الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب ذكر الفتن ودلائلها)
[4240]
(قَامَ) أَيْ خَطِيبًا وَوَاعِظًا (فِينَا) أَيْ فِيمَا بَيْننَا أَوْ لِأَجْلِ أَنْ يَعِظَنَا وَيُخْبِرَنَا بِمَا سَيَظْهَرُ مِنَ الْفِتَنِ لِنَكُونَ عَلَى حَذَرٍ مِنْهَا فِي كُلِّ الزَّمَنِ (قَائِمًا) هَكَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْكِتَابِ وَالظَّاهِرُ قِيَامًا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَقَامًا (شَيْئًا يَكُونُ) بِمَعْنَى يُوجَدُ صِفَةُ شَيْئًا وَقَوْلُهُ (فِي مَقَامِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَرَكَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الشيخ بْن الْقَيِّم رحمه الله وَقَدْ رَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ وَاَللَّه إِنِّي لَأَعْلَم النَّاس بِكُلِّ فِتْنَة هِيَ كَائِنَة فِيمَا بَيْنِي وَبَيْن السَّاعَة
وَمَا بِي أَنْ لَا يَكُون رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُحَدِّثهُ غَيْرِي وَلَكِنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ يُحَدِّث مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ عَنْ الْفِتَن فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَعُدّ الْفِتَن مِنْهُنَّ ثَلَاث لَا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْف
صِغَار
وَمِنْهَا كِبَار قَالَ حُذَيْفَة فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْط كُلّهمْ غَيْرِي
(ذلك) صفة مقامه إشارة إلى زمانه وَقَوْلُهُ (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) غَايَةً لِيَكُونُ وَالْمَعْنَى قَامَ قَائِمًا فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يُحَدِّثُ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِمَا يَظْهَرُ مِنَ الْفِتَنِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ (إِلَّا حَدَّثَهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْكَائِنَ (حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ) أَيِ الْمُحَدَّثُ بِهِ (قَدْ عَلِمَهُ) أَيْ هَذَا الْقِيَامَ أَوْ هَذَا الْكَلَامَ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ (هَؤُلَاءِ) أَيِ الْمَوْجُودُونَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَعْلَمُونَهُ مُفَصَّلًا لِمَا وَقَعَ لَهُمْ بَعْضُ النِّسْيَانِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِ وأناالآخر مِمَّنْ نَسِيَ بَعْضَهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (لَيَكُونَ) مِنْهُ الشَّيْءُ وَاللَّامُ فِي لَيَكُونَ مَفْتُوحَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ لِقَسَمٍ مُقَدَّرٍ وَالْمَعْنَى لَيَقَعَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَسِيتُهُ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَإِنَّهُ لَيَكُونَ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ (فَأَذْكُرُهُ) أَيْ فَإِذَا عَايَنْتُهُ تَذَكَّرْتُ مَا نَسِيتُهُ (إِذَا غَابَ عَنْهُ) أَيْ ثُمَّ ينسى
وفيه كمال علمه بِمَا يَكُونُ وَكَمَالُ عِلْمِ حُذَيْفَةَ وَاهْتِمَامِهِ بِذَلِكَ وَاجْتِنَابِهِ مِنَ الْآفَاتِ وَالْفِتَنِ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْهَوَى عَلَى إِثْبَاتِ الغيب لرسول الله
وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ عِلْمَ الْغَيْبِ مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ تَعَالَى وَمَا وَقَعَ مِنْهُ عَلَى لسان رسول الله فَمِنَ اللَّهِ بِوَحْيٍ وَالشَّاهِدُ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إلا من ارتضى من رسول أَيْ لِيَكُونَ مُعْجِزَةً لَهُ
فَكُلُّ مَا وَرَدَ عنه مِنَ الْأَنْبَاءِ الْمُنْبِئَةِ عَنِ الْغُيُوبِ لَيْسَ هُوَ إِلَّا مِنْ إِعْلَامِ اللَّهِ لَهُ بِهِ إِعْلَامًا عَلَى ثُبُوتِ نُبُوَّتِهِ وَدَلِيلًا عَلَى صِدْقِ رِسَالَتِهِ
قال على القارىء فِي شَرْحِ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يَعْلَمُوا الْمُغَيَّبَاتِ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا مَا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ شَقِيق عَنْ حُذَيْفَة قَالَ كُنَّا عِنْد عُمَر فَقَالَ أَيّكُمْ يَحْفَظ حَدِيث رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَة كَمَا قَالَ قَالَ قُلْت أَنَا
قَالَ إِنَّك لَجَرِيء
قَالَ وَكَيْف قَالَ قُلْت سَمِعْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول فِتْنَة الرَّجُل فِي أَهْله وَمَاله وَنَفْسه وَوَلَده وَجَاره يُكَفِّرهَا الصِّيَام وَالصَّلَاة وَالصَّدَقَة وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فَقَالَ عُمَر لَيْسَ هَذَا أُرِيد وَإِنَّمَا أُرِيد الَّتِي تَمُوج كَمَوْجِ الْبَحْر
قال فقلت ومالك وَلَهَا يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنك وَبَيْنهَا بَابًا مُغْلَقًا
قَالَ أَفَيُكْسَر الْبَاب أَمْ يُفْتَح قَالَ قُلْت لَا بَلْ يُكْسَر قَالَ ذَلِكَ أحرى أن لا يُغْلَق أَبَدًا
قَالَ فَقُلْنَا لِحُذَيْفَة هَلْ كَانَ عُمَر يَعْلَم مَنْ الْبَاب قَالَ نَعَمْ كَمَا يَعْلَم أَنَّ دُون غَد لَيْلَة
إِنِّي حَدَّثْته حديثا ليس بالأغاليظ
قَالَ فَهَبْنَا أَنْ نَسْأَل حُذَيْفَة مَنْ الْبَاب فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ سَلْهُ
فَسَأَلَهُ فَقَالَ عُمَر
أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَحْيَانًا وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ تَصْرِيحًا بِالتَّكْفِيرِ باعتقاد أن النبي يَعْلَمُ الْغَيْبَ لِمُعَارَضَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا الله كذا في المسائرة
وَقَالَ بَعْضُ الْأَعْلَامِ فِي إِبْطَالِ الْبَاطِلِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ أَنَّ عِلْمَ الْغَيْبِ مَخْصُوصٌ بِاللَّهِ تعالى والنصوص في ذلك كثيرة وعنده مفاتيح الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا في البر والبحر الآية وإن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث الْآيَةَ فَلَا يَصِحُّ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقَالَ لَهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلِهَذَا لَمَّا قيل عند رسول الله فِي الرَّجَزِ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ أَنْكَرَ عَلَى قَائِلِهِ وَقَالَ دَعْ هَذَا وَقُلْ غَيْرَ هَذَا
وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِأَحَدٍ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ
نَعَمِ الْإِخْبَارُ بِالْغَيْبِ بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى جَائِزٌ وَطَرِيقُ هَذَا التَّعْلِيمِ إِمَّا الْوَحْيُ أَوِ الْإِلْهَامُ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُ طَرِيقًا إِلَى عِلْمِ الْغَيْبِ
انْتَهَى
وَفِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ لَوْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ وَيَكْفُرُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ يَعْلَمُ الْغَيْبَ
انْتَهَى
قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْقَدَرِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود الفتن
إنتهى
[4243]
(قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ) قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمَشْهُورُ فِي الِاسْتِعْمَالِ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ فِي آخِرِ الْيَمَانِ وَهُوَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالصَّحِيحُ الْيَمَانِيُّ بِالْيَاءِ وَكَذَا عَمْرُو بْنُ العاصِ وَشِبْهُهُمَا
قَالَهُ فِي الْأَزْهَارِ (أَصْحَابِي) أي من الصحابة (أم تَنَاسَوْا) أَيْ أَظْهَرُوا النِّسْيَانَ لِمَصْلَحَةٍ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ كَذَا فِي الْأَزْهَارِ (مِنْ قَائِدِ فِتْنَةِ) أَيْ دَاعِي ضَلَالَةٍ وَبَاعِثِ بِدَعَةٍ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالْبِدْعَةِ وَيَدْعُوهُمُ النَّاسُ إِلَيْهَا وَيُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ
قَالَهُ القارىء
وفىِ الْأَزْهَارِ وَالْمُرَادُ بِقَائِدِ الْفِتْنَةِ بَاعِثُهَا وَالْبَادِي بِهَا وَهُوَ الْمَتْبُوعُ وَالْمُطَاعُ فِيهَا
انْتَهَى
وَمِنْ زَائِدَةٍ لِتَأْكِيدِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّفْيِ (إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا) أَيْ إِلَي انْقِضَائِهَا وَانْتِهَائِهَا (يَبْلُغُ) صِفَةٌ لِلْقَائِدِ أَيْ يَصِلُ (مَنْ مَعَهُ) أى مِقْدَارَ أتباعِهَ
قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ وَمَنْ مَعَهُ فَاعِلُ يَبْلُغُ وثَلَاثُمِائَةٍ مَفْعُولُهُ
انْتَهَى (فَصَاعِدًا) أَيْ فزائدًا عَلَيْهِ (إِلَّا قَدْ سَمَّاهُ) أَيْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَائِدَ (لَنَا بِاسْمِهِ) أَيِ الْقَائِدَ (وَاسْمُ أَبِيهِ وَاسْمُ قَبِيلَتِهِ
وَالْمَعْنَى مَا جَعَلَهُ مُتَّصِفًا بِوَصْفٍ إِلَّا بِوَصْفِ تَسْمِيَتِهِ الْخَ يَعْنِي وَصْفًا وَاضِحًا مُفَصَّلًا لَا مُبْهَمًا مُجْمَلًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ
وَقَالَ الطِّيبِي قَوْلُهُ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ مَا ترك رسول الله ذِكْرَ قَائِدِ فِتْنَةٍ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا مهملا لكن قد سماه فالاستثناء منقطع
انتهى كلام القارىء
وَقَالَ الْعَلَامَةُ الْأَرْدَبِيلِيُّ فِي الْأَزْهَارِ ومعنىَ الْحَدِيثِ أنه ذَكَرَ لَنَا الْقَائِدِينَ لِلْفِتْنَةِ الَّذِينَ يَبْلُغُ أَتْبَاعُ كُلٍّ مِنْهُمْ ثَلَاثَمِائَةٍ فصاعدًا بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَقَبِيلَتِهِ ولم يذكر الذين لا يبلغ أتباعهم ثلاثمائة
وفيه كمال علم النبي وَكَمَالُ شَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ
وَفِيهِ عِلْمٌ لِلنُّبُوَّةِ وإعجاز انتهى
وبن لِقَبِيصَةَ مَجْهُولٌ وَقِيلَ هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيُّ الشَّامِيُّ صَدُوقٌ يُرْسِلُ
وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَبِي سَعِيدٍ الخُزَاعِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ عَنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فُرُوخٍ عَنْ أُسَامَةَ بن زيد أخبرني بن لِقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ حذيفة فذكره
انتهى كلام المزي
[4241]
(عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ وَالرَّاوِي عَنْهُ مَجْهُولٌ وَعَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ (أَرْبَعُ فِتَنٍ) كَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْوَقَائِعُ الْكِبَارُ جِدًّا وَفِي كَنْزِ الْعُمَّالِ أَخْرَجَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي الْفِتَنِ عَنْ حُذَيْفَةَ يَكُونُ فِي أُمَّتِي أَرْبَعُ فِتَنٍ وَفِي الرَّابِعَةِ الْفَنَاءُ
وَأَخْرَجَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ تَكُونُ أَرْبَعُ فِتَنٍ الْأُولَى يُسْتَحَلُّ فِيهَا الدَّمُ وَالثَّانِيَةُ يُسْتَحَلُّ فِيهَا الدَّمُ وَالْمَالُ وَالثَّالِثَةُ يُسْتَحَلُّ فِيهَا الدَّمُ وَالْمَالُ وَالْفَرْجُ وَالرَّابِعَةُ الدَّجَّالُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ
قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ عن بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ
[4242]
(الْعَنْسِيُّ) بمفتوحة وسكون النون قَالَ فِي لُبِّ اللُّبَابِ مَنْسُوبٌ إِلَى عَنْسٍ حَيٌّ مِنْ مَذْحِجَ (كُنَّا قُعُودًا) أَيْ قَاعِدِينَ (فذكر) النبي (الْفِتَنَ) أَيِ الْوَاقِعَةَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ (فَأَكْثَرَ) أي البيان
(فِي ذِكْرِهَا) أَيِ الْفِتَنَ (حَتَّى ذَكَرَ) النَّبِيُّ (فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأَحْلَاسُ جَمْعُ حِلْسٍ وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يَلِي ظَهْرَ الْبَعِيرِ تَحْتَ الْقَتَبِ شَبَّهَهَا بِهِ لِلُزُومِهَا وَدَوَامِهَا
انْتَهَى
وقال الخطابي إنما أضيفت إلى الأحلاس لدوامهاوطول لُبْثِهَا أَوْ لِسَوَادِ لَوْنِهَا وَظُلْمَتِهَا (قَالَ) النَّبِيُّ
(هِيَ) أَيْ فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ (هَرَبٌ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ يَفِرُّ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ لِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ العداوة والمحاربة قاله القارىء (وَحَرَبٌ) فِي النِّهَايَةِ الْحَرَبُ بِالتَّحْرِيكِ نَهْبُ مَالِ الْإِنْسَانِ وَتَرْكِهِ لَا شَيْءَ لَهُ انْتَهَى وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْحَرَبُ ذَهَابُ الْمَالِ وَالْأَهْلِ (ثُمَّ فِتْنَةُ السراء) قال القارىء وَالْمُرَادُ بِالسَّرَّاءِ النَّعْمَاءُ الَّتِي تَسُرُّ النَّاسَ مِنَ الصِّحَّةِ وَالرَّخَاءِ وَالْعَافِيَةِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْوَبَاءِ وَأُضِيفَتْ إِلَى السَّرَّاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي وُقُوعِهَا ارْتِكَابُ الْمَعَاصِي بِسَبَبِ كَثْرَةِ التَّنَعُّمِ أَوْ لِأَنَّهَا تَسُرُّ الْعَدُوَّ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ السَّرَّاءُ الْبَطْحَاءُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ الَّتِي تَدْخُلُ الْبَاطِنَ وَتُزَلْزِلُهُ وَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُهُ انْتَهَى (دَخَنُهَا) يَعْنِي ظُهُورُهَا وَإِثَارَتُهَا شَبَّهَهَا بِالدُّخَانِ الْمُرْتَفِعِ وَالدَّخَنُ بِالتَّحْرِيكِ مَصْدَرُ دخلت النَّارِ تَدْخَنُ إِذَا أُلْقِيَ عَلَيْهَا حَطَبٌ رَطْبٌ فَكَثُرَ دُخَانُهَا وَقِيلَ أَصْلُ الدَّخَنِ أَنْ يَكُونَ في لون الدابة كدورة إلى سوداء قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ (مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي) تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْعَى فِي إِثَارَتِهَا أَوْ إِلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ أَمْرَهَا (يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي) أَيْ فِي الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ مِنِّي فِي النَّسَبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تِلْكَ الْفِتْنَةَ بِسَبَبِهِ وَأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى إِقَامَتِهَا (وَلَيْسَ مِنِّي) أَيْ مِنْ أَخِلَّائِي أَوْ مِنْ أَهْلِي فِي الْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِي لَمْ يُهَيِّجِ الْفِتْنَةَ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنه عمل غير صالح أَوْ لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِي فِي الْحَقِيقَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ) قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ فِيهِ إِعْجَازٌ وَعِلْمٌ لِلنُّبُوَّةِ وَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ كُلَّ الِاعْتِبَارِ لِلْمُتَّقِي وَإِنْ بَعُدَ عَنِ الرَّسُولِ فِي النَّسَبِ وَأَنْ لَا اعْتِبَارَ لِلْفَاسِقِ وَالْفَتَّانِ عِنْدَ رسول الله وَإِنْ قَرُبَ مِنْهُ فِي النَّسَبِ انْتَهَى
(ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ) أَيْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى بيعة رجل (كورك) بفتح وكسر قاله القري (عَلَى ضِلَعٍ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ وَيُسَكَّنُ وَاحِدُ الضُّلُوعِ أو الأضلاع قاله القارىء
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ مَثَلٌ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ وَلَا يَسْتَقِيمُ وَذَلِكَ أَنَّ الضِّلَعَ لَا يَقُومُ بِالْوَرِكِ
وَبِالْجُمْلَةِ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ غَيْرُ خَلِيقٍ لِلْمُلْكِ وَلَا مُسْتَقِلٍّ بِهِ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ يَصْطَلِحُونَ عَلَى أَمْرٍ وَاهٍ لَا نِظَامَ لَهُ وَلَا اسْتِقَامَةَ لِأَنَّ الْوَرِكَ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الضِّلَعِ وَلَا يَتَرَكَّبُ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ مَا بَيْنَهُمَا وَبُعْدِهُ وَالْوَرِكُ مَا فوق الفخذ انتهى
وقال القارىء هَذَا مَثَلٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى ثَبَاتٍ لِأَنَّ الْوَرِكَ لِثِقَلِهِ لَا يَثْبُتُ عَلَى الضلعِ لِدِقَّتِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ غَيْرَ أَهْلٍ الولاية لقلة عمله وَخِفَّةِ رَأْيِهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ فِي الْأَزْهَارِ يُقَالُ فِي التَّمْثِيلِ لِلْمُوَافَقَةِ وَالْمُلَائَمَةِ كَفٌّ فِي سَاعِدٍ وَلِلْمُخَالَفَةِ وَالْمُغَايَرَةِ وَرِكٌ عَلَى ضِلَعٍ انْتَهَى
