَّالَ حَقٌّ وَصَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ وَلَا فِي الشَّرْعِ مَا يُبْطِلُهُ فَوَجَبَ إِثْبَاتُهُ
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَرْدُودَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وخاتم النبيين وبقوله لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا نبي بعد نبينا وَأَنَّ شَرِيعَتَهُ مُؤَبَّدَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُنْسَخُ
وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِنُزُولِ عِيسَى عليه السلام أَنَّهُ يَنْزِلُ نَبِيًّا بِشَرْعٍ يَنْسَخُ شَرْعَنَا وَلَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَا فِي غَيْرِهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا بَلْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ هُنَا أَيْ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يَنْزِلُ حَكَمًا مُقْسِطًا يَحْكُمُ بِشَرْعِنَا وَيُحْيِي مِنْ أُمُورِ شَرْعِنَا مَا هَجَرَهُ النَّاسُ
انْتَهَى
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الْمَهْدِيَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّ عِيسَى عليه السلام يُصَلِّي خَلْفَهُ
وَقَالَ الْحَافِظُ أَيْضًا الصَّحِيحُ أَنَّ عِيسَى رُفِعَ وَهُوَ حَيٌّ
انْتَهَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّوْضِيحِ فِي تَوَاتُرِ مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ فِي الْمَهْدِيِّ وَالدَّجَّالِ وَالْمَسِيحِ وقد ورد في نزول عيسى عليه السلام مِنَ الْأَحَادِيثِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا ثُمَّ سَرَدَهَا وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَمِيعُ مَا سُقْنَاهُ بَالِغٌ حَدَّ التَّوَاتُرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ فَضْلُ اطِّلَاعٍ فَتَقَرَّرَ بِجَمِيعِ مَا سُقْنَاهُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْمَهْدِيِّ الْمُنْتَظَرِ مُتَوَاتِرَةٌ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الدَّجَّالِ مُتَوَاتِرَةٌ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي نُزُولِ عِيسَى عليه السلام مُتَوَاتِرَةٌ
انْتَهَى
وَإِنِّي أَسْرُدُ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي نُزُولِ عِيسَى عليه السلام غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ فِي عَصْرِنَا هَذَا فَأَقُولُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ قَتْلِ الْخِنْزِيرِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ بن شهاب عن بن الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رسول الله وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ بن مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أَحَدٌ
وَقَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا لَيْثٌ ح
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رمح قال حدثنا الليث عن بن شهاب عن بن الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رسول الله وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ بن مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أَحَدٌ
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ مِثْلَهُ سَنَدًا وَمَتْنًا وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
انْتَهَى
وَقَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ هَمَّادٍ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ح
وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا بن وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ ح
وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحَلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ
صَالِحٍ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
وَفِي رواية بن عُيَيْنَةَ إِمَامًا مُقْسِطًا وَحَكَمًا عَدْلًا وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ حَكَمًا عَادِلًا وَلَمْ يَذْكُرْ إِمَامًا مُقْسِطًا
وَفِي حَدِيثِ صَالِحٍ حَكَمًا مُقْسِطًا كَمَا قَالَ اللَّيْثُ
وَفِي حَدِيثِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَحَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا ليؤمنن به قبل موته انتهى
وأخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِنَحْوِ إِسْنَادِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى بن مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا الْحَدِيثَ
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ كَسْرِ الصَّلِيبِ مِنْ كِتَابِ الْمَظَالِمِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هريرة عن رسول الله قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيكُمُ بن مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وأخرج في باب نزول عيسى بن مريم مِنْ كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَنْبَأَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ بن شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هريرة قال قال رسول الله وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ بن مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ يقول أبو هريرة واقرأوا إِنْ شِئْتُمْ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عليهم شهيدا حدثنا بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن بن شِهَابٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ كيف أنتم إذا نزل بن مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ
انْتَهَى كَلَامُ الْبُخَارِيِّ
وَحَدِيثُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رسول الله والله لينزلن بن مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ وَليَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ وَلَيَضَعَنِ الْجِزْيَةَ وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي الْفِتَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رسول الله يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ فَيَبْعَثُ الله عيسى بن مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى وَإِذَا هُمْ بِعِيسَى فَيُقَالُ تَقَدَّمْ يَا رُوحُ اللَّهِ فَيَقُولُ لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ
وَلِابْنِ مَاجَهْ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الطَّوِيلِ فِي الدَّجَّالِ قَالَ وَكُلُّهُمْ أَيِ المسلمون ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح فقد تَقَدَّمَ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ إِذْ نَزَلَ عِيسَى فَرَجَعَ الْإِمَامُ يَنْكُصُ لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى فَيَقِفُ عِيسَى بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ تَقَدَّمْ فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ
انْتَهَى
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي الْفِتَنِ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلُهُمْ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثٌ هُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ
وَيَفْتَتِحُ الثلث لا يفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية فبيناهم يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ في أهليكم فيخرجون وذلك باطل فإذا جاؤوا الشَّامَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم فَأَمَّهُمْ الْحَدِيثَ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي التَّوْضِيحِ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِإِسْنَادٍ فِيهِ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ بِلَفْظِ يوشك المسيح بن مَرْيَمَ أَنْ يَنْزِلَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ويكسر الصليب وتكون الدعوة واحدة فأقرؤه من رسول الله
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِإِسْنَادَيْنِ رِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنِّي لَأَرْجُو إِنْ طَالَ بي عمر أن ألقى عيسى بن مَرْيَمَ فَإِنْ عَجَّلَ بِي مَوْتٌ فَمَنْ لَقِيَهُ فليقرأه مِنِّي السَّلَامُ انْتَهَى
قُلْتُ لَفْظُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنِّي لَأَرْجُو إِنْ طَالَ بِي عمر أن ألقى عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام فَإِنْ عَجَّلَ بِي مَوْتٌ فمن لقيه منكم فليقرأه مِنِّي السَّلَامُ
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هريرة أيضا بلفظ ليهبطن عيسى بن مَرْيَمَ حَكَمًا وَإِمَامًا مُقْسِطًا وَلَيَسْلُكَنَّ فِجَاجًا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا وَلَيَأْتِيَنَّ قَبْرِي حَتَّى يُسَلِّمَ وَلَأَرُدَّنَّ عَلَيْهِ انْتَهَى
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ قَتْلِ عيسى بن مَرْيَمَ الدَّجَّالَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَمِّي مُجَمِّعَ بْنَ جارية الأنصاري يقول سمعت رسول الله يقول يقتل بن مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَنَافِعِ بن علبة وَأَبِي بَرْزَةَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَكَيْسَانَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَجَابِرٍ وَأَبِي أمامة وبن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَالنَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ انْتَهَى
فَلَا يَخْفَى عَلَى كل منصف أن نزول عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام إِلَى الْأَرْضِ حَكَمًا مُقْسِطًا بِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّهُ الْآنَ حَيٌّ فِي السَّمَاءِ لَمْ يَمُتْ بِيَقِينٍ
