الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْكُمْ) جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (الْآيَةَ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَتَمَّ الْآيَةَ وَتَمَامُهَا لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ منهم له عذاب عظيم وَقَوْلُهُ تَعَالَى لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هو خير لكم لِأَنَّهُ تَعَالَى يَأْجُرُكُمْ بِهِ وَيُظْهِرُ بَرَاءَةَ عَائِشَةَ وَمَنْ مَعَهَا وَهُوَ صَفْوَانُ
وَقَوْلُهُ وَالَّذِي تَوَلَّى كبره منهم أَيْ تَحَمَّلَ مُعْظَمُهُ فَبَدَأَ بِالْخَوْضِ فِيهِ وَأَشَاعَهُ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَآيَةُ الْإِفْكِ هَذِهِ سُورَةُ النُّورِ (وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ) قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ إِنْ وَقَعَتِ الْمُخَالَفَةُ مَعَ الضَّعْفِ فَالرَّاجِحُ يُقَالُ لَهُ الْمَعْرُوفُ وَمُقَابِلُهُ يُقَالُ لَهُ الْمُنْكَرُ انْتَهَى
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُنْكَرَ مَا رَوَاهُ الضَّعِيفُ مخالفا للثقاة
وَبَيَّنَ الْمُؤَلِّفُ وَجْهَ النَّكَارَةِ بِقَوْلِهِ (قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ) كَمَعْمَرٍ وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَغَيْرِهِمَا (عَنِ الزُّهْرِيِّ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْكَلَامَ) أَيْ قَوْلُهُ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (عَلَى هَذَا الشَّرْحِ) الَّذِي رَوَاهُ حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ (وَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ الِاسْتِعَاذَةِ) أَيْ قَوْلُهُ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَحُمَيْدٌ هَذَا هُوَ أَبُو صَفْوَانَ حميد بن قيس الأعرج المكي احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ
انْتَهَى
قُلْتُ فَعَلَى هَذَا صَارَ الْحَدِيثُ شَاذًّا لَا مُنْكَرًا وَالشَّاذُّ مَا رَوَاهُ الْمَقْبُولُ مُخَالِفًا لِمَنْ هُوَ أَوْلَى وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي تَعْرِيفِ الشَّاذِّ بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ
([786]
بَابُ مَنْ جَهَرَ بِهَا)
أَيْ بِالْبَسْمَلَةِ
(مَا حَمَلَكُمْ) أَيْ مَا الْبَاعِثُ وَالسَّبَبُ لَكُمْ (عَمَدْتُمْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ قَصَدْتُمْ (إِلَى بَرَاءَةِ) هِيَ سُورَةُ التَّوْبَةِ وَهِيَ أَشْهَرُ أَسْمَائِهَا وَلَهَا أَسْمَاءٌ أُخْرَى تَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (وَهِيَ
مِنَ الْمِئِينَ) أَيْ مِنْ ذَوَاتِ مِائَةِ آيَةٍ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوَّلُ الْقُرْآنِ السَّبْعُ الطُّوَالُ ثُمَّ ذَوَاتِ الْمِئِينَ أَيْ ذَوَاتِ مِائَةِ آيَةٍ ثُمَّ الْمَثَانِي ثُمَّ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى (إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي) أَيْ مِنَ السَّبْعِ الْمَثَانِي وَهِيَ السَّبْعُ الطُّوَالُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَثَانِي مِنَ الْقُرْآنِ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنَ الْمِئِينَ وَيُسَمَّى جَمِيعُ الْقُرْآنِ مَثَانِيَ لِاقْتِرَانِ آيَةِ الرَّحْمَةِ بِآيَةِ الْعَذَابِ وَتُسَمَّى الْفَاتِحَةُ مَثَانِيَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ أَوْ ثُنِّيَتْ فِي النُّزُولِ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَثَانِي السُّوَرُ الَّتِي تَقْصُرُ عَنِ الْمِئِينَ وَتَزِيدُ عن المفصل كأن المئين جعلت مبادىء وَالَّتِي تَلِيهَا مَثَانِيَ