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَثْبُتُ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الضِّلَعَ لَا يَقُومُ بِالْوَرِكِ وَلَا يَحْمِلُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لا يستعد ولا يستهد لِذَلِكَ فَلَا يَقَعُ عَنْهُ الْأَمْرُ مَوْقِعَهُ كَمَا أَنَّ الْوَرِكَ عَلَى ضِلَعٍ يَقَعُ غَيْرَ مَوْقِعِهِ (ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ) وَهِيَ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَالدَّهْمَاءُ السَّوْدَاءُ وَالتَّصْغِيرُ لِلذَّمِّ أَيِ الْفِتْنَةُ الْعَظْمَاءُ وَالطَّامَّةُ العمياء
قاله القارىء
وَفِي النِّهَايَةِ تَصْغِيرُ الدَّهْمَاءِ الْفِتْنَةُ الْمُظْلِمَةُ وَالتَّصْغِيرُ فِيهَا لِلتَّعْظِيمِ وَقِيلَ أَرَادَ بِالدُّهَيْمَاءِ الدَّاهِيَةَ وَمِنْ أَسْمَائِهَا الدُّهَيْمُ زَعَمُوا أَنَّ الدُّهَيْمَ اسْمُ نَاقَةٍ كَانَ غَزَا عَلَيْهَا سَبْعَةُ إِخْوَةٍ فَقُتِلُوا عَنْ آخِرهِمْ وَحُمِلُوا عَلَيْهَا حَتَّى رَجَعَتْ بِهِمْ فَصَارَتْ مَثَلًا فِي كُلِّ دَاهِيَةِ (لَا تَدَعُ) أَيْ لَا تَتْرُكُ تِلْكَ الْفِتْنَةُ (إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً) أَيْ أَصَابَتْهُ بِمِحْنَةٍ وَمَسَّتْهُ بِبَلِيَّةٍ وَأَصْلُ اللَّطْمِ هُوَ الضَّرْبُ عَلَى الْوَجْهِ بِبَطْنِ الْكَفِّ وَالْمُرَادُ أَنَّ أَثَرَ تِلْكَ الْفِتْنَةِ يَعُمُّ النَّاسَ وَيَصِلُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ ضَرَرِهَا (فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ) أَيْ فَمَهْمَا تَوَهَّمُوا أَنَّ تِلْكَ الْفِتْنَةَ انْتَهَتْ (تَمَادَتْ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ بَلَغَتِ الْمَدَى أَيِ الْغَايَةَ مِنَ التَّمَادِي وَبِتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنَ التَّمَادُدِ تَفَاعُلٌ مِنَ الْمَدِّ أَيِ اسْتَطَالَتْ وَاسْتَمَرَّتْ وَاسْتَقَرَّتْ قاله القارىء (مُؤْمِنًا) أَيْ لِتَحْرِيمِهِ دَمَ أَخِيهِ وَعِرْضَهُ وَمَالَهُ (وَيُمْسِي كَافِرًا) أَيْ لِتَحْلِيلِهِ مَا ذُكِرَ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ (إِلَى فُسْطَاطَيْنِ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَتُكْسَرُ أَيْ فِرْقَتَيْنِ وَقِيلَ مَدِينَتَيْنِ وَأَصْلُ الْفُسْطَاطِ الْخَيْمَةُ فَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ قَالَهُ القارىء (فُسْطَاطِ إِيمَانٍ) بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِيمَانٌ خَالِصٌ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْفُسْطَاطُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ الْمَدِينَةُ الَّتِي فِيهَا يَجْتَمِعُ النَّاسُ وَكُلُّ مَدِينَةٍ فُسْطَاطٌ وإضافة الفسطاط إلى الإيمان إما يجعل المؤمنين نفس الإيمان مبالغة وإما يجعل الفسطاط مستعارا للكتف والوقاية على المصرحة أي هم في كتف الإيمان ووقايته
قاله القارىء (لَا نِفَاقَ فِيهِ) أَيْ لَا فِي أَصْلِهِ وَلَا فِي فَصْلِهِ مِنِ اعْتِقَادِهِ وَعَمَلِهِ (لَا إِيمَانَ فِيهِ) أَيْ أَصْلًا أَوْ كَمَالًا لِمَا فِيهِ مِنْ أَعْمَالِ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ (فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ) أَيْ ظهوره
قَالَ الْمِزِّيُّ حَدِيثُ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ الْعَنْسِيِّ أبي الوليد الدارزاني عن بن عمر أخرجه أبو داود في الفتن عن يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْحِمْصِيِّ عَنْ أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ بِهِ انتهى
والحديث عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ والله أعلم
[4244]
(تُسْتَرُ) بِالضَّمِّ ثُمَّ السُّكُونِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْأُخْرَى وَرَاءٍ أَعْظَمُ مَدِينَةٍ بِخُوزِسْتَانَ الْيَوْمَ كَذَا فِي الْمَرَاصِدِ (مِنْهَا) أَيْ مِنَ الْكُوفَةِ (بِغَالًا) جَمْعُ بَغْلٍ (فَإِذَا صَدْعٌ مِنَ الرِّجَالِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ بِفَتْحِ الدَّالِ هُوَ الرَّجُلُ الشَّابُّ الْمُعْتَدِلُ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ رَجُلٌ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ انْتَهَى
وَفِي الْمَجْمَعِ هُوَ بِسُكُونِ الدَّالِ وَرُبَّمَا حُرِّكَ
انْتَهَى
(تَعْرِفُ) عَلَى صِيغَةِ الْخِطَابِ (قَالَ) سُبَيْعٌ (فَتَجَهَّمَنِي الْقَوْمُ) أَيْ أَظْهَرُوا إِلَيَّ آثَارَ الْكَرَاهَةِ فِي وُجُوهِهِمْ
وَفِي النِّهَايَةِ يَتَجَهَّمُنِي أَيْ يَلْقَانِي بِالْغِلْظَةِ وَالْوَجْهِ الْكَرِيهِ (أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مَا يَقَعُ فِي النَّاسِ مِنَ الْفِتَنِ (فَأَحْدَقَهُ الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ) أَيْ رَمَوْهُ بِأَحْدَاقِهِمْ
وَفِي النِّهَايَةِ فَحَدَقَنِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ أَيْ رَمَوْنِي بِحَدَقِهِمْ جَمْعُ حَدَقَةٍ وَهِيَ الْعَيْنُ وَالتَّحْدِيقُ شِدَّةُ النَّظَرِ (فَقَالَ) حُذَيْفَةُ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (هَذَا الْخَيْرَ) أَيِ الْإِسْلَامَ وَالنِّظَامَ التَّامَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تعالى اليوم أكملت لكم دينكم (أَيَكُونُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ وَالْمَعْنَى أَيُوجَدُ وَيَحْدُثُ بَعْدَ وُجُودِ هَذَا الْخَيْرِ (شَرٌّ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْخَيْرِ مِنَ الْإِسْلَامِ شَرٌّ وَهُوَ زَمَنُ الْجَاهِلِيَّةِ (قَالَ) النَّبِيُّ (فَمَا الْعِصْمَةُ) أَيْ فَمَا طَرِيقُ النَّجَاةِ مِنَ الثَّبَاتِ عَلَى الْخَيْرِ وَالْمُحَافَظَةِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي ذلك الشر (قال) النبي (السَّيْفُ) أَيْ تَحْصُلُ الْعِصْمَةُ بِاسْتِعْمَالِ السَّيْفِ أَوْ طَرِيقِهَا أَنْ تَضْرِبَهُمْ بِالسَّيْفِ
قَالَ قَتَادَةُ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الطَّائِفَةِ هُمُ الَّذِينَ ارتدوا بعد وفاة النبي فِي زَمَنِ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قاله القارىء (قال) أي النبي (خَلِيفَةٌ فِي الْأَرْضِ) أَيْ مَوْجُودًا فِيهَا وَلَوْ مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا (فَضَرَبَ ظَهْرَكَ) بِالْبَاطِلِ وَظَلَمَكَ فِي نَفْسِكَ (وَأَخَذَ مَالَكَ) بِالْغَصْبِ أو مالك من المنصب النصيب بالتعدي قاله القارىء (فَأَطِعْهُ) أَيْ وَلَا تُخَالِفُهُ لِئَلَّا تَثُورَ فِتْنَةٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ (فَمُتْ) أَمْرٌ مِنْ مَاتَ يَمُوتُ كَأَنَّهُ عَبَّرَ عَنِ الْخُمُولِ وَالْعُزْلَةِ بِالْمَوْتِ فَإِنَّ غَالِبَ لَذَّةِ الْحَيَاةِ تَكُونُ بِالشُّهْرَةِ وَالْخِلْطَةِ وَالْجَلْوَةِ (وَأَنْتَ عَاضٌّ) بِتَشْدِيدِ الضَّادِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ أَيْ حَالَ كَوْنِكِ آخِذًا بِقُوَّةٍ وَمَاسِكًا بِشِدَّةٍ (بِجِذْلِ شَجَرَةٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا أَيْ بِأَصْلِهَا أَيِ اخْرُجْ مِنْهُمْ إِلَى الْبَوَادِي وَكُلْ فِيهَا أُصُولَ الشَّجَرِ وَاكْتَفِ بِهَا قَالَهُ السِّنْدِيُّ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْجِذْلُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا لَامٌ عُودٌ يُنْصَبُ لِتَحْتَكَّ بِهِ الْإِبِلُ
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الْمَعْنَى إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ فَعَلَيْكَ بِالْعُزْلَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى تَحَمُّلِ شِدَّةِ الزَّمَانِ وَعَضُّ أَصْلِ الشَّجَرَةِ كِنَايَةٌ عَنْ مُكَابَدَةِ الْمَشَقَّةِ كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ يَعَضُّ الْحِجَارَةَ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ أَوِ الْمُرَادُ اللُّزُومُ كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ (قُلْتُ ثُمَّ مَاذَا) أي من الفتن (قال) النبي (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الدَّجَّالِ (نَهْرٌ) بِسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ نَهْرُ مَاءٍ (وَنَارٌ) أَيْ خَنْدَقُ نَارٍ قِيلَ إِنَّهُمَا عَلَى وَجْهِ التَّخَيُّلِ مِنْ طَرِيقِ السِّحْرِ وَالسِّيمِيَاءِ وَقِيلَ مَاؤُهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَارٌ وَنَارُهُ مَاءٌ (فَمَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ) أَيْ مَنْ خَالَفَهُ حَتَّى يُلْقِيَهُ فِي نَارِهِ وَأَضَافَ النَّارَ إِلَيْهِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَارٍ حَقِيقَةً بَلْ سِحْرٍ (وَجَبَ أَجْرُهُ) أَيْ ثَبَتَ وَتَحَقَّقَ أَجْرُ الْوَاقِعِ (وَحُطَّ) أَيْ وَرُفِعَ وَسُومِحَ (وِزْرُهُ) أَيْ إِثْمُهُ السَّابِقُ (وَمَنْ وَقَعَ في نهره) أي حديث وَافَقَهُ فِي أَمْرِهِ (وَجَبَ وِزْرُهُ) أَيِ اللَّاحِقُ (وَحُطَّ أَجْرُهُ) أَيْ بَطَلَ عَمَلُهُ السَّابِقُ (قَالَ) حذيفة (قال) النبي (ثُمَّ هِيَ) أَيِ الْفِتْنَةُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْحَدِيثِ حِكْمَةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ كَيْفَ أَقَامَ كُلًّا مِنْهُمْ فِيمَا شَاءَ فَحَبَّبَ إِلَى أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ السُّؤَالَ عَنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ لِيَعْمَلُوا بِهَا وَيُبَلِّغُوهَا غَيْرَهُمْ وَحَبَّبَ لِحُذَيْفَةَ السُّؤَالَ
