الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَحْفَظُ لَنَا اللَّيْلَ وَيَحْرُسُ (فَاسْتَيْقَظَ) أَيِ انْتَبَهَ (فَقَالَ افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ صِفَةَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ كَصِفَةِ أَدَائِهَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الصُّبْحِ الْمَقْضِيَّةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
1 -
(بَاب فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ)
[448]
(مَا) نَافِيَةٌ (أُمِرْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ التَّشْيِيدُ رَفْعُ الْبِنَاءِ وَتَطْوِيلُهُ (قال بن عباس) هكذا رواه بن حبان موقوفا وقبله أيضا حديث بن عَبَّاسٍ لَكِنَّهُ مَرْفُوعٌ
وَظَنَّ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ أَنَّهُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ (لَتُزَخْرِفُنَّهَا) بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ وبضم المثناة وفتح الزاي وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهِيَ نُونُ التَّأْكِيدِ
وَالزَّخْرَفَةُ الزِّينَةُ وَأَصْلُ الزُّخْرُفِ الذَّهَبُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَا يُتَزَيَّنُ به
قاله علي القارىء
وقال الحافظ وهذا يعني فتح اللام هو الْمُعْتَمَدُ
انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَتُزَخْرِفُنَّهَا لَتُزَيِّنُنَّهَا
أَصْلُ الزُّخْرُفِ الذَّهَبُ يُرِيدُ تَمْوِيهَ الْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَنَحْوِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ زَخْرَفَ الرَّجُلُ كَلَامَهُ إِذَا مَوَّهَهُ وَزَيَّنَهُ بِالْبَاطِلِ
وَالْمَعْنَى أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى إِنَّمَا زَخْرَفُوا الْمَسَاجِدَ عِنْدَمَا حَرَّفُوا وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِمَا فِي كُتُبِهِمْ يَقُولُ فَأَنْتُمْ تَصِيرُونَ إِلَى مِثْلِ حَالِهَا إِذَا طَلَبْتُمُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ وَتَرَكْتُمُ الْإِخْلَاصَ فِي الْعَمَلِ وَصَارَ أَمْرُكُمْ إِلَى الْمُرَاءَاتِ بِالْمَسَاجِدِ وَالْمُبَاهَاةِ فِي تَشْيِيدِهَا وَتَزْيِينِهَا (كما زخرفت اليهود والنصارى) قال علي القارىء وَهَذَا بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ عليه السلام وَفِيهِ مُوَافَقَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَفِي النِّهَايَةِ الزُّخْرُفُ النُّقُوشُ وَالتَّصَاوِيرُ بِالذَّهَبِ
[449]
(حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ) أَيْ يَتَفَاخَرَ فِي شَأْنِهَا أَوْ بِنَائِهَا يَعْنِي يَتَفَاخَرُ كُلُّ أَحَدٍ بِمَسْجِدِهِ وَيَقُولُ مَسْجِدِي أَرْفَعُ أَوْ أَزْيَنُ أَوْ أَوْسَعُ أَوْ أَحْسَنُ رِيَاءً وَسُمْعَةً وَاجْتِلَابًا للمدحة
قال بن رَسْلَانَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِإِخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّا سَيَقَعُ بَعْدَهُ فَإِنَّ تَزْوِيقَ الْمَسَاجِدِ وَالْمُبَاهَاةُ بِزَخْرَفَتِهَا كَثُرَ مِنَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِالْقَاهِرَةِ وَالشَّامِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ بِأَخْذِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ ظُلْمًا وَعِمَارَتِهِمْ بِهَا الْمَدَارِسَ عَلَى شَكْلٍ بَدِيعٍ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النسائي وبن مَاجَهْ
[450]
(حَيْثُ كَانَ طَوَاغِيتُهُمْ) هِيَ جَمْعُ طَاغُوتَ وَهُوَ بَيْتُ الصَّنَمِ الَّذِي كَانُوا يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِ بِالْأَصْنَامِ عَلَى زَعْمِهِمْ
وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ الْمَذْكُورُ هُوَ الثَّقَفِيُّ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ حِينَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الطَّائِفِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ جَعْلِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَأَمْكِنَةِ الْأَصْنَامِ مَسَاجِدُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ حِينَ فَتَحُوا الْبِلَادَ جَعَلُوا مُتَعَبَّدَاتِهِمْ مُتَعَبَّدَاتٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيَّرُوا مَحَارِيبِهَا
وَإِنَّمَا صُنِعَ هَذَا لَانْتَهَاكِ الْكُفْرِ وَإِيذَاءِ الْكُفَّارِ حَيْثُ عَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ هُنَا
وَقَدْ عَمِلَ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ مَلِكُ الْهِنْدِ السُّلْطَانُ الْعَادِلُ عَالِمٌ كَبِيرٌ رحمه الله حَيْثُ بَنَى عِدَّةَ مَسَاجِدٍ فِي مَعْبَدِ الْكُفَّارِ خَذَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى
قال المنذري والحديث أخرجه بن مَاجَهْ
[451]
(كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ فِي زَمَانِهِ وَأَيَّامِهِ (مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ اللَّبِنَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ مَا يُعْمَلُ مِنَ الطِّينِ يَعْنِي الطُّوبَ وَالْآجُرَّ النِّيءَ وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (الْجَرِيدِ) أَيْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَهُوَ الَّذِي يُجَرَّدُ عَنْهُ الْخُوصُ أَيِ الْوَرَقِ وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ شاخ درخت خرما برك دور كرده (وَعَمَدُهُ) بِفَتْحِ العين
وَالْمِيمِ (قَالَ مُجَاهِدٌ عُمُدُهُ) أَيْ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُجَاهِدٍ وَكِلَاهُمَا جَمْعُ الْكَثْرَةِ لِعَمُودِ الْبَيْتِ وَجَمْعُ الْقِلَّةِ أَعْمِدَةٌ وَالْعَمُودُ مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ ستون (مِنْ خَشَبِ النَّخْلِ) قَالَ الْحَافِظُ هِيَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالشِّينِ وَيَجُوزُ ضَمُّهُمَا انْتَهَى
فَقَوْلُهُ عُمُدُهُ مُبْتَدَأٌ وَمِنْ خَشَبِ النَّخْلِ خَبَرُهُ (فلم يزد فيه أبو بكر شيئا) يعين لَمْ يُغَيِّرْ فِيهِ شَيْئًا بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بِنَائِهِ) يَعْنِي زَادَ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَلَمْ يُغَيِّرْ فِي بِنَائِهِ بَلْ بَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي بِآلَاتِهِ الَّتِي بَنَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِمَّا صِفَةٌ لِلْبِنَاءِ أَوْ حَالٌ (وَأَعَادَ عُمُدَهُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَإِنَّمَا غَيَّرَ عُمُدَهُ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ
قَالَ السُّهَيْلِيُّ نَخَرَتْ عُمُدُهُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَجَدَّدَهَا (وَغَيَّرَهُ عُثْمَانُ) أَيْ مِنَ الْوَجْهَيْنِ التَّوْسِيعِ وَتَغْيِيرِ الْآلَاتِ (بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ) أَيْ بَدَّلَ اللَّبِنَ (وَالْقَصَّةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْجِصُّ بِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ تُشْبِهُ الْجِصَّ وَلَيْسَتْ بِهِ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ الْجَصُّ لُغَةٌ فَارِسِيَّةٌ مَعَرَّبَةٌ وَأَصْلُهَا كج وَفِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ الْجِيمِ وَكَسْرُهَا (وَسَقْفُهُ بِالسَّاجِ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ بِلَفْظِ الِاسْمِ عَطْفًا عَلَى عُمُدِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَالسَّاجُ نَوْعٌ مِنَ الْخَشَبِ مَعْرُوفٌ يُؤْتَى بِهِ مِنْ الْهِنْدِ (وَسَقَّفَهُ السَّاجَ) هُوَ بِلَفْظِ الْمَاضِي مِنَ التَّسْقِيفِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ عَطْفًا عَلَى جُعْلَ
قَالَ الْحَافِظُ في الفتح قال بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ الْقَصْدُ وَتَرْكُ الْغُلُوِّ فِي تَحْسِينِهِ فَقَدْ كَانَ عُمَرُ مَعَ كَثْرَةِ الْفُتُوحِ فِي أَيَّامِهِ وَسَعَةِ الْمَالِ عِنْدَهُ لَمْ يُغَيِّرَ الْمَسْجِدَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى تَجْدِيدِهِ لِأَنَّ جَرِيدَ النَّخْلِ كَانَ قَدْ نَخَرَ فِي أَيَّامِهِ ثُمَّ كَانَ عُثْمَانُ وَالْمَالُ فِي زمانه أكثر فحسنه بمالا يَقْتَضِي الزَّخْرَفَةَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ
وَأَوَّلُ مَنْ زُخْرُفَ الْمَسَاجِدَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَسَكَتَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ إِنْكَارِ ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ
[452]
(كَانَتْ سَوَارِيهِ) جَمْعُ سَارِيَةٍ (مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ) هِيَ جَمْعُ جِذْعٍ بِالْكَسْرِ سَاقَ النَّخْلَةَ وَبِالْفَارِسِيَّةِ تنه وبن درخت خرما (أَعْلَاهُ) أَيْ أَعْلَى الْمَسْجِدِ (مُظَلَّلٌ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الظِّلِّ أَيْ جُعِلَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ وَظُلِّلَ لِاتِّقَاءِ الْحَرِّ (بِجَرِيدِ النَّخْلِ) هُوَ الَّذِي يُجَرَّدُ عَنْهُ الْخُوصُ أَيِ الْوَرَقُ (ثُمَّ إِنَّهَا) أَيْ سَوَارِيهِ (نَخَرَتْ) أَيْ بَلِيَتْ (فَبَنَاهَا) أَيْ بَنَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه تِلْكَ السَّارِيَةَ (بِجُذُوعِ النَّخْلِ) وَبَنَى سَقْفَ الْمَسْجِدِ (بِجَرِيدِ النَّخْلِ) كَمَا كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْئًا (فَبَنَاهَا) أَيْ بَنَى عُثْمَانُ رضي الله عنه تِلْكَ السَّارِيَةَ (بِالْآجُرِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ خشت بخته
