الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ) الْوَقْتِ (شَيْئًا فَعَلَيْهِ) أَيْ فَعَلَى الْإِمَامِ الوزر
قال المنذري وأخرجه مسلم وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيُّ الْمَدِينِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو حَرْمَلَةَ وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ وإن أخطأوا فلكم وعليهمانتهى
9 -
(باب في كراهية التدافع)
[581]
عن (عَلَى) الْإِمَامَةِ (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ) أَيْ عَلَامَاتِهَا الْمَذْمُومَةِ وَاحِدُهَا شَرَطٌ بِالتَّحْرِيكِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا التَّفْسِيرَ وَقِيلَ هِيَ مَا يُنْكِرُهُ النَّاسُ مِنْ صِغَارِ أُمُورِ السَّاعَةِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (أَنْ يَتَدَافَعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ) أَيْ يَدْرَأُ كُلٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْإِمَامَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَيَقُولُ لَسْتُ أَهْلًا لَهَا لَمَّا تَرَكَ تَعَلُّمَ مَا تَصِحُّ بِهِ الْإِمَامَةُ
ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ
أَوْ يَدْفَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوِ الْمِحْرَابِ لِيَؤُمَّ بِالْجَمَاعَةِ فَيَأْبَى عَنْهَا لِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهِ لَهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا
قاله بن الملك
كذا قال علي القارىء
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحُرُّ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ مُشَدَّدَةٌ انْتَهَى
([582]
بَاب مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ)
(يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَكْثَرُهُمْ لَهُ حِفْظًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ما رواه
الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِوِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْلَامِ قَوْمِهِ فَكَانَ فِيمَا أَوْصَانَا لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَكُنْتُ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فَقَدَّمُونِي وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَقِيلَ أَحْسَنُهُمْ قِرَاءَةً وَإِنْ كَانَ أَقَلَّهُمْ حِفْظًا وَقِيلَ أَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِهِ (وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً) وَكَذَا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ أَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً وَلَمْ يَقُلْ فَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَرَّجَةٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَلَى مَا ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ
وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا رِوَايَةُ سُفْيَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُسْتَقِيمُ فِي التَّرْتِيبِ انْتَهَى (فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ) أَيْ فِي مِقْدَارِهَا أَوْ حُسْنِهَا أَوْ فِي الْعِلْمِ بِهَا (سَوَاءً) أَيْ مُسْتَوِينَ (فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً) هَذَا شَامِلٌ لِمَنْ تَقَدَّمَ هِجْرَةً سَوَاءً كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ بَعْدَهُ كَمَنْ يُهَاجِرُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ
وَأَمَّا حَدِيثُ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَوْ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَضْلُهَا كَفَضْلِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (أَكْبَرُهُمْ سِنًّا) أَيْ يُقَدَّمُ فِي الْإِمَامَةِ مَنْ كَبِرَ سِنُّهُ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ فَضِيلَةٌ يُرَجَّحُ بِهَا (وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ فِي بَيْتِهِ إِذَا كَانَ مِنَ الْقِرَاءَةِ أَوِ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ يُمَكِّنُهُ أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةِ
وَقَدْ رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمُّهُمْ (وَلَا فِي سُلْطَانِهِ) فَهَذَا فِي الْجُمُعَاتِ وَالْأَعْيَادِ لِتَعَلُّقِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِالسَّلَاطِينِ فَأَمَّا فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ فَأَعْلَمُهُمْ أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ فَإِنْ جَمَعَ السُّلْطَانُ هَذِهِ الْفَضَائِلَ كُلَّهَا فَهُوَ أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ
وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ وَلَا يَرَاهَا خَلْفَ أَهْلِ الْبِدَعِ
وَقَدْ يُتَأَوَّلُ أَيْضًا قَوْلُهُ عليه السلام وَلَا فِي سُلْطَانِهِ عَلَى مَعْنَى مَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ مِنْ مِلْكِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ يَكُونُ إِمَامُ مَسْجِدِهِ فِي قَوْمِهِ وَقَبِيلَتِهِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ) أَيْ فِرَاشِهِ وَسَرِيرِهِ وَمَا يُعَدُّ لِإِكْرَامِهِ من وطأ وَنَحْوِهِ
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ
وَذَلِكَ أَنَّهُ صلى الله عليه وآله وسلم جَعَلَ مِلَاكُ أَمْرِ الْإِمَامَةِ الْقِرَاءَةَ وَجَعَلَهَا مُقَدَّمَةً
عَلَى سَائِرِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورِ مَعَهَا وَالْمَعْنَى فِي ذلك أنهم كانوا قوما أميين لا يقروؤن فَمَنْ تَعَلَّمَ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَلَّمْهُ لِأَنَّهُ لَا صلاة إلا بقراءه وإذا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ مِنْ ضَرُورَةِ الصَّلَاةِ وَكَانَتْ رُكْنًا مِنَ أَرْكَانِهَا صَارَتْ مُقَدَّمَةً فِي التَّرْتِيبِ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنْهَا ثُمَّ تَلَا الْقِرَاءَةَ بِالسُّنَّةِ وَهِيَ الْفِقْهُ وَمَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَمَا سَنَّهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِيهَا وَبَيَّنَهُ مِنْ أَمْرِهَا وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ رُبَّمَا يَعْرِضُ فِيهَا مِنْ سَهْوٍ وَيَقَعُ مِنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ أَفْسَدَهَا وَأَخْدَجَهَا فَكَانَ الْعَالِمُ بِهَا الْفَقِيهُ فِيهَا مُقَدَّمًا عَلَى مَنْ لَمْ يَجْمَعْ عِلْمَهَا وَلَمْ يَعْرِفْ أَحْكَامَهَا
وَمَعْرِفَةُ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً فِي الذِّكْرِ وَكَانَ الْقِرَاءَةُ مُبْتَدَأَةً بِذِكْرِهَا فَإِنَّ الْفَقِيهَ الْعَالِمَ بِالسُّنَّةِ إِذَا كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنَ الْمَاهِرِ بِالْقِرَاءَةِ إِذَا كَانَ مُخْتَلِفًا عَنْ دَرَجَتِهِ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ وَمَعْرِفَتِهِ السُّنَّةَ
وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقَارِئُ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ إِذَا عتبرت أحوالهم وجدت أقرأهم أفقههم به
وقال بن مَسْعُودٍ كَانَ أَحَدُنَا إِذَا حَفِظَ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا حَتَّى يُحْكِمَ عِلْمَهَا وَيَعْرِفَ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا أَوْ كَمَا قَالَ
فَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ تَأَخَّرَ بِهِمُ الزَّمَانُ فإن أكثرهم يقرأون وَلَا يَفْقَهُونَ فَقُرَّاؤُهُمْ كَثِيرٌ وَالْفُقَهَاءُ مِنْهُمْ قَلِيلٌ
وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام فَإِنِ اسْتَوَوْا فِي السُّنَّةِ فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنَّ الْهِجْرَةَ قَدِ انْقَطَعَتِ الْيَوْمَ إِلَّا أَنَّ فَضِيلَتَهَا مَوْرُوثَةٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ أَوْ كَانَ فِي آبَائِهِ وَأَسْلَافِهِ مَنْ لَهُ قَدَمٌ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ سَابِقَةٌ فِيهِ أَوْ كَانَ آبَاؤُهُ أَقْدَمُ إِسْلَامًا فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لِآبَائِهِ سَابِقَةٌ أَوْ كَانُوا مِمَّنْ بَنَى الْعَهْدَ بِالْإِسْلَامِ فإذا كانوا متساويين فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ الثَّلَاثَةِ فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ هُوَ أَصْغَرُ سِنًّا لِفَضِيلَةِ السِّنِّ وَلِأَنَّهُ إِذَا تَقَدَّمَ أَصْحَابُهُ فِي السِّنِّ فَقَدْ تَقَدَّمَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ تُوجَدُ أَقَاوِيلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ
قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَؤُمُّهُمْ أَفْقَهُهُمْ فَإِنْ كَانُوا فِي الفقه سواء فأقرأهم فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَسَنُّهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ يَتَقَدَّمُ الْقَوْمَ أَعْلَمُهُمْ فَقِيلَ لَهُ أقرأهم فَقَالَ قَدْ يَقْرَأُ مَنْ لَا يُرْضَى وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَؤُمُّهُمْ أَفْقَهُهُمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيِّ إِذَا لَمْ تَجْتَمِعُ الْقِرَاءَةُ وَالْفِقْهُ وَالسِّنُّ فِي وَاحِدٍ قَدَّمُوا أَفْقَهُهُمْ إِذَا كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يَكْتَفِي بِهِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ قَدَّمُوا أَقْرَأَهُمْ إِذَا كَانَ يَعْلَمُ مِنَ الْفِقْهِ مَا يَلْزَمُهُ فِي الصَّلَاةِ فَحَسَنٌ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يَؤُمُّهُمْ أَفْقَهُهُمْ إِذَا كَانَ