عَنِ الشَّرِّ لِيَجْتَنِبَهُ وَيَكُونَ سَبَبًا فِي دَفْعِهِ عَمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ لَهُ النَّجَاةَ
وَفِيهِ سَعَةُ صدر النبي وَمَعْرِفَتِهِ بِوُجُوهِ الْحِكَمِ كُلِّهَا حَتَّى كَانَ يُجِيبُ كُلَّ مَنْ سَأَلَهُ بِمَا يُنَاسِبُهُ
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ حُبِّبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَفُوقُ فِيهِ غَيْرَهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ حُذَيْفَةُ صَاحِبَ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ حَتَّى خُصَّ بِمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَبِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ انْتَهَى
قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ سُبَيْعِ بْنِ خَالِدٍ وَيُقَالُ خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ سُبَيْعٍ بِهِ
وَعَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ صَخْرِ بْنِ بَدْرٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ سُبَيْعٍ بِمَعْنَاهُ انْتَهَى
قُلْتُ سَيَجِيءُ حَدِيثُ عَبْدِ الْوَارِثِ
[4245]
(بِهَذَا الْحَدِيثِ) السَّابِقِ (قَالَ) أَيْ حُذَيْفَةُ (قُلْتُ) أَيْ مَاذَا (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ (بَقِيَّةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ) أَيْ يَبْقَى النَّاسُ بَقِيَّةً عَلَى فَسَادِ قُلُوبِهِمْ فَشَبَّهَ ذَلِكَ الْفَسَادَ بِالْأَقْذَاءِ جَمْعُ قَذًى وَهُوَ مَا يَقَعُ فِي الْعَيْنِ وَالشَّرَابِ مِنْ غُبَارٍ وَوَسَخٍ قَالَهُ السِّنْدِيُّ (وَهُدْنَةٌ) بِضَمِّ الْهَاءِ أَيْ صُلْحٌ (عَلَى دَخَنٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أي مع خداع ونفاق وخيانة يعني صلح فِي الظَّاهِرِ مَعَ خِيَانَةِ الْقُلُوبِ وَخِدَاعِهَا وَنِفَاقِهَا
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ صُلْحٌ عَلَى بَقَايَا مِنِ الضغن
قال القارىء وَأَصْلُ الدَّخَنِ هُوَ الْكُدُورَةُ وَاللَّوْنُ الَّذِي يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ فَيَكُونُ فِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى أَنَّهُ صَلَاحٌ مَشُوبٌ بِالْفَسَادِ انْتَهَى
(قَالَ) مَعْمَرٌ (يَضَعُهُ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (يَقُولُ) أَيْ قَتَادَةُ (قَذًى) هُوَ مَا يَقَعُ فِي الْعَيْنِ وَالشَّرَابِ مِنْ غُبَارٍ وَوَسَخٍ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عَلَى أَقْذَاءَ (عَلَى ضَغَائِنَ) جَمْعُ ضِغْنٍ وَهُوَ الْحِقْدُ وَسَيَجِيءُ كَلَامُ الْمِزِّيِّ بَعْدَ هَذَا
[4246]
(أَتَيْنَا الْيَشْكُرِيَّ) وَهُوَ خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيُّ (فَقَالَ) أَيِ الْيَشْكُرِيُّ (قَالَ) حُذَيْفَةُ (قَالَ يَا حذيفة) أي النبي (هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ) أَيْ عَلَى فَسَادٍ وَاخْتِلَافٍ تَشْبِيهًا بِدُخَانِ الْحَطَبِ الرَّطْبِ لِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْفَسَادِ الْبَاطِنِ تَحْتَ الصَّلَاحِ الظَّاهِرِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ (وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءَ) هِيَ كَائِنَةٌ (فِيهَا) أَيْ فِي الْجَمَاعَةِ (أَوْ فِيهِمْ) شَكٌّ مِنَ الراوي
قال القارىء أَيْ وَاجْتِمَاعٌ عَلَى أَهْوَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْ عُيُوبٍ مُؤْتَلِفَةٍ
وَفِي النِّهَايَةِ أَرَادَ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ يَكُونُ عَلَى فَسَادٍ فِي قُلُوبِهِمْ فَشَبَّهَهُ بِقَذَى الْعَيْنِ والماء والشراب (قال) النبي (لَا تَرْجِعُ قُلُوبُ أَقْوَامٍ) بِرَفْعِ قُلُوبٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِنَصْبِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ رَجَعَ لَازِمٌ أَوْ مُتَعَدٍّ أَيْ لَا تَصِيرُ قُلُوبُ جَمَاعَاتٍ أَوْ لَا تَرُدُّ الْهُدْنَةُ قُلُوبَهُمْ (عَلَى الَّذِي) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْ عَلَى الصَّفَاءِ الَّذِي (كَانَتْ) أَيْ تِلْكَ الْقُلُوبُ (عَلَيْهِ) أَيْ لَا تَكُونُ قُلُوبُهُمْ صَافِيَةً عَنِ الْحِقْدِ وَالْبُغْضِ كَمَا كَانَتْ صَافِيَةً قَبْلَ ذَلِكَ (قَالَ فِتْنَةٌ) أي قال النبي نَعَمْ يَقَعُ شَرٌّ هُوَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ وَبَلِيَّةٌ جَسِيمَةٌ (عَمْيَاءُ) أَيْ يَعْمَى فِيهَا الْإِنْسَانُ عَنْ أَنْ يَرَى الْحَقَّ (صَمَّاءُ) أَيْ يُصَمُّ أَهْلُهَا عَنْ أَنْ يُسْمَعَ فِيهَا كَلِمَةُ الْحَقِّ أَوِ النَّصِيحَةِ
قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا عَمْيَاءَ صَمَّاءَ أن تكون بحيث لا يرى منها مخرجا ولا يوجد دونها مستغاثا أَوْ أَنْ يَقَعَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى غِرَّةٍ مِنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ فَيَعْمُونَ فِيهَا وَيَصَمُّونَ عَنْ تأمل قول الحق واستماع النصح
قال القارىء أَقُولُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَصَفَ الْفِتْنَةَ بِهِمَا كِنَايَةً عَنْ ظُلْمَتِهَا وَعَدَمِ ظُهُورِ الْحَقِّ فِيهَا وَعَنْ شِدَّةِ أَمْرِهَا وَصَلَابَةِ أَهْلِهَا (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى تِلْكَ الْفِتْنَةِ (دُعَاةٌ) بِضَمِّ الدَّالِ جَمْعُ دَاعٍ أَيْ جَمَاعَةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِهَا وَدَاعِيَةٌ لِلنَّاسِ إِلَى قَبُولِهَا (عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ) حَالٌ أَيْ فَكَأَنَّهُمْ كَائِنُونَ عَلَى شَفَا جُرُفٍ مِنَ النَّارِ يَدْعُونَ الْخَلْقَ إِلَيْهَا حَتَّى يَتَّفِقُوا عَلَى الدُّخُولِ فِيهَا (وَأَنْتَ عَاضٌّ) أَيْ آخِذٌ بِقُوَّةٍ (عَلَى جِذْلٍ) أَيْ أَصْلِ شَجَرٍ يَعْنِي وَالْحَالُ
أَنَّكَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ مِنَ اخْتِيَارِ الِاعْتِزَالِ (مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ) بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا وَفَتْحِ الْبَاءِ (أَحَدًا مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ أَوْ مِنْ دُعَاتِهِمْ
قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ خَالِدٍ وَيُقَالُ سُبَيْعُ بْنُ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ عَنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيِّ بِهِ
وَعَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ أَتَيْنَا الْيَشْكُرِيَّ فِي رَهْطٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ انْتَهَى
[4247]
(وَقَالَ) الرَّاوِي (فِي آخِرِهِ) أي الحديث (قال) حذيفة (قال) النبي (نَتَجَ فَرَسًا) أَيْ سَعَى فِي تَحْصِيلِ وَلَدِهَا بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ (لَمْ تُنْتَجْ) أَيْ مَا يَجِيءُ لَهَا وَلَدٌ (حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) الْمُرَادُ بَيَانُ قُرْبِ السَّاعَةِ
وَفِي رِوَايَةٍ كَمَا فِي الْمِشْكَاةِ قُلْتُ ثُمَّ مَاذَا قَالَ ثُمَّ يُنْتَجُ الْمُهْرُ فَلَا يُرْكَبُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَيْ ثُمَّ يُولَدُ وَلَدُ الْفَرَسِ فَلَا يُرْكَبُ لِأَجْلِ الْفِتَنِ أَوْ لِقُرْبِ الزَّمَنِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ
قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ زَمَنُ عِيسَى عليه السلام فَلَا يُرْكَبُ الْمُهْرُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِ النَّاسِ فِيهِ إِلَى مُحَارَبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَوِ الْمُرَادُ أَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ لَا يَكُونُ زَمَانٌ طَوِيلٌ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَيْ يَكُونُ حِينَئِذٍ قِيَامُ السَّاعَةِ قَرِيبًا قَدْرَ زَمَانِ إِنْتَاجِ الْمُهْرِ وَإِرْكَابِهِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ هَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[4248]
(فَأَعْطَاهُ) أَيِ الْإِمَامَ إِيَّاهُ وَبِالْعَكْسِ (صَفْقَةَ يَدِهِ) فِي النِّهَايَةِ الصَّفْقَةُ الْمَرَّةُ مِنَ التَّصْفِيقِ بِالْيَدِ لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَضَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ عِنْدَ يَمِينِهِ وَبَيْعَتِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُتَبَايِعَانِ (وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ) كِنَايَةً عَنِ الْإِخْلَاصِ فِي الْعَهْدِ وَالْتِزَامِهِ
قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ (فَلْيُطِعْهُ) أَيِ الْإِمَامَ (فَإِنْ جَاءَ آخَرُ) أَيْ إِمَامٌ آخر (ينازعه) أي الإمام الأول أو المبائع (فاضربوا) خطاب
عام يشمل المبائع وَغَيْرَهُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ جَمَعَ الضَّمِيرَ فِيهِ بَعْدَ مَا أَفْرَدَ فِي فَلْيُطِعْهُ نَظَرًا إِلَى لَفْظِ مَنْ تَارَةً وَمَعْنَاهَا أُخْرَى (قُلْتُ أَنْتَ) الْقَائِلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (قَالَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو (قُلْتُ) الْقَائِلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (يَأْمُرُنَا أَنْ نَفْعَلَ) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَأْمُرُنَا بِمُنَازَعَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَعَ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْأَوَّلُ وَمُعَاوِيَةُ هُوَ الْآخَرُ الَّذِي قَامَ مُنَازِعًا (قَالَ) عَبْدُ اللَّهِ (أَطِعْهُ) أَيْ مُعَاوِيَةَ (وَاعْصِهِ) أَيْ مُعَاوِيَةَ
قَالَ الْمِزِّيُّ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِطُولِهِ فِي الْمَغَازِي وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْبَيْعَةِ وَفِي السير وأخرجه بن مَاجَهْ فِي الْفِتَنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[4249]
(وَيْلٌ لِلْعَرَبِ) الْوَيْلُ حُلُولُ الشَّرِّ وَهُوَ تَفْجِيعٌ أَوْ وَيْلٌ كَلِمَةُ عَذَابٍ أَوْ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ وَخَصَّ الْعَرَبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ مُعْظَمَ مَنْ أَسْلَمَ (مِنْ شَرٍّ) عَظِيمٍ (قَدِ اقْتَرَبَ) ظُهُورُهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ الْحَدِيثَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ بِهِ الِاخْتِلَافَ الَّذِي ظَهَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَقْعَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَوْ مَا وَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَمُعَاوِيَةَ رضي الله عنه
قال القارىء أَوْ أَرَادَ بِهِ قَضِيَّةَ يَزِيدَ مَعَ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه وَهُوَ فِي الْمَعْنَى أَقْرَبُ لِأَنَّ شَرَّهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْعَجَمِ وَالْعَرَبِ (أَفْلَحَ) أَيْ نَجَا (مَنْ كَفَّ يَدَهُ) أَيْ عَنِ الْقِتَالِ وَالْأَذَى أَوْ تَرَكَ الْقِتَالَ إِذَا لَمْ يَتَمَيَّزِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ
قَالَ الْمِزِّيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ عَنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى
وَفِي الْمِرْقَاةِ أَخْرَجَهُ دَاوُدُ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ
وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ خَلَا قَوْلِهِ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَفَّ يَدَهُ انْتَهَى
[4250]
(يُوشِكُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُحَاصَرُوا) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أي يحبسوا ويضطروا ويلتجؤا (إِلَى الْمَدِينَةِ) أَيْ مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُحَاصَرَةِ الْعَدُوِّ إِيَّاهُمْ أَوْ يَفِرُّ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْكُفَّارِ وَيَجْتَمِعُونَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ
وَسَلَاحٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ خَيْبَرَ أَوْ بَعْضُهُمْ دَخَلُوا فِي حِصْنِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُهُمْ ثَبَتُوا حواليها احتراسا عليها قاله القارىء
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ الْمُسْلِمِينَ زَمَنَ الدَّجَّالِ حِينَ يَأْرِزُ الْإِسْلَامُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُطَهَّرَةِ أَوْ يَكُونُ هَذَا فِي زَمَانٍ آخَرَ (أَبْعَدَ مَسَالِحِهِمْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مَسْلَحَةٍ وَأَصْلُهُ مَوْضِعُ السِّلَاحِ ثم استعمل للثغر وهو المراد ها هنا أَيْ أَبْعَدُ ثُغُورِهِمْ هَذَا الْمَوْضِعُ الْقَرِيبُ مِنْ خَيْبَرَ الْقَرِيبُ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى عِدَّةِ مَرَاحِلَ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِقَوْمٍ يَحْفَظُونَ الثُّغُورَ مِنَ الْعَدُوِّ
قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْمَسَالِحُ جَمْعُ الْمَسْلَحِ وَالْمَسْلَحَةُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ الثُّغُورَ مِنَ الْعَدُوِّ وَسُمُّوا مَسْلَحَةً لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ ذَوِي سِلَاحٍ أَوْ لِأَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ الْمَسْلَحَةَ وَهِيَ كَالثَّغْرِ وَالْمَرْقَبِ يَكُونُ فِيهِ أَقْوَامٌ يَرْقُبُونَ الْعَدُوَّ لِئَلَّا يَطْرُقَهُمْ عَلَى غَفْلَةٍ فَإِذَا رَأَوْهُ أَعْلَمُوا أَصْحَابَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا لَهُ انْتَهَى
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ الثَّغْرُ مِنَ الْبِلَادِ الْمَوْضِعُ الذي يخاف منه هجوم العدو فهوكالثلمة فِي الْحَائِطِ يُخَافُ هُجُومُ السَّارِقِ مِنْهَا وَالْجَمْعُ ثُغُورٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ
(سَلَاحٌ) بِفَتْحِ السِّينِ
قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وَقَدْ ضُبِطَ بِرَفْعِهِ مَضْمُومًا عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ مُؤَخَّرٌ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ أَبْعَدَ وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِهِ مُنَوَّنًا وَفِي أُخْرَى بِكَسْرِ الْحَاءِ
فَفِي الْقَامُوسِ سَلَاحٌ كَسَحَابٍ وَقَطَامٍ مَوْضِعٌ أسفل خيبر
وقال بن الْمَلَكِ سَلَاحٌ هُوَ مُنَوَّنٌ فِي نُسْخَةٍ وَمَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ فِي أُخْرَى وَقِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ فِي الْحِجَازِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ فِي بَنِي تَمِيمٍ
وَالْمَعْنَى أَبْعَدُ ثُغُورِهِمْ هَذَا الْمَوْضِعُ الْقَرِيبُ مِنْ خَيْبَرَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ التَّضْيِيقِ عليهم وإحاطة الكفار حواليهم قاله القارىء
قَالَ الْمِزِّيُّ حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ الْأَزْدِيِّ الْبَصْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عمر أخرجه أبو داود في الفتن عن بن وَهْبٍ عَنْ جَرِيرٍ انْتَهَى
قُلْتُ وَفِيهِ مَجْهُولٌ لِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ قَالَ حُدِّثْتُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ حَدَّثَ بِهِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ والله أعلم
[4252]
(زَوَى لِيَ الْأَرْضَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ قَبَضَهَا وَجَمَعَهَا يُقَالُ انْزَوَى الشَّيْءُ إِذَا انْقَبَضَ وَتَجَمَّعَ (مَشَارِقَهَا) أَيِ الْأَرْضِ (مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا) أَيْ مِنَ الْأَرْضِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ الناس أن من ها هنا معناها التبعيض فيقول كيف شرط ها هنا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ الِاسْتِيعَابَ وَرَدَّ آخِرَهُ إِلَى التَّبْعِيضِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا يُقَدِّرُونَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّفْصِيلُ لِلْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالتَّفْصِيلُ لَا يُنَاقِضُ الْجُمْلَةَ وَلَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِنْهَا لَكِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَسْتَوْفِيهَا جُزْءًا جُزْءًا
وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَرْضَ زُوِيَتْ جُمْلَتُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَرَآهَا ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ جُزْءٌ جُزْءٌ مِنْهَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا كُلِّهَا فَيَكُونُ هَذَا مَعْنَى التَّبْعِيضِ فِيهَا
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مُلْكَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَكُونُ مُعْظَمَ امْتِدَادِهِ فِي جِهَتَيِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَهَكَذَا وَقَعَ وَأَمَّا فِي جِهَتَيِ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ فَقَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ انْتَهَى
(الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ) أَيِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ
وَفِي النِّهَايَةِ فَالْأَحْمَرُ مُلْكُ الشَّامِ وَالْأَبْيَضُ مُلْكُ فَارِسٍ وَإِنَّمَا قَالَ لِفَارِسٍ الْأَبْيَضَ لِبَيَاضِ أَلْوَانَهُمْ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَمْوَالِهِمُ الْفِضَّةُ كَمَا أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَلْوَانِ أَهْلِ الشَّامِ الْحُمْرَةُ وَعَلَى أَمْوَالِهِمُ الذَّهَبُ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالْكَنْزَيْنِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْمُرَادُ كَنْزُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ مَلِكَيِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ (أَنْ لَا يُهْلِكَهَا) أَيْ أَنْ لَا يُهْلِكَ اللَّهُ الْأُمَّةَ (بِسَنَةِ) قَحْطٍ (بِعَامَّةٍ) يَعُمُّ الْكُلَّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ (فَيَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ) أَيْ مُجْتَمَعَهُمْ وَمَوْضِعَ سُلْطَانِهِمْ وَمُسْتَقَرَّ دَعْوَتِهِمْ أَيْ يَجْعَلَهُمْ لَهُ مُبَاحًا لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ فِيهِمْ وَيَسْبِيهِمْ وَيَنْهَبُهُمْ يُقَالُ أَبَاحَهُ يُبِيحُهُ وَاسْتَبَاحَهُ يَسْتَبِيحُهُ وَالْمُبَاحُ خِلَافُ الْمَحْذُورِ وَبَيْضَةُ الدَّارِ وَسَطُهَا وَمُعْظَمُهَا أَرَادَ عَدُوًّا يَسْتَأْصِلُهُمْ وَيُهْلِكُهُمْ جَمِيعَهُمْ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَإِنَّهُ) أَيِ الْقَضَاءَ (وَلَا أهلكهم بسنة بعامة) أي لأهلكهم بِقَحْطٍ يَعُمُّهُمْ بَلْ إِنْ وَقَعَ قَحْطٌ وَقَعَ فِي نَاحِيَةٍ يَسِيرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
(وَلَوِ اجْتَمَعَ) أَيِ الْعَدُوُّ (أَقْطَارِهَا) أَيْ نَوَاحِي الْأَرْضِ (الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ) أَيِ الدَّاعِينَ إِلَى الْبِدَعِ وَالْفِسْقِ وَالْفُجُورِ (فِي أُمَّتِي) أَيْ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ (لَمْ يُرْفَعِ) السَّيْفُ (عَنْهَا) أَيْ عَنِ الْأُمَّةِ (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدٍ يَكُونُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَقَدِ ابتدىء فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَهَلُمَّ جَرًّا لَا يَخْلُو عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْأُمَّةِ
وَالْحَدِيثُ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بأس بعض (بالمشركين) منها ما وقع بعد وفاته فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه (الْأَوْثَانَ) أَيِ الْأَصْنَامَ حَقِيقَةً وَلَعَلَّهُ يَكُونُ فِيمَا سَيَأْتِي أَوْ مَعْنًى وَمِنْهُ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ (وَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (كَذَّابُونَ) أَيْ فِي دَعْوَتِهِمُ النُّبُوَّةَ (ثَلَاثُونَ) أَيْ هُمْ أَوْ عَدَدُهُمْ ثَلَاثُونَ (وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (لَا نَبِيَّ بَعْدِي) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ (عَلَى الْحَقِّ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ لَا تَزَالُ أَيْ ثَابِتِينَ عَلَى الْحَقِّ عِلْمًا وَعَمَلًا (ظَاهِرِينَ) أَيْ غَالِبِينَ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ وَلَوْ حُجَّةً
قَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي ثَابِتِينَ أَيْ ثَابِتِينَ عَلَى الْحَقِّ فِي حَالَةِ كَوْنِهِمْ غَالِبِينَ عَلَى الْعَدُوِّ (ثُمَّ اتَّفَقَا) أَيْ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى (مَنْ خَالَفَهُمْ) أَيْ لِثَبَاتِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ (حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا تَزَالُ
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ أَيِ الرِّيحُ الَّذِي يُقْبَضُ عِنْدَهَا رُوحُ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ
وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عُمَرَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ إِلَى قُرْبِ قِيَامِهَا لِأَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ ثَوْبَانَ مُطَوَّلًا هُوَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُؤَلِّفِ فَأَخْرَجَهُ مُفَرَّقًا فِي الْمَوَاضِعِ فَحَدِيثُ إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا إِلَى قَوْلِهِ يَكُونُ بَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ كُلُّهُمْ فِي الْفِتَنِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حسن
صَحِيحٌ وَحَدِيثُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ أَخْرَجَهُ مسلم في الجهاد وبن مَاجَهْ فِي السُّنَّةِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْفِتَنِ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ وَقَالَ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ ذَكَرَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَحَدِيثُ إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
[4253]
(مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) بْنُ عَيَّاشٍ (حَدَّثَنِي أَبِي) إِسْمَاعِيلُ بن عياش (قال بن عَوْفٍ) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ الْحِمْصِيُّ (وَقَرَأْتُ فِي أَصْلِ إِسْمَاعِيلَ) أَيْ فِي كِتَابِ إِسْمَاعِيلَ (قَالَ) إِسْمَاعِيلُ (حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ) بْنُ زُرْعَةَ (عَنْ شُرَيْحِ) بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ (عَنْ أَبِي مَالِكٍ يَعْنِي الْأَشْعَرِيَّ) قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ واختلف اسْمِهِ فَقِيلَ الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ وَقِيلَ عُبَيْدٌ وَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ وَقِيلَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ كَعْبٍ وَقِيلَ عَامِرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هَانِئٍ بْنِ كُلْثُومَ نَزَلَ الشَّامَ انْتَهَى
وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ روى بن عَوْفٍ أَوَّلًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِيهِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ ضَمْضَمٍ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالتَّحْدِيثِ والسماع وروى بن عَوْفٍ ثَانِيًا عَالِيًا بِدَرْجَةٍ عَنْ كِتَابِ إِسْمَاعِيلَ قال حدثني ضمضم فلا بن عَوْفٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ضَمْضَمٍ وَعَنْ كِتَابِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ ضَمْضَمٍ لَكِنْ قَالَ الْمُنَاوِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَبُوهُ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ فِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ وَلَهُ طُرُقٌ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ سَنَدُهُ حَسَنٌ فَإِنَّهُ مِنْ رواية بن عَيَّاشٍ عَنِ الشَّامِيِّينَ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَحْمَدَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ
وَقَالَ فِي تَخْرِيجِ الْمُخْتَصَرِ اخْتُلِفَ فِي أَبِي مَالِكٍ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ هُوَ فَإِنَّ فِي الصَّحْبِ ثَلَاثَةٌ يُقَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ أَحَدُهُمْ رَاوِي حَدِيثِ الْمَعَارِفِ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَفِي اسْمِهِ خِلَافٌ الثَّانِي الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ مَشْهُورٌ بِاسْمِهِ أَكْثَرُ الثَّالِثُ كَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ مَشْهُورٌ بِاسْمِهِ دُونَ كُنْيَتِهِ
وَذَكَرَ الْمِزِّيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ الْأَوَّلِ وَذَكَرَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الثَّانِي
قَالَ الْحَافِظُ وَصَحَّ لِي أَنَّهُ الثَّالِثُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنَاوِيِّ
(إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ) حَمَاكُمْ وَمَنَعَكُمْ وَأَنْقَذَكُمْ (مِنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ) خِصَالٍ الْأُولَى (أَنْ لَا يَدْعُو
عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ) كَمَا دَعَا نُوحٌ عَلَى قَوْمِهِ (فَتَهْلِكُوا) بِكَسْرِ اللَّامِ (جَمِيعًا) أَيْ بَلْ كَانَ النبي كثير الدعاء لأمته الثَّانِيَةُ (أَنْ لَا يَظْهَرَ) أَيْ لَا يَغْلِبَ (أَهْلُ) دِينِ (الْبَاطِلِ) وَهُوَ الْكُفْرُ (عَلَى) دِينِ (أهل الحق) وهو الإسلام بحيث يمحقه ويطفىء نوره الثَّالِثَةُ (أَنْ لَا تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ) وَفِيهِ أَنَّ إِجْمَاعَ أُمَّتِهِ حُجَّةٌ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِمْ
وَالْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ وَكَلَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[4254]
(تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ بِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي بَيَانِ مَعْنَى دَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ عَلَى قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اسْتِقَامَةُ أَمْرِ الدِّينِ وَاسْتِمْرَارِهِ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْحَرْبُ وَالْقِتَالُ وَهَذَا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ وَالْبَغَوِيِّ
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَرْدَبِيلِيُّ فِي الْأَزْهَارِ وَشَرْحِ الْمَصَابِيحِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ الْمُرَادُ بِدَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ اسْتِمْرَارُ أَمْرِ النُّبُوَّةِ وَالْخِلَافَةِ وَاسْتِقَامَةِ أَمْرِ الْوُلَاةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ مِنْ غَيْرِ فُتُورٍ وَلَا فُطُورٍ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ مِنَ الهجرة بدليل قوله فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مِمَّا مَضَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَالشَّيْخُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْمُرَادُ بِدَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ الْحَرْبُ وَالْقِتَالُ وَشَبَّهَهَا بِالرَّحَى الدَّوَّارَةِ بِالْحَبِّ لِمَا فِيهَا مِنْ تَلَفِ الْأَرْوَاحِ وَالْأَشْبَاحِ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ إِرَادَةُ الْحَرْبِ مِنْ دَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ مِنْ إِرَادَةِ اسْتِقَامَةِ أَمْرِ الدِّينِ وَاسْتِمْرَارِهِ لِأَنَّ الْعَرَبَ يُكَنُّونَ عَنِ الْحَرْبِ بِدَوَرَانِ الرَّحَى
قَالَ الشَّاعِرُ فَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمُ فَكَيْفَ اخْتَارَ الْأَكْثَرُونَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي
قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ الْعَرَبَ يُكَنُّونَ عَنِ الْحَرْبِ بِدَوَرَانِ الرَّحَى لَكِنْ إِذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ ذِكْرُ الْحَرْبِ صَرَاحَةً أَوْ إِشَارَةً وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْحَرْبِ أَصْلًا
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رحمه الله إِنَّهُمْ يُكَنُّونَ عَنِ اشْتِدَادِ الْحَرْبِ بِدَوَرَانِ الرَّحَى وَيَقُولُونَ دَارَتْ رَحَى الْحَرْبِ أَيِ اسْتَتَبَّ أَمْرُهَا وَلَمْ تَجِدْهُمُ اسْتَعْمَلُوا دَوَرَانَ الرَّحَى فِي أَمْرِ الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ ذِكْرِهَا أَوِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرِ الْحَرْبَ وَإِنَّمَا قَالَ رَحَى الْإِسْلَامِ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَسْتَتِبُّ أَمْرُهُ وَيَدُومُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ
وَيَصِحُّ أَنْ يُسْتَعَارَ دَوَرَانُ الرَّحَى فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَقُومُ لِصَاحِبِهِ وَيَسْتَمِرُّ لَهُ فَإِنَّ الرَّحَى تُوجَدُ عَلَى نَعْتِ الْكَمَالِ مَا دَامَتْ دَائِرَةً مُسْتَمِرَّةً وَيُقَالُ فُلَانٌ صَاحِبُ دَارَتِهِمْ إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ يَدُورُ عَلَيْهِ وَرَحَى الْغَيْثِ مُعْظَمُهُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَرْبِيُّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ تَزُولُ رَحَى الْإِسْلَامِ مَكَانَ تَدُورُ ثُمَّ قَالَ كَأَنَّ تَزُولُ أَقْرَبُ لِأَنَّهَا تَزُولُ عَنْ ثُبُوتِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا
وَكَلَامُ التُّورْبَشْتِيِّ هَذَا ذَكَرَهُ القارىء في المرقاة
وقال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ دَارَتْ رَحَى الْحَرْبِ إِذَا قَامَتْ عَلَى سَاقِهَا وَأَصْلُ الرَّحَى الَّتِي يُطْحَنُ بِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْتَدُّ قِيَامُ أَمْرِهِ عَلَى سُنَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَالْبُعْدِ مِنْ إِحْدَاثَاتِ الظَّلَمَةِ إِلَى تَقَضِّي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي هِيَ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ انْتَهَى
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِخَمْسٍ لِلْوَقْتِ أَوْ بِمَعْنَى إِلَى
قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ وَاللَّامُ فِي لِخَمْسٍ لِلْوَقْتِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِرَمَضَانَ أَيْ وَقْتِهُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ وَقِيلَ بِمَعْنَى إِلَى لِأَنَّ حُرُوفَ الْجَارَّةِ يُوضَعُ بَعْضُهَا مَوْضِعَ بَعْضٍ انْتَهَى
قُلْتُ كَوْنُ اللَّامِ فِي لِخَمْسٍ بِمَعْنَى إِلَى هُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا لَا يَخْفَى
فَإِنْ قُلْتَ قَدْ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ انْتِهَاءَ مُدَّةِ دَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْتِدَاءَ مُدَّتِهِ فَمِنْ أَيِّ وَقْتٍ يُرَادُ الِابْتِدَاءُ
قُلْتُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الِابْتِدَاءُ مِنَ الْهِجْرَةِ أَوْ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي بَقِيَتْ فيه من عمره خَمْسُ سِنِينَ أَوْ سِتُّ سِنِينَ
قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ قِيلَ إِنَّ الْإِسْلَامَ عِنْدَ قِيَامِ أَمْرِهِ عَلَى سُنَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَالْبُعْدِ مِنْ إِحْدَاثَاتِ الظَّلَمَةِ إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ مُدَّةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَوَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَالَهُ وَقَدْ بقيت من عمره خَمْسُ سِنِينَ أَوْ سِتٌّ فَإِذَا انْضَمَّتْ إِلَى مُدَّةِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ سَنَةٍ كَانَتْ بَالِغَةً ذَلِكَ الْمَبْلَغَ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَفِيهَا خَرَجَ أَهْلُ مِصْرَ وَحَصَرُوا عُثْمَانَ رضي الله عنه وَإِنْ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ وَإِنْ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ الصِّفِّينِ انْتَهَى
(فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا) اعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِدَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ اخْتَلَفُوا فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ وَتَفْسِيرِهِ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ فَتَفْسِيرُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ هَكَذَا فَقَوْلُهُ فَإِنْ