[453]
(عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ) بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَفِي آخِرِهِ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (فِي عُلُوِّ الْمَدِينَةِ) بِالضَّمِّ وَهِيَ الْعَالِيَةُ (فِي حَيِّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهِيَ الْقَبِيلَةُ وَجَمْعُهَا أَحْيَاءٌ (بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِيهِمَا (فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً) ثُمَّ خَرَجَ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ الصَّوَابُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ انْتَهَى وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ (ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَبَنُو النَّجَّارِ هُمْ بَنُوِ تَيْمِ اللَّاتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَالنَّجَّارُ قَبِيلٌ كَبِيرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَتَيْمُ اللَّاتِ هُوَ النَّجَّارُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ اخْتَتَنَ بِقَدُومٍ وَقِيلَ بَلْ ضَرَبَ رَجُلًا بِقَدُومِ فَجَرَحَهُ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ إِنَّمَا طَلَبَ بَنِي النَّجَّارِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَخْوَالَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ أُمَّهُ سَلْمَى مِنْهُمْ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النُّزُولَ عِنْدَهُمْ لَمَّا تَحَوَّلَ مِنْ قُبَاءٍ وَالنَّجَّارُ بَطْنٌ مِنْ الْخَزْرَجِ وَاسْمُهُ تيم اللات بن ثعلبة (فجاؤوا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَهُمْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ كَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ بِنَصْبِ السُّيُوفِ وَثُبُوتِ النُّونِ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ وَفِي رِوَايَةٍ بِإِضَافَةِ مُتَقَلِّدِينَ إِلَى السُّيُوفِ وَسُقُوطِ النُّونِ لِلْإِضَافَةِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ مَنْصُوبٌ على الحال من الضمير الذي في جاؤوا وَالتَّقَلُّدُ جَعْلَ نِجَادَ السَّيْفِ عَلَى الْمَنْكِبِ (عَلَى راحلته) الرَّاحِلَةُ الْمَرْكَبُ مِنَ
الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَكَانَتْ رَاحِلَتُهُ نَاقَةٌ تُسَمَّى الْقَصْوَاءُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ) قَالَ الْحَافِظُ
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَهُ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَنْوِيهًا بِقَدْرِهِ وَإِلَّا كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ نَاقَةٌ هَاجَرَ عَلَيْهَا انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ هُوَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ
وَالرِّدْفُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُرْتَدَفُ وَهُوَ الَّذِي يَرْكَبُ خَلْفَ الرَّاكِبِ وَكَانَ لِأَبِي بَكْرٍ نَاقَةٌ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهَا فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَدَّهَا إِلَى مَكَّةَ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا أَهْلَهُ وَثَمَّ وَجْهٌ آخَرُ حَسَنٌ وَهُوَ أَنَّ نَاقَتَهُ كَانَتْ مَعَهُ وَلَكِنَّهُ مَا رَكِبَهَا لِشَرَفِ الِارْتِدَافِ خَلْفَهُ لِأَنَّهُ تَابِعَهُ وَالْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ (وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ حالية والملأ أشراف القوم ورؤساؤهم سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مَلِيءٌ بِالرَّأْيِ وَالْغَنَاءِ وَالْمَلَأُ الْجَمَاعَةُ وَالْجَمْعُ أَمْلَاءُ (حَتَّى أَلْقَى) أَيْ حَتَّى أَلْقَى رَحْلَهُ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ يُقَالُ أَلْقَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا طَرَحْتُهُ (بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ) أَيْ بِفِنَاءِ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ
الْفِنَاءُ بِكَسْرِ الْفَاءِ سَعَةٌ أَمَامَ الدَّارِ وَالْجَمْعُ أَفْنِيَةٌ
وَاسْمُ أَبِي أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ وَالْفِنَاءُ النَّاحِيَةُ الْمُتَّسِعَةُ أَمَامَ الدَّارِ (فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ) أَيْ أَمَاكِنِهَا وَهُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ مربض بكسر الميم (وإنه أمر) بكسرالهمزة فِي إِنَّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ بِذَاتِهِ أَيْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَيُرْوَى أُمِرَ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الضَّمِيرُ فِي إِنَّهُ لِلشَّأْنِ (ثَامِنُونِي) أَيْ بِيعُونِيهِ بِالثَّمَنِ
قَالَ الْحَافِظُ هُوَ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيِ اذْكُرُوا لِي ثَمَنَهُ لِأَذْكُرَ لَكُمُ الثَّمَنَ الَّذِي أَخْتَارَهُ
قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُسَاوَمَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ سَاوِمُونِي فِي الثَّمَنِ (بِحَائِطِكُمْ هذا) الحائط ها هنا الْبُسْتَانُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَفِيهِ نَخْلٌ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ (لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ) قَالَ الْحَافِظُ تَقْدِيرُهُ لَا نَطْلُبُ الثَّمَنَ لَكِنِ الْأَمْرُ فِيهِ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى بِمَعْنَى مِنْ وَكَذَا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلا من الله
وزاد بن مَاجَهْ أَبَدًا وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ ثَمَنًا وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ السِّيَرِ
انْتَهَى
وَالْمَعْنَى لَا نَطْلُبُ مِنْكَ الثَّمَنَ بَلْ نَتَبَرَّعُ بِهِ وَنَطْلُبُ الثَّمَنَ أَيِ الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَكَانَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَائِطِ الَّذِي بُنِيَ فِي مَكَانِهِ الْمَسْجِدُ (فِيهِ خَرِبٌ) قال الحافظ قال بن الْجَوْزِيِّ الْمَعْرُوفُ فِيهِ فَتْحُ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ جَمْعُ خَرِبَةٍ كَكَلِمٍ وَكَلِمَةٍ
قُلْتُ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا كَسْرُ أَوَّلِهِ وَفَتْحُ ثَانِيهِ جَمْعُ خِرَبَةٍ كَعِنَبٍ وَعِنَبَةٍ
(وَبِالنَّخْلِ) أَيْ أَمَرَ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ (فَصُفِّفَ النَّخْلُ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ) مِنْ صَفَفْتُ الشَّيْءَ صَفًّا أَيْ جَعَلْتُ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ مِنَ النَّخْلِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْقِبْلَةِ جِهَتُهَا لَا الْقِبْلَةُ الْمَعْهُودَةُ الْيَوْمَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَقْتَ (عِضَادَتَيْهِ) تَثْنِيَةُ عِضَادَةِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَنْ صَاحِبِ الْعَيْنِ أَعْضَادُ كُلِّ شَيْءٍ مَا يَشُدُّهُ مِنْ حَوَالَيْهِ مِنَ الْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ مِثَالُ عِضَادِ الْحَوْضِ وَهِيَ صَفَائِحُ مِنْ حِجَارَةٍ يُنْصَبْنَ عَلَى شَفِيرِهِ
وَفِي التَّهْذِيبِ لِلْأَزْهَرِيِّ عِضَادَتَا الْبَابِ الْخَشَبَتَانِ الْمَنْصُوبَتَانِ عَنْ يَمِينِ الدَّاخِلِ مِنْهُ وَشِمَالِهِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ) أَيِ الْحِجَارَةَ (وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ) أَيْ يَتَعَاطَوْنَ الرَّجَزَ مِنَ الرَّجَزِ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الشَّعْرِ (مَعَهُمْ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرْتَجِزُ مَعَهُمْ (اللَّهُمَّ) مَعْنَاهُ ياالله
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَجَوَازُ نَبْشِ الْقُبُورِ الدَّارِسَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُحْتَرَمَةٌ وَجَوَازُ الصَّلَاةِ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ نَبْشِهَا وَإِخْرَاجِ مَا فِيهَا وَجَوَازُ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي أَمَاكِنِهَا
انْتَهَى
قُلْتُ فِيهِ جَوَازُ الْإِرْدَافِ وَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[454]
(حَائِطًا) أَيْ بُسْتَانًا (لِبَنِي النَّجَّارِ) هُمْ قَبِيلَةٌ (فِيهِ حَرْثٌ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ
فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ حَرَثَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ حَرْثًا أَثَارَهَا لِلزِّرَاعَةِ فَهُوَ حَرَّاثٌ انْتَهَى
وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ التي مضت ففيها خرب بالخاء المجمة والباء الموحدة (فقال لَا نَبْغِي) أَيْ لَا نَطْلُبُ (أَفَادَ حَمَّادًا) مِنَ الْإِفَادَةِ أَيْ حَدَّثَ عَبْدُ الْوَارِثِ حَمَّادًا هَذَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ لَفْظُ خَرِبٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ والباء الموحدة