المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب خروج الدجال) - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ١١

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌29 - كِتَاب الْحُرُوفِ وَالْقِرَاءَات

- ‌30 - كِتَاب الْحَمَّامِ

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ التَّعَرِّي)

- ‌(باب فِي التَّعَرِّي)

- ‌31 - كِتَاب اللِّبَاسِ

- ‌(باب في ما يدعى بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الدُّعَاءِ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَمِيصِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَقْبِيَةِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الشُّهْرَةِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الصُّوفِ وَالشَّعَرِ)

- ‌(باب لبس المرتفع)

- ‌(بَاب لِبَاسِ الْغَلِيظِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَزِّ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي لبس الحرير)

- ‌(بَاب مَنْ كَرِهَهُ أَيْ لُبْسُ الْحَرِيرِ)

- ‌(بَاب الرُّخْصَةِ فِي الْعَلَمِ وَخَيْطِ الْحَرِيرِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِعُذْرٍ)

- ‌(بَاب فِي الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الْحِبَرَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْبَيَاضِ)

- ‌(باب في الخلقان وفي غسل الثوب الْخُلْقَانُ)

- ‌(بَاب فِي الْمَصْبُوغِ بِالصُّفْرَةِ)

- ‌(بَاب فِي الخضرة)

- ‌(بَاب فِي الْحُمْرَةِ)

- ‌(بَاب فِي الرُّخْصَةِ)

- ‌(بَاب فِي السَّوَادِ)

- ‌(بَاب فِي الْهُدْبِ فِي الْقَامُوسِ)

- ‌(بَاب فِي الْعَمَائِمِ)

- ‌(بَاب فِي لِبْسَةِ الصَّمَّاءِ)

- ‌(بَاب فِي حَلِّ الْأَزْرَارِ)

- ‌(بَاب فِي التَّقَنُّعِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي إِسْبَالِ الْإِزَارِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْكِبْرِ)

- ‌(بَاب فِي قَدْرِ مَوْضِعِ الْإِزَارِ)

- ‌(بَاب فِي لِبَاسِ النِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي قول الله تَعَالَى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ الْآيَةُ بِتَمَامِهَا)

- ‌(باب في قول الله تعالى وليضربن بخمرهن على جيوبهن)

- ‌(بَاب فِيمَا تُبْدِي الْمَرْأَةُ مِنْ زِينَتِهَا هِيَ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ أَوْ

- ‌(بَاب فِي الْعَبْدِ يَنْظُرُ إِلَى شَعْرِ مَوْلَاتِهِ)

- ‌(باب في قوله تعالى غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ)

- ‌(باب في قوله وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)

- ‌(باب كيف الِاخْتِمَارِ)

- ‌(بَاب فِي لِبْسِ الْقَبَاطِيِّ لِلنِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي قَدْرِ الذَّيْلِ)

- ‌(بَاب فِي أُهُبِ الْمَيْتَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَوَى أَنْ لَا يستنفع بإهاب الميتة)

- ‌(بَاب فِي جُلُودِ النُّمُورِ وَالسِّبَاعِ)

- ‌(بَاب فِي الِانْتِعَالِ)

- ‌(بَاب فِي الْفُرُشِ)

- ‌(بَاب فِي اتِّخَاذِ السُّتُورِ)

- ‌(بَاب فِي الصَّلِيبِ فِي الثَّوْبِ أَيْ صُورَةُ الصَّلِيبِ فِيهِ)

- ‌(بَاب فِي الصُّوَرِ)

- ‌32 - كِتَاب التَّرَجُّل

- ‌(باب فِي اسْتِحْبَابِ الطِّيبِ)

- ‌(بَاب فِي إِصْلَاحِ الشَّعَرِ)

- ‌(بَاب فِي الْخِضَابِ لِلنِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي صِلَةِ الشَّعْرِ)

- ‌(بَاب فِي رَدِّ الطِّيبِ)

- ‌(بَاب في طيب المرأة لِلْخُرُوجِ)

- ‌(بَاب فِي الْخَلُوقِ لِلرِّجَالِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّعَرِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْفَرْقِ)

- ‌(بَاب فِي تَطْوِيلِ الْجُمَّةِ)

- ‌(باب في الرجل يضفر شَعْرَهُ)

- ‌(بَاب فِي حَلْقِ الرَّأْسِ)

- ‌(باب في الصبي له ذؤابة)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ)

- ‌(بَاب فِي أَخْذِ الشَّارِبِ)

- ‌(بَاب فِي نَتْفِ الشَّيْبِ)

- ‌(بَاب فِي الْخِضَابِ)

- ‌(باب فِي خِضَابِ الصُّفْرَةِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي خِضَابِ السَّوَادِ)

- ‌(بَاب فِي الِانْتِفَاعِ بِالْعَاجِ)

- ‌33 - كِتَاب الْخَاتَم

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْخَاتَمِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي خاتم الحديد)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْجَلَاجِلِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي رَبْطِ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ)

- ‌34 - كِتَاب الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِم

- ‌(باب ذكر الفتن ودلائلها)

- ‌(باب النَّهْيِ عَنْ السَّعْيِ فِي الْفِتْنَةِ)

- ‌(بَاب فِي كَفِّ اللِّسَانِ)

- ‌(باب الرخصة في التبدي فِي الْفِتْنَةِ)

- ‌(باب النَّهْيِ عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ)

- ‌(بَاب فِي تَعْظِيمِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ)

- ‌(بَاب مَا يُرْجَى فِي الْقَتْلِ)

- ‌35 - كِتَاب الْمَهْدِيِّ

- ‌36 - كِتَاب الْمَلَاحِم

- ‌(بَاب مَا يُذْكَرُ فِي قَرْنِ المائة)

- ‌(بَابِ مَا يُذْكَرُ مِنْ مَلَاحِمِ الرُّومِ)

- ‌(بَاب فِي أَمَارَاتِ الْمَلَاحِمِ)

- ‌(بَاب فِي تَوَاتُرِ الْمَلَاحِمِ)

- ‌(بَاب فِي تَدَاعِي الْأُمَمِ عَلَى الْإِسْلَامِ)

- ‌(بَاب فِي الْمَعْقِلِ مِنْ الْمَلَاحِمِ)

- ‌(باب في ارْتِفَاعِ الْفِتْنَةِ فِي الْمَلَاحِمِ)

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ تَهْيِيجِ التُّرْكِ والْحَبَشَةِ)

- ‌(بَاب فِي قِتَالِ التُّرْكِ)

- ‌(بَاب فِي ذِكْرِ الْبَصْرَةِ)

- ‌(بَاب ذكر الْحَبَشَةِ)

- ‌(باب أمارت السَّاعَةِ)

- ‌(باب حَسْرِ الْفُرَاتِ)

- ‌(بَاب خُرُوجِ الدَّجَّالِ)

- ‌(بَاب فِي خَبَرِ الْجَسَّاسَةِ)

- ‌(باب خبر بن الصائد)

- ‌(بَاب الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ [4336] عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ)

- ‌(بَاب قِيَامِ السَّاعَةِ)

الفصل: ‌(باب خروج الدجال)

انتهى

وقال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ مُتَّحِدَةٌ وَالرِّوَايَةَ مُتَعَدِّدَةٌ فَالْمَعْنَى عَنْ كَنْزٍ عَظِيمٍ مِقْدَارَ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا غَيْرَ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ الْجَبَلُ مَعْدِنًا مِنْ ذَهَبٍ انْتَهَى

قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْفِتَنِ وَمُسْلِمٌ فِيهِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَلَاحِمِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى

4 -

(بَاب خُرُوجِ الدَّجَّالِ)

هُوَ فَعَّالٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ الدَّجْلِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ وَسُمِّيَ الْكَذَّابُ دَجَّالًا لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بباطله

وقال بن دُرَيْدَ سُمِّيَ دَجَّالًا لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بِالْكَذِبِ وَقِيلَ لِضَرْبِهِ نَوَاحِيَ الْأَرْضِ يُقَالُ دَجَلَ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقِيلَ بَلْ قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْأَرْضَ فَرَجَعَ إِلَى الْأَوَّلِ

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ اخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهِ دَجَّالًا عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ

[4315]

