المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما جاء في إسبال الإزار) - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ١١

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌29 - كِتَاب الْحُرُوفِ وَالْقِرَاءَات

- ‌30 - كِتَاب الْحَمَّامِ

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ التَّعَرِّي)

- ‌(باب فِي التَّعَرِّي)

- ‌31 - كِتَاب اللِّبَاسِ

- ‌(باب في ما يدعى بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الدُّعَاءِ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَمِيصِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَقْبِيَةِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الشُّهْرَةِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الصُّوفِ وَالشَّعَرِ)

- ‌(باب لبس المرتفع)

- ‌(بَاب لِبَاسِ الْغَلِيظِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَزِّ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي لبس الحرير)

- ‌(بَاب مَنْ كَرِهَهُ أَيْ لُبْسُ الْحَرِيرِ)

- ‌(بَاب الرُّخْصَةِ فِي الْعَلَمِ وَخَيْطِ الْحَرِيرِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِعُذْرٍ)

- ‌(بَاب فِي الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي لُبْسِ الْحِبَرَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْبَيَاضِ)

- ‌(باب في الخلقان وفي غسل الثوب الْخُلْقَانُ)

- ‌(بَاب فِي الْمَصْبُوغِ بِالصُّفْرَةِ)

- ‌(بَاب فِي الخضرة)

- ‌(بَاب فِي الْحُمْرَةِ)

- ‌(بَاب فِي الرُّخْصَةِ)

- ‌(بَاب فِي السَّوَادِ)

- ‌(بَاب فِي الْهُدْبِ فِي الْقَامُوسِ)

- ‌(بَاب فِي الْعَمَائِمِ)

- ‌(بَاب فِي لِبْسَةِ الصَّمَّاءِ)

- ‌(بَاب فِي حَلِّ الْأَزْرَارِ)

- ‌(بَاب فِي التَّقَنُّعِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي إِسْبَالِ الْإِزَارِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْكِبْرِ)

- ‌(بَاب فِي قَدْرِ مَوْضِعِ الْإِزَارِ)

- ‌(بَاب فِي لِبَاسِ النِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي قول الله تَعَالَى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ الْآيَةُ بِتَمَامِهَا)

- ‌(باب في قول الله تعالى وليضربن بخمرهن على جيوبهن)

- ‌(بَاب فِيمَا تُبْدِي الْمَرْأَةُ مِنْ زِينَتِهَا هِيَ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ أَوْ

- ‌(بَاب فِي الْعَبْدِ يَنْظُرُ إِلَى شَعْرِ مَوْلَاتِهِ)

- ‌(باب في قوله تعالى غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ)

- ‌(باب في قوله وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)

- ‌(باب كيف الِاخْتِمَارِ)

- ‌(بَاب فِي لِبْسِ الْقَبَاطِيِّ لِلنِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي قَدْرِ الذَّيْلِ)

- ‌(بَاب فِي أُهُبِ الْمَيْتَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَوَى أَنْ لَا يستنفع بإهاب الميتة)

- ‌(بَاب فِي جُلُودِ النُّمُورِ وَالسِّبَاعِ)

- ‌(بَاب فِي الِانْتِعَالِ)

- ‌(بَاب فِي الْفُرُشِ)

- ‌(بَاب فِي اتِّخَاذِ السُّتُورِ)

- ‌(بَاب فِي الصَّلِيبِ فِي الثَّوْبِ أَيْ صُورَةُ الصَّلِيبِ فِيهِ)

- ‌(بَاب فِي الصُّوَرِ)

- ‌32 - كِتَاب التَّرَجُّل

- ‌(باب فِي اسْتِحْبَابِ الطِّيبِ)

- ‌(بَاب فِي إِصْلَاحِ الشَّعَرِ)

- ‌(بَاب فِي الْخِضَابِ لِلنِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي صِلَةِ الشَّعْرِ)

- ‌(بَاب فِي رَدِّ الطِّيبِ)

- ‌(بَاب في طيب المرأة لِلْخُرُوجِ)

- ‌(بَاب فِي الْخَلُوقِ لِلرِّجَالِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّعَرِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْفَرْقِ)

- ‌(بَاب فِي تَطْوِيلِ الْجُمَّةِ)

- ‌(باب في الرجل يضفر شَعْرَهُ)

- ‌(بَاب فِي حَلْقِ الرَّأْسِ)

- ‌(باب في الصبي له ذؤابة)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ)

- ‌(بَاب فِي أَخْذِ الشَّارِبِ)

- ‌(بَاب فِي نَتْفِ الشَّيْبِ)

- ‌(بَاب فِي الْخِضَابِ)

- ‌(باب فِي خِضَابِ الصُّفْرَةِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي خِضَابِ السَّوَادِ)

- ‌(بَاب فِي الِانْتِفَاعِ بِالْعَاجِ)

- ‌33 - كِتَاب الْخَاتَم

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْخَاتَمِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي خاتم الحديد)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْجَلَاجِلِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي رَبْطِ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ)

- ‌34 - كِتَاب الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِم

- ‌(باب ذكر الفتن ودلائلها)

- ‌(باب النَّهْيِ عَنْ السَّعْيِ فِي الْفِتْنَةِ)

- ‌(بَاب فِي كَفِّ اللِّسَانِ)

- ‌(باب الرخصة في التبدي فِي الْفِتْنَةِ)

- ‌(باب النَّهْيِ عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ)

- ‌(بَاب فِي تَعْظِيمِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ)

- ‌(بَاب مَا يُرْجَى فِي الْقَتْلِ)

- ‌35 - كِتَاب الْمَهْدِيِّ

- ‌36 - كِتَاب الْمَلَاحِم

- ‌(بَاب مَا يُذْكَرُ فِي قَرْنِ المائة)

- ‌(بَابِ مَا يُذْكَرُ مِنْ مَلَاحِمِ الرُّومِ)

- ‌(بَاب فِي أَمَارَاتِ الْمَلَاحِمِ)

- ‌(بَاب فِي تَوَاتُرِ الْمَلَاحِمِ)

- ‌(بَاب فِي تَدَاعِي الْأُمَمِ عَلَى الْإِسْلَامِ)

- ‌(بَاب فِي الْمَعْقِلِ مِنْ الْمَلَاحِمِ)

- ‌(باب في ارْتِفَاعِ الْفِتْنَةِ فِي الْمَلَاحِمِ)

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ تَهْيِيجِ التُّرْكِ والْحَبَشَةِ)

- ‌(بَاب فِي قِتَالِ التُّرْكِ)

- ‌(بَاب فِي ذِكْرِ الْبَصْرَةِ)

- ‌(بَاب ذكر الْحَبَشَةِ)

- ‌(باب أمارت السَّاعَةِ)

- ‌(باب حَسْرِ الْفُرَاتِ)

- ‌(بَاب خُرُوجِ الدَّجَّالِ)

- ‌(بَاب فِي خَبَرِ الْجَسَّاسَةِ)

- ‌(باب خبر بن الصائد)

- ‌(بَاب الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ [4336] عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ)

- ‌(بَاب قِيَامِ السَّاعَةِ)

الفصل: ‌(باب ما جاء في إسبال الإزار)

27 -

(بَاب مَا جَاءَ فِي إِسْبَالِ الْإِزَارِ)

[4084]

أَيْ فِي إِرْسَالِهِ وَإِرْخَائِهِ

(الْهُجَيْمِيُّ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ (وَأَبُو تَمِيمَةَ اسْمُهُ طَرِيفُ بْنُ مُجَالِدٍ) أَبُو تَمِيمَةَ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ اسْمُهُ طَرِيفُ بْنُ مُجَالِدٍ خَبَرُهُ (عَنْ أَبِي جُرَيٍّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مُصَغَّرًا (جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ أَبِي جُرَيٍّ (يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيهِ) أَيْ يَرْجِعُونَ عَنْ قَبُولِ قَوْلِهِ يَعْنِي يَقْبَلُونَ قَوْلَهُ

قَالَ فِي الْمَجْمَعِ شبه المنصرفين عنه بَعْدَ تَوَجُّهِهِمْ إِلَيْهِ لِسُؤَالِ مَعَادِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ بِوَارِدَةٍ صَدَرُوا عَنِ الْمَنْهَلِ بَعْدَ الرِّيِّ أَيْ يَنْصَرِفُونَ عَمَّا يَرَاهُ وَيَسْتَصْوِبُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ (لَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا صَدَرُوا عَنْهُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ أَيْ يَأْخُذُونَ مِنْهُ كُلَّ مَا حَكَمَ بِهِ وَيَقْبَلُونَ حُكْمَهُ (قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي تَحِيَّةِ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

ذكر الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله حَدِيثًا فِيهِ وَسَلَام عَلَيْك تَحِيَّة الْمَوْتَى وَكَلَام الْمُنْذِرِيِّ إِلَى آخِره ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْفَرْق إِنْ صَحَّ فَهُوَ دَلِيل عَلَى التَّسْوِيَة بَيْن الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات فِي السَّلَام

فَإِنَّ الْمُسَلِّم عَلَى أَخِيهِ الْمَيِّت يَتَوَقَّع جَوَابه أيضا

قال بن عَبْد الْبَرّ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ رَجُل يَمُرّ بِقَبْرِ أَخِيهِ كَانَ يَعْرِفهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّم عَلَيْهِ إِلَّا رَدَّ اللَّه عَلَيْهِ رُوحه حتى يرد عليه السلام

قال الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله وَفِيهِ أَيْضًا نُكْتَة حَسَنَة

وهي أَنَّ الدُّعَاء بِالسَّلَامِ دُعَاء بِخَيْرٍ وَالْأَحْسَن فِي دُعَاء الْخَيْر أَنْ يُقَدِّم الدُّعَاء عَلَى الْمَدْعُوّ لَهُ

كَقَوْلِهِ تَعَالَى (رَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْت) وَقَوْله (وَسَلَام عَلَيْهِ يَوْم وُلِدَ وَيَوْم يَمُوت) وَقَوْله (سَلَام عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ) وَأَمَّا الدُّعَاء بِالشَّرِّ فَيُقَدَّم الْمَدْعُوّ عَلَيْهِ عَلَى الدُّعَاء غَالِبًا كَقَوْلِهِ لِإِبْلِيس (وَأَنَّ عَلَيْك لَعْنَتِي) وَقَوْله (وَإِنَّ عَلَيْك اللَّعْنَة) وَقَوْله (عَلَيْهِمْ دَائِرَة السَّوْء) وَقَوْله (وَعَلَيْهِمْ غَضَب وَلَهُمْ عَذَاب شَدِيد) وَسِرّ هَذَا أَنَّ فِي الدُّعَاء بِالْخَيْرِ يُقَدَّم اِسْم الدُّعَاء الْمَحْبُوب الْمَطْلُوب الَّذِي تَشْتَهِيه النُّفُوس فيبده

ص: 93

الْمَيِّتِ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَلَيْكَ السَّلَامُ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النبي أَنَّهُ دَخَلَ الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ دَارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ فَقَدَّمَ الدُّعَاءَ عَلَى اسْمِ الْمَدْعُوِّ لَهُ كَهُوَ فِي تَحِيَّةِ الْأَحْيَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِنْهُ إِشَارَةً إِلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْهُمْ فِي تَحِيَّةِ الْأَمْوَاتِ إِذْ كَانُوا يُقَدِّمُونَ اسْمَ الْمَيِّتِ عَلَى الدُّعَاءِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي أَشْعَارِهِمْ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ وَرَحْمَتُهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا وَكَقَوْلِ الشَّمَّاخِ عَلَيْكَ سَلَامٌ مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ

وَالسُّنَّةُ لَا تَخْتَلِفُ فِي تَحِيَّةِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى (الَّذِي إِذَا أَصَابَكَ إِلَخْ) صِفَةٌ لِلَّهِ عز وجل (فَدَعَوْتَهُ) بِصِيغَةِ الْخِطَابِ (كَشَفَهُ عَنْكَ) أَيْ دَفَعَهُ عَنْكَ (عَامُ سَنَةٍ) أَيْ قَحْطٍ وَجَدْبٍ (أَنْبَتَهَا لَكَ) أَيْ صَيَّرَهَا ذَاتَ نَبَاتٍ أَيْ بَدَّلَهَا خِصْبًا (بِأَرْضٍ قَفْرٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ خَالِيَةٍ عن الماء والشجر (أوفلاة) أَيْ مَفَازَةٍ (فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ) أَيْ ضَاعَتْ وَغَابَتْ عَنْكَ (اعْهَدْ إِلَيَّ) أَيْ أَوْصِنِي بِمَا أَنْتَفِعُ بِهِ (إِنَّ ذَلِكَ) أَيْ كَلَامَكُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ) أَيِ احْذَرْ إِرْسَالَ الْإِزَارِ وَإِرْخَاءَهُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ (فَإِنَّهَا) أَيْ إِسْبَالَ الْإِزَارِ (مِنَ الْمَخِيلَةِ) بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ وَهِيَ بِمَعْنَى الْخُيَلَاءِ وَالتَّكَبُّرِ (فَلَا تُعَيِّرْهُ) مِنَ التَّعْيِيرِ وَهُوَ التَّوْبِيخُ وَالتَّعْيِيبُ عَلَى ذَنْبٍ سَبَقَ لِأَحَدٍ مِنْ قَدِيمِ الْعَهْدِ سَوَاءً عَلِمَ تَوْبَتَهُ مِنْهُ أَمْ لَا وَأَمَّا التَّعْيِيرُ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

الْقَلْب وَالسَّمْع ذِكْر اِسْم الْمَحْبُوب الْمَطْلُوب ثُمَّ يَتْبَعهُ بِذِكْرِ الْمَدْعُوّ لَهُ

وَأَمَّا فِي الدُّعَاء عليه ففي تقديم المدعو عليه إيدان بِاخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ الدُّعَاء كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ هَذَا لَك وَحْدك لَا يُشْرِكك فِيهِ الدَّاعِي وَلَا غَيْره بِخِلَافِ الدُّعَاء بِالْخَيْرِ

فَإِنَّ الْمَطْلُوب عُمُومه

وَكُلَّمَا عَمَّمَ بِهِ الدَّاعِي كَانَ أَفْضَل

فَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيم مُؤْذِنًا بِالِاخْتِصَاصِ تُرِك

وَلِهَذَا يُقَدَّم إِذَا أُرِيد الِاخْتِصَاص كَقَوْلِهِ (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات من ربهم ورحمة) والله أعلم

ص: 94

فِي حَالِ الْمُبَاشَرَةِ أَوْ بُعَيْدَهُ قَبْلَ ظُهُورِ التَّوْبَةِ فَوَاجِبٌ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ أَوِ التَّعْزِيرُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بالمعروف والنهي عن المنكر قال القارىء

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَدْرَ الْمُسْتَحَبَّ فِيمَا يَنْزِلُ إِلَيْهِ الْإِزَارُ هُوَ نِصْفُ السَّاقَيْنِ وَالْجَائِزُ بِلَا كَرَاهَةٍ مَا تَحْتَهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَمَا نَزَلَ عَنِ الْكَعْبَيْنِ بِحَيْثُ يُغَطِّي الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ حَرَامٌ

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ قال رسول الله مَوْضِعُ الْإِزَارِ إِلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ وَالْعَضَلَةِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلَ فَإِنْ أَبَيْتَ فَمِنْ وَرَاءِ السَّاقِ ولا حق للكعبين في الإزار

وقال الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ انْتَهَى

[4085]

(مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْمَدِّ

قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ وَالْمَخِيلَةُ وَالْبَطَرُ وَالْكِبْرُ وَالزَّهْو وَالتَّبَخْتُرُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ (لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) النَّظَرُ حَقِيقَةٌ فِي إِدْرَاكِ الْعَيْنِ لِلْمَرْئِيِّ وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ عَنِ الرَّحْمَةِ أَيْ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ لِامْتِنَاعِ حَقِيقَةِ النَّظَرِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَالْعَلَاقَةُ هِيَ السَّبَبِيَّةُ فَإِنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ فِي حَالَةٍ مُمْتَهَنَةٍ رَحِمَهُ

وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَبَّرَ عَنِ الْمَعْنَى الْكَائِنِ عِنْدَ النَّظَرِ بِالنَّظَرِ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَوَاضِعٍ رَحِمَهُ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَكَبِّرٍ مَقَتَهُ فَالرَّحْمَةُ وَالْمَقْتُ مُتَسَبَّبَانِ عَنِ النَّظَرِ كَذَا فِي النَّيْلِ (إِنَّ أَحَدَ جَانِبَيْ إِزَارِي) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ سَقَطَتِ النُّونُ بالإضافة (يسترخي) بالخاء المعجمة وكانت سَبَبُ اسْتِرْخَائِهِ نَحَافَةَ جِسْمِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه (إِنِّي لَأَتَعَاهَدُ ذَلِكَ مِنْهُ) مِنَ التَّعَاهُدِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ في

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

ذكر الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله حَدِيث لَا يَقْبَل اللَّه صَلَاة رَجُل مُسْبِل ثُمَّ قَالَ وَوَجْه هَذَا الْحَدِيث وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ إِسْبَال الْإِزَار مَعْصِيَة

وَكُلّ مَنْ وَاقَعَ مَعْصِيَة فَإِنَّهُ يُؤْمَر بِالْوُضُوءِ والصلاة

فإن الوضوء يطفيء حَرِيق الْمَعْصِيَة

وَأَحْسَن مَا حُمِلَ عَلَيْهِ حَدِيث الأمر بالوضوء من القهقة فِي الصَّلَاة هَذَا الْوَجْه فَإِنَّ الْقَهْقَهَة فِي الصَّلَاة مَعْصِيَة فَأَمَرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَنْ فَعَلَهَا بِأَنْ يُحْدِث وُضُوءًا يَمْحُو به أثرها

ومنه حَدِيث عَلِيّ عَنْ أَبِي بَكْر مَا مِنْ مُسْلِم يُذْنِب ذَنْبًا يَتَوَضَّأ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِلَّا غفر الله له ذنبه

ص: 95

رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَرْخِي أَحَدُ جَانِبَيْ إِزَارِهِ إِذَا تَحَرَّكَ يَمْشِي أَوْ غَيْرُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَإِذَا كَانَ مُحَافِظًا عَلَيْهِ لَا يَسْتَرْخِي لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَادَ يَسْتَرْخِي شَدَّهُ (قَالَ) أي رسول الله (إنك لست ممن يفعله خيلاء) قال القارىء الْمَعْنَى أَنَّ اسْتِرْخَاءَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَضُرُّ لَا سِيَّمَا مِمَّنْ لَا يَكُونُ مِنْ شِيمَتِهِ الْخُيَلَاءُ وَلَكِنِ الْأَفْضَلُ هُوَ الْمُتَابَعَةُ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ فِي جَرِّ الْإِزَارِ هُوَ الْخُيَلَاءُ كَمَا هُوَ مُقَيَّدٌ فِي الشَّرْطِيَّةِ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُصَدَّرِ بِهِ انْتَهَى

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ جَرِّ الثَّوْبِ خُيَلَاءَ وَالْمُرَادُ بِجَرِّهِ هُوَ جَرُّهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لقوله مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فِي النَّارِ كَمَا سَيَأْتِي

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِسْبَالَ مُحَرَّمٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِمَا فِي صِيغَةِ مَنْ فِي قَوْلِهِ مَنْ جَرَّ مِنَ الْعُمُومِ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْإِسْبَالِ للنساء كما صرح بذلك بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ

وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ خُيَلَاءَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ أَنَّ جَرَّ الثَّوْبِ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي هَذَا الْوَعِيدِ

قال بن عَبْدُ الْبَرِّ مَفْهُومُهُ أَنَّ الْجَارَّ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ إِلَّا أَنَّهُ مَذْمُومٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَا يَجُوزُ الْإِسْبَالُ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ إِنْ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ

قال بن الْعَرَبِيِّ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَاوِزَ بِثَوْبِهِ كَعْبَهُ وَيَقُولُ لَا أَجُرُّهُ خُيَلَاءَ لِأَنَّ النَّهْيَ قَدْ تَنَاوَلَهُ لَفْظًا وَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ لَفْظًا أَنْ يُخَالِفَهُ إِذْ صَارَ حُكْمُهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَمْتَثِلُهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ فِيَّ فَإِنَّهَا دَعْوَى غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ بَلْ إِطَالَةُ ذَيْلِهِ دَالَّةٌ عَلَى تَكَبُّرِهِ انْتَهَى

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِسْبَالَ يَسْتَلْزِمُ جَرَّ الثَّوْبِ وَجَرُّ الثَّوْبِ يَسْتَلْزِمُ الْخُيَلَاءَ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ اللَّابِسُ

وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعتبار التقييد بالخيلاء قوله إِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنَ الْمَخِيلَةِ كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ وَحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله إذ لحلقنا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيُّ فِي حُلَّةِ إِزَارٍ ورداء قد أسبل فجعل يَأْخُذُ بِنَاحِيةِ ثَوْبِهِ وَيَتَوَاضَعُ لِلَّهِ عز وجل ويقول عبدك وبن عَبْدِكَ وَأَمَتِكَ حَتَّى سَمِعَهَا عَمْرٌو فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَحْمَشُ السَّاقَيْنِ فَقَالَ يَا عَمْرُو إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ يَا عَمْرُو إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ في النيل إن قوله لِأَبِي بَكْرٍ إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَنَاطَ التَّحْرِيمِ الْخُيَلَاءُ وَأَنَّ الْإِسْبَالَ قَدْ يَكُونُ لِلْخُيَلَاءِ وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ قَوْلِهِ فَإِنَّهَا مِنَ الْمَخِيلَةِ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَيَكُونُ الْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ في حديث بن عُمَرَ مُتَوَجِّهًا إِلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اخْتِيَالًا