انْتَهَى (فَجَعَلْتُمُوهُمَا فِي السَّبْعِ الطُّوَالِ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ (وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ تَوْجِيهُ السُّؤَالِ أَنَّ الْأَنْفَالَ لَيْسَ مِنَ السَّبْعِ الطُّوَالِ لِقِصَرِهَا عَنِ الْمِئِينَ لِأَنَّهَا سَبْعٌ وَسَبْعُونَ آيَةٍ وَلَيْسَتْ غَيْرَهَا لِعَدَمِ الْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَرَاءَةَ
(كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا تَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ) وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ ذَوَاتِ الْعَدَدِ (فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ) الْوَحْيَ كَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ (وفي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا) كَقِصَّةِ هُودٍ وَحِكَايَةِ يُونُسَ (وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ) أَيْ فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ أَيْضًا وَبَيْنَهُمَا النِّسْبَةُ التَّرْتِيبِيَّةُ بِالْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ فَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَكَانَ هَذَا مُسْتَنَدُ مَنْ قَالَ إِنَّهُمَا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ رَوْقٍ وَأَبُو يعلى عن مجاهد وبن أبي حاتم عن سفيان وبن لَهِيعَةَ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ بَرَاءَةَ مِنَ الْأَنْفَالِ وَلِهَذَا لَمْ تُكْتَبِ الْبَسْمَلَةَ بَيْنَهُمَا مَعَ اشْتِبَاهِ طُرُقِهِمَا
وَرَدَ بِتَسْمِيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ مُسْتَقِلٍّ
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ إِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَكُنْ فِيهَا لأن جبريل عليه السلام لم ينزلبها فيها وعن بن عَبَّاسٍ لَمْ تُكْتَبِ الْبَسْمَلَةَ فِي بَرَاءَةَ لِأَنَّهَا أَمَانٌ وَبَرَاءَةٌ نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ
وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَوَّلَهَا لَمَّا سَقَطَ سَقَطَتْ مَعَهُ الْبَسْمَلَةُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ تَعْدِلُ الْبَقَرَةَ لِطُولِهَا وَقِيلَ إنها ثابتة أولها في مصحف بن مَسْعُودٍ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى ذَلِكَ (وَكَانَتْ قِصَّتُهَا) أَيْ بَرَاءَةَ (شَبِيهَةٌ بِقِصَّتِهَا) أَيِ الْأَنْفَالِ وَيَجُوزُ الْعَكْسُ وَهَذَا وَجْهٌ آخَرُ مَعْنَوِيٌّ وَلَعَلَّ الْمُشَابَهَةَ فِي قَضِيَّةِ الْمُقَاتَلَةِ بِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ قاتلوهم يعذبهم الله وَنَحْوَهُ وَفِي نَبْذِ الْعَهْدِ بِقَوْلِهِ
في الأنفال فانبذ إليهم وقال بن حَجَرٍ لِأَنَّ الْأَنْفَالَ بَيَّنَتْ مَا وَقَعَ لَهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ مُشْرِكِي مَكَّةَ وبراءة بينت ما وقع له ما مُنَافِقِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا مِمَّا ظَهَرَ لِي فِي أَمْرِ الِاقْتِرَانِ بَيْنَهُمَا
(فَظَنَنْتُ أَنَّهَا) أَيِ التَّوْبَةُ (مِنْهَا) أَيِ الْأَنْفَالِ (فَمِنْ هُنَاكَ) أَيْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ تَبْيِينِهِ وَوُجُوهٍ مَا ظَهَرَ لَنَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا (وضعتهما في السبع الطول وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا سُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِلْفَصْلِ وَلَمْ تَنْزِلْ وَلَمْ أَكْتُبْ وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنَ الْحِكْمَةِ فِي عَدَمِ نزول البسملة وهو أن بن عَبَّاسٍ سَأَلَ عَلِيًّا رضي الله عنه لِمَ لَمْ تَكْتُبْ قَالَ لِأَنَّ بِسْمِ اللَّهِ أَمَانٌ وَلَيْسَ فِيهَا أَمَانٌ أُنْزِلَتْ بِالسَّيْفِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَكْتُبُهَا أَوَّلَ مُرَاسَلَاتِهِمْ فِي الصُّلْحِ وَالْأَمَانِ وَالْهُدْنَةِ فَإِذَا نَبَذُوا الْعَهْدَ وَنَقَضُوا الْأَيْمَانَ لَمْ يَكْتُبُوهَا وَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ فَصَارَتْ عَلَامَةَ الْأَمَانِ وَعَدَمُهَا عَلَامَةَ نَقْضِهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَمَانٌ وَقَوْلُهُمْ آيَةُ رَحْمَةٍ وَعَدَمُهَا عَذَابٌ
قَالَ الطِّيبِيُّ دَلَّ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى أَنَّهُمَا نَزَلَتَا منزلة سورة واحدة وكمل السبع الطول بها ثم قيل السبع الطول هِيَ الْبَقَرَةُ وَبَرَاءَةُ وَمَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ لكن روى النسائي والحاكم عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا الْبَقَرَةُ وَالْأَعْرَافُ وَمَا بَيْنَهُمَا
قَالَ الرَّاوِي وَذَكَرَ السَّابِعَةَ فَنَسِيتُهَا وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْفَاتِحَةُ فَإِنَّهَا مِنَ السَّبْعِ الْمَثَانِي أَوْ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَنَزَلَتْ سَبْعَتُهَا مَنْزِلَةً الْمِئِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْأَنْفَالُ بِانْفِرَادِهَا أَوْ بِانْضِمَامِ ما بعدها إليها
وصح عن بن جبير أنها يونس وجاء مثله عن بن عَبَّاسٍ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَنْفَالَ وَمَا بَعْدَهَا مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهَا مِنَ الْمَثَانِي وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُورَةٌ أَوْ هُمَا سُورَةٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَدِ اسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْقُرْآنِ بِأَنَّهَا مُثْبَتَةٌ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ فَتَكُونَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الْفَاتِحَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا أَثْبَتُوهَا بِخَطِّ الْقُرْآنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ عن يزيد الفارسي عن بن عباس ويزيد الفارسي قد روى عن بن عَبَّاسٍ غَيْرَ حَدِيثٍ وَيُقَالُ هُوَ يَزِيدُ بْنُ هُرْمُزٍ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُوَ الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدُ بْنُ حنبل وذكر غيرهما أنهما اثنان أن الفارسي غير بن هرمز وأن بن هُرْمُزٍ ثِقَةٌ وَالْفَارِسِيَّ لَا بَأْسَ بِهِ
انْتَهَى
[787]
(حدثني بن عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ) أَيْ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (قَالَ فِيهِ) أَيْ قَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِهِ (فَقُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تُوُفِّيَ (وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا) أَيِ التَّوْبَةَ (مِنْهَا) أَيْ مِنَ الْأَنْفَالِ أَوْ لَيْسَتْ مِنْهَا
(لَمْ يَكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ النَّمْلِ) لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ فِيهَا جُزْؤُهَا
وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ إِنَّمَا هِيَ لِلْفَصْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مَنْ أَثْبَتَهَا وَلَا مَنْ نَفَاهَا لا ختلاف الْعُلَمَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَفَى حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ أَثْبَتَ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا آيَةٌ فِي أَثْنَاءِ سُورَةِ النَّمْلِ وَلَا خِلَافَ فِي إِثْبَاتِهَا خَطًّا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ فِي الْمُصْحَفِ إِلَّا فِي أَوَّلِ سُورَةِ التَّوْبَةِ
وَأَمَّا التِّلَاوَةُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ فِي أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَفِي أَوَّلِ كُلِّ سورة إذا ابتدأ بها القارىء مَا خَلَا سُورَةَ التَّوْبَةِ وَأَمَّا فِي أَوَائِلِ السور مع الوصل بسورة قبلها فأثبتها بن كَثِيرٍ وَقَالُونُ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ مِنَ الْقُرَّاءِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ إِلَّا أَوَّلَ سُورَةِ التَّوْبَةِ وحذفها منهم أبو عمرو وحمزة وورش وبن عَامِرٍ كَذَا فِي النَّيْلِ
[788]
(لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ) الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ الْمُرْسَلُ أَصَحُّ
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَلْخِيصِ الْمُسْتَدْرَكِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الحديث عن بن عَبَّاسٍ أَمَّا هَذَا فَثَابِتٌ
وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادَيْنِ رِجَالُ أَحَدِهِمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ
وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْقُرْآنِ
وَيُبْتَنَى عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ تَنْزِيلِ الْبَسْمَلَةِ تَسْتَلْزِمُ قُرْآنِيَّتَهَا
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَا بِكُلِّ حَدِيثٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى الْجَهْرِ بِهَا فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بصحيح
قال الحافظ بن سَيِّدِ النَّاسِ الْيَعْمَرِيُّ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِمَّنْ يَرَى الْجَهْرَ بِهَا لَا يَعْتَقِدُونَهَا قُرْآنًا بَلْ هِيَ مِنَ السُّنَنِ عِنْدَهُمْ كَالتَّعَوُّذِ وَالتَّأْمِينِ وَجَمَاعَةٌ مِمَّنْ يَرَى الْإِسْرَارَ بِهَا يَعْتَقِدُونَهَا قُرْآنًا
وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّ مَسْأَلَةَ الْجَهْرِ لَيْسَتْ مُرَتَّبَةً عَلَى إِثْبَاتِ مَسْأَلَةِ الْبَسْمَلَةِ
وَكَذَلِكَ احْتِجَاجُ مَنِ احْتَجَّ بِأَحَادِيثَ عَدَمِ قِرَاءَتِهَا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِآيَةٍ لما عرفت
قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ وَمِنْ حُجَجِ مَنْ أَثْبَتَ الْجَهْرَ أَنَّ أَحَادِيثَهُ جَاءَتْ مِنْ
طرق كثيرة وتركه عن أنس وبن مُغَفَّلٍ فَقَطْ وَالتَّرْجِيحُ بِالْكَثْرَةِ ثَابِتٌ وَبِأَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ شَهَادَةٌ عَلَى إِثْبَاتٍ وَتَرْكُهُ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ وَبِأَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ تَرْكُ الْجَهْرِ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ الْجَهْرُ بَلْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ إِنْكَارُ ذَلِكَ
كَمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي مَسْلَمَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَنَسٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ إِنَّكَ تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا حَفِظْتُهُ وَلَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْكَثْرَةِ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ صِحَّةِ السَّنَدِ وَلَا يَصِحُّ فِي الْجَهْرِ شَيْءٌ مَرْفُوعٌ كَمَا نُقِلَ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَوْقُوفٌ وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بِصُورَةِ النَّفْيِ لَكِنَّهَا بِمَعْنَى الْإِثْبَاتِ وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدِهِ بَعِيدٌ مَعَ طُولِ صُحْبَتِهِ وَعَنِ الثَّالِثِ بِأَنَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ فِي حَالِ حِفْظِهِ أَوْلَى مِمَّنْ أَخَذَهُ عَنْهُ فِي حَالِ نِسْيَانِهِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ سَلُوا الْحَسَنَ فَإِنَّهُ يَحْفَظُ وَنَسِيتُ
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ الأحاديث في اخفاء نُصُوصٌ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَأَيْضًا فَلَا يُعَارِضُهَا غَيْرُهَا لِثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ لَا تُوَازِيهَا فِي الصِّحَّةِ بِلَا رَيْبٍ
ثُمَّ إِنَّ أَصَحَّ أَحَادِيثِ تَرْكِ الْجَهْرِ حَدِيثُ