يقرأ القران وإن لم يقرؤه كُلَّهُ
وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ يُقَدِّمُونَ الْقِرَاءَةَ قَوْلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ
انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
[585]
(كُنَّا بِحَاضِرٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْحَاضِرُ الْقَوْمُ النُّزُولُ عَلَى مَا يُقِيمُونَ بِهِ لَا يَرْحَلُونَ عَنْهُ وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ اسْمًا لِمَكَانِ الْحُضُورِ يُقَالُ نَزَلْنَا حَاضِرَ بَنِي فُلَانٍ فَهُوَ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ (يَمُرُّ بِنَا النَّاسُ) اسْتِئْنَافٌ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْخَبَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كُنَّا بِمَاءِ مَمَرِّ النَّاسِ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ (وَقَالَ يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لِمَا كُنْتُ أَحْفَظُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرٌ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ (فَقَدَّمُونِي) أَيْ لِلْإِمَامَةِ (وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَغِيرَةٌ) الْبُرْدَةُ كِسَاءٌ صَغِيرٌ مُرَبَّعٌ وَيُقَالُ كِسَاءٌ أَسْوَدٌ صَغِيرٌ وَبِهِ كُنِّيَ أَبُو بُرْدَةَ (تَكَشَّفَتْ عَنِّي) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ انْكَشَفَتْ أَيِ ارْتَفَعَتْ عَنِّي لِقِصَرِهَا وَضِيقِهَا حَتَّى يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِي
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تَقَلَّصَتْ عَنِّي وَمَعْنَاهُ
اجْتَمَعَتْ وَانْضَمَّتْ وَارْتَفَعَتْ إِلَى أَعَالِيَ الْبَدَنِ (وَارُوا عَنَّا) أَيِ اسْتُرُوا عَنْ قِبَلِنَا أَوْ عَنْ جِهَتِنَا (عُمَانِيًّا) نِسْبَةً إِلَى عُمَانَ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ مَوْضِعٌ عِنْدَ الْبَحْرَيْنِ (فَرَحِي بِهِ) أَيْ مِثْلَ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ إِمَّا لِأَجْلِ حُصُولِ التَّسَتُّرِ وَعَدَمِ تَكَلُّفِ الضَّبْطِ وَخَوْفِ الْكَشْفِ وَإِمَّا فَرِحَ بِهِ كَمَا هُوَ عَادَةُ الصِّغَارِ بِالثَّوْبِ الْجَدِيدِ (فكنت أؤمهم وأنا بن سَبْعِ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ) قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ مِنْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي إِمَامَةِ الْمُمَيِّزِ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَعَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمَا الْأُخْرَى فِي النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ قَالُوا وَلَا حُجَّةَ فِي قِصَّةِ عَمْرٍو هَذِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَنَّهُ كَانَ عَنْ أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَقْرِيرِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ دَلِيلَ الْجَوَازِ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الْوَحْيِ فَلَوْ كَانَ إِمَامَةُ الصَّبِيِّ لَا تَصِحُّ لَنَزَلَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ أَمَّهُمْ فِي نَافِلَةٍ يُبْعِدُهُ سِيَاقُ الْقِصَّةِ
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ عَمْرٌو فَمَا شَهِدْتُ مَشْهَدًا فِي جَرْمٍ إِلَّا كُنْتُ إِمَامُهُمْ وَهَذَا يَعُمُّ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ
قُلْتُ وَيَحْتَاجُ مَنِ ادَّعَى التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ إِمَامَةُ الصَّبِيِّ فِي هَذَا دُونَ ذَلِكَ إِلَى دَلِيلٍ انْتَهَى مُلَخَّصًا
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إِمَامَةِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْبَالِغِ إِذَا عَقَلَ الصَّلَاةَ فمن أجازها الحسن وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَؤُمُّ الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُحْتَلِمِ إِذَا عَقَلَ الصَّلَاةَ إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَكَرِهَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْغُلَامِ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُ أَمْرَ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ وَقَالَ مَرَّةً دَعْهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ بَيِّنٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِذَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ أَمَّهُمْ
قُلْتُ وَفِي جَوَازِ صَلَاةِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ بِقَوْمِهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ نَافِلَةٌ انْتَهَى
[586]
(فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ مُرَقَّعَةٍ وَالْوَصْلُ بِالْفَارِسِيَّةِ بيوندكردن جَامه وَالْإِيصَالُ بيواندانيدن (فِيهَا فَتْقٌ) أَيْ خَرْقٌ (خَرَجَتِ اسْتِي) أَيْ ظَهَرَتْ لِقِصَرِ بُرْدَتِي وَضِيقِهَا
الْمُرَادُ بِالِاسْتِ هُنَا الْعَجُزُ وَيُرَادُ بِهِ حَلْقَةُ الدُّبُرِ
[587]
(أَنَّهُمْ وَفَدُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْ ذَهَبُوا إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَالْوَفْدُ قَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ وَيَرِدُونَ الْبِلَادَ الْوَاحِدُ وَافِدٌ وَكَذَا مَنْ يَقْصِدُ الْأُمَرَاءَ بِالزِّيَارَةِ (وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ) الشَّمْلَةُ الْكِسَاءُ وَالْمِئْزَرُ يُتَّشَحُ بِهِ (فَمَا شَهِدْتُ مَجْمَعًا مِنْ جَرْمٍ) بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ وَهُمْ قَوْمُهُ (إِلَّا كُنْتُ إِمَامَهُمْ وَكُنْتُ أُصَلِّي عَلَى جَنَائِزِهِمْ إِلَى يَوْمِي هَذَا) فِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَمَّهُمْ فِي النَّافِلَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ وقال فيه وأنا بن سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ وأخرجه النسائي
[588]
(ما قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ) أَيْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ (نَزَلُوا الْعَصْبَةَ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَقِيلَ مَضْمُومَةٌ وَإِسْكَانُ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ قُبَاءٍ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ) هُوَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَعْتَقَتْهُ وَكَانَتْ إِمَامَتُهُ بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ لِأَنَّهُ لَازَمَ أَبَا حُذَيْفَةَ بَعْدَ أَنْ أُعْتِقَ فَتَبَنَّاهُ فَلَمَّا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ مَوْلَاهُ وَاسْتُشْهِدَ سَالِمٌ بِالْيَمَامَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ (وَكَانَ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا) إِشَارَةً إِلَى سَبَبِ تَقْدِيمِهِمْ لَهُ مَعَ كَوْنِهِمْ أَشْرَفَ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا
وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وفي إمامة
سَالِمٍ مَعَ وُجُودِ عُمَرَ رضي الله عنه دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُقَدِّمُ الْأَقْرَأُ عَلَى الْأَفْقَهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ
[589]
(قَالَ لَهُ أَوْ لِصَاحِبٍ لَهُ) أَيْ رَفِيقٌ لَهُ (فَأَذِّنَا) أَمْرٌ مِنَ الْأَذَانِ
قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَذِّنَا أَيْ مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمَا أَنْ يُؤَذِّنَ فَلْيُؤَذِّنْ وَذَلِكَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْفَضْلِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَذَانِ السِّنُّ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ مِنْ سِيَاقِ حَدِيثِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ وَقَالَ فِي مَقَامٍ آخَرَ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارَ أَرَادَ بِهِ الْفَضْلُ وَإِلَّا فَأَذَانُ الْوَاحِدِ يُجْزِئُ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَمَرَهُمَا أَنْ يُؤَذِّنَا جَمِيعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُمَا يُؤَذِّنَانِ مَعًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا النَّقْلَ عَنِ السَّلَفِ بِخِلَافِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُؤَذِّنُ عَلَى حِدَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَذَانَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الْجَمَاعَةَ
نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ إِجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يُؤَذِّنُ وَالْآخَرَ يُجِيبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ تَوْجِيهٌ آخَرَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ قَوْلُهُ فِيهِ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَاسْتَرْوَحَ الْقُرْطُبِيُّ فَحَمَلَ اخْتِلَافَ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَهُوَ بَعِيدٌ