عَنْ رِبْعِيٍّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ اسْمٌ بِلَفْظِ النَّسَبِ (بْنِ حِرَاشٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ معجمة (اجتمع حذيفة) هو بن الْيَمَانِ (وَأَبُو مَسْعُودٍ) أَيِ الْأَنْصَارِيُّ (لِأَنَّا بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ أَعْلَمُ مِنْهُ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلدَّجَّالِ فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّجَّالَ لَا يَعْلَمُ بَاطِنَ أَمْرِ الْمَاءِ وَالنَّارِ كَمَا يَعْلَمُ حُذَيْفَةُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِأَبِي مَسْعُودٍ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ مَا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَيْضًا سَمِعَ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قُلْتُ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ هَذِهِ أَنَّ جُمْلَةَ لِأَنَّا بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ أَعْلَمُ مِنْهُ مَقُولَةُ حُذَيْفَةَ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَلَكِنْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله لِأَنَّا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مَقُولَةُ رسول الله فَعَلَى هَذَا لَا يَتَمَشَّى الِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ بَلِ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ فَتَفَكَّرْ (إِنَّ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الدَّجَّالِ (فَالَّذِي تَرَوْنَ أَنَّهُ نَارٌ مَاءٌ إِلَخْ) وَفِي حَدِيثِ سَفِينَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مَعَهُ وَادِيَانِ أَحَدُهُمَا جَنَّةٌ وَالْآخَرُ نَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأنه يجي مَعَهُ مِثْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي هَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلَافِ الْمَرْئِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّائِي فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالُ سَاحِرًا

ص: 295

فَيُخَيِّلُ الشَّيْءَ بِصُورَةِ عَكْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ بَاطِنَ الْجَنَّةِ الَّتِي يُسَخِّرُهَا الدَّجَّالُ نَارًا وَبَاطِنَ النَّارِ جَنَّةً وَهَذَا الرَّاجِحُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنِ النِّعْمَةِ وَالرَّحْمَةِ بِالْجَنَّةِ وَعَنِ الْمِحْنَةِ وَالنِّقْمَةِ بِالنَّارِ فَمَنْ أَطَاعَهُ فَأَنْعَمَ عليه بجنته يؤول أَمْرُهُ إِلَى دُخُولِ نَارِ الْآخِرَةِ وَبِالْعَكْسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمِحْنَةِ وَالْفِتْنَةِ فَيَرَى النَّاظِرُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ دَهْشَتِهِ النَّارَ فَيَظُنُّهَا جَنَّةً وَبِالْعَكْسِ

انْتَهَى (فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ) أَيِ الدَّجَّالَ أَوْ مَا ذُكِرَ مِنْ تَلْبِيسِهِ (سَيَجِدُهُ مَاءً) أَيْ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ بِالْقَلْبِ أَوْ بِحَسَبِ الْمَآلِ

وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْحَالِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا

[4316]

مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ) أَيْ خَوَّفَهُمْ بِهِ

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ بَعْدَ نُوحٍ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ أُمَّتَهُ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عن بن عُمَرَ

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ إِنْذَارُ نُوحٍ قَوْمَهُ بِالدَّجَّالِ مَعَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ ثَبَتَتْ أَنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَ أُمُورٍ ذُكِرَتْ وَأَنَّ عِيسَى يَقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ يَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ فَيَحْكُمُ بِالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ وَقْتَ خُرُوجِهِ أَخْفَى عَلَى نُوحٍ وَمَنْ بَعْدَهُ فَكَأَنَّهُمْ أُنْذِرُوا بِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُمْ وَقْتَ خُرُوجِهِ فَحَذَّرُوا قَوْمَهُمْ مِنْ فتنته ويؤيده قوله فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَّ لَهُ وَقْتُ خُرُوجِهِ وَعَلَامَاتِهِ فَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَالَهُ وَوَقْتَ خُرُوجِهِ فَأُخْبِرَ بِهِ فَبِذَلِكَ تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ

انْتَهَى (أَلَا) حَرْفُ التَّنْبِيهِ (وَإِنَّهُ) أَيِ الدَّجَّالَ (أَعْوَرٌ وَإِنَّ رَبّكَمْ تَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرٍ) إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ أَدِلَّةَ الْحُدُوثِ فِي الدَّجَّالِ ظَاهِرَةٌ لِكَوْنِ الْعَوَرِ أَثَرٌ مَحْسُوسٌ يُدْرِكُهُ الْعَالِمُ وَالْعَامِّيُّ وَمَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَى الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِذَا ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَهُوَ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ وَالْإِلَهُ يَتَعَالَى عَنِ النَّقْصِ عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ

ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ (وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَكْتُوبًا بِالنَّصْبِ وَفِي بعض نسخ البخاري الذي شرح الحافظ بن حَجَرٍ عَلَيْهِ وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ

قَالَ الْحَافِظُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْجُمْهُورِ مَكْتُوبًا وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِمَّا اسْمُ إِنَّ وَإِمَّا حَالٌ وَتَوْجِيهُ الْأَوَّلِ

ص: 296

أَنَّهُ حُذِفَ اسْمُ إِنَّ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ وَالِاسْمُ الْمَحْذُوفُ إِمَّا ضَمِيرُ الشَّأْنِ أَوْ يَعُودُ عَلَى الدَّجَّالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَافِرٌ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ

انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ

[4318]

فِي هَذَا الْحَدِيثِ) أَيِ السَّابِقِ (يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ بن مَاجَهْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ قَالَ الْحَافِظُ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِدْرَاكَ فِي الْبَصَرِ يَخْلُقُهُ اللَّهُ لِلْعَبْدِ كَيْفَ شَاءَ وَمَتَى شَاءَ فهذا يراه المؤمن بغير بصره وإن كَانَ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَرَاهُ الْكَافِرُ وَلَوْ كَانَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ كَمَا يَرَى الْمُؤْمِنُ الْأَدِلَّةَ بِغَيْرِ (بِعَيْنِ) بَصِيرَتِهِ وَلَا يَرَاهَا الْكَافِرُ فَيَخْلُقُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ الْإِدْرَاكَ دُونَ تَعَلُّمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ تَنْخَرِقُ فِيهِ الْعَادَاتُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى

وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْكِتَابَةَ الْمَذْكُورَةَ حَقِيقَةً جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَامَةً قَاطِعَةً بِكَذِبِ الدَّجَّالِ فَيُظْهِرُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ عَلَيْهَا وَيُخْفِيهَا عَلَى مَنْ أَرَادَ شَقَاوَتَهُ

وَحَكَى عِيَاضٌ خِلَافًا وَأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ هِيَ مَجَازٌ عَنْ سِمَةِ الْحُدُوثِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ أَنْ لَا تَكُونَ الْكِتَابَةُ حَقِيقَةً بَلْ يُقَدِّرُ اللَّهَ عَلَى غَيْرِ الْكَاتِبِ عِلْمَ الْإِدْرَاكِ فَيَقْرَأُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَقَ لَهُ مَعْرِفَةُ الْكِتَابِ وَكَانَ السِّرُّ اللَّطِيفُ فِي أَنَّ الْكَاتِبَ وَغَيْرَ الْكَاتِبِ يَقْرَأُ ذَلِكَ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كَوْنَهُ أَعْوَرُ يُدْرِكُهُ كُلُّ مَنْ رَآهُ

فَاللَّهُ أَعْلَمُ

انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْحَبْحَابُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ أَيْضًا مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ بَاءٌ بِوَاحِدَةٍ

[4319]

عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وسكون الهاء والمد اسمه قِرْفَةُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ بَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ

قَالَهُ الْحَافِظُ (مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ) أَيْ بِخُرُوجِهِ وَظُهُورِهِ (فَلْيَنْأَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَمْرٌ غَائِبٌ مِنْ نَأَى يَنْأَى حُذِفَ الْأَلِفُ لِلْجَزْمِ أَيْ فَلْيَبْعُدْ (عَنْهُ) أَيْ مِنَ الدَّجَّالِ (وَهُوَ) أَيِ الرَّجُلُ (يَحْسِبُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا أَيْ يَظُنُّ (أنه

ص: 297

أَيِ الرَّجُلَ بِنَفْسِهِ (فَيَتْبَعُهُ) بِالتَّخْفِيفِ وَيُشَدَّدُ أَيْ فَيُطِيعُ الدَّجَّالَ (مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيُفْتَحُ أَيْ مِنْ أَجْلِ مَا يُثِيرُهُ وَيُبَاشِرُهُ (مِنَ الشُّبُهَاتِ) أَيِ الْمُشْكِلَاتِ كَالسِّحْرِ وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَصِيرُ تَابِعُهُ كَافِرًا وَهُوَ لَا يَدْرِي (أَوْ لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (هَكَذَا قَالَ) هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَيْ هَكَذَا قَالَ شَيْخِي عَلَى الشَّكِّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ هَكَذَا قَالَ نَعَمْ أَيْ هَلْ قَالَ شَيْخُكَ هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ فَقَالَ نَعَمْ هَكَذَا قَالَ شَيْخِي عَلَى الشَّكِّ

وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ

[4320]

حَدَّثَنِي بَحِيرٌ) بكسر المهملة بن سَعِيدٍ السُّحُولِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (عَنْ جُنَادَةَ) بِضَمِّ أوله ثم نون بن أَبِي أُمَيَّةَ الْأَزْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيُّ يُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ كَثِيرٌ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ فَقَالَ الْعِجْلِيُّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا اثْنَانِ صَحَابِيٌّ وَتَابِعِيٌّ مُتَّفِقَانِ فِي الِاسْمِ وَكُنْيَةِ الْأَبِ ورواية جنادة الأزدي عن النبي فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَرِوَايَةُ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ

كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لَا تَعْقِلُوا) أَيْ لَا تَفْهَمُوا مَا حَدَّثْتُكُمْ فِي شَأْنِ الدَّجَّالِ أَوْ تَنْسَوْهُ لِكَثْرَةِ مَا قُلْتُ فِي حَقِّهِ

قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله حَتَّى غَايَةُ حَدَّثْتُكُمْ أَيْ حَدَّثْتُكُمْ أَحَادِيثَ شَتَّى حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكُمُ الْأَمْرُ فَلَا تَعْقِلُوهُ فَاعْقِلُوهُ

وَقَوْلُهُ (إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ) أَيْ بِكَسْرِ إِنَّ اسْتِئْنَافٌ وَقَعَ تَأْكِيدًا لِمَا عَسَى أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْهِمُ انْتَهَى

وَقِيلَ خَشِيتُ بِمَعْنَى رجوت وكلمة لا زائدة ذكره القارىء (قَصِيرٌ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى قِصَرِ قَامَةِ الدَّجَّالِ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي شَأْنِ الدَّجَّالِ أَنَّهُ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ

وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَصِيرًا بَطِينًا عظيم الخلقة

قال القارىء وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَوْنِهِ كَثِيرَ الْفِتْنَةِ أَوِ الْعَظَمَةُ مَصْرُوفَةٌ إِلَى الْهَيْبَةِ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُغَيِّرُهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ (أَفْحَجُ) بِفَاءٍ فَحَاءٍ فَجِيمٍ كَأَسْوَدَ هُوَ الَّذِي إِذَا مَشَى بَاعَدَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ كَالْمُخْتَتَنِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ عُيُوبِهِ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ (جَعْدٌ) بِفَتْحِ جِيمٍ فَسُكُونِ عَيْنٍ وَهُوَ مِنَ الشَّعْرِ خِلَافُ السَّبْطِ أَوِ الْقَصِيرِ مِنْهُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (أَعْوَرُ) أَيْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ (مَطْمُوسُ الْعَيْنِ) أَيْ مَمْسُوحُهَا بالنظر إلى

ص: 298

الْأُخْرَى

قَالَ فِي النِّهَايَةِ إِنَّ الدَّجَّالَ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ أَيْ مَمْسُوحُهَا مِنْ غَيْرِ بَخَصٍ وَالطَّمْسُ اسْتِئْصَالُ أَثَرِ الشَّيْءِ وَالدَّجَّالُ سُمِّيَ بِالْمَسِيحِ لِأَنَّ عَيْنَهُ الْوَاحِدَةَ مَمْسُوحَةٌ وَيُقَالُ رَجُلٌ مَمْسُوحُ الْوَجْهِ وَمَسِيحٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى عَلَى أَحَدِ شِقَّيْ وَجْهِهِ عَيْنٌ وَلَا حَاجِبٌ إِلَّا اسْتَوَى انتهى

وفي المصباح قال بن فَارِسٍ الْمَسِيحُ الَّذِي مُسِحَ أَحَدُ شِقَّيْ وَجْهِهِ وَلَا عَيْنَ وَلَا حَاجِبَ وَسُمِّيَ الدَّجَّالُ مَسِيحًا لِأَنَّهُ كَذَلِكَ انْتَهَى

وَبِالْفَارِسِيَّةِ كور مَحْو كرده شده جشم وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله قال قال رسول الله إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ إِنَّ اللَّهَ ليس بأعور وإن الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ (لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ) أَيْ مُرْتَفِعَةٍ فَاعِلَةٍ مِنِ النُّتُوءِ (وَلَا جَحْرَاءَ) بِفَتْحِ جِيمٍ وَسُكُونِ حَاءٍ أَيْ وَلَا غَائِرَةٍ وَالْجُمْلَةُ الْمَنْفِيَّةُ مُؤَكِّدَةٌ لِإِثْبَاتِ الْعَيْنِ الْمَمْسُوحَةِ وَهِيَ لَا تُنَافِي أَنَّ الْأُخْرَى نَاتِئَةٌ بَارِزَةٌ كَنُتُوءِ حَبَّةِ الْعِنَبِ قَالَهُ القارىء وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا جَخْرَاءَ بِجِيمٍ فَخَاءٍ

قَالَ فِي الْمَجْمَعِ هِيَ الضَّيِّقَةُ ذَاتُ غَمَصٍ وَرَمَصٍ وَامْرَأَتُهُ جَخْرَاءُ إِذَا لَمْ تَكُنْ نَظِيفَةَ الْمَكَانِ

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْجِيمِ مَعَ الْحَاءِ وَلَا جَحْرَاءَ أَيْ غَائِرَةٍ مُنْجَحِرَةٍ فِي نُقْرَتِهَا

وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ بِالْخَاءِ وَأَنْكَرَ الْحَاءَ انْتَهَى (فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إِنِ اشْتَبَهَ عَلَيْكُمْ أَمْرُ الدَّجَّالِ بِنِسْيَانِ مَا بَيَّنْتُ لَكُمْ مِنَ الْحَالِ أَوْ إِنْ لُبِسَ عَلَيْكُمْ أَمْرُهُ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْأُلُوهِيَّةِ بالأمور الخارقة عن العادة قاله القارىء

قُلْتُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنِ الْتَبَسَ

وَهَذَا يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ مِنَ الِاحْتِمَالَيْنِ الَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا القارىء بَلْ يُعَيِّنُهُ (فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ) أَيْ أَقَلَّ مَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ هُوَ التَّنْزِيهُ عَنِ الْحُدُوثِ وَالْعُيُوبِ لَا سِيَّمَا النَّقَائِصُ الظَّاهِرَةُ الْمَرْئِيَّةُ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ وَلِيَ الْقَضَاءَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيُّ الدِّمَشْقِيُّ أَحَدُ زُهَّادِ الشَّامِ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ عَابِدٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ

أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُمَرَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى هَدْي رَسُولِ الله فلينظر إلى هدي عمر بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَفِيهِ مَقَالٌ

[4321]

صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ حُجَّةٌ (أخبرنا الوليد) بن مسلم الدمشقي عالم الشام وثقه بن مُسْهِرٍ وَالْعِجْلِيُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ وَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ (أخبرنا بن جَابِرٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ الدِّمَشْقِيُّ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ وبن دَاوُدَ (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ) وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَدُحَيْمٌ

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ (عن عبد

ص: 299

الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ نُفَيْرٍ) الْحَضْرَمِيِّ الشَّامِيِّ وثقه أبو زرعة والنسائي وبن سَعْدٍ (عَنْ أَبِيهِ) جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الشَّامِيِّ مُخَضْرَمٌ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ

وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَهَذَا لَفْظُهُ حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ قَاضِي حِمْصَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سِمْعَانَ الْكِلَابِيَّ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّاعِدِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ (عَنِ النَّوَّاسِ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ (بن سِمْعَانَ) بِكَسْرِ السِّينِ وَتُفْتَحُ (إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ) أَيْ مَوْجُودٌ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَرْضًا وَتَقْدِيرًا (فَأَنَا حَجِيجُهُ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ مِنَ الْحُجَّةِ وَهِيَ الْبُرْهَانُ أَيْ غَالِبٌ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ وَفِي الْمَجْمَعِ أَيْ مُحَاجُّهُ وَمُغَالِبُهُ بِإِظْهَارِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ وَالْحُجَّةُ الدَّلِيلُ وَالْبُرْهَانُ حَاجَجْتُهُ حِجَاجًا وَمُحَاجَّةً فَأَنَا مُحَاجٌّ وَحَجِيجٌ (دُونَكُمْ) أَيْ قُدَّامَكُمْ وَدَافِعُهُ عَنْكُمْ وَأَنَا إِمَامُكُمْ وَأَمَامُكُمْ وَفِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْمُحَاجَّةِ مَعَهُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَى مُعَاوَنَةِ مُعَاوِنٍ مِنْ أُمَّتِهِ فِي غَلَبَتِهِ عَلَيْهِ بالحجة كذا ذكره الطيبي

