الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (أَوْ يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ مِنْ بَابِ الْإفْعَالِ وَأَوْ لِلشَّكِّ أي قال حَتَّى يَعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَوْ قَالَ حَتَّى يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِهِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَى يَعْذِرُوا أَيْ تَكْثُرُ ذُنُوبُهُمْ وَعُيُوبُهُمْ
قَالَ وَفِيهِ لُغَتَانِ يُقَالُ أَعْذَرَ الرَّجُلُ إعذارا إذ صَارَ ذَا عَيْبٍ وَفَسَادٍ
قَالَ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ عَذَرَ يَعْذِرُ بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْأَصْمَعِيُّ
قال أبو عبيدة وقد يكون بعذر بِفَتْحِ الْيَاءِ بِمَعْنَى يَكُونُ لِمَنْ يَعْذِرُهُمُ الْعُذْرَ فِي ذَلِكَ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ أَعْذَرَ فُلَانٌ مِنْ نَفْسِهِ إِذَا أَمْكَنَ مِنْهَا يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يَهْلِكُونَ حَتَّى تَكْثُرَ ذُنُوبُهُمْ وَعُيُوبُهُمْ فَيَسْتَوْجِبُونَ الْعُقُوبَةَ وَيَكُونُ لِمَنْ يُعَذِّبُهُمْ عُذْرٌ كَأَنَّهُمْ قَامُوا بِعُذْرِهِمْ فِي ذَلِكَ وَيُرْوَى بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ عَذَرْتُهُ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَحَقِيقَةُ عَذَرْتُ مَحَوْتُ الْإِسَاءَةَ وَطَمَسْتُهَا انْتَهَى
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَعْذَرَ فَقِيلَ معناه حتى يكثر ذُنُوبُهُمْ مِنْ أَعْذَرَ إِذَا صَارَ ذَا عَيْبٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُمْ عُذْرٌ بِإِظْهَارِ الْحَقِّ لَهُمْ وَتَرْكِهِمُ الْعَمَلَ بِهِ بِلَا عُذْرٍ وَمَانِعٍ مِنْ أَعْذَرَ إِذَا زَالَ عُذْرُهُ فَكَأَنَّهُمْ أَزَالُوا عُذْرَهُمْ وَأَقَامُوا الْحُجَّةَ لِمَنْ يَعْذِرُهُمْ حَيْثُ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِالْحَقِّ بَعْدَ ظُهُورِهِ وَقِيلَ عَذَرَهُ إِذَا جَعَلَهُ مَعْذُورًا فِي الْعِقَابِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ تَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّهُ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عن بن مَسْعُودٍ فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
8 -
(بَاب قِيَامِ السَّاعَةِ)
أَيِ السَّاعَةُ الْكُبْرَى هَلْ يَكُونُ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ
[4348]
فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ (أَرَأَيْتُمْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَرَأَيْتَكُمْ أَيْ أَخْبِرُونِي وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ لِأَنَّ مُشَاهَدَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَرِيقٌ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنْهَا وَالْهَمْزَةُ فِيهِ مُقَرِّرَةٌ أَيْ قَدْ رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَخْبِرُونِي (لَيْلَتَكُمْ) أَيْ شَأْنَ لَيْلَتِكُمْ أَوْ خَبَرَ لَيْلَتِكُمْ (هَذِهِ) هَلْ تَدْرُونَ مَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ وَتَاءُ أَرَأَيْتَكُمْ فَاعِلٌ وَالْكَافُ حَرْفُ خِطَابٍ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الِاسْتِخْبَارِ عَنْ حَالَةٍ عَجِيبَةٍ
وَلَيْلَتَكُمْ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَخْبِرُونِي قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ) أَيْ عِنْدَ انْتِهَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ
وَقَالَ السِّنْدِيُّ وَاسْمُ إِنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَلِلْبُخَارِيِّ فَإِنَّ رأس انتهى (منها) أي من تِلْكَ اللَّيْلَةِ (لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى الْأَرْضِ لَا يَعِيشُ بَعْدَهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ سَوَاءٌ قَلَّ عُمُرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَيْشِ أَحَدٍ يُوجَدُ بَعْدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَوْقَ مِائَةِ سَنَةٍ
قَالَ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ شَذَّ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ فَقَالَ بِمَوْتِ خَضِرِ عليه السلام وَالْجُمْهُورُ عَلَى حَيَاتِهِ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَحْرِ لَا عَلَى الْأَرْضِ
وَقِيلَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْغَالِبِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي حَيَاةِ الْخَضِرِ وَنُبُوَّتِهِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ هُوَ حَيٌّ مَوْجُودٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْمَعْرِفَةِ وَحِكَايَاتُهُمْ فِي رُؤْيَتِهِ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِ وَالْأَخْذِ عَنْهُ وَسُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ وَوُجُودِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ وَمَوَاطِنِ الْخَيْرِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ هُوَ حَيٌّ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْعَامَّةِ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّمَا شَذَّ بِإِنْكَارِهِ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ انْتَهَى
قُلْتُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ حَيَاةَ الْخَضِرِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ فَقَالَ اعْتَنَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِجَمْعِ الْحِكَايَاتِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ الصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ بَعْدَ الثَّالِثِ مِائَةٍ فَمَا بَلَغَتِ الْعِشْرِينَ مَعَ ما في أسانيد بعضها من يُضَعَّفُ لِكَثْرَةِ أَغْلَاطِهِ أَوْ إِيهَامِهِ بِالْكَذِبِ كَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ جَهْضَمٍ
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَاتَ الْخَضِرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ
قَالَ وَنَصَرَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ هَذَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى على الأرض ممن هو عليها أَحَدٌ يُرِيدُ مِمَّنْ كَانَ حَيًّا حِينَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ انْتَهَى
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ وَلَا يَثْبُتُ اجْتِمَاعُ الْخَضِرِ مَعَ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا مَعَ مُوسَى عليه السلام كَمَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَبَرِهِ وَجَمِيعُ مَا وَرَدَ فِي حَيَاتِهِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ
وَأَمَّا مَا جَاءَ مِنَ الْمَشَائِخِ فَهُوَ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ كَيْفَ يَجُوزُ لِعَاقِلٍ أَنْ يَلْقَى شَخْصًا لَا يَعْرِفُهُ فَيَقُولُ لَهُ أَنَا فُلَانٌ فَيُصَدِّقُهُ انْتَهَى
وَنَقَلَ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْخَضِرَ مَاتَ وَأَنَّ الْبُخَارِيَّ سُئِلَ عَنْ حَيَاةِ الْخَضِرِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بحديث بن عُمَرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عُمْدَةُ مَنْ تَمَسَّكَ بِأَنَّهُ مَاتَ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ
ونقل عن بن أَبِي الْفَضْلِ الْمُرْسِيِّ أَنَّ الْخَضِرَ صَاحِبَ مُوسَى مَاتَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَزِمَهُ الْمَجِيءُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي
وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مُبَارَكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ أَنَّ الخضر مات وبذلك جزم بن المنادي
وذكر بن الْجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي يَعْلَى بْنِ الْعَرَاءِ الْحَنْبَلِيِّ قَالَ سُئِلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْخَضِرِ هَلْ مَاتَ فَقَالَ نَعَمْ
قَالَ وَبَلَغَنِي مِثْلُ هَذَا عَنْ أَبِي طَاهِرِ بْنِ الْعَبَّادِيِّ وَكَانَ يَحْتَجُّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ وَمِنْهُمْ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ نَاصِرٍ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن الحسن النقاش ومنهم بن الْجَوْزِيِّ وَاسْتَدَلَّ بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي قَالَ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ مُوسَى فَكَيْفَ لَمْ يَتْبَعْهُ الْخَضِرُ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَيُصَلِّي مَعَهُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَيُجَاهِدُ تَحْتَ رَايَتِهِ كَمَا ثَبَتَ أَنَّ عِيسَى عليه السلام يُصَلِّي خَلْفَ إِمَامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادَى بَحَثْتُ عَنْ تَعْمِيرِ الْخَضِرِ وَهَلْ هُوَ بَاقٍ أَمْ لَا فَإِذَا أَكْثَرُ الْمُغَفَّلِينَ مُغْتَرُّونَ بِأَنَّهُ بَاقٍ مِنْ أَجْلِ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ
قَالَ وَالْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ فِي ذَلِكَ وَاهِيَةٌ وَالسَّنَدُ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ سَاقِطٌ لِعَدَمِ ثِقَتِهِمْ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ لَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ أُدْخِلَتْ عَلَى الثِّقَاتِ اسْتِغْفَالًا أَوْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ
وَفِي تَفْسِيرِ الْأَصْبَهَانِيِّ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْخَضِرَ مَاتَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مِنَ الْإِصَابَةِ مُخْتَصَرًا
وَقَدْ أَطَالَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فَأَجَادَ وَأَحْسَنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(فَوَهَلَ النَّاسُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْهَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ غَلِطُوا وَذَهَبَ وَهْمُهُمْ إِلَى خِلَافِ الصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ (مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ فِي حَدِيثِهِ (تِلْكَ) وَهِيَ قَوْلُهُ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا إِلَخْ (فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي مَقَالَةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَيْ حَيْثُ تُؤَوِّلُونَهَا بِهَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي كَانَتْ مَشْهُورَةً
بَيْنَهُمْ إِلَيْهَا عِنْدَهُمْ فِي مَعْنَى الْمُرَادِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ مِثْلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا انْقِرَاضُ الْعَالَمِ بِالْكُلِّيَّةِ وَنَحْوُهُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقُولُ إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ عِنْدَ انْقِضَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ كَمَا رَوَى ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه وَرَدَّ عَلَيْهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه
وغرض بن عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّاسَ مَا فَهِمُوا مَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَحَمَلُوهَا عَلَى مَحَامِلَ كُلُّهَا بَاطِلٌ وَبَيَّنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ بِذَلِكَ انْخِرَامَ الْقَرْنِ عِنْدَ انْقِضَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ وَهُوَ الْقَرْنُ الَّذِي كَانَ هُوَ فِيهِ بِأَنْ تَنْقَضِيَ أَهَالِيهِ وَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنْ يَنْقَرِضَ الْعَالَمُ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ بِالِاسْتِقْرَاءِ فَكَانَ آخِرُ مَنْ ضُبِطَ عُمُرُهُ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَئِذٍ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا وَغَايَةُ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ بَقِيَ إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَمِائَةٍ وَهِيَ رَأْسُ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَقَالَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا إِعْلَامٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ لَيْسَتْ تَطُولُ كَأَعْمَارِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي الْعَمَلِ انْتَهَى (يُرِيدُ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ مِائَةِ سَنَةٍ (أَنْ يَنْخَرِمَ) أَيْ يَنْقَطِعَ (ذَلِكَ الْقَرْنُ) الَّذِي هُوَ فِيهِ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقَرْنُ أَهْلُ زَمَنٍ وَانْخِرَامُهُ ذَهَابُهُ وَانْقِضَاؤُهُ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ وَالْقَرْنُ بِفَتْحِ الْقَافِ كُلُّ طَبَقَةٍ مُقْتَرِنِينَ فِي وَقْتٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِأَهْلِ كُلِّ مُدَّةٍ أَوْ طَبَقَةٍ بُعِثَ فِيهَا نَبِيٌّ قَرْنٌ
قَلَّتِ السُّنُونَ أَوْ كَثُرَتِ انْتَهَى
