الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُوسَى بْنُ عُمَيْرٍ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ الله وَاضِعًا يَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا السَّنَدِ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ حَيْثُ رَوَاهُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَيْرٍ وَقَيْسِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَرِيبًا مِمَّا تَقَدَّمَ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَنَّ الْإِمَامَ الزيلعي والعيني وبن الهمام وبن أَمِيرِ الْحَاجِّ وَإِبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيَّ وَصَاحِبَ الْبَحْرِ وَعَلِيَّ القارىء وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةُ مَعَ شِدَّةِ اعْتِنَائِهِمْ بِدَلَائِلَ الْمَذْهَبِ وَالْجَمْعِ مِنْ صَحِيحِهَا وَحَسَنِهَا وَسَقِيمِهَا لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي الْمُصَنَّفِ لَذَكَرُوهُ الْبَتَّةَ
وَلَقَدْ أَكْثَرَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الرِّوَايَةَ وَالنَّقْلِ مِنَ الْمُصَنَّفِ وَكُتُبُهُمْ مَمْلُوءَةٌ مِنْ أَحَادِيثِهِ وَآثَارِهِ وَكَذَا الْحَافِظُ بن عبد البر والحافظ بن حَجَرٍ وَالْإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يُورِدُوا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَهَذِهِ أُمُورٌ تُورِثُ الشَّكَّ فِي صِحَّةِ زِيَادَةِ تَحْتَ السُّرَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
([760]
بَابُ مَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ الدُّعَاءِ)
(إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ لَا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَعْضُ مِنْ أَنَّهُ قَبْلَ التَّكْبِيرَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ بن حِبَّانَ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَقَيَّدَهُ أَيْضًا بِالْمَكْتُوبَةِ وَكَذَا غَيْرُهُمَا وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَقَيَّدَهُ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَزَادَ لَفْظَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ
قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ (وَجَّهْتُ وَجْهِي) أَيْ تَوَجَّهْتُ بِالْعِبَادَةِ بِمَعْنَى أَخْلَصْتُ عِبَادَتِي لِلَّهِ وَقِيلَ صَرَفْتُ وَجْهِي وَعَمَلِي وَنِيَّتِي أَوْ أَخْلَصْتُ قَصْدِي وَوِجْهَتِي (للذي فطر السماوات وَالْأَرْضِ) أَيْ إِلَى الَّذِي خَلَقَهُمَا وَعَمِلَهُمَا مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ (حَنِيفًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ وَجَّهْتُ أَيْ مَائِلًا عَنْ كُلِّ دِينٍ بَاطِلٍ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ ثَابِتًا عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ غَلَبَ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام (مُسْلِمًا) أَيْ مُنْقَادًا مُطِيعًا لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فِيهِ تَأْكِيدٌ وَتَعْرِيضٌ (إِنَّ صَلَاتِي) أَيْ عِبَادَتِي وصلاتي
وَفِيهِ شَائِبَةُ تَعْلِيلٍ لِمَا قَبْلَهُ (وَنُسُكِي) أَيْ دِينِي وَقِيلَ عِبَادَتِي أَوْ تَقَرُّبِي أَوْ حَجِّي (وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي) أَيْ حَيَاتِي وَمَوْتِي وَالْجُمْهُورُ عَلَى فتح الياء الآخرة في محياي وقرأ بِإِسْكَانِهَا (وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) أَيْ بِالتَّوْحِيدِ الْكَامِلِ الشَّامِلِ لِلْإِخْلَاصِ قَوْلًا وَاعْتِقَادًا (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ الشافعي لأنه كَانَ أَوَّلُ مُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ لمسلم وأنا من المسلمين (اللهم) أي ياالله وَالْمِيمُ بَدَلٌ عَنْ حَرْفِ النِّدَاءِ وَلِذَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إِلَّا فِي الشِّعْرِ (أَنْتَ الْمَلِكُ) أَيِ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الْمَالِكُ الْحَقِيقِيُّ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ (وَأَنَا عَبْدُكَ) أَيْ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّكَ مالكي ومديري وَحُكْمُكَ نَافِذٌ فِيَّ (ظَلَمْتُ نَفْسِي) أَيِ اعْتَرَفْتُ بِالتَّقْصِيرِ قَدَّمَهُ عَلَى سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ أَدَبًا كَمَا قَالَ آدَمُ وَحَوَّاءُ (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ) أَيْ أَرْشِدْنِي لِصَوَابِهَا وَوَفِّقْنِي لِلتَّخَلُّقِ بِهَا (وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا) أَيْ قَبِيحَهَا (لَبَّيْكَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ إِقَامَةً بَعْدَ إِقَامَةٍ يُقَالُ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا وَأَلَبَّ إِلْبَابًا أَيْ أَقَامَ بِهِ وَأَصْلُ لَبَّيْكَ لَبَّيْنِ حُذِفَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ مُسَاعَدَةٌ لِأَمْرِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ وَمُتَابَعَةٍ لِدِينِكَ بَعْدَ مُتَابَعَةٍ (وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَدْحِهِ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَحَاسِنُ الْأُمُورِ دُونَ مَسَاوِيهَا عَلَى جِهَةِ الْأَدَبِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ فَمِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ كُلَّ الْمُحْدَثَاتِ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقُهُ سَوَاءٌ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا مَعْنَاهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ قَالَهُ الْخَلِيلُ بن أحمد والنضر بن شميل وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَالثَّانِي حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا مَعْنَاهُ لَا يُضَافُ إِلَيْكَ عَلَى انْفِرَادِهِ لَا يُقَالُ يَا خَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَيَا رب الشر ونحو هذا وَإِنْ كَانَ خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبَّ كُلِّ شيء وحينئذ يدخل الشَّرِّ فِي الْعُمُومِ
وَالثَّالِثُ مَعْنَاهُ الشَّرُّ لَا يَصْعَدُ إِلَيْكَ وَإِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
وَالرَّابِعُ مَعْنَاهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكَ فَإِنَّكَ خَلَقْتَهُ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ
وَالْخَامِسُ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ كَقَوْلِكَ فُلَانٌ إِلَى بَنِي فُلَانٍ إِذَا كان عداده فيهم أو ضعوه معهم
(أنابك وَإِلَيْكَ) أَيْ تَوْفِيقِي بِكَ وَالْتِجَائِي وَانْتِمَائِي إِلَيْكَ (تَبَارَكْتَ) أَيِ اسْتَحْقَقْتَ الثَّنَاءَ وَقِيلَ ثَبَتَ الْخَيْرُ عندك
وقال بن الْأَنْبَارِيِّ تُبَارِكُ الْعِبَادَ بِتَوْحِيدِكَ
وَقِيلَ تَعَظَّمْتَ وَتَمَجَّدْتَ أَوْ جِئْتَ بِالْبَرَكَةِ أَوْ تَكَاثَرَ خَيْرُكَ وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ لِلدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ (وَلَكَ أَسْلَمْتُ) أَيْ لَكَ ذَلَلْتُ وَانْقَدْتُ أَوْ لَكَ أَخْلَصْتُ وَجْهِي أَوْ لَكَ خَذَلْتُ نَفْسِي وَتَرَكْتُ أَهْوَاءَهَا (خَشَعَ لَكَ) أَيْ خَضَعَ وَتَوَاضَعَ أَوْ سَكَنَ (سَمْعِي) فَلَا يَسْمَعُ إِلَّا مِنْكَ (وَبَصَرِي) فَلَا يَنْظُرُ إِلَّا بِكَ وَإِلَيْكَ وَتَخْصِيصُهُمَا مِنْ بَيْنِ الْحَوَاسِّ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْآفَاتِ بِهِمَا فَإِذَا خَشَعَتَا قَلَّتِ الْوَسَاوِسُ
قاله بن الملك (ومخي) قال بن رَسْلَانَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الدِّمَاغُ وَأَصْلُهُ الْوَدَكُ الَّذِي فِي الْعَظْمِ وَخَالِصُ كُلِّ شَيْءٍ (وَعِظَامِي وَعَصَبِي) فَلَا يَقُومَانِ وَلَا يَتَحَرَّكَانِ إِلَّا بِكَ فِي طَاعَتِكَ
وَهُنَّ عُمُدُ الْحَيَوَانِ وَأَطْنَابُهُ وَاللَّحْمُ والشحم غاد ورائح (ملأ السماوات وَالْأَرْضِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَنَصْبِ الْهَمْزَةِ وَرَفْعِهَا وَالنَّصْبُ أَشْهَرُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَقِيلَ حَالٌ أَيْ حَالُ كَوْنِهِ مَالِئًا لِتِلْكَ الْأَجْرَامِ عَلَى تَقْدِيرِ تَجَسُّمِهِ وَبِالرَّفْعِ صِفَةُ الْحَمْدِ قَالَهُ في المرقاة (وملأ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا اللَّهُ وَالْمُرَادُ الِاعْتِنَاءُ فِي تَكْثِيرِ الْحَمْدِ (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) أَيِ الْمُصَوِّرِينَ وَالْمُقَدِّرِينَ فَإِنَّهُ الْخَالِقُ الْحَقِيقِيُّ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ
وَغَيْرِهِ إِنَّمَا يُوجِدُ صُوَرًا مُمَوَّهَةً لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ حَقِيقَةِ الْخَلْقِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ وَاللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
(وَإِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُمَّ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ اللَّهُمَّ (وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ) أَيْ جَمِيعَ الذُّنُوبِ لِأَنَّهَا إِمَّا سِرٌّ وَإِمَّا عَلَنٌ (وَمَا أَسْرَفْتُ) أَيْ جَاوَزْتُ الْحَدَّ (وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي) أَيْ مِنْ ذُنُوبِي وَإِسْرَافِي فِي أُمُورِي وغير ذلك
(أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ) أَيْ تُقَدِّمُ مَنْ شِئْتَ بِطَاعَتِكَ وَغَيْرِهَا وَتُؤَخِّرُ مَنْ شِئْتَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُكَ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِفْتَاحِ بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ النَّوَوِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لِقَوْمٍ لَا يَرَوْنَ التَّطْوِيلَ
قال المنذري أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وبن ماجه مختصرا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَاخْتُلِفَ فِي وَقْت هَذَا الدُّعَاء الَّذِي فِي آخِر الصَّلَاة فَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ كَمَا ذَكَرَهُ هُنَا قَالَ وَإِذَا سَلَّمَ قَالَ وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا ثُمَّ يَكُون مِنْ آخِر مَا يَقُول بَيْن التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي إِلَى آخِره وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة قَالَ وَإِذَا سَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَفِي هَذَا الْحَدِيث شَيْء آخَر وَهُوَ أَنَّ مُسْلِمًا أَدْخَلَهُ فِي بَاب صَلَاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ وَظَاهِر هَذَا أَنَّ هَذَا الِافْتِتَاح كَانَ في قيام الليل وقال الترمذي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحه فِي هَذَا الْحَدِيث كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ الْحَدِيث وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اِسْتَفْتَحَ الصَّلَاة كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ
[762]
(فَإِذَا قُلْتَ أَنْتَ ذَاكَ فَقُلْ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ وَلَا تَقُلْ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ إِنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ إِنَّمَا يَقُولُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ وَهْمٌ مَنْشَؤُهُ تَوَهُّمُ أَنَّ مَعْنَى وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ أَنِّي أَوَّلُ شَخْصٍ أَتَّصِفُ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ النَّاسُ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ بَيَانُ الْمُسَارَعَةِ فِي الِامْتِثَالِ لِمَا أُمِرَ بِهِ وَنَظِيرُهُ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أول العابدين وقال موسى وأنا أول المؤمنين قَالَهُ فِي النَّيْلِ [763](وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ جَهِدَهُ النَّفَسُ وَأَعْجَلَهُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ
وَأَصْلُ الْحَفْزِ الدَّفْعُ الْعَنِيفُ (فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا) قَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ أَيْ لَمْ يَتَفَوَّهْ بِمَا يُؤْخَذُ عَلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا أَيْ مَا قَالَ قَوْلًا يَشْدُدْ عَلَيْهِ (فَقُلْتُهَا) أَيِ الْكَلِمَاتِ (لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا) يَعْنِي يَسْبِقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي كَتْبِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَرَفْعِهَا إِلَى حَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِظَمِهَا وَعِظَمِ قَدْرِهَا (أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ أَيْ يَبْتَدِرُونَهَا وَيَسْتَعْجِلُونَ أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا
قَالَ أَبُو الْبَقَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يكفل مريم أَيُّهُمْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ نَصَبٍ أَيْ يَقْتَرِعُونَ أَيُّهُمْ فَالْعَامِلُ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ يُلْقُونَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[764]
(قَالَ عمرو) أي بن مُرَّةَ (اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا) حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقِيلَ منصوب على القطع من اسم
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيك لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ دُعَاء بَعْده
قَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا حَدِيث حِمَّصِيٍّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة ثُمَّ إِلَى مَكَّةَ
الله وقيل بِإِضْمَارِ أَكْبَرَ وَقِيلَ صِفَةٌ لِلْمَحذُوفِ أَيْ تَكْبِيرًا كَبِيرًا (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا) صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ مُقَدَّرٍ أَيْ حَمْدًا كَثِيرًا (وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) أَيْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْعَامِلُ سُبْحَانَ
وَخَصَّ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِاجْتِمَاعِ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِيهِمَا كَذَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَصَاحِبُ الْمَفَاتِيحِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (ثَلَاثًا) قَيْدٌ لِلْكُلِّ كَذَا فِي الْمَفَاتِيحِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا لِلْأَخِيرِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِاسْتِغْنَاءِ الْأَوَّلَيْنِ عَنِ التَّقْيِيدِ لَهُمَا بِتَلَفُّظِهِ ثَلَاثًا (مِنْ نَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وَهَمْزِهِ) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ الشَّيْطَانِ (قَالَ) أَيْ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ (نَفْثُهُ الشِّعْرُ) وَإِنَّمَا كَانَ الشِّعْرُ مِنْ نَفْثَةِ الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ يَدْعُو الشُّعَرَاءَ الْمَدَّاحِينَ الْهَجَّائِينَ الْمُعَظِّمِينَ الْمُحَقِّرِينَ إِلَى ذَلِكَ وَقِيلَ الْمُرَادُ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَهُمُ الشُّعَرَاءُ الَّذِينَ يَخْتَلِقُونَ كَلَامًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ
وَالنَّفْثُ فِي اللُّغَةِ قَذْفُ الرِّيقِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنَ التَّفْلِ (وَنَفْخُهُ الْكِبْرُ) وَإِنَّمَا فُسِّرَ النَّفْخُ بِالْكِبْرِ لِأَنَّ المتكبر يتعاظم لاسيما إِذَا مُدِحَ (وَهَمْزُهُ الْمُوتَةُ) بِسُكُونِ الْوَاوِ بِدُونِ همز والمراد بها ها هنا الْجُنُونُ
وَالْهَمْزُ فِي اللُّغَةِ الْعَصْرُ يُقَالُ هَمَزْتُ الشَّيْءَ فِي كَفِّي أَيْ عَصَرْتُهُ وَهَمْزُ الْإِنْسَانِ اغتيابه
قال المنذري وأخرجه بن ماجه
[766]
(بأي شيء كان يفتتح) أي يبتدىء مِنَ الْأَذْكَارِ (فَقَالَتْ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ إِلَخْ) وَفِي هَذَا تَحْسِينٌ لِسُؤَالِهِ وَتَزْيِينٌ لِمَقَالِهِ وَتَأَسُّفٌ عَلَى غَفْلَةِ النَّاسِ عَنْ حَالِهِ (وَهَلَّلَ) أَيْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (عَافِنِي) مِنَ الْبَلَاءِ فِي الدَّارَيْنِ أَوْ مِنَ الْأَمْرَاضِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ (وَيَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ شَدَائِدَ أَحْوَالِهَا وَسَكَرَاتِ أَهْوَالِهَا
قَالَ المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه
[767]
(اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ) تَخْصِيصُ هَؤُلَاءِ بِالْإِضَافَةِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ لتشريفهم وتفضيلهم على غيرهم
قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ كَأَنَّهُ قَدَّمَ جِبْرِيلَ لِأَنَّهُ أَمِينُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ فَسَائِرُ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ رَاجِعَةٌ إِلَيْهِ وَأَخَّرَ إِسْرَافِيلَ لِأَنَّهُ أَمِينُ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَالصُّورِ فَإِلَيْهِ أَمْرُ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ
وَوَسَّطَ مِيكَائِيلَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِطَرَفٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ أَمِينُ الْفِطْرِ وَالنَّبَاتِ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْزَاقِ الْمُقَوِّمَةِ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ مِيكَائِيلَ وَفِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا خِلَافٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فاطر السماوات وَالْأَرْضِ) أَيْ مُبْدِعَهُمَا وَمُخْتَرِعَهُمَا (عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) أَيْ بِمَا غَابَ وَظَهَرَ عِنْدَ غَيْرِهِ (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ (فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِي أَيَّامِ الدُّنْيَا (لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ) مِنْ بَيَانٍ لِمَا (بِإِذْنِكَ) أَيْ بِتَوْفِيقِكَ وَتَيْسِيرِكَ (إِنَّكَ أَنْتَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِلتَّعْلِيلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
[768]
(أَبُو نُوحٍ قُرَّادُ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ الْحَرَّانِيُّ أَبُو نُوحٍ قُرَّادُ عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ وَيُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَعَنْهُ أحمد وبن معين وثقه بن الْمَدِينِيِّ (قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ إِلَخْ) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ مِنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رحمه الله عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ عِنْدَهُ بِقِرَاءَةِ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ لَكِنِ الْمَشْهُورُ عَنْهُ خِلَافُهُ
قَالَ الْحَافِظُ تَحْتَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
قال كان رسول الله يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً الْحَدِيثَ وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّعَاءِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى
[770]
(مَنِ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا) أَيْ بِالْكَلِمَاتِ (آنِفًا) بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ أَيِ الْآنَ (لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ) الْبِضْعَةُ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى التِّسْعَةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ كَالْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْبِضْعَ يَخْتَصُّ بِمَا دُونَ الْعِشْرِينَ (يَبْتَدِرُونَهَا) أَيْ يُسَارِعُونَ فِي كِتْبَةِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ (أَوَّلُ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ أَوَّلُ بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ قُطِعَ عَنِ الْإِضَافَةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ قَالَهُ الْحَافِظُ
وقال بن الْمَلَكِ قَوْلُهُ أَوَّلَ بِالنَّصْبِ هُوَ الْأَوْجَهُ أَيْ أَوَّلَ مَرَّةٍ انْتَهَى
وَأَمَّا أَيُّهُمْ فَرُوِّينَاهُ بِالرَّفْعِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ يَكْتُبُهَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِأَبِي الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم قَالَ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ يُلْقُونَ وَأَيُّ اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ مَقُولٌ فِيهِمْ أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا وَيَجُوزُ فِي أَيُّهُمُ النَّصْبُ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْمَحْذُوفُ فَيَنْظُرُونَ أَيُّهُمْ
وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ أَيْ مَوْصُولَةٌ وَالتَّقْدِيرُ يَبْتَدِرُونَ الَّذِي هُوَ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ
وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ ذَلِكَ
وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ رِوَايَةٍ يَكْتُبُهَا وَيَصْعَدُ بِهَا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَهَا ثُمَّ يَصْعَدُونَ بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةٌ يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ الْحَدِيثَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه البخاري والنسائي
[771]
(أنت نور السماوات وَالْأَرْضِ) أَيْ مُنَوِّرُهُمَا وَخَالِقُ نُورِهِمَا
وَقَالَ أَبُو عبيد معناه بنورك يهتدي أهل السماوات والأرض (أنت قيام السماوات والأرض) وفي رواية لمسلم قيم
السماوات وَالْأَرْضِ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ صِفَاتِهِ الْقَيَّامُ وَالْقَيِّمُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالْقَيُّومُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَقَائِمٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ قال الهروي ويقال قوام
قال بن عَبَّاسٍ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا يَزُولُ
وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَمَعْنَاهُ مُدَبِّرُ أَمْرِ خَلْقِهِ وَهُمَا شَائِعَانِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ والحديث (أنت رب السماوات وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لِلرَّبِّ ثَلَاثُ مَعَانٍ فِي اللُّغَةِ السَّيِّدُ الْمُطَاعُ وَالْمُصْلِحُ وَالْمَالِكُ
قَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى السَّيِّدِ الْمُطَاعِ فَشَرْطُ الْمَرْبُوبِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَعْقِلُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْخَطَّابِيُّ بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ سَيِّدُ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الشَّرْطُ فَاسِدٌ بَلِ الْجَمِيعُ مُطِيعٌ لَهُ سبحانه وتعالى
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ
(أَنْتَ الْحَقُّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحَقُّ فِي أَسْمَائِهِ سبحانه وتعالى مَعْنَاهُ الْمُتَحَقِّقُ وُجُودُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ صَحَّ وُجُودُهُ وَتَحَقَّقَ فَهُوَ حَقٌّ وَمِنْهُ الْحَاقَّةُ أَيِ الْكَائِنَةُ حَقًّا بِغَيْرِ شَكٍّ (وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ إِلَخْ) أَيْ كُلُّهُ مُتَحَقِّقٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِلِقَائِكَ الْبَعْثُ لَا الْمَوْتُ (لَكَ أَسْلَمْتُ) أَيْ لَكَ اسْتَسْلَمْتُ وَانْقَدْتُ لِأَمْرِكَ وَنَهْيِكَ (وَبِكَ آمَنْتُ) أَيْ صَدَّقْتُ بِكَ وَبِكُلِّ مَا أَخْبَرْتُ وَأَمَرْتُ وَنَهَيْتُ (وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ) أَيْ أَطَعْتُ وَرَجَعْتُ إِلَى عِبَادَتِكَ أَيْ أَقْبَلْتُ عَلَيْهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ رَجَعْتُ إِلَيْكَ فِي تَدْبِيرِي أَيْ فَوَّضْتُ إِلَيْكَ (وَبِكَ خَاصَمْتُ) أَيْ بِمَا أَعْطَيْتَنِي من البراهين والقوة خاصمت من عائذ فِيكَ وَكَفَرَ بِكَ وَقَمَعْتُهُ بِالْحُجَّةِ وَالسَّيْفِ (وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ) أَيْ كُلَّ مَنْ جَحَدَ الْحَقَّ حَاكَمْتُهُ إِلَيْكَ وَجَعَلْتُكَ الْحَاكِمُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَا غَيْرَكَ مِمَّا كَانَتْ تَحَاكَمُ إِلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ صَنَمٍ وَكَاهِنٍ وَنَارٍ وَشَيْطَانٍ وَغَيْرِهَا فَلَا أَرْضَى إِلَّا بِحُكْمِكَ وَلَا أَعْتَمِدُ غَيْرَهُ (فَاغْفِرْ لِي) معنى سؤاله الْمَغْفِرَةَ مَعَ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ أَنَّهُ يَسْأَلُ ذَلِكَ تَوَاضُعًا وَخُضُوعًا وَإِشْفَاقًا وَإِجْلَالًا وَلِيُقْتَدَى بِهِ فِي أَصْلِ الدُّعَاءِ وَالْخُضُوعِ وَحُسْنِ التَّضَرُّعِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ الْمُعَيَّنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والترمذي والنسائي وبن ماجه
[773]
(فَعَطَسَ رِفَاعَةُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَاطِسَ فِي الصَّلَاةِ يَحْمَدُ اللَّهَ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ (مُبَارَكًا فِيهِ مُبَارَكًا عَلَيْهِ) قَوْلُهُ مُبَارَكًا عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقِيلَ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي بِمَعْنَى الْبَقَاءِ
قَالَ اللَّهُ تعالى وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فَهَذَا يُنَاسِبُ الْأَرْضَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ لَا الْبَقَاءُ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ التَّغَيُّرِ
وَقَالَ تعالى وباركنا عليه وعلى إسحاق فَهَذَا يُنَاسِبُ الْأَنْبِيَاءَ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ بَاقِيَةٌ لَهُمْ
وَلَمَّا كَانَ الْحَمْدُ يُنَاسِبُهُ الْمَعْنَيَانِ جَمَعَهُمَا
كَذَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ
قَالَهُ الْحَافِظُ (كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى) فِيهِ مِنْ حُسْنِ التَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ الْغَايَةُ فِي الْقَصْدِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ
[774]
(مَا تَنَاهَتْ دُونَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ) أَيْ مَا تَنَاهَتْ تِلْكَ الْكَلِمَاتُ دُونَ عَرْشِهِ بَلْ وَصَلَتْ إِلَيْهِ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ لَقَدِ ابْتَدَرَهَا اثْنَا عَشَرَ مَلَكًا فَمَا نَهْنَهَهَا شَيْءٌ دُونَ الْعَرْشِ أَيْ مَا منعها عن