فإن قيل أو ليس قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ وَأَنَّ عِيسَى يَقْتُلُهُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْوَقَائِعِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ فِي زمنه يقال هو تورية للتخويف ليلجئوا إِلَى اللَّهِ مِنْ شَرِّهِ وَيَنَالُوا فَضْلَهُ أَوْ يُرِيدُ عَدَمَ عِلْمِهِ بِوَقْتِ خُرُوجِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى السَّاعَةُ قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ

وقال القارىء نَقْلًا عَنِ الْمُظْهِرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ تَحَقُّقَ خُرُوجِهِ وَالْمَعْنَى لَا تَشُكُّوا فِي خُرُوجِهِ فَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ لَا مَحَالَةَ وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ عَدَمَ عِلْمِهِ بِوَقْتِ خُرُوجِهِ كَمَا أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْرِي مَتَى السَّاعَةُ

قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الْوَجْهَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هَذَا قَبْلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ انْتَهَى

قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِذَلِكَ تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ كَمَا تَقَدَّمَ (فَامْرُؤٌ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ (حَجِيجٌ نَفْسُهِ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ حَجِيجٍ أَيْ فَكُلُّ امْرِئٍ يُحَاجُّهُ وَيُحَاوِرُهُ وَيُغَالِبُهُ لِنَفْسِهِ قاله الطيبي قال القارىء أَيْ لِيَدْفَعَ شَرَّهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْحُجَّةِ لَكِنْ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ يَسْمَعُ الْحُجَّةَ وَإِلَّا فَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ شَرَّهُ بِتَكْذِيبِهِ وَاخْتِيَارِ صُورَةِ تَعْذِيبِهِ انْتَهَى (وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) يعني والله سُبْحَانَهُ وَلِيُّ كُلِّ مُسْلِمٍ وَحَافِظُهُ فَيُعِينُهُ عَلَيْهِ

ص: 300

وَيَدْفَعُ شَرُّهُ (فَلْيَقْرَأُ عَلَيْهِ بِفَوَاتِحِ سُورَةِ الْكَهْفِ) أَيْ أَوَائِلِهَا (فَإِنَّهَا جِوَارِكُمْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ أَمَانِكُمْ (وَمَا لَبْثُهُ) بِفَتْحِ لَامٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ مَا قَدْرُ مُكْثِهِ وَتَوَقُّفِهِ (قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ) أَيْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ (كَسَنَةٍ) أَيْ فِي الطُّولِ (وَسَائِرُ أَيَّامِهِ) أَيْ بِوَاقِي أَيَّامِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهَذِهِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ طَوِيلَةٌ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمُ انْتَهَى

قُلْتُ فَمَا قِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ لِكَثْرَةِ غُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ وَشِدَّةِ بَلَاءِ اللَّعِينِ يُرَى لَهُمْ كَالسَّنَةِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي يَهُونُ كَيْدُهُ وَيَضْعُفُ مُبْتَدَأُ أَمْرِهِ فَيُرَى كَشَهْرٍ وَالثَّالِثُ يُرَى كَجُمُعَةٍ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَزِيدُ قَدْرًا وَالْبَاطِلُ يَنْقُصُ حَتَّى يَنْمَحِقَ أَثَرًا أَوْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّمَا اعْتَادُوا بِالْفِتْنَةِ وَالْمِحْنَةِ يَهُونُ عَلَيْهِمْ إِلَى أَنْ تَضْمَحِلَّ شِدَّتُهَا مَرْدُودٌ وَبَاطِلٌ (اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ) قَالَ القارىء نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَيِ اقْدُرُوا الْوَقْتَ صَلَاةَ يَوْمٍ فِي يَوْمٍ كَسَنَةٍ مَثَلًا قَدْرَهُ أَيْ قَدْرَهُ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ كَمَحْبُوسٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ انْتَهَى

وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ أَنَّهُ إِذَا مَضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظُّهْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَصَلُّوا الظُّهْرَ ثُمَّ إِذَا مَضَى بَعْدَهُ قَدْرَ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَصَلُّوا الْعَصْرَ وَإِذَا مَضَى بَعْدَ هَذَا قَدْرَ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ وَكَذَا الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْقَضِيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ صَلَوَاتُ سنة فرائض كلها مؤادة فِي وَقْتِهَا

وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي كَشَهْرٍ وَالثَّالِثُ الَّذِي كَجُمُعَةٍ فَقِيَاسُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَيْ يُقَدَّرُ لَهُمَا كَالْيَوْمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى

وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الْيَوْمِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ قَالُوا وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ وَوُكِلْنَا إِلَى اجْتِهَادِنَا لَاقْتَصَرْنَا فِيهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ (عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ) الْمَنَارَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ

قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذِهِ الْمَنَارَةُ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ انْتَهَى

وَفِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ لِلسُّيُوطِيِّ قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ قَدْ جُدِّدَ بِنَاءُ مَنَارَةٍ فِي زَمَانِنَا فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِ مِائَةٍ مِنْ حِجَارَةٍ بِيضٍ وَكَانَ بِنَاؤُهَا مِنْ أَمْوَالِ النَّصَارَى الَّذِينَ حَرَقُوا الْمَنَارَةَ الَّتِي كَانَتْ مَكَانَهَا وَلَعَلَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ الظَّاهِرَةِ حَيْثُ قَيَّضَ اللَّهُ تَعَالَى بِنَاءَ هَذِهِ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ مِنْ أَمْوَالِ النَّصَارَى لِيَنْزِلَ عِيسَى عليه السلام (شَرْقِيَّ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى (دِمَشْقَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَتُكْسَرُ (فَيُدْرِكُهُ) أَيْ يُدْرِكُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ

ص: 301

الدَّجَّالَ (عِنْدَ بَابِ لُدٍّ) بِضَمِّ لَامٍ وَتَشْدِيدِ دَالٍ مَصْرُوفٌ وَهُوَ بَلْدَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ

وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ وَقِيلَ بِفِلَسْطِينَ

وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فَبَيْنَمَا هُوَ كذلك إذ بعث الله المسيح بن مَرْيَمَ عليه السلام فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَاذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَّانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرَفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِيَ عِيسَى قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثَهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى عليه السلام أَنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا فَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عليه السلام وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عليه السلام وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَاهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عليه السلام وَأَصْحَابُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ

فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ صريح في أن نبي الله عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ عِنْدَ قُرْبِ السَّاعَةِ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ الْمَوْعُودَ الْمُنْذَرَ بِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ والفساد نزول عيسى بن مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فتنة الدجال ولفظ النسائي وبن مَاجَهْ مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ [4322](عَنِ السَّيْبَانِيِّ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَبِي زُرْعَةَ يَحْيَى بْنُ أَبِي عُمَرَ وَكَذَا نَسَبُهُ فِي الْأَطْرَافِ (نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ

وَالْمُؤَلِّفُ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ مُخْتَصَرًا وَأَحَالَ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَسَاقَهُ بن مَاجَهْ بِتَمَامِهِ

وَفِيهِ فَقَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ قَالَ هُمْ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّي بِهِمُ الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مَرْيَمَ الصُّبْحَ فَرَجَعَ ذَلِكَ الْإِمَامُ يَنْكُصُ يَمْشِي الْقَهْقَرَى لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى يُصَلِّي

ص: 302

بِالنَّاسِ فَيَضَعُ عِيسَى يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ تَقَدَّمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ فَيُصَلِّي بِهِمْ إِمَامُهُمْ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ عِيسَى عليه السلام افْتَحُوا الْبَابَ فَيُفْتَحُ وَوَرَاءَهُ الدَّجَّالُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُودِيٍّ كُلُّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلًّى وَسَاجٍ فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا وَيَقُولُ عِيسَى عليه السلام إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةٌ لَنْ تَسْبِقَنِي بِهَا فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ اللُّدِّ الشَّرْقِيِّ فَيَقْتُلُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

وَفِيهِ قَالَ رسول الله فيكون عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام فِي أُمَّتِي حَكَمًا عَدْلًا وَإِمَامًا مُقْسِطًا يَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَذْبَحُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الجزية فذكره بطوله

ورواية بن مَاجَهْ هَذِهِ فِيهَا ضَعْفٌ

إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ قَدْ ضُعِّفَ

وَأَمَّا إِسْنَادُ الْمُؤَلِّفِ لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ فَصَحِيحٌ وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ

عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَأَمَّا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الرَّمْلِيُّ فَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وأحمد والنسائي وبن سَعْدٍ