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَدْ يُطْلَقُ الْأَمْرُ بِالتَّثْنِيَةِ وَبِالْجَمْعِ وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ كَقَوْلِهِ ياحرسي اضْرِبَا عُنُقَهُ وَقَوْلُهُ قَتَلَهُ بَنُو تَمِيمٍ مَعَ أَنَّ الْقَاتِلَ وَالضَّارِبَ وَاحِدٌ
انْتَهَى مُخْتَصَرًا (ثُمَّ أَقِيمَا) قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ بِالْإِقَامَةِ إِنْ حُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى مَا مَضَى وَإِلَّا فَالَّذِي يُؤَذِّنُ هُوَ الَّذِي يُقِيمُ
انْتَهَى
(ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا) ظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْأَكْبَرِ بِكَثِيرِ السِّنِّ وَقَلِيلُهُ وَأَمَّا مَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْكِبَرِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ السِّنِّ أَوِ الْقَدْرِ كَالتَّقَدُّمِ فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَالدِّينِ فَبَعِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فهم راوي الخبر حديث قَالَ لِلتَّابِعِيِّ فَأَيْنَ الْقِرَاءَةُ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ كَبِرَ السِّنِّ وَكَذَا دَعْوَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي تَقْدِيمُ الْأَكْبَرِ عَلَى الْأَقْرَأِ وَالثَّانِي عَكْسُهُ ثُمَّ انْفَصَلَ عَنْهُ بِأَنَّ قِصَّةَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَاقِعَةُ عَيْنٍ قَابِلَةُ الِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ تُفِيدُ التَّعْمِيمَ قَالَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَكْبَرُ مِنْهُمْ كَانَ يَوْمَئِذٍ هُوَ الْأَفْقَهُ انْتَهَى
وَالتَّنْصِيصُ عَلَى تَقَارُبِهِمْ فِي الْعِلْمِ يَرُدُّ عَلَيْهِ فَالْجَمْعُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (وَفِي حَدِيثِ مَسْلَمَةَ قَالَ وَكُنَّا يَوْمَئِذٍ مُتَقَارِبِينَ
فِي الْعِلْمِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَظُنُّ في هذه الرواية إدراجا فإن بن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ قَالَ (قُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ فَأَيْنَ الْقِرَاءَةُ قَالَ إِنَّهُمَا كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءِ وَقَالَ فِيهِ قَالَ الْحَذَّاءُ وَكَانَا مُتَقَارِبَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُ أَبِي قِلَابَةَ فِي ذَلِكَ هُوَ إِخْبَارُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ كَمَا أَنَّ مُسْتَنَدِ الْحَذَّاءِ هُوَ إِخْبَارُ أَبِي قِلَابَةَ لَهُ بِهِ فَيَنْبَغِي الْإِدْرَاجُ عَنِ الْإِسْنَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
[590]
(لِيُؤَذِّنَ لَكُمْ) أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ (خِيَارُكُمْ) أَيْ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ صَلَاحًا لِيَحْفَظَ نَظَرَهُ عَنِ الْعَوْرَاتِ وَيُبَالِغُ فِي مُحَافَظَةِ الْأَوْقَاتِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْخِيَارُ خِلَافُ الْأَشْرَارِ وَالْخِيَارُ الِاسْمُ مِنَ الِاخْتِيَارِ وَإِنَّمَا كَانُوا خِيَارًا لِمَا وَرَدَ أَنَّهُمْ أُمَنَاءُ لِأَنَّ أَمْرَ الصَّائِمِ مِنَ الْإِفْطَارِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُبَاشَرَةِ مَنُوطٌ إِلَيْهِمْ وَكَذَا أَمْرَ الْمُصَلِّي لِحِفْظِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ فَهُمْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُخْتَارُونَ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَلْيَؤُمَّكُمْ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَتُكْسَرُ (قُرَّاؤُكُمْ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَكُلَّمَا يَكُونُ أَقْرَأَ فَهُوَ أَفْضَلُ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَسَائِلِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ أَفْضَلَ الْأَذْكَارِ وَأَطْوَلَهَا وَأَصْعَبَهَا فِي الصَّلَاةِ إِنَّمَا هُوَ الْقِرَاءَةُ وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لِكَلَامِ اللَّهِ وَتَقْدِيمُ قَارِئِهِ وَإِشَارَةُ إِلَى عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ فِي الدَّارَيْنِ كَمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِتَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ فِي الدَّفْنِ
قَالَهُ عَلِيٌّ القارىء في المرقاة
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْحَنَفِيُّ الْكُوفِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيَّانِ وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عِيسَى تَفَرَّدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الْحَكَمِ بن أبان