وَالْقَوْلُ بِأَنَّ كُلَّ إِسْبَالٍ مِنَ الْمَخِيلَةِ أَخْذًا بِظَاهِرِ حَدِيثِ جَابِرٍ تَرُدُّهُ الضَّرُورَةُ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُسْبِلُ إِزَارَهُ مَعَ عَدَمِ خُطُورِ الْخُيَلَاءِ بِبَالِهِ وَيَرُدُّهُ ما تقدم من قوله لِأَبِي بَكْرٍ لِمَا عَرَفْتَ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَعَدَمُ إِهْدَارِ قَيْدِ الْخُيَلَاءِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَغَايَةُ مَا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ اللَّهَ لا يحب المسبل وحديث بن عمر مقيد

ص: 96

بِالْخُيَلَاءِ

وَحَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ وَأَمَّا كَوْنُ الظَّاهِرِ مِنْ عَمْرٍو أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ الْخُيَلَاءَ فَمَا بِمِثْلِ هَذَا الظَّاهِرِ تُعَارَضُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ إِسْبَالٍ مِنَ الْمَخِيلَةِ إِنْ فَعَلَهُ قَصْدًا

وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ رحمه الله فِي الْفَتْحِ فَأَجَادَ وَأَصَابَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

[4086]

(مُسْبِلًا إِزَارَهُ) أَيْ مُرْسِلًا إِزَارَهُ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ (اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ) قِيلَ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ مُرْتَكِبُ مَعْصِيَةٍ لِمَا اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِهِمْ أَنَّ الْوُضُوءَ يُكَفِّرُ الْخَطَايَا وَيُزِيلُ أَسْبَابَهَا كَالْغَضَبِ وَنَحْوِهِ

وَقَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّ السِّرَّ فِي أَمْرِهِ بِالتَّوَضِّي وَهُوَ طَاهِرٌ أَنْ يَتَفَكَّرَ الرَّجُلُ فِي سَبَبِ ذَلِكَ الْأَمْرِ فَيَقِفَ عَلَى شَنَاعَةِ مَا ارْتَكَبَهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِبَرَكَةِ أَمْرِ رَسُولِ الله بِطَهَارَةِ الظَّاهِرِ يُطَهِّرُ بَاطِنَهُ مِنِ التَّكَبُّرِ وَالْخُيَلَاءِ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الظَّاهِرَةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي طَهَارَةِ الْبَاطِنِ (مالك أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ طَاهِرٌ

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَشْدِيدِ أَمْرِ الْإِسْبَالِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ الْمُسْبِلِ وَأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ انْتَهَى

قُلْتُ وَالْحَدِيثُ سَنَدُهُ حَسَنٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَاب مَنْ قَالَ يَتَّزِرُ بِهِ إِذَا كَانَ ضَيِّقًا مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ انْتَهَى

[4087]

(عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (عَنْ خَرَشَةَ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ (لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ) أَيْ لَا يُكَلِّمُهُمْ بِكَلَامِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَبِإِظْهَارِ الرضى بَلْ بِكَلَامِ أَهْلِ السُّخْطِ وَالْغَضَبِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُمْ

وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ لَا يُكَلِّمُهُمْ كَلَامًا يَنْفَعُهُمْ وَيَسُرُّهُمْ (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) أَيْ يعرض عنهم

ص: 97

وَنَظَرُهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ رَحْمَتُهِ وَلُطْفُهِ بِهِمْ (وَلَا يُزَكِّيهِمْ) أَيْ لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ (أَلِيمٌ) أَيْ مُؤْلِمٌ (قَدْ خَابُوا) أَيْ حُرِمُوا مِنَ الْخَيْرِ (وَخَسِرُوا) أَيْ أَنْفُسَهَمْ وَأَهْلِيهِمْ (الْمُسْبِلُ) أَيْ إِزَارَهُ عَنْ كَعْبَيْهِ كِبْرًا وَاخْتِيَالًا (وَالْمَنَّانُ) أَيِ الَّذِي إِذَا أَعْطَى مَنَّ وَقِيلَ الَّذِي إِذَا كَالَ أَوْ وَزَنَ نَقَصَ (وَالْمُنْفِقُ) قَالَ القارىء بِالتَّشْدِيدِ فِي أُصُولِنَا

وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله بِالتَّخْفِيفِ أَيِ الْمُرَوِّجُ (بِالْحَلِفِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ (الْكَاذِبِ أَوِ الْفَاجِرِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي

وَالْمُرَادُ مِنَ الْفَاجِرِ الْكَاذِبُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِسْبَالَ مِنْ أَشَدِّ الذُّنُوبِ

قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ

[4088]

(بِهَذَا) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (وَالْأَوَّلُ) أَيِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الْمَذْكُورُ (قَالَ) أَيْ سُلَيْمَانُ بْنُ مُسْهِرٍ (الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ الْمَنَّانُ يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنَ الْمِنَّةِ وَهِيَ إن وقعت الصَّدَقَةِ أَبْطَلَتِ الْأَجْرَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَعْرُوفِ كَدَّرَتِ الصَّنِيعَةَ وَأَفْسَدَتْهَا

وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَنِّ النَّقْصُ يُرِيدُ النَّقْصَ مِنَ الْحَقِّ وَالْخِيَانَةَ فِي الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ وَنَحْوَهُمَا وَمِنْ هَذَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ) أَيْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ قَالُوا وَمِنْ ذَلِكَ يُسَمَّى الْمَوْتُ مَنُونًا لِأَنَّهُ يُنْقِصُ الْأَعْدَادَ وَيَقْطَعُ الْأَعْمَارَ انْتَهَى

[4089]

(وَكَانَ رَجُلًا مُتَوَحِّدًا) أَيْ مُنْفَرِدًا عَنِ النَّاسِ مُعْتَزِلًا مِنْهُمْ (إِنَّمَا هُوَ) أَيْ شَغَلَهُ (صلاة فإذا

ص: 98

فَرَغَ فَإِنَّمَا هُوَ تَسْبِيحٌ وَتَكْبِيرٌ) الْمَعْنَى إِنَّمَا شَغَلَهُ عَنْ مُجَالَسَةِ النَّاسِ الصَّلَاةُ فَإِذَا فَرَغَ عَنِ الصَّلَاةِ شَغَلَهُ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ

وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ كَانَ بِدِمَشْقٍ رَجُلٌ يُقَالُ له بن الْحَنْظَلِيَّةِ مُتَوَحِّدًا لَا يَكَادُ يُكَلِّمُ أَحَدًا إِنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةٍ فَإِذَا فَرَغَ يُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ انْتَهَى (قَالَ فمر بنا) أي قال أبي فمر بن الْحَنْظَلِيَّةِ بِنَا (وَنَحْنُ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَقَالَ لَهُ) أَيْ لِابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ (كَلِمَةً) بِالنَّصْبِ أَيْ قُلْ لَنَا كَلِمَةً (سَرِيَّةً) هِيَ طَائِفَةٌ مِنْ جَيْشٍ أَقْصَاهَا أَرْبَعُ مِائَةٍ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ وَجَمْعُهَا السَّرَايَا سُمُّوا بِهِ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ خُلَاصَةَ الْعَسْكَرِ وَخِيَارَهُمْ مِنَ الشَّيْءِ السَّرِيِّ أَيِ النَّفِيسِ (فَحَمَلَ فُلَانٌ) أَيْ عَلَى الْعَدُوِّ (فَطَعَنَ) أَيْ بِالرُّمْحِ (فَقَالَ) ذَلِكَ فُلَانٌ وَكَانَ مِنْ بَنِي الْغِفَارِ لِلْعَدُوِّ (خُذْهَا) أَيِ الطَّعْنَةَ بالرمح (مني وأنا الغلام الغفاري) قاله ذَلِكَ لِيَحْمَدَهُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ (كَيْفَ تَرَى) الْخِطَابُ لِلرَّجُلِ الَّذِي كَانَ إِلَى جَنْبِ الرَّجُلِ الْقَائِلِ فِي (قَوْلِهِ) الْمَذْكُورِ وَهُوَ خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا الْغُلَامُ الْغِفَارِيُّ (قَالَ مَا أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ مَا أَظُنُّهُ (لَا بَأْسَ أَنْ يُؤْجَرَ) أَيْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نبيه (وَيُحْمَدَ) أَيْ مِنَ النَّاسِ (سُرَّ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مِنِ السُّرُورِ (فَمَا زَالَ يُعِيدُ) أَبُو الدرداء (عليه) أي علي بن الْحَنْظَلِيَّةِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ أَيْ أَنْتَ سَمِعْتَ ذَلِكَ من رسول الله (لَيَبْرُكَنَّ) بِلَامِ التَّأَكُّدِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ أَيْ أَبُو الدرداء (على ركبتيه) أي بن الْحَنْظَلِيَّةِ