وَأَمَّا ثُبُوتُهُ مِنَ الْكِتَابِ فَقَالَ اللَّهُ عز وجل رَدًّا عَلَى الْيَهُودِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمُ الزَّاعِمِينَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا عِيسَى بن مَرْيَمَ عليه السلام وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رفعه الله إليه فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الَّذِي أَرَادَ الْيَهُودُ قَتْلَهُ وَأَخْذَهُ وَهُوَ عِيسَى بِجِسْمِهِ الْعُنْصُرِيِّ لَا غَيْرُ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَمْ يَظْفَرُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ رَفْعِهِ بِقَوْلِهِ وَمَا يَضُرُّونَكَ من شيء وبرفع جسده حيا فسره بن عَبَّاسٍ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ عِيسَى عليه السلام رُفِعَ حَيًّا وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ الْمَذْكُورَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِنُزُولِهِ بِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أي قبل موت عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا فِي تَفْسِيرِ بن كَثِيرٍ فَثَبَتَ أَنَّ عِيسَى عليه السلام لَمْ يَمُتْ بَلْ يَمُوتُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَيُؤْمِنُ بِهِ كُلُّ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ نُزُولَهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّهُ لعلم للساعة
وقال الإمام بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ الصَّحِيحُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى عِيسَى عليه السلام فَإِنَّ السِّيَاقَ فِي ذِكْرِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ نُزُولُهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا ليؤمنن به قبل موته أَيْ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى عليه السلام وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى الْقِرَاءَةُ وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ يَعْنِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ أَيْ أَمَارَةٌ وَدَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ السَّاعَةِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ أي آية للساعة خروج عيسى بن مَرْيَمَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أبي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي مَالِكٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رسول الله أَنَّهُ أَخْبَرَ بِنُزُولِ عِيسَى عليه السلام قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِمَامًا عَادِلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا انْتَهَى
فَهَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ وَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رسول الله تدل دلالة واضحة على نزول عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ عِنْدَ قُرْبِ السَّاعَةِ وَلَا يُنْكِرُ نُزُولَهُ إِلَّا ضَالٌّ مُضِلٌّ مُعَانِدٌ لِلشَّرْعِ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ
وَمِنَ الْمَصَائِبِ الْعُظْمَى وَالْبَلَايَا الْكُبْرَى عَلَى الْإِسْلَامِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُلْحِدِينَ الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ خَرَجَ مِنَ الْفِنْجَابِ مِنْ إِقْلِيمِ الْهِنْدِ وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ مُدَّعِيًا للإ سلام كَذَّبَ الشَّرِيعَةَ وَعَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَطَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَكَانَ أَوَّلُ مَا ادَّعَاهُ أَنَّهُ مُحَدَّثٌ وَمُلْهَمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ كَثُرَتْ فِتْنَتُهُ وَعَظُمَتْ بَلِيَّتُهُ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَأَلْفٍ وَثَلَاثِ مِائَةٍ إِلَى السَّنَةِ الْحَاضِرَةِ وَهِيَ سَنَةُ عِشْرِينَ بَعْدَ الْأَلْفِ وَثَلَاثِ مِائَةٍ وَأَلَّفَ الرَّسَائِلَ الْعَدِيدَةَ (مِنْهَا تَوْضِيحُ الْمُرَادِ وَمِنْهَا إِزَالَةُ الْأَوْهَامِ وَمِنْهَا فَتْحُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّحْرِيرَاتِ) فِي إِثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِلْهَامَاتِ الْكَاذِبَةِ وَالدَّعَاوَى الْعَقْلِيَّةِ الْوَاهِيَةِ وَأَقْوَالِ الزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ وَحَرَّفَ الْكَلِمَ وَالنُّصُوصَ الظَّاهِرَةَ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَتَفَوَّهَ بِمَا تقشعر منه الجلود وبما لم تجترىء عَلَيْهِ إِلَّا غَيْرُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ شُرُورِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ فَمِنْ أَقْوَالِهِ الْوَاهِيَةِ الْمَرْدُودَةِ الَّتِي صَرَّحَ بِهَا فِي رسائله أن نزول عيسى بن مَرْيَمَ وَرَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ بِجَسَدِهِ الْعُنْصُرِيِّ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ
وَادَّعَى أَنَّ عِيسَى الْمَسِيحَ الْمَوْعُودَ فِي الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَالْخَارِجَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لقتل الدجال ليس هو عيسى بن مَرْيَمَ الَّذِي تُوُفِّيَ بَلِ الْمَسِيحُ الْمَوْعُودُ مَثِيلُهُ وَهُوَ أَنَا الَّذِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَادِيَانِ وَأَنَا هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ وَنَطَقَتْ بِهِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ وَأَمَّا عِيسَى بن مَرْيَمَ فَلَيْسَ بِحَيٍّ فِي السَّمَاءِ
وَأَنْكَرَ وُجُودُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخْبَرَنَا بِهِ رَسُولُ الله وأنكر نزول جبرائيل عليه السلام على النبي وَأَنْكَرَ نُزُولَ مَلَكِ الْمَوْتِ وَأَنْكَرَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ
وَيَذْهَبُ فِي وُجُودِ الْمَلَائِكَةِ مَذْهَبُ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمَلَاحِدَةِ وَيَقُولُ إِنَّ النُّبُوَّةَ التَّامَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ وَلَكِنَّ النُّبُوَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْمُبَشِّرَاتِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا انْقِطَاعَ لَهَا أَبَدًا وَأَنَّ أَبْوَابَ النُّبُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ مَفْتُوحَةٌ أَبَدًا
وَيَقُولُ إِنَّ ظَوَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَصْرُوفَةٌ عَنْ ظَوَاهِرِهَا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ بِالِاسْتِعَارَاتِ وَالْكِنَايَاتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ
قُلْتُ وَأَكْثَرُ عَقَائِدِهِ وَمُعْظَمُ مَقَالَاتِهِ مُوَافِقٌ لِمَقَالَاتِ الْفِرْقَةِ النَّيْجِرِيَّةِ الطَّاغِيَةِ وَمُطَابِقٌ لِمَذْهَبِ هَؤُلَاءِ الطَّائِفَةِ الزَّائِغَةِ فَإِنَّ الطَّائِفَةَ النَّيْجِرِيَّةَ أَفْسَدَتْ فِي أَرْضِ الْهِنْدِ وَتَقَوَّلَتْ عَلَى اللَّهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ وَصَنَّفَ رَئِيسُ النَّيْجِرِيَّةِ وَإِمَامُهُمْ تَفْسِيرًا لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِلُغَةِ الْهِنْدِ فَفَسَّرَهُ بِرَأْيِهِ الْفَاسِدِ وَحَرَّفَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ وَصَرَفَ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَجَاءَ بِالطَّامَّةِ الْكُبْرَى وَأَنْكَرَ مُعْظَمَ
عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَمَ وَأَتْقَنَ مَذَاهِبَ الْفَلَاسِفَةِ وَأَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَعَكَفَ عَلَى تَأْلِيفَاتِ هَؤُلَاءِ فَاسْتَخْرَجَ عَنْهَا مَا أَرَادَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُضَادَّةِ لِلشَّرِيعَةِ وَالْمُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّحِيَّةِ وَرَدَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الثَّابِتَةَ وَأَنْكَرَ وُجُودَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأَنْكَرَ الْمُعْجِزَاتِ بِأَسْرِهَا وَأَثْبَتَ الأب لعيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَالَاتِ الْبَاطِلَةِ الْمَرْدُودَةِ وَصَنَّفَ لِإِثْبَاتِ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ رَسَائِلَ كَثِيرَةً وَحَرَّرَ التَّحْرِيرَاتِ فَضَلَّ وَأَضَلَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَكِنَّ عُلَمَاءَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَزَلْ دَأْبُهُمْ وَهِمَّتُهُمْ لِرَدِّ مَقَالَاتِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَالزَّيْغِ وَالْفَسَادِ وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ خَيْرَ ذَخِيرَةٍ لِلْمَعَادِ فَقَامَ عَلَى رَدِّ مَقَالَاتِهِ الْفَاسِدَةِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْقَاضِي بَشِيرُ الدِّينِ الْقَنُّوجِيُّ فَصَنَّفَ كِتَابًا سَمَّاهُ بِإِمْدَادِ الْآفَاقِ بِرَجْمِ أَهْلِ النِّفَاقِ فِي رَدِّ تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّحْرِيرَاتِ الْعَجِيبَةِ وَالْمَضَامِينِ الْبَالِغَةِ
وَجَرَى بَيْنَ شَيْخِي وَبَيْنَ رَئِيسِ تِلْكَ الطَّائِفَةِ تَحْرِيرَاتٌ شَتَّى إِلَى عِدَّةِ سِنِينَ يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْمَقَامُ
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَعَاقَبَ تَعَاقُبًا حَسَنًا وَرَدَّ كَلَامَهُ رَدًّا بَلِيغًا الْفَاضِلُ اللَّاهُورِيُّ وَشَفَا صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ فَرَئِيسُ النَّيْجِرِيَّةِ مَتْبُوعٌ وَإِمَامُ صِرَاطِ الضَّلَالَةِ أَيِ الْمُدَّعِي لِمَثِيلِ الْمَسِيحِ تَابِعٌ لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي تِلْكَ الْإِلْهَامَاتِ الْكَاذِبَةِ وَالِادِّعَاءِ لِمَثِيلِ الْمَسِيحِ
فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ضَلَالَ هَذَا الرَّجُلِ الْمُفْتَرِي الْمُدَّعِي أَنَّ الْمَسِيحَ عليه السلام قَدْ مَاتَ وَأَنَّهُ مَثِيلُ عِيسَى بَلْ عِيسَى عليه السلام حَيٌّ فِي السَّمَاءِ وَيَنْزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عِيسَى عليه السلام يَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ وَلَيْسَتْ مَدِينَةُ دِمَشْقَ وَلَا الْمَنَارَةُ الْبَيْضَاءُ بَلْدَةَ الْقَادَيَانِيِّ وَلَا مَنَارَتَهُ
وتقدم أيضا أن رسول الله قال في وصف عيسى عليه السلام بِأَنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ وَأَنَّهُ يَنْزِلُ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ وَأَنَّهُ بِنُزُولِهِ تَذْهَبُ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ وَأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ وَأَنَّهُ يَحْثُو الْمَالَ حَثْوًا وَأَنَّهُ يُقَاتِلُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا وُجُودَ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الشَّرِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الرَّجُلِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَثِيلُ عِيسَى وَأَنَّ عِيسَى عليه السلام لَا أَبَ لَهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ وَهَذَا الرَّجُلُ لَهُ أَبٌ وَجَدٌّ وَلَيْسَ فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ مَا يُصَحِّحُ دَعَاوِيهِ كُلُّهَا أَكَاذِيبٌ وَاهِيَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضَلَالَةِ وَسُخْفِ عَقْلِهِ وَفَسَادِ رَأْيِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هاد
وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ شيخنا الإمام الرحلة الآفاق السَّيِّدَ مُحَمَّد نَذِير حُسَيْن الدَّهْلَوِيَّ أَدَامَ اللَّهُ بَرَكَاتِهِ وَمِنْهُمْ شَيْخُنَا الْمُحَدِّثُ الْقَاضِي حُسَيْنُ بْنُ مُحْسِنٍ الْأَنْصَارِيُّ أَلَّفَ رِسَالَةً سَمَّاهَا بِالْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْقَادَيَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ الْكِرَامِ الْحَامِي لِدِينِ الْإِسْلَامِ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ بِأَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ قَدْ أَظْهَرَ فِي رَسَائِلِهِ عَقَائِدَ كُفْرِيَّةً وَمَقَالَاتٍ بِدْعِيَّةً خَرَجَ بِهَا عَنِ اتِّبَاعِ السُّنَنِ وَالْإِسْلَامِ وَتَبِعَ فِيهَا الْفَلَاسِفَةَ والْأَرِيَّةَ وَالنَّصَارَى وَالْمَلَاحِدَةَ الْبَاطِنِيَّةَ اللِّئَامَ وَأَنَّهُ قَدْ عَارَضَ الْحَقَّ الصَّرِيحَ وَأَنْكَرَ كَثِيرًا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُجَالِسُوهُ وَيُخَالِطُوهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَمِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ الْمُدَّعِي خَرَجَ رجل في عصر شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله وادعى بأنه عيسى بن مَرْيَمَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ تَيْمِيَةَ رحمه الله فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِبُغْيَةِ الْمُرْتَادِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ مِنَ الْقَائِلِينَ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَقَدْ كَانَ عِنْدَنَا بِدِمَشْقَ الشَّيْخُ الْمَشْهُورُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بن هُودٍ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَنْ رَأَيْنَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةِ زُهْدًا وَمَعْرِفَةً وَرِيَاضَةً وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِابْنِ سَبْعِينَ وَمُفَضِّلًا لَهُ عنده على بن عربي وغلامه بن إِسْحَاقَ
وَأَكْثَرُ النَّاسِ مِنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ كَانُوا يُطِيعُونَ أَمْرَهُ وَكَانَ أَصْحَابُهُ الْخَوَاصُّ بِهِ يَعْتَقِدُونَ فيه أنه أي بن هود المسيح بن مَرْيَمَ وَيَقُولُونَ إِنَّ أُمَّهُ اسْمُهَا مَرْيَمَ وَكَانَتْ نصرانية ويعتقدون أن قول النبي ينزل فيكم بن مَرْيَمَ هُوَ هَذَا وَأَنَّ رُوحَانِيَّةَ عِيسَى عليه السلام تَنْزِلُ عَلَيْهِ وَقَدْ نَاظَرَنِي فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَهُمْ فِي مَعْرِفَتِهِ بِالْعُلُومِ الْفَلْسَفِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَعَ دُخُولِهِ فِي الزُّهْدِ وَالتَّصَوُّفِ وَجَرَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مُخَاطَبَاتٌ وَمُنَاظَرَاتٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا حَتَّى بَيَّنْتُ لَهُمْ فَسَادَ دَعْوَاهُمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي نُزُولِ عِيسَى الْمَسِيحِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى هَذَا