الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ مَكْسُورَةٌ وَإِنَّمَا سماه أبو الْمُحَبَّقَ تَفَاؤُلًا بِشَجَاعَتِهِ أَنَّهُ يُضْرِطُ أَعْدَاءَهُ
[4126]
(عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ أُمِّهِ (فَقَالَتْ أو يحل ذَلِكَ) الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا (مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رِجَالٌ إِلَخْ) هَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهَا نَعَمْ (مِثْلُ الْحِمَارِ) أَيْ مِثْلُ جَرِّهِ أَوْ كَوْنُهَا مَيْتَةٌ مُنْتَفِخَةٌ (يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ) بِفَتْحَتَيْنِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْقَرَظُ شَجَرٌ يُدْبَغُ بِهِ الْأُهُبُ وَهُوَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُفُوصَةِ والقبض ينشف الملة وَيُذْهِبُ الرَّخَاوَةَ وَيُجَفِّفُ الْجِلْدَ وَيُصْلِحُهُ وَيُطَيِّبُهُ فَكُلُّ شَيْءٍ عَمِلَ عَمَلَ الْقَرَظِ كَانَ حُكْمُهُ فِي التَّطْهِيرِ حُكْمَهُ
وَذِكْرُ الْمَاءِ مَعَ الْقَرَظِ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَرَظَ يَخْتَلِطُ بِهِ حِينَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِلْدِ وَيَحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْجِلْدَ إِذَا خَرَجَ مِنِ الدِّبَاغِ غُسِلَ بِالْمَاءِ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ مَا خَالَطَهُ مِنْ وَضَرِ الدَّبْغِ وَدَرَنِهِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَلَا يُطَهِّرُهَا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
1 -
(بَاب مَنْ رَوَى أَنْ لَا يستنفع بإهاب الميتة)
[4127]
(عن عبد اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ (قَالَ قُرِئَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَنْ لَا تَسْتَمْتِعُوا) أَنْ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
ذكر الشيخ بن القيم رحمه الله حديث بن عُكَيْم وَكَلَام الْمُنْذِرِيِّ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو الْفَرَج بْن الْجَوْزِيّ حَدِيث بْن عُكَيْم مُضْطَرِب جِدًّا
فَلَا يُقَاوِم الْأَوَّل وَاخْتَلَفَ مَالِك وَالْفُقَهَاء في حديث بن عُكَيْم وَأَحَادِيث الدِّبَاغ
مُفَسِّرَةٌ أَوْ مُخَفَّفَةٌ (بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ) بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ أَطْنَابُ مَفَاصِلِ الْحَيَوَانِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[4128]
(رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ (كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْحَدِيثُ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ دُبِغَ الْجِلْدُ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَاسِخٌ لِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ فَصَّلَهَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَالَ بَعْدَ تَفْصِيلِهَا وَمُحَصَّلُ الْأَجْوِبَةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْإِرْسَالُ لِعَدَمِ سَمَاعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ الِانْقِطَاعُ لِعَدَمِ سَمَاعِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ ثُمَّ الِاضْطِرَابُ فِي سَنَدِهِ فَإِنَّهُ تَارَةً قَالَ عَنْ كِتَابِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
فَطَائِفَة قَدَّمَتْ أَحَادِيث الدِّبَاغ عَلَيْهِ لِصِحَّتِهَا وَسَلَامَتهَا من الاضطراب وطعنوا في حديث بن عُكَيْم بِالِاضْطِرَابِ فِي إِسْنَاده
وَطَائِفَة قَدَّمَتْ حَدِيث بن عكيم لتأخره وثقة رواته ورأو أَنَّ هَذَا الِاضْطِرَاب لَا يَمْنَع الِاحْتِجَاج بِهِ
وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَة عَنْ الْحَكَم عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ عُبَيْد اللَّه بن عكيم فالحديث مَحْفُوظ
قَالُوا وَيُؤَيِّدهُ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ النَّهْي عَنْ اِفْتِرَاش جُلُود السِّبَاع وَالنُّمُور كَمَا سَيَأْتِي
وَطَائِفَة عَمِلَتْ بِالْأَحَادِيثِ كُلّهَا وَرَأَتْ أَنَّهُ لَا تَعَارُض بينها فحديث بن عُكَيْم إِنَّمَا فِيهِ النَّهْي عَنْ الِانْتِفَاع بِإِهَابِ الْمَيْتَة
وَالْإِهَاب هُوَ الْجِلْد الَّذِي لَمْ يُدْبَغ كَمَا قَالَهُ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ الْإِهَاب الْجِلْد مَا لَمْ يُدْبَغ وَالْجَمْع أُهُب
وَأَحَادِيث الدِّبَاغ تَدُلّ عَلَى الِاسْتِمْتَاع بِهَا بَعْد الدِّبَاغ فَلَا تَنَافِي بَيْنهَا
وَهَذِهِ الطَّرِيقَة حَسَنَة لولا أن قوله في الحديث بن عُكَيْم كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُود الْمَيْتَة فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَة بِإِهَابٍ وَلَا عَصَب وَاَلَّذِي كَانَ رَخَّصَ فِيهِ هُوَ الْمَدْبُوغ
بِدَلِيلِ حَدِيث مَيْمُونَة
وَقَدْ يُجَاب عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَارَةً عَنْ مَشْيَخَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ وَتَارَةً عَمَّنْ قَرَأَ الْكِتَابَ ثُمَّ الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ فَرَوَاهُ الْأَكْثَرُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِتَقْيِيدِ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ التَّرْجِيحُ بِالْمُعَارَضَةِ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الدِّبَاغِ أَصَحُّ ثُمَّ الْقَوْلُ بِمُوجَبِهِ بِأَنَّ الْإِهَابَ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ لَا بَعْدَهُ حَمَلَهُ عَلَى ذلك بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ في الفتح بعد ما تَكَلَّمَ عَلَى بَعْضِ الْأَجْوِبَةِ وَأَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مُعَارَضَةُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لَهُ وَأَنَّهَا عَنْ سَمَاعٍ وَهَذَا عَنْ كِتَابَةٍ وَأَنَّهَا أَصَحُّ مَخَارِجٍ وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ الْإِهَابِ عَلَى الجلد قَبْلَ الدِّبَاغِ وَأَنَّهُ بَعْدَ الدِّبَاغِ لَا يُسَمَّى إِهَابًا إِنَّمَا يُسَمَّى قِرْبَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ كَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ انْتَهَى
وَقَدْ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ بَعْدَ تَمَامِ الْحَدِيثِ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ أَيْ ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الميتة بإهاب ولا عصب ولكن ثم تَرَكَ الْحَدِيثَ لِلِاضْطِرَابِ فِي الْإِسْنَادِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَيَجِيءُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي عِبَارَةِ الْمُنْذِرِيِّ (إِنَّمَا يُسَمَّى شَنًّا) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا نُونٌ أَيْ قِرْبَةً خَلِقَةً
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ وَكَانَ يَقُولُ كَانَ هَذَا آخِرَ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ تَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَازِمٍ الْحَافِظُ وَقَدْ حَكَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ فِي حَدِيثِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَحَدهمَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة لَمْ يَذْكُرهَا أَحَد مِنْ أَهْل السُّنَن فِي هَذَا الْحَدِيث وَإِنَّمَا ذكروا قوله صلى الله عليه وسلم لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَة الْحَدِيث وَإِنَّمَا ذَكَرهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ خَالِد الْحَذَّاء وَشُعْبَة عَنْ الْحَكَم فَلَمْ يَذْكُرَا كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فَهَذِهِ اللَّفْظَة فِي ثُبُوتهَا شَيْء
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنَّ الرُّخْصَة كَانَتْ مُطْلَقَة غَيْر مُقَيَّدَة بِالدِّبَاغِ وَلَيْسَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيِّ ذِكْر الدِّبَاغ وَلِهَذَا كَانَ يُنْكِرهُ وَيَقُول نَسْتَمْتِع بِالْجِلْدِ عَلَى كُلّ حَال فَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ أَخِيرًا وَأَحَادِيث الدِّبَاغ قِسْم آخَر لَمْ يَتَنَاوَلهَا النَّهْي وَلَيْسَتْ بِنَاسِخَةٍ وَلَا مَنْسُوخَة وَهَذِهِ أَحْسَن الطُّرُق
وَلَا يُعَارِض مِنْ ذَلِكَ نَهْيه عَنْ جُلُود السِّبَاع فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ مُلَابَسَتهَا بِاللُّبْسِ وَالِافْتِرَاش كَمَا نَهَى عَنْ أَكْل لُحُومهَا لِمَا فِي أَكْلهَا وَلُبْس جُلُودهَا مِنْ الْمَفْسَدَة وَهَذَا حُكْم لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَلَا نَاسِخ أَيْضًا وَإِنَّمَا هُوَ حُكْم اِبْتِدَائِيّ رَافِع لِحُكْمِ الِاسْتِصْحَاب الْأَصْلِيّ
وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَة تَأْتَلِف السُّنَن وَتَسْتَقِرّ كُلّ سَنَة مِنْهَا فِي مُسْتَقَرّهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق