الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَيْتَ شِعْرِي عَنْ خَلِيلِي مَا الَّذِي غَالَهُ فِي الْحُبِّ حَتَّى وَدَعَهْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الحديث ما وادعكم أَيْ سَالَمُوكُمْ فَسَقَطَتِ الْأَلِفُ مِنْ قَلَمِ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَالَ وَلَا افْتِقَارَ إِلَى هَذَا مَعَ وُرُودِهِ فِي التَّنْزِيلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا ودعك قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْعَلْقَمِيِّ (وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ) أَيْ مُدَّةَ تَرْكِهِمْ لَكُمْ فَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُمْ إِلَّا إِنْ تَعَرَّضُوا لَكُمْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ قوله تعالى قاتلوا المشركين كافة وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْآيَةَ مُطْلَقَةٌ وَالْحَدِيثُ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيُجْعَلُ الْحَدِيثُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْآيَةِ كَمَا خَصَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُمْ كَفَرَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ أَخَذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَاسِخَةً لِلْحَدِيثِ لِضَعْفِ الْإِسْلَامِ
وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْحَبَشَةِ وَالتُّرْكِ بالترك والودع فلأن بلاد الحبشة وغيره بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ مَهَامِهٌ وَقِفَارٌ فَلَمْ يُكَلِّفِ الْمُسْلِمِينَ دُخُولَ دِيَارِهِمْ لِكَثْرَةِ التَّعَبِ وَعَظَمَةِ الْمَشَقَّةِ وَأَمَّا التُّرْكُ فَبَأْسُهُمْ شَدِيدٌ وَبِلَادُهُمْ بَارِدَةٌ وَالْعَرَبُ وَهُمْ جُنْدُ الْإِسْلَامِ كَانُوا مِنَ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ فَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ دُخُولَ الْبِلَادِ فَلِهَذَيْنِ السِّرَّيْنِ خَصَّصَهُمْ وَأَمَّا إِذَا دَخَلُوا بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ قَهْرًا وَالْعِيَاذُ بالله فلا يحوز لِأَحَدٍ تَرْكَ الْقِتَالَ لِأَنَّ الْجِهَادَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَرْضُ عَيْنٍ وَفِي الْأُولَى فَرْضُ كِفَايَةٍ ذكره القارئ
وَقَالَ وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هَذَا الْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ مَا تَرَكُوكُمُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَتَمَّ مِنْهُ
وَأَبُو سُكَيْنَةَ هَذَا رَوَى حَدِيثَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيُّ وَلَمْ أَجِدْ مَنْ رَوَاهُ غَيْرَهُ وَلَا مَنْ سَمَّاهُ
(بَاب فِي قِتَالِ التُّرْكِ)
[4303]
قَوْمًا بَدَلٌ مِنَ التُّرْكِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْمٌ بِالرَّفْعِ أَيْ هُمْ قَوْمٌ (وُجُوهُهُمْ كَالْمَجَانِّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ جَمْعُ الْمِجَنِّ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ التُّرْسُ (الْمُطْرَقَةُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ الْمُجَلَّدَةِ طَبَقًا فَوْقَ طَبَقٍ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي أُلْبِسَتْ طِرَاقًا أَيْ جِلْدًا يَغْشَاهَا وَقِيلَ هِيَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْإِطْرَاقِ وَهُوَ جَعْلُ الطِّرَاقِ بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيِ الجلد على وجه الترس ذكره القارىء
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُطْرَقَةُ بِإِسْكَانِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ هَذَا الْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَفِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَحُكِيَ فَتْحُ الطَّاءِ وَتَشْدِيدُ الرَّاءِ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ
قَالَ وَمَعْنَاهُ تَشْبِيهُ وُجُوهِ التُّرْكِ فِي عَرْضِهَا وَنُتُوءِ وَجَنَاتِهَا بِالتُّرْسَةِ الْمُطْرَقَةِ انْتَهَى