وَالْمَعْنَى أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَدْ بَالَغَ في السؤال عن بن الْحَنْظَلِيَّةِ وَقَرُبَ مِنْهُ قُرْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى إنِّي لأقول ليبركن أبو الدرداء على ركبتي بن الْحَنْظَلِيَّةِ مِنْ شِدَّةِ الْمُقَارَبَةِ

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فَسُرَّ بِذَلِكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ حَتَّى هَمَّ أَنْ يبحثو عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِرَارًا

انْتَهَى والله أعلم

ص: 99

(الْمُنْفِقُ عَلَى الْخَيْلِ) أَيْ إِذَا كَانَ رَبَطَهُ بِقَصْدِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُصَغَّرًا (لَوْلَا طُولُ جُمَّتِهُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ هُوَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ (وَإِسْبَالُ إِزَارِهِ) أَيْ عَنِ الْكَعْبَيْنِ

وَفِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ الْغَائِبَ بِمَا فِيهِ مِنْ مَكْرُوهٍ شَرْعًا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَرْتَدِعُ عَنْهُ وَيَتْرُكُهُ عِنْدَ سَمَاعِهِ (فَأَخَذَ شَفْرَةً) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ سِكِّينًا (إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ) أَيْ دَاخِلُونَ عَلَيْهِمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ حِينَ دُخُولِهِمْ بِلَادِهِمْ مِنَ السَّفَرِ (كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهِيَ الْخَالُ أَيْ كَالْأَمْرِ الْمُتَبَيِّنِ الَّذِي يَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ يَقْصِدُهُ إِذِ الْعَادَةُ دُخُولُ الْإِخْوَانِ عَلَى الْقَادِمِ قَصْدًا لِزِيَارَتِهِ (فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ كُلُّ مَا يَشْتَدُّ قُبْحُهُ مِنْ ذُنُوبٍ ومعاصي ويكثر وروده في الزنى وَكُلُّ خَصْلَةٍ قَبِيحَةٍ فَاحِشَةٍ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ (وَلَا التَّفَحُّشَ) هُوَ تَكَلُّفُ الْفُحْشِ وَتَعَمُّدُهُ

فَالْهَيْئَةُ الرَّدِيَّةُ وَالْحَالَةُ الْكَثِيفَةُ دَاخِلَةٌ أَيْضًا تَحْتَ الْفُحْشِ وَالتَّفَحُّشِ وَإِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ

قَالَ المنذري وبن الْحَنْظَلِيَّةِ هُوَ سَهْلُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَمْرٍو وَيُقَالُ سَهْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنْصَارِيٌّ حَارِثِيٌّ سَكَنَ الشَّامَ وَالْحَنْظَلِيَّةُ أُمُّهُ وَقِيلَ هِيَ أُمُّ جَدِّهِ وَهِيَ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ بْنِ تَمِيمٍ انْتَهَى

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ إِلَّا قَيْسَ بْنَ بِشْرٍ فَاخْتَلَفُوا فِي تَوْثِيقِهِ وَتَضْعِيفِهِ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ (وَكَذَلِكَ) أَيْ كَمَا رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بن عمر وعن هِشَامِ (قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ) الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ الْقُرَشِيِّ بِإِسْنَادِهِ (قَالَ حَتَّى تَكُونُوا كَالشَّامَةِ فِي النَّاسِ) وَاعْلَمْ أَنَّ هذا الحديث روي عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو

وَأَبُو نُعَيْمٍ كَمَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ

وَوَكِيعٌ كَمَا عِنْدَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ وَكُلُّهُمْ أَيْ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَوَكِيعٌ رَوَى عَنْ هِشَامٍ هَذِهِ الْجُمْلَةَ أَيْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةً فِي النَّاسِ لَكِنَّ عبد الملك

ص: 100