يَهْلِكُوا يَعْنِي بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ وَبِالْمَعَاصِي وَالْمَظَالِمِ وَتَرْكِ الْحُدُودِ وَإِقَامَتِهَا وَقَوْلُهُ فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ أَيْ فَسَبِيلُهُمْ فِي الْهَلَاكِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْوَهْنِ فِي الدِّينِ سَبِيلُ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ فِي الْهَلَاكِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْوَهْنِ فِي الدِّينِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ أَيْ لِعَدَمِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالْوَهْنِ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا
وَعَلَى قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ وَالشَّيْخِ مَعْنَاهُ فَإِنْ يَهْلِكُوا بِتَرْكِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ فَسَبِيلُهُمْ سَبِيلُ مَنْ هَلَكَ بِذَلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ بِإِقَامَةِ الْحَرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْقِتَالِ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا
هَكَذَا قَرَّرَ الْأَرْدَبِيلِيُّ رحمه الله وَلَيْسَ الْهَلَاكُ فِيهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ سَمَّى أَسْبَابَ الْهَلَاكِ وَالِاشْتِغَالَ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ هَلَاكًا
فَإِنْ قُلْتَ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَوْعِدَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ إِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُهُمْ سَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ إِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا وَهَذَانِ الْمَوْعِدَانِ لَا يُوجَدَانِ مَعًا بَلْ إِنْ وُجِدَ الْأَوَّلُ لَا يُوجَدُ الثَّانِي وَإِنْ وُجِدَ الثَّانِي لَا يُوجَدُ الْأَوَّلُ فَأَيٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْمَوْعِدَيْنِ وُجِدَ ووقع
قلت قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَدْ وَقَعَ الْمَحْذُورُ فِي الْمَوْعِدِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَى الْآنَ انْتَهَى
قُلْتُ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهِ فَقَدْ ظَهَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مَا ظَهَرَ وَجَرَى مَا جَرَى فَلَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ فِي الْمَوْعِدِ الْأَوَّلِ ارْتَفَعَ الْمَوْعِدُ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدِّينِ هُنَا الْمُلْكُ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهَذَا مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ وَانْتِقَالَهُ عَنْهُمْ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ وَكَانَ مَا بَيْنَ اسْتِقْرَارِ الْمُلْكِ لِبَنِي أُمَيَّةَ إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ دُعَاةُ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ بِخُرَاسَانَ وَضَعُفَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ وَدَخَلَ الْوَهْنُ فِيهِ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةٍ فَعَلَى قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمَوْعِدَ الثَّانِي قَدْ وَقَعَ
قُلْتُ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ بَاطِلٌ قَطْعًا وَلِذَلِكَ تُعُقِّبَ عَلَيْهِ من وجوه
قال بن الْأَثِيرِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِهِ هَذَا التَّأْوِيلُ كَمَا تَرَاهُ فَإِنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا لَمْ تَكُنْ سَبْعِينَ سَنَةً وَلَا كَانَ الدِّينُ فِيهَا قَائِمًا انْتَهَى
وَقَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِهِ وَضَعَّفُوهُ بِأَنَّ مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ كَانَ أَلْفَ شَهْرٍ وَهُوَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةٍ وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ انْتَهَى
وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِهِ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا سُلَيْمَانَ أَيِ الْخَطَّابِيَّ فَإِنَّهُ لَوْ تَأَمَّلَ الْحَدِيثَ كُلَّ
التَّأَمُّلِ وَبَنَى التَّأْوِيلَ عَلَى سِيَاقِهِ لَعَلِمَ أَنَّ النبي لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ بَلْ أَرَادَ بِهِ اسْتِقَامَةَ أَمْرِ الْأُمَّةِ فِي طَاعَةِ الْوُلَاةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَجَعْلَ الْمَبْدَأَ فِيهِ أَوَّلَ زَمَانِ الْهِجْرَةِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يَلْبَثُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ ثُمَّ يَشُقُّونَ عَصَا الْخِلَافِ فَتُفَرَّقُ كَلِمَتُهُمْ فَإِنْ هَلَكُوا فَسَبِيلُهُمْ سَبِيلُ مَنْ قَدْ هَلَكَ قَبْلَهُمْ وَإِنْ عَادَ أَمْرُهُمْ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ إِيثَارِ الطَّاعَةِ وَنُصْرَةِ الْحَقِّ يَتِمُّ لَهُمْ ذَلِكَ إِلَى تَمَامِ السَّبْعِينَ
هَذَا مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَلَوِ اقْتَضَى اللَّفْظُ أَيْضًا غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلُ فَإِنَّ الْمُلْكَ فِي أَيَّامِ بَعْضِ الْعَبَّاسِيَّةِ لَمْ يَكُنْ أَقَلَّ اسْتِقَامَةٍ مِنْهُ فِي أَيَّامِ الْمَرْوَانِيَّةِ وَمُدَّةُ إِمَارَةِ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ مُعَاوِيَةَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ كَانَتْ نَحْوًا مِنْ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَالتَّوَارِيخُ تَشْهَدُ لَهُ مَعَ أَنَّ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ ينقض كل تأويل يخالف تأويلنا هذا وهي قول بن مَسْعُودٍ
(قُلْتُ) أَيْ يَا رَسُولَ اللَّهِ (أَمِمَّا بَقِيَ أَوْ مِمَّا مَضَى) يُرِيدُ أَنَّ السَّبْعِينَ تَتِمُّ لَهُمْ مُسْتَأْنَفَةً بَعْدَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَمْ تَدْخُلُ الْأَعْوَامُ الْمَذْكُورَةُ فِي جُمْلَتِهَا (قَالَ مِمَّا مَضَى) يَعْنِي يَقُومُ لَهُمْ أَمْرُ دِينِهِمْ إِلَى تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ أَوَّلِ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ لَا مِنَ انْقِضَاءِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ إِلَى انْقِضَاءِ سَبْعِينَ
قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ ناجية الكاهلي ويقال المحاربي عن بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ عَنْ محمد بن سليمان الأنباري عن بن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْهُ بِهِ انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[4255]
(يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ) قَدْ يُرَادُ بِهِ اقْتِرَابُ السَّاعَةِ أَوْ تَقَارُبُ أَهْلِ الزَّمَانِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِي الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ أَوْ قِصَرِ أَعْمَارِ أَهْلِهِ أَوْ قُرْبِ مدة الأيام والليالي حتى يكون السَّنَةُ كَالشَّهْرِ
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ قِصَرُ زَمَانِ الْأَعْمَارِ وَقِلَّةُ الْبَرَكَةِ فِيهَا وَقِيلَ هُوَ دُنُوُّ زَمَانِ السَّاعَةِ وَقِيلَ قِصَرُ مُدَّةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ الزَّمَانَ يَتَقَارَبُ حَتَّى يَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَالسَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السُّفْعَةِ انْتَهَى
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَقَارُبِ الزَّمَانِ تَسَارُعُ الدُّوَلِ إِلَى الِانْقِضَاءِ وَالْقُرُونِ إِلَى الِانْقِرَاضِ فَيَتَقَارَبُ زَمَانُهُمْ وَتَتَدَانَى أيامهم
وقال بن بَطَّالٍ مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَقَارُبُ أَحْوَالِهِ فِي أَهْلِهِ فِي قِلَّةِ الدِّينِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَظُهُورِ أَهْلِهِ (وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ) أَيْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