وقال القارىء شَبَّهَ وُجُوهَهُمْ بِالتُّرْسِ لِتَبَسُّطِهَا وَتَدْوِيرِهَا وَبِالْمُطْرَقَةِ لِغِلَظِهَا وَكَثْرَةِ لَحْمِهَا انْتَهَى (يَلْبَسُونَ الشَّعْرَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَيَمْشُونَ فِي الشَّعْرِ
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ يَنْتَعِلُونَ الشَّعْرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ
وَقَدْ وُجِدُوا فِي زَمَانِنَا هَكَذَا انْتَهَى
قُلْتُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ يلبسون الشعرويمشون فِي الشَّعْرِ تَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ لِبَاسُهُمْ أَيْضًا مِنَ الشَّعْرِ كَمَا أَنَّ نِعَالَهُمْ تَكُونُ مِنَ الشَّعْرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا فِي بِلَادِهِمْ مِنْ ثَلْجٍ عَظِيمٍ لَا يَكُونُ في غيرها على ما قال بن دِحْيَةَ وَغَيْرُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[4304]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً) أَيْ مَرْفُوعًا (قَالَ بن السَّرْحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ) مَقْصُودُ الْمُؤَلِّفِ بَيَانُ مَا وَقَعَ فِي رواية قتيبة وبن السَّرْحِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَهُوَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةُ لَا تقوم الساعة إلخ ووقع في رواية بن السَّرْحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَخْ (نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ يَصْنَعُونَ مِنْ شَعْرٍ حِبَالًا وَيَصْنَعُونَ مِنَ الْحِبَالِ نِعَالًا كَمَا يَصْنَعُونَ مِنْهَا ثِيَابًا
هَذَا ظَاهِرَةٌ أَوْ أَنَّ شُعُورَهُمْ كَثِيفَةٌ طَوِيلَةٌ فَهِيَ إِذَا أَسْدَلُوهَا صَارَتْ كَاللِّبَاسِ لِوُصُولِهَا إِلَى أَرْجُلِهِمْ كَالنِّعَالِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ
قَالَ السُّيُوطِيُّ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ فَإِنَّهُمْ بِالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ الثَّلْجِيَّةِ لا ينفعهم إلا ذلك
وقال القارىء أَيْ مِنْ جُلُودٍ مُشْعَرَةٍ غَيْرِ مَدْبُوغَةٍ (ذُلْفُ الْأُنُوفِ) بِضَمِّ الذَّالِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ جَمْعُ أَذْلَفٍ كَأَحْمَرَ وَحُمْرٍ وَمَعْنَاهُ فُطْسُ الْأُنُوفِ قِصَارُهَا مَعَ انْبِطَاحٍ وَقِيلَ هُوَ غِلَظٌ فِي أَرْنَبَةِ الْأَنْفِ وَقِيلَ تَطَامُنٌ فِيهَا وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وفي مجمع الذَّلَفُ بِالْحَرَكَةِ قِصَرُ الْأَنْفِ وَانْبِطَاحُهُ وَقِيلَ ارْتِفَاعُ طَرَفِهِ مَعَ صِغَرِ أَرْنَبَتِهِ وَرُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْضًا انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذِهِ كُلُّهَا مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ وُجِدَ قِتَالُ هَؤُلَاءِ التُّرْكِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِمُ الَّتِي ذَكَرَهَا صلى الله عليه وسلم فَوُجِدُوا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ كُلِّهَا فِي زَمَانِنَا وَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ مَرَّاتٍ وَقِتَالُهُمُ الْآنَ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ إِحْسَانَ الْعَاقِبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وبن ماجه
[4305]
في حديث يقاتلكم) قال القارىء ظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ بِالْإِضَافَةِ لَكِنَّهُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالتَّنْوِينِ وَفَكِّ الْإِضَافَةِ فَالْوَجْهُ أَنَّ قَوْلَهُ يُقَاتِلُكُمْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ يُقَاتِلُكُمْ إِلَخْ وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ حَدِيثٍ وَالْمَعْنَى فِي حَدِيثٍ هُوَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ يُقَاتِلُكُمْ (يَعْنِي التُّرْكَ) تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي وَهُوَ الصَّحَابِيُّ أَوِ التَّابِعِيُّ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (تَسُوقُونَهُمْ) مِنَ السَّوْقِ أَيْ يَصِيرُونَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُنْهَزِمِينَ بِحَيْثُ أَنَّكُمْ تَسُوقُونَهُمْ (ثَلَاثَ مِرَارٍ) أَيْ مِنَ السَّوْقِ (حَتَّى تُلْحِقُوهُمْ) مِنَ الْإِلْحَاقِ أَيْ تُوَصِّلُوهُمْ آخِرًا (بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ) قِيلَ هِيَ اسْمٌ لِبِلَادِ الْعَرَبِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِحَاطَةِ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ بَحْرِ الْحَبَشَةِ وَبَحْرِ فَارِسٍ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ الْحِجَازُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ مُلْكُ فَارِسٍ وَالرُّومِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله وتبعه بن الْمَلَكِ (فَيَنْجُو) أَيْ يَخْلُصُ (مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنَ التُّرْكِ (وَيَهْلِكُ بَعْضٌ) إِمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَخْذِهِ وَإِهْلَاكِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (فَيُصْطَلَمُونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُحْصَدُونَ بِالسَّيْفِ وَيُسْتَأْصَلُونَ مِنَ الصَّلْمِ وَهُوَ الْقَطْعُ الْمُسْتَأْصِلُ
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُمُ الَّذِينَ يَسُوقُونَ التُّرْكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ حَتَّى يُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ العرب ففي السياق الْأُولَى يَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنَ التُّرْكِ وَفِي الثَّانِيَةِ يَنْجُو بَعْضٌ مِنْهُمْ وَيَهْلِكُ بَعْضٌ وَفِي الثَّالِثَةِ يُسْتَأْصَلُونَ
وَأَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَسِيَاقُهُ مُخَالِفٌ لِسِيَاقِ أَبِي دَاوُدَ مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً فَإِنَّ سِيَاقَ أَحْمَدَ يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّ التُّرْكَ هُمُ الَّذِينَ يَسُوقُونَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ مِرَارٍ حَتَّى يُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَفِي السِّيَاقَةِ الْأُولَى يَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ يَنْجُو بَعْضٌ مِنْهُمْ وَيَهْلِكُ بَعْضٌ وَفِي الثَّالِثَةِ يُسْتَأْصَلُونَ كُلُّهُمْ
قَالَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ مُهَاجِرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ أُمَّتِي يَسُوقُهَا قَوْمٌ عِرَاضُ الْأَوْجُهِ صِغَارُ الْأَعْيُنِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْحَجَفُ ثلاث مرار حتى يلحقونهم بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ أَمَّا السَّابِقَةُ الْأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَهْلِكُ بَعْضٌ وَيَنْجُو بَعْضٌ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيُصْطَلُونَ كُلُّهُمْ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ
قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ هُمْ قال هم
الترك
قال وأما الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَرْبِطُنَّ خُيُولَهُمْ إِلَى سَوَارِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَكَانَ بُرَيْدَةُ لَا يُفَارِقُهُ بَعِيرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَمَتَاعُ السَّفَرِ وَالْأَسْقِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ للحرب مِمَّا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْبَلَاءِ مِنْ أُمَرَاءِ التُّرْكِ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
فَانْظُرْ إِلَى سِيَاقِ أَحْمَدَ كَيْفَ خَالَفَ سِيَاقَ أَبِي دَاوُدَ مُخَالَفَةً بَيِّنَةً لَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا
وَبَوَّبَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ بِلَفْظِ بَابٌ فِي سِيَاقَةِ التُّرْكِ لِلْمُسْلِمِينَ وَسِيَاقَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ ثُمَّ أَوْرَدَ فِيهِ رِوَايَةَ أَحْمَدَ وَرِوَايَةَ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَإِنِّي لَسْتُ أَدْرِي مَا مُرَادُهُ مِنْ تَبْوِيبِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إِنْ أَرَادَ بِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ أَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَدَ بِأَنَّهُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى زَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَفِي زَمَانٍ يَكُونُ سِيَاقَةُ التُّرْكِ لِلْمُسْلِمِينَ وَفِي زَمَانٍ آخَرَ يَكُونُ سِيَاقَةُ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ هَذَا فَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ
وَعِنْدِي أَنَّ الصَّوَابَ هِيَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْوَهْمُ فِيهِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ أنه بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السَّفَرِ وَالْأَسْقِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْهَرَبِ مِمَّا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْبَلَاءِ مِنْ أُمَرَاءِ التُّرْكِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ لِبَعْضِ رُوَاةِ أَبِي دَاوُدَ وَلِذَا قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ أَوْ كَمَا قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَعَتِ الْحَوَادِثُ عَلَى نَحْوِ مَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَقَدْ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَيْ حَدِيثُ أَحْمَدَ عَلَى خُرُوجِهِمْ وَقِتَالِهِمُ الْمُسْلِمِينَ وَقَتْلِهِمْ وَقَدْ وَقَعَ عَلَى نَحْوِ مَا أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ أمم لا يحصيهم إلا الله يَرُدُّهُمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَخَرَجَ مِنْهُمْ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مِائَةِ جَيْشٍ مِنَ التُّرْكِ يُقَالُ لَهُ الطَّطَرُ عَظُمَ فِي قَتْلِهِ الْخَطْبُ وَالْخَطَرُ وَقُضِيَ لَهُ فِي قَتْلِ النُّفُوسِ الْمُؤْمِنَةِ الْوَطَرُ فَقَتَلُوا مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَمَا دُونَهُ مِنْ جَمِيعِ بِلَادِ خُرَاسَانَ وَمَحَوْا رُسُومَ مُلْكِ بَنِي سَاسَانَ وَخَرَّبُوا مَدِينَةَ نُشَاوَرَ وَأَطْلَقُوا فِيهَا النِّيرَانَ وَحَادَ عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ خُوَارَزْمَ كُلُّ إِنْسَانٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا مَنِ اخْتَبَأَ فِي الْمَغَارَاتِ وَالْكُهْفَانِ حَتَّى وَصَلُوا إِلَيْهَا وَقَتَلُوا وَسَبَوْا وَخَرَّبُوا الْبُنْيَانَ وَأَطْلَقُوا الْمَاءَ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ نَهَرِ جَيْحَانَ فَغَرِقَ مِنْهَا مَبَانِي الدار والأركان ثم وصلوا إلى بلاد نهشان فَخَرَّبُوا مَدِينَةَ الرَّيِّ وَقَزْوِينَ وَمَدِينَةِ أَرْدَبِيلَ وَمَدِينَةِ مَرَاغَةَ كرسي بِلَادَ آذَرْبِيجَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَاسْتَأْصَلُوا سَاقَهُ مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَعْيَانِ وَاسْتَبَاحُوا قَتْلَ النِّسَاءِ وَذَبْحَ الْوِلْدَانِ ثُمَّ وَصَلُوا إِلَى الْعِرَاقِ الثَّانِي وَأَعْظَمُ مُدُنِهِ مَدِينَةُ أَصْبَهَانَ وَدَوْرُ سُورِهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ ذِرَاعٍ فِي غَايَةِ الِارْتِفَاعِ وَالْإِتْقَانِ وَأَهْلُهَا مُشْتَغِلُونَ بِعِلْمِ الْحَدِيثِ فَحَفِظَهُمُ اللَّهُ بِهَذَا الشَّأْنِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مَوَادَّ التَّأْيِيدِ وَالْإِحْسَانِ فَتَلَقَّوْهُمْ بِصُدُورٍ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ صُدُورُ الشُّجْعَانِ وَحَقَّقُوا الْخَبَرَ بِأَنَّهَا بَلَدُ الْفُرْسَانِ وَاجْتَمَعَ فِيهَا مِائَةُ أَلْفِ إِنْسَانٍ وَأَبْرَزَ الطَّطَرُ الْقَتْلَ فِي مَضَاجِعِهِمْ وَسَاقَهُمُ الْقَدْرُ الْمَحْتُومُ إِلَى مَصَارِعِهِمْ فمرقوا عن أصبهان مروق السهم من الرمى فَفَرُّوا مِنْهُمْ فِرَارَ
الشَّيْطَانِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَلَهُ حُصَاصٌ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِنْ وَقَفُوا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْهَلَاكِ خَلَاصٌ وَوَاصَلُوا السَّيْرَ بِالسَّيْرِ إِلَى أَنْ صَعِدُوا جَبَلَ أَرْبَدَ فَقَتَلُوا جَمِيعَ مَنْ فِيهِ مِنْ صُلَحَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَخَرَّبُوا مَا فِيهِ مِنَ الْجَنَّاتِ وَالْبَسَاتِينِ وَكَانَتِ اسْتِطَالَتُهُمْ عَلَى ثُلُثَيْ بِلَادِ الْمَشْرِقِ الْأَعْلَى وَقَتَلُوا مِنَ الْخَلَائِقِ مَا لَا يُحْصَى وَقَتَلُوا فِي الْعِرَاقِ الثَّانِي عِدَّةً يَبْعُدُ أَنْ تُحْصَى وَرَبَطُوا خُيُولَهُمْ إِلَى سَوَارِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُنْذِرِ بِخُرُوجِهِمْ إِلَى أَنْ قَالَ وَقَطَعُوا السَّبِيلَ وَأَخَافُوهَا وَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَطَافُوهَا وَمَلَأُوا قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ رُعْبًا وَسَحَبُوا ذَيْلَ الْغَلَبَةِ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ سَحْبًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُنْذَرُ بِهِمْ فِي الْحَدِيثِ وَأَنَّ لَهُمْ ثَلَاثُ خَرْجَاتٍ يُصْطَلَمُونَ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْهَا
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَقَدْ كَمُلَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ خَرْجَاتُهُمْ وَلَمْ يَبْقَ قَتْلَتُهُمْ وَقِتَالُهُمْ فَخَرَجُوا عَنِ الْعِرَاقِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرْنَا وَخَرَجُوا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ عَلَى الْعِرَاقِ الثَّالِثِ بَغْدَادَ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنَ الْبِلَادِ وَقَتَلُوا جَمِيعَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْعُبَّادِ وَاسْتَبَاحُوا جَمِيعَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَبَرُوا الْفَلَاةَ إِلَى حَلَبٍ وَقَتَلُوا جَمِيعَ مَنْ فِيهَا وَخَرَّبُوا إِلَى أَنْ تَرَكُوهَا خَالِيَةً ثُمَّ أَوْغَلُوا إِلَى أَنْ مَلَكُوا جَمِيعَ الشَّامِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ من الأيام وفلقوا بسيوفهم الروؤس وَالْهَامَ وَدَخَلَ رُعْبُهُمُ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللُّحُوقُ بِالدِّيَارِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ مصر الملك المظفر الملقب بظفر رضي الله عنه بِجَمِيعِ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ وَقَدْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ إِلَى أَنِ الْتَقَى بِهِمْ بِعَيْنِ جَالُوتَ فَكَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ كَمَا كَانَ لِطَالُوتَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَعَدَدٌ غَزِيرٌ وَارْتَحَلُوا عَنِ الشَّامِ مِنْ سَاعَتِهِمْ وَرَجَعَ جَمِيعُهُ كَمَا كَانَ لِلْإِسْلَامِ وَعَدَوُا الْفُرَاتَ مُنْهَزِمِينَ وَرَأَوْا مَا لَمْ يُشَاهِدُوهُ مُنْذُ زَمَانٍ وَلَا حِينٍ وَرَاحُوا خَائِبِينَ وَخَاسِئِينَ مَدْحُورِينَ أَذِلَّاءَ صَاغِرِينَ انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ بإختصار
وقال الإمام بن الْأَثِيرِ فِي الْكَامِلِ حَادِثَةُ التَّتَارِ مِنَ الْحَوَادِثِ الْعُظْمَى وَالْمَصَائِبِ الْكُبْرَى الَّتِي عَقِمَتِ الدُّهُورُ عَنْ مِثْلِهَا عَمَّتِ الْخَلَائِقَ وَخَصَّتِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّ الْعَالَمَ مُنْذُ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْآنَ لَمْ يُبْتَلَوْا بِمِثْلِهَا لَكَانَ صَادِقًا فَإِنَّ التَّوَارِيخَ لَمْ تَتَضَمَّنْ مَا يُقَارِبُهَا انْتَهَى
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ وَكَانَتْ بَلِيَّةٌ لَمْ يُصَبِ الْإِسْلَامُ بِمِثْلِهَا انْتَهَى
(أَوْ كَمَا قَالَ) أَيْ قَالَ غَيْرَ هَذَا اللَّفْظِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَضْبِطْ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَلِذَا رُجِّحَتْ رِوَايَةُ أَحْمَدَ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