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ تَسْأَلُونَ عَنِ السَّاعَةِ وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَأُقْسِمَ بِاللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مَا مِنْ نَفْسٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأَعْرَابِ يَأْتُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَسْأَلُونَهُ عَنِ السَّاعَةِ فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ فَيَقُولُ إِنْ يَعِشْ هَذَا لَا يُدْرِكُهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمُ أَيْ قِيَامَتُكُمْ وَهِيَ السَّاعَةُ الصُّغْرَى وَالْمُرَادُ مَوْتُ جَمِيعِهِمْ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَرَادَ بِالسَّاعَةِ انْقِرَاضُ الْقَرْنِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ عِدَادِهِمْ وَلِذَلِكَ أَضَافَ إِلَيْهِمْ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَرَادَ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[4349]
لَنْ يُعْجِزَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ تَمَامُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ يَعْنِي خَمْسَ مِائَةِ سَنَةٍ وَيَأْتِي شَرْحُهُ مُفَصَّلًا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[4350]
إِنِّي لَأَرْجُو) أَيْ أُؤَمِّلُ (أَنْ لَا تَعْجِزَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مِنْ عَجَزَ عَنِ الشَّيْءِ عَجْزًا كَضَرَبَ ضَرْبًا (أُمَّتِي) أَيْ أَغْنِيَاؤُهَا عَنِ الصَّبْرِ عَلَى الْوُقُوفِ لِلْحِسَابِ (عِنْدَ رَبِّهَا) فِي الْمَوْقِفِ (أَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ (يُؤَخِّرَهُمْ) أَيْ بِتَأْخِيرِهِمْ عَنْ لِحَاقِ فُقَرَاءِ أُمَّتِي السَّابِقِينَ إِلَى الْجَنَّةِ (نِصْفَ يَوْمٍ) مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ (قِيلَ لِسَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (وَكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكَمْ نِصْفُ ذَلِكَ الْيَوْمِ (قَالَ) سَعْدٌ (خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ) إِنَّمَا فَسَّرَ الرَّاوِي نِصْفَ الْيَوْمِ بِخَمْسِ مِائَةٍ نَظَرًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ هَكَذَا شَرَحَ هَذَا الْحَدِيثَ الْعَلْقَمِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَالْحَدِيثُ عَلَى هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَمْرِ الْقِيَامَةِ
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ وَقِيلَ الْمَعْنَى إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ لِأُمَّتِي عِنْدَ اللَّهِ مَكَانَةٌ يُمْهِلُهُمْ مِنْ زَمَانِي هَذَا إِلَى انْتِهَاءِ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ
وقد شرحه علي القارىء فِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ هَكَذَا (إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ أُمَّتِي) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَهُوَ مَفْعُولُ أَرْجُو أَيْ أَرْجُو عَدَمَ عَجْزِ أُمَّتِي (عِنْدَ رَبِّهَا) مِنْ كَمَالِ قُرْبِهَا (أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ) يَوْمٌ بَدَلٌ مِنْ أن لا تعجز واختاره بن الْمَلَكِ أَوْ مُتَعَلَّقٌ بِهِ بِحَذْفِ عَنْ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الطِّيبِيُّ ثُمَّ قَالَ وَعَدَمُ الْعَجْزِ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ التَّمَكُّنِ مِنَ الْقُرْبَةِ
وَالْمَكَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُقَرَّبِ عِنْدَ السُّلْطَانِ إِنِّي لَا أَعْجِزُ أَنْ يُوَلِّينِي الْمَلِكُ كَذَا وَكَذَا يَعْنِي بِهِ أَنَّ لِي عِنْدَهُ مَكَانَةً وَقُرْبَةً يَحْصُلُ بِهَا كُلُّ مَا أَرْجُوهُ عِنْدَهُ فَالْمَعْنَى إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ لِأُمَّتِي عِنْدَ اللَّهِ مَكَانَةٌ وَمَنْزِلَةٌ يُمْهِلُهُمْ مِنْ زَمَانِي هَذَا إِلَى انْتِهَاءِ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ عَلَى هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى قُرْبِ قِيَامِ السَّاعَةِ وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلِذَلِكَ أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ أَيْضًا وَلِذَلِكَ أَوْرَدَهُ فِي بَابِ قُرْبِ السَّاعَةِ وَاخْتَارَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَزَيَّفَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَاخْتَارَ الدَّاوُدِيُّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَرَدَّ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي
قَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَمَسَّكَ الطَّبَرِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بَعْدَ هِجْرَةِ الْمُصْطَفَى نِصْفُ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ قَالَ وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَيَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ غَيْرَ الْبَارِي وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ الدَّاوُدِيُّ قَالَ وَقْتُ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فَقَدْ مَضَتْ خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ وَثَلَاثُ مِائَةٍ وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون يَعْنِي مِنْ عَدَدِكُمْ فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي هُوَ كَأَلْفِ سَنَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُفَّارِ قَلِيلٌ وأن مقداره عليهم خمسين أَلْفَ سَنَةٍ وَإِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَنْ مَنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يَصِيرَ كَمِقْدَارِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ الْمَسْنُونَةِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ السُّنَنِ لِابْنِ رَسْلَانَ
قَالَ شَيْخُنَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَى خَمْسِ مِائَةٍ قال وقد جاء بيان ذلك في ما رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ إِنْ أَحْسَنَتْ أُمَّتِي فَبَقَاؤُهَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَلْفُ سَنَةٍ وَإِنْ أَسَاءَتْ فَنِصْفُ يَوْمٍ
وَقَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ فِي تَارِيخِهِ هَذَا التَّحْدِيدُ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ لَا يَنْفِي مَا يَزِيدُ عَلَيْهَا إِنْ صَحَّ رَفْعُ الْحَدِيثِ فَأَمَّا مَا يُورِدُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يُؤَلَّفُ تَحْتَ الْأَرْضِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ وَلَا ذِكْرٌ فِي كتب الحديث
وقال الحافظ بن حَجَرٍ قَدْ حَمَلَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ حَدِيثَ لَنْ يُعْجِزَ اللَّهَ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي نِصْفِ يوم على حال يوم القيامة وريفه الطِّيبِيُّ فَأَصَابَ
قَالَ وَأَمَّا زِيَادَةُ جَعْفَرٍ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَقَدْ كَذَّبَهُ الْأَئِمَّةُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسُقْ سَنَدَهُ بِذَلِكَ فَالْعَجَبُ مِنَ السُّهَيْلِيِّ كَيْفَ سَكَتَ عَنْهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَلْقَمِيِّ
قُلْتُ قَالَ الطِّيبِيُّ على ما ذكره القارىء وَقَدْ وَهَمَ بَعْضُهُمْ وَنَزَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَمْرِ الْقِيَامَةِ وَحَمَلَ الْيَوْمَ عَلَى يَوْمِ الْمَحْشَرِ فَهَبْ أَنَّهُ غَفَلَ عَمَّا حَقَّقْنَاهُ وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ فَهَلَّا انْتَبَهَ لِمَكَانِ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ فِي أَيِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي بَابِ قُرْبِ السَّاعَةِ فَأَيْنَ هُوَ مِنْهُ انْتَهَى
قَالَ
القارىء ولعله صلى الله عليه وسلم أراد بالخمسمائة أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْأَلْفِ السَّابِعِ فَإِنَّ الْيَوْمَ نَحْنُ فِي سَابِعِ سَنَةٍ مِنَ الْأَلْفِ الثَّامِنِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى عَنِ الْخَمْسِ مِائَةٍ فَيُوَافِقُ حَدِيثَ عُمُرُ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ فَالْكَسْرُ الزَّائِدُ يُلْغَى وَنِهَايَتُهُ إِلَى النِّصْفِ وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ فَيُعَدُّ أَلْفًا ثَامِنًا بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ النَّاقِصِ وَقِيلَ أَرَادَ بَقَاءَ دِينِهِ وَنِظَامَ مِلَّتِهِ فِي الدُّنْيَا مُدَّةَ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ فَقَوْلُهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ أَيْ عَنْ أَنْ يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ سَالِمِينَ عَنِ الْعُيُوبِ مِنَ ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ وَالشَّدَائِدِ النَّاشِئَةِ مِنَ الْكُرُوبِ
انْتَهَى كَلَامُهُ
وَتَقَدَّمَ كَلَامَ الشَّيْخِ وَلِيِّ اللَّهِ الْمُحَدِّثِ الدَّهْلَوِيِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ المنذري0 وقال المناوي سنده جيد 0