وَأَمَّا يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيُّ فوثقه أحمد ودحيم وبن خِرَاشٍ وَالْعِجْلِيُّ

وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السيباني فوثقه بن حِبَّانَ وَذَكَرَهُ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ

وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ

[4323]

عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ عَنْ أَبِي الدرداء أن نبي الله وَهَكَذَا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (عُصِمَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ وُقِيَ وَحُفِظَ (مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) أَيْ مِنْ آفَاتِهِ

(قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا قَالَ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ) عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْغَطَفَانِيِّ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَمَا رَوَاهُ همام عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلُهُ (إِلَّا أَنَّهُ) أَيْ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ (قَالَ مَنْ حَفِظَ مِنْ خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْكَهْفِ

إِلَخْ) فَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَهَمَّامٌ كِلَاهُمَا اتَّفَقَا فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ قَتَادَةَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ لَكِنِ اخْتَلَفَا فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ فَقَالَ هَمَّامٌ فِي رِوَايَتِهِ مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَقَالَ هِشَامٌ مَنْ حَفِظَ مِنْ

ص: 303

خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَتَابَعَ هِشَامًا شُعْبَةُ فَقَالَ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْكَهْفِ

هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْإِمَامِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْغَطَفَانِيِّ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أن نبي الله قَالَ مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ

وَحَدَّثَنَا محمد بن المثنى وبن بَشَّارٍ قَالَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أخبرنا شعبة ح

وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ شُعْبَةُ مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ وَقَالَ هَمَّامٌ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ كَمَا قَالَ هِشَامٌ

فَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ هَذِهِ تُنَادِي أَنَّ هَمَّامًا وَهِشَامًا كِلَيْهِمَا مُتَّفِقَانِ فِي الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ وَقَالَا عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ وأما شعبة فقال من آخرالكهف

وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أول الكهف

وقال المزي في الأطراف وأخرج النسائي أي في السنن الكبرى في فضائل القرآن وَفِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْكَهْفِ وَقَالَ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ

وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَفَّانَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ مِثْلُ الْأَوَّلِ عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ

انْتَهَى

قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا فِي أَوَّلِهَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ فَمَنْ تَدَبَّرَهَا لَمْ يُفْتَتَنْ بِالدَّجَّالِ وَكَذَا فِي آخِرِهَا أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يتخذوا إِلَخْ

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ فَقِيلَ لِمَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا لَمْ يَسْتَغْرِبْ أَمْرَ الدَّجَّالِ وَلَمْ يَهُلْهُ ذَلِكَ فَلَمْ يُفْتَتَنْ بِهِ وَقِيلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِيُنْذِرَ بَأْسًا شديدا من لدنه تَمَسُّكًا بِتَخْصِيصِ الْبَأْسِ بِالشِّدَّةِ وَاللَّدُنِّيَّةِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا يَكُونُ مِنَ الدَّجَّالِ مِنْ دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ واستيلائه وعظم فتنته ولذلك عظم أَمْرَهُ وَحَذَّرَ عَنْهُ وَتَعَوَّذَ مِنْ فِتْنَتِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَتَدَبَّرَهَا وَوَقَفَ عَلَى مَعْنَاهَا حَذِرَهُ فَأَمِنَ مِنْهُ

وَقِيلَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ السُّورَةِ كُلِّهَا فَقَدْ رُوِيَ مَنْ حَفِظَ سُورَةَ الْكَهْفِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الدَّجَّالُ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَوَّلَ سُورَةِ الْكَهْفِ مَعَ مَنْ رَوَى مِنْ آخِرِهَا وَيَكُونُ ذِكْرُ الْعَشْرِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِدْرَاجِ فِي حِفْظِهَا كُلِّهَا

انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ

ص: 304

قُلْتُ وَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ أَيْضًا رِوَايَةُ عَشْرِ آيَاتٍ مَعَ مَنْ رَوَى ثَلَاثَ آيَاتٍ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فَلَفْظُ مُسْلِمٍ مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ وفي لفظ من آخر الكهفوفي لَفْظٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ

يَعْنِي [4324](عِيسَى عليه السلام هَذَا تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي بَيْنَهُ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ (نَبِيٌّ) اسْمٌ مُؤَخَّرٌ لِلَيْسَ

قال السيوطي في مرقاة الصعود أول الْحَدِيثُ عِنْدَ أَحْمَدَ الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَإِنِّي أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى بن مَرْيَمَ

لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ انْتَهَى

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال سمعت رسول الله يَقُولُ أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ الْأَنْبِيَاءُ أولاد علات وليس بيني وبينه نبي

و (إنه) أَيْ عِيسَى عليه السلام (نَازِلٌ) وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ عَنْ أبي هريرة عن النبي قال يمكث عيسى في الأرض بعد ما ينزل أربعون سنة ثم يموت ويصلي عليه المسلمين وَيَدْفِنُوهُ

وَهَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ

أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْبَصْرِيُّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ هُوَ أَصْدَقُ النَّاسِ وَقَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ وَقَالَ وَكِيعٌ جَبَلُ الْعِلْمِ وشيخه هشام هو بن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ أَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَقَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ أَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ آدَمَ فَهُوَ من رجال مسلم ووثقه بن حِبَّانَ

وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ بِنُزُولِ عِيسَى عليه السلام يرتفع التكاليف لِئَلَّا يَكُونَ رَسُولًا إِلَى أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَأْمُرُهُمْ عَنِ اللَّهِ وَيَنْهَاهُمْ وَهَذَا مَرْدُودٌ لِقَوْلِهِ تعالى وخاتم النبيين وقوله لَا نَبِيَّ مِنْ بَعْدِي وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ عِيسَى عليه السلام يَنْزِلُ نَبِيًّا بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا بَلْ إِذَا نَزَلَ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أتباع محمد كما أخبر حَيْثُ قَالَ لِعُمَرَ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي فَعِيسَى عليه السلام إِنَّمَا يَنْزِلُ مُقَرِّرًا لِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَمُجَدِّدًا لَهَا إذ هي آخر الشرائع

ص: 305

ومحمد آخِرُ الرُّسُلِ فَيَنْزِلُ حَكَمًا مُقْسِطًا وَإِذَا صَارَ حَكَمًا فَإِنَّهُ لَا سُلْطَانَ يَوْمَئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا إِمَامَ وَلَا قَاضِيَ وَلَا مُفْتِيَ غَيْرَهُ وَقَدْ قَبَضَ اللَّهُ الْعِلْمَ وَخَلَا النَّاسُ مِنْهُ فَيَنْزِلُ وَقَدْ عَلِمَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عِلْمِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْعَمَلِ بِهِ فِي نَفْسِهِ فَيَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَيُحَكِّمُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِذْ لَا أَحَدَ يَصْلُحُ لِذَلِكَ غَيْرَهُ

قَالَ السُّيُوطِيُّ مَا قَالَهُ كَكَوْنِ الْعُلَمَاءِ يُسْلَبُونَ عِلْمَهُمْ بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ لَا تَزَالُ الْأُمَّةُ بِعُلَمَائِهِمْ وَقُضَاتِهِمْ وَغَيْرِهِمْ إِلَّا أَنَّ الْإِمَامَ الْأَكْبَرَ الْمَرْجُوعَ إِلَيْهِ هُوَ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَبْضُ الْعِلْمِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُؤْمِنِينَ

(رَجُلٌ) أَيْ هُوَ رَجُلٌ (مَرْبُوعٌ) أَيْ بَيْنَ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ (بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُمَصَّرَةُ مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا صُفْرَةٌ خَفِيفَةٌ أَيْ يَنْزِلُ عِيسَى عليه السلام بَيْنَ ثَوْبَيْنِ فِيهِمَا صُفْرَةٌ خَفِيفَةٌ (كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ) كِنَايَةٌ عَنِ النَّظَافَةِ وَالنَّضَارَةِ (فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ) أَيْ يَكْسِرُهُ

قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِ أَيْ فَيُبْطِلُ النَّصْرَانِيَّةَ وَيَحْكُمُ بالملة الحنيفية

وقال بن الْمَلَكِ الصَّلِيبُ فِي اصْطِلَاحِ النَّصَارَى خَشَبَةٌ مُثَلَّثَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّ عِيسَى عليه الصلاة والسلام صُلِبَ عَلَى خَشَبَةٍ مُثَلَّثَةٍ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ صُورَةُ الْمَسِيحِ (وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ) أَيْ يُحَرِّمُ اقْتِنَاءَهُ وَأَكْلَهُ وَيُبِيحُ قَتْلَهُ (وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ يُكْرِهُ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ بَلِ الْإِسْلَامَ أَوِ الْقَتْلَ

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فَلَا يَبْقَى ذِمِّيٌّ تُجْرَى عَلَيْهِ جِزْيَةٌ أَيْ لَا يَبْقَى فَقِيرٌ لِاسْتِغْنَاءِ النَّاسِ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ فَتَسْقُطُ الْجِزْيَةُ لِأَنَّهَا إِنَّمَا شُرِعَتْ لِتُرَدَّ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ تَقْوِيَةً لَهُمْ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مُحْتَاجٌ لَمْ تُؤْخَذْ

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَوْ أَرَادَ بِوَضْعِ الْجِزْيَةِ تَقْرِيرَهَا عَلَى الْكُفَّارِ بِلَا مُحَابَاةٍ فَيَكْثُرُ الْمَالُ بِسَبَبِهِ

وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ صَوَابَهُ أَنَّ عِيسَى لَا يَقْبَلُ غَيْرَ الْإِسْلَامِ

وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَتَكُونُ الدَّعْوَةُ وَاحِدَةً

قَالَ النَّوَوِيُّ فَلَيْسَ بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ نَسْخٌ لِمَا تُقُرِّرَ بِشَرِيعَتِنَا لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِأَنَّهَا تَسْتَمِرُّ إِلَى نُزُولِهِ فتوضع

فنبينا محمد بَيَّنَ غَايَةَ اسْتِمْرَارِهَا فَلَا نَسْخَ لِشَرِيعَتِهِ بَلْ هو عمل بما بينه

كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ

(وَيُهْلِكُ) مِنَ الْإِهْلَاكِ أَيْ عِيسَى عليه السلام (الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ) مَفْعُولُ يُهْلِكُ

زَادَ أَحْمَدُ ثُمَّ تَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسْدُ مَعَ الْإِبِلِ وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ وَتَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ (فَيَمْكُثُ) أَيْ عِيسَى عليه السلام (فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً) قَالَ

ص: 306

الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ وَيُشْكِلُ بِمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ سَبْعَ سِنِينَ قَالَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ السَّبْعُ عَلَى مُدَّةِ إِقَامَتِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُضَافًا لِمُكْثِهِ بِهَا قَبْلَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَعُمُرُهُ إِذْ ذَاكَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً بِالْمَشْهُورِ

انْتَهَى

وَفِي فَتْحِ الْبَارِي فِي كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَيَمْكُثُ عِيسَى فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً

وَرَوَى مُسْلِمٌ من حديث بن عَمْرٍو فِي مُدَّةِ إِقَامَةِ عِيسَى بِالْأَرْضِ بَعْدَ نُزُولِهِ أَنَّهَا سَبْعُ سِنِينَ

وَرَوَى نُعَيْمُ بْنُ حماد في كتاب الفتن من حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ عِيسَى إِذْ ذَاكَ يَتَزَوَّجُ فِي الأرض ويقيم بها تسع عشر سَنَةً

وَبِإِسْنَادٍ فِيهِ مُبْهَمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً

وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ مَرْفُوعًا

انْتَهَى

(ثُمَّ يُتَوَفَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ يُتَوَفَّى بِطَيْبَةَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ هُنَالِكَ وَيُدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ

وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مَكْتُوبٌ فِي التوراة صفة محمد وعيسى بن مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ

كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ آدَمَ هَذَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ بَصْرِيٌّ يُقَالُ فيه بن بُرْثُنٍ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَسْكِينِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ فِي قَوْلٍ وَيُعْرَفُ بِصَاحِبِ السِّقَايَةِ

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ آدَمَ إِنَّمَا نُسِبَ إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يُعْرَفُ

انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ مُخْتَصَرًا

وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ آدَمَ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ السِّقَايَةِ صَدُوقٌ

وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ رُوحَ اللَّهِ عِيسَى نَازِلٌ فِيكُمْ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيُهْلِكَ اللَّهُ فِي زمانه المسيح الدجال وتقع الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

وَفِيهِ فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ

قلت تواترت الأخبار عن النبي في نزول عيسى بن مريم مِنَ السَّمَاءِ بِجَسَدِهِ الْعُنْصُرِيِّ إِلَى الْأَرْضِ عِنْدَ قُرْبِ السَّاعَةِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ

قال النووي قال القاضي نزول عيسى عليه السلام وَقَتْلُهُ الدَّجَّالَ حَقٌّ وَصَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ وَلَا فِي الشَّرْعِ مَا يُبْطِلُهُ فَوَجَبَ إِثْبَاتُهُ

ص: 307

وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَرْدُودَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وخاتم النبيين وبقوله لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا نبي بعد نبينا وَأَنَّ شَرِيعَتَهُ مُؤَبَّدَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُنْسَخُ

وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِنُزُولِ عِيسَى عليه السلام أَنَّهُ يَنْزِلُ نَبِيًّا بِشَرْعٍ يَنْسَخُ شَرْعَنَا وَلَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَا فِي غَيْرِهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا بَلْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ هُنَا أَيْ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يَنْزِلُ حَكَمًا مُقْسِطًا يَحْكُمُ بِشَرْعِنَا وَيُحْيِي مِنْ أُمُورِ شَرْعِنَا مَا هَجَرَهُ النَّاسُ

انْتَهَى

وَفِي فَتْحِ الْبَارِي تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الْمَهْدِيَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّ عِيسَى عليه السلام يُصَلِّي خَلْفَهُ

وَقَالَ الْحَافِظُ أَيْضًا الصَّحِيحُ أَنَّ عِيسَى رُفِعَ وَهُوَ حَيٌّ

انْتَهَى

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّوْضِيحِ فِي تَوَاتُرِ مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ فِي الْمَهْدِيِّ وَالدَّجَّالِ وَالْمَسِيحِ وقد ورد في نزول عيسى عليه السلام مِنَ الْأَحَادِيثِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا ثُمَّ سَرَدَهَا وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَمِيعُ مَا سُقْنَاهُ بَالِغٌ حَدَّ التَّوَاتُرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ فَضْلُ اطِّلَاعٍ فَتَقَرَّرَ بِجَمِيعِ مَا سُقْنَاهُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْمَهْدِيِّ الْمُنْتَظَرِ مُتَوَاتِرَةٌ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الدَّجَّالِ مُتَوَاتِرَةٌ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي نُزُولِ عِيسَى عليه السلام مُتَوَاتِرَةٌ

انْتَهَى

وَإِنِّي أَسْرُدُ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي نُزُولِ عِيسَى عليه السلام غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ فِي عَصْرِنَا هَذَا فَأَقُولُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ قَتْلِ الْخِنْزِيرِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ بن شهاب عن بن الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رسول الله وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ بن مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أَحَدٌ

وَقَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا لَيْثٌ ح

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رمح قال حدثنا الليث عن بن شهاب عن بن الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رسول الله وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ بن مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أَحَدٌ

وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ مِثْلَهُ سَنَدًا وَمَتْنًا وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

انْتَهَى

وَقَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ هَمَّادٍ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ح

وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا بن وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ ح

وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحَلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ

ص: 308

صَالِحٍ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ

وَفِي رواية بن عُيَيْنَةَ إِمَامًا مُقْسِطًا وَحَكَمًا عَدْلًا وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ حَكَمًا عَادِلًا وَلَمْ يَذْكُرْ إِمَامًا مُقْسِطًا

وَفِي حَدِيثِ صَالِحٍ حَكَمًا مُقْسِطًا كَمَا قَالَ اللَّيْثُ

وَفِي حَدِيثِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَحَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا ليؤمنن به قبل موته انتهى

وأخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِنَحْوِ إِسْنَادِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى بن مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا الْحَدِيثَ

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ كَسْرِ الصَّلِيبِ مِنْ كِتَابِ الْمَظَالِمِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هريرة عن رسول الله قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيكُمُ بن مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

وأخرج في باب نزول عيسى بن مريم مِنْ كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَنْبَأَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ بن شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هريرة قال قال رسول الله وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ بن مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ يقول أبو هريرة واقرأوا إِنْ شِئْتُمْ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عليهم شهيدا حدثنا بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن بن شِهَابٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ كيف أنتم إذا نزل بن مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ

انْتَهَى كَلَامُ الْبُخَارِيِّ

وَحَدِيثُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رسول الله والله لينزلن بن مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ وَليَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ وَلَيَضَعَنِ الْجِزْيَةَ وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي الْفِتَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رسول الله يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ فَيَبْعَثُ الله عيسى بن مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ

ص: 309

وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى وَإِذَا هُمْ بِعِيسَى فَيُقَالُ تَقَدَّمْ يَا رُوحُ اللَّهِ فَيَقُولُ لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ

وَلِابْنِ مَاجَهْ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الطَّوِيلِ فِي الدَّجَّالِ قَالَ وَكُلُّهُمْ أَيِ المسلمون ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح فقد تَقَدَّمَ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ إِذْ نَزَلَ عِيسَى فَرَجَعَ الْإِمَامُ يَنْكُصُ لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى فَيَقِفُ عِيسَى بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ تَقَدَّمْ فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ

انْتَهَى

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي الْفِتَنِ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلُهُمْ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثٌ هُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ

وَيَفْتَتِحُ الثلث لا يفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية فبيناهم يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ في أهليكم فيخرجون وذلك باطل فإذا جاؤوا الشَّامَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم فَأَمَّهُمْ الْحَدِيثَ

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي التَّوْضِيحِ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِإِسْنَادٍ فِيهِ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ بِلَفْظِ يوشك المسيح بن مَرْيَمَ أَنْ يَنْزِلَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ويكسر الصليب وتكون الدعوة واحدة فأقرؤه من رسول الله

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِإِسْنَادَيْنِ رِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنِّي لَأَرْجُو إِنْ طَالَ بي عمر أن ألقى عيسى بن مَرْيَمَ فَإِنْ عَجَّلَ بِي مَوْتٌ فَمَنْ لَقِيَهُ فليقرأه مِنِّي السَّلَامُ انْتَهَى

قُلْتُ لَفْظُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنِّي لَأَرْجُو إِنْ طَالَ بِي عمر أن ألقى عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام فَإِنْ عَجَّلَ بِي مَوْتٌ فمن لقيه منكم فليقرأه مِنِّي السَّلَامُ

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هريرة أيضا بلفظ ليهبطن عيسى بن مَرْيَمَ حَكَمًا وَإِمَامًا مُقْسِطًا وَلَيَسْلُكَنَّ فِجَاجًا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا وَلَيَأْتِيَنَّ قَبْرِي حَتَّى يُسَلِّمَ وَلَأَرُدَّنَّ عَلَيْهِ انْتَهَى

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ قَتْلِ عيسى بن مَرْيَمَ الدَّجَّالَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَمِّي مُجَمِّعَ بْنَ جارية الأنصاري يقول سمعت رسول الله يقول يقتل بن مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

ص: 310

وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَنَافِعِ بن علبة وَأَبِي بَرْزَةَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَكَيْسَانَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَجَابِرٍ وَأَبِي أمامة وبن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَالنَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ انْتَهَى

فَلَا يَخْفَى عَلَى كل منصف أن نزول عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام إِلَى الْأَرْضِ حَكَمًا مُقْسِطًا بِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّهُ الْآنَ حَيٌّ فِي السَّمَاءِ لَمْ يَمُتْ بِيَقِينٍ

وَأَمَّا ثُبُوتُهُ مِنَ الْكِتَابِ فَقَالَ اللَّهُ عز وجل رَدًّا عَلَى الْيَهُودِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمُ الزَّاعِمِينَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا عِيسَى بن مَرْيَمَ عليه السلام وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رفعه الله إليه فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الَّذِي أَرَادَ الْيَهُودُ قَتْلَهُ وَأَخْذَهُ وَهُوَ عِيسَى بِجِسْمِهِ الْعُنْصُرِيِّ لَا غَيْرُ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَمْ يَظْفَرُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ رَفْعِهِ بِقَوْلِهِ وَمَا يَضُرُّونَكَ من شيء وبرفع جسده حيا فسره بن عَبَّاسٍ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ

فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ عِيسَى عليه السلام رُفِعَ حَيًّا وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ الْمَذْكُورَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِنُزُولِهِ بِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أي قبل موت عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا فِي تَفْسِيرِ بن كَثِيرٍ فَثَبَتَ أَنَّ عِيسَى عليه السلام لَمْ يَمُتْ بَلْ يَمُوتُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَيُؤْمِنُ بِهِ كُلُّ أَهْلِ الْكِتَابِ

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ نُزُولَهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّهُ لعلم للساعة

وقال الإمام بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ الصَّحِيحُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى عِيسَى عليه السلام فَإِنَّ السِّيَاقَ فِي ذِكْرِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ نُزُولُهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا ليؤمنن به قبل موته أَيْ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى عليه السلام وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى الْقِرَاءَةُ وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ يَعْنِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ أَيْ أَمَارَةٌ وَدَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ السَّاعَةِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ أي آية للساعة خروج عيسى بن مَرْيَمَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أبي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي مَالِكٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رسول الله أَنَّهُ أَخْبَرَ بِنُزُولِ عِيسَى عليه السلام قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِمَامًا عَادِلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا انْتَهَى

ص: 311

فَهَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ وَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رسول الله تدل دلالة واضحة على نزول عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ عِنْدَ قُرْبِ السَّاعَةِ وَلَا يُنْكِرُ نُزُولَهُ إِلَّا ضَالٌّ مُضِلٌّ مُعَانِدٌ لِلشَّرْعِ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ

وَمِنَ الْمَصَائِبِ الْعُظْمَى وَالْبَلَايَا الْكُبْرَى عَلَى الْإِسْلَامِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُلْحِدِينَ الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ خَرَجَ مِنَ الْفِنْجَابِ مِنْ إِقْلِيمِ الْهِنْدِ وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ مُدَّعِيًا للإ سلام كَذَّبَ الشَّرِيعَةَ وَعَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَطَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَكَانَ أَوَّلُ مَا ادَّعَاهُ أَنَّهُ مُحَدَّثٌ وَمُلْهَمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ كَثُرَتْ فِتْنَتُهُ وَعَظُمَتْ بَلِيَّتُهُ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَأَلْفٍ وَثَلَاثِ مِائَةٍ إِلَى السَّنَةِ الْحَاضِرَةِ وَهِيَ سَنَةُ عِشْرِينَ بَعْدَ الْأَلْفِ وَثَلَاثِ مِائَةٍ وَأَلَّفَ الرَّسَائِلَ الْعَدِيدَةَ (مِنْهَا تَوْضِيحُ الْمُرَادِ وَمِنْهَا إِزَالَةُ الْأَوْهَامِ وَمِنْهَا فَتْحُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّحْرِيرَاتِ) فِي إِثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِلْهَامَاتِ الْكَاذِبَةِ وَالدَّعَاوَى الْعَقْلِيَّةِ الْوَاهِيَةِ وَأَقْوَالِ الزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ وَحَرَّفَ الْكَلِمَ وَالنُّصُوصَ الظَّاهِرَةَ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَتَفَوَّهَ بِمَا تقشعر منه الجلود وبما لم تجترىء عَلَيْهِ إِلَّا غَيْرُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ شُرُورِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ فَمِنْ أَقْوَالِهِ الْوَاهِيَةِ الْمَرْدُودَةِ الَّتِي صَرَّحَ بِهَا فِي رسائله أن نزول عيسى بن مَرْيَمَ وَرَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ بِجَسَدِهِ الْعُنْصُرِيِّ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ

وَادَّعَى أَنَّ عِيسَى الْمَسِيحَ الْمَوْعُودَ فِي الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَالْخَارِجَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لقتل الدجال ليس هو عيسى بن مَرْيَمَ الَّذِي تُوُفِّيَ بَلِ الْمَسِيحُ الْمَوْعُودُ مَثِيلُهُ وَهُوَ أَنَا الَّذِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَادِيَانِ وَأَنَا هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ وَنَطَقَتْ بِهِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ وَأَمَّا عِيسَى بن مَرْيَمَ فَلَيْسَ بِحَيٍّ فِي السَّمَاءِ

وَأَنْكَرَ وُجُودُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخْبَرَنَا بِهِ رَسُولُ الله وأنكر نزول جبرائيل عليه السلام على النبي وَأَنْكَرَ نُزُولَ مَلَكِ الْمَوْتِ وَأَنْكَرَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ

وَيَذْهَبُ فِي وُجُودِ الْمَلَائِكَةِ مَذْهَبُ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمَلَاحِدَةِ وَيَقُولُ إِنَّ النُّبُوَّةَ التَّامَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ وَلَكِنَّ النُّبُوَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْمُبَشِّرَاتِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا انْقِطَاعَ لَهَا أَبَدًا وَأَنَّ أَبْوَابَ النُّبُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ مَفْتُوحَةٌ أَبَدًا

وَيَقُولُ إِنَّ ظَوَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَصْرُوفَةٌ عَنْ ظَوَاهِرِهَا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ بِالِاسْتِعَارَاتِ وَالْكِنَايَاتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ

قُلْتُ وَأَكْثَرُ عَقَائِدِهِ وَمُعْظَمُ مَقَالَاتِهِ مُوَافِقٌ لِمَقَالَاتِ الْفِرْقَةِ النَّيْجِرِيَّةِ الطَّاغِيَةِ وَمُطَابِقٌ لِمَذْهَبِ هَؤُلَاءِ الطَّائِفَةِ الزَّائِغَةِ فَإِنَّ الطَّائِفَةَ النَّيْجِرِيَّةَ أَفْسَدَتْ فِي أَرْضِ الْهِنْدِ وَتَقَوَّلَتْ عَلَى اللَّهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ وَصَنَّفَ رَئِيسُ النَّيْجِرِيَّةِ وَإِمَامُهُمْ تَفْسِيرًا لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِلُغَةِ الْهِنْدِ فَفَسَّرَهُ بِرَأْيِهِ الْفَاسِدِ وَحَرَّفَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ وَصَرَفَ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَجَاءَ بِالطَّامَّةِ الْكُبْرَى وَأَنْكَرَ مُعْظَمَ

ص: 312

عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَمَ وَأَتْقَنَ مَذَاهِبَ الْفَلَاسِفَةِ وَأَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَعَكَفَ عَلَى تَأْلِيفَاتِ هَؤُلَاءِ فَاسْتَخْرَجَ عَنْهَا مَا أَرَادَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُضَادَّةِ لِلشَّرِيعَةِ وَالْمُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّحِيَّةِ وَرَدَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الثَّابِتَةَ وَأَنْكَرَ وُجُودَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأَنْكَرَ الْمُعْجِزَاتِ بِأَسْرِهَا وَأَثْبَتَ الأب لعيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَالَاتِ الْبَاطِلَةِ الْمَرْدُودَةِ وَصَنَّفَ لِإِثْبَاتِ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ رَسَائِلَ كَثِيرَةً وَحَرَّرَ التَّحْرِيرَاتِ فَضَلَّ وَأَضَلَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَكِنَّ عُلَمَاءَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَزَلْ دَأْبُهُمْ وَهِمَّتُهُمْ لِرَدِّ مَقَالَاتِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَالزَّيْغِ وَالْفَسَادِ وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ خَيْرَ ذَخِيرَةٍ لِلْمَعَادِ فَقَامَ عَلَى رَدِّ مَقَالَاتِهِ الْفَاسِدَةِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْقَاضِي بَشِيرُ الدِّينِ الْقَنُّوجِيُّ فَصَنَّفَ كِتَابًا سَمَّاهُ بِإِمْدَادِ الْآفَاقِ بِرَجْمِ أَهْلِ النِّفَاقِ فِي رَدِّ تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّحْرِيرَاتِ الْعَجِيبَةِ وَالْمَضَامِينِ الْبَالِغَةِ

وَجَرَى بَيْنَ شَيْخِي وَبَيْنَ رَئِيسِ تِلْكَ الطَّائِفَةِ تَحْرِيرَاتٌ شَتَّى إِلَى عِدَّةِ سِنِينَ يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْمَقَامُ

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَعَاقَبَ تَعَاقُبًا حَسَنًا وَرَدَّ كَلَامَهُ رَدًّا بَلِيغًا الْفَاضِلُ اللَّاهُورِيُّ وَشَفَا صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ فَرَئِيسُ النَّيْجِرِيَّةِ مَتْبُوعٌ وَإِمَامُ صِرَاطِ الضَّلَالَةِ أَيِ الْمُدَّعِي لِمَثِيلِ الْمَسِيحِ تَابِعٌ لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي تِلْكَ الْإِلْهَامَاتِ الْكَاذِبَةِ وَالِادِّعَاءِ لِمَثِيلِ الْمَسِيحِ

فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ضَلَالَ هَذَا الرَّجُلِ الْمُفْتَرِي الْمُدَّعِي أَنَّ الْمَسِيحَ عليه السلام قَدْ مَاتَ وَأَنَّهُ مَثِيلُ عِيسَى بَلْ عِيسَى عليه السلام حَيٌّ فِي السَّمَاءِ وَيَنْزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عِيسَى عليه السلام يَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ وَلَيْسَتْ مَدِينَةُ دِمَشْقَ وَلَا الْمَنَارَةُ الْبَيْضَاءُ بَلْدَةَ الْقَادَيَانِيِّ وَلَا مَنَارَتَهُ

وتقدم أيضا أن رسول الله قال في وصف عيسى عليه السلام بِأَنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ وَأَنَّهُ يَنْزِلُ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ وَأَنَّهُ بِنُزُولِهِ تَذْهَبُ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ وَأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ وَأَنَّهُ يَحْثُو الْمَالَ حَثْوًا وَأَنَّهُ يُقَاتِلُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا وُجُودَ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الشَّرِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الرَّجُلِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَثِيلُ عِيسَى وَأَنَّ عِيسَى عليه السلام لَا أَبَ لَهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ وَهَذَا الرَّجُلُ لَهُ أَبٌ وَجَدٌّ وَلَيْسَ فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ مَا يُصَحِّحُ دَعَاوِيهِ كُلُّهَا أَكَاذِيبٌ وَاهِيَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضَلَالَةِ وَسُخْفِ عَقْلِهِ وَفَسَادِ رَأْيِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هاد

ص: 313

وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ شيخنا الإمام الرحلة الآفاق السَّيِّدَ مُحَمَّد نَذِير حُسَيْن الدَّهْلَوِيَّ أَدَامَ اللَّهُ بَرَكَاتِهِ وَمِنْهُمْ شَيْخُنَا الْمُحَدِّثُ الْقَاضِي حُسَيْنُ بْنُ مُحْسِنٍ الْأَنْصَارِيُّ أَلَّفَ رِسَالَةً سَمَّاهَا بِالْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْقَادَيَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ الْكِرَامِ الْحَامِي لِدِينِ الْإِسْلَامِ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ بِأَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ قَدْ أَظْهَرَ فِي رَسَائِلِهِ عَقَائِدَ كُفْرِيَّةً وَمَقَالَاتٍ بِدْعِيَّةً خَرَجَ بِهَا عَنِ اتِّبَاعِ السُّنَنِ وَالْإِسْلَامِ وَتَبِعَ فِيهَا الْفَلَاسِفَةَ والْأَرِيَّةَ وَالنَّصَارَى وَالْمَلَاحِدَةَ الْبَاطِنِيَّةَ اللِّئَامَ وَأَنَّهُ قَدْ عَارَضَ الْحَقَّ الصَّرِيحَ وَأَنْكَرَ كَثِيرًا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُجَالِسُوهُ وَيُخَالِطُوهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

وَمِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ الْمُدَّعِي خَرَجَ رجل في عصر شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله وادعى بأنه عيسى بن مَرْيَمَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ تَيْمِيَةَ رحمه الله فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِبُغْيَةِ الْمُرْتَادِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ مِنَ الْقَائِلِينَ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَقَدْ كَانَ عِنْدَنَا بِدِمَشْقَ الشَّيْخُ الْمَشْهُورُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بن هُودٍ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَنْ رَأَيْنَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةِ زُهْدًا وَمَعْرِفَةً وَرِيَاضَةً وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِابْنِ سَبْعِينَ وَمُفَضِّلًا لَهُ عنده على بن عربي وغلامه بن إِسْحَاقَ

وَأَكْثَرُ النَّاسِ مِنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ كَانُوا يُطِيعُونَ أَمْرَهُ وَكَانَ أَصْحَابُهُ الْخَوَاصُّ بِهِ يَعْتَقِدُونَ فيه أنه أي بن هود المسيح بن مَرْيَمَ وَيَقُولُونَ إِنَّ أُمَّهُ اسْمُهَا مَرْيَمَ وَكَانَتْ نصرانية ويعتقدون أن قول النبي ينزل فيكم بن مَرْيَمَ هُوَ هَذَا وَأَنَّ رُوحَانِيَّةَ عِيسَى عليه السلام تَنْزِلُ عَلَيْهِ وَقَدْ نَاظَرَنِي فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَهُمْ فِي مَعْرِفَتِهِ بِالْعُلُومِ الْفَلْسَفِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَعَ دُخُولِهِ فِي الزُّهْدِ وَالتَّصَوُّفِ وَجَرَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مُخَاطَبَاتٌ وَمُنَاظَرَاتٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا حَتَّى بَيَّنْتُ لَهُمْ فَسَادَ دَعْوَاهُمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي نُزُولِ عِيسَى الْمَسِيحِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى هَذَا

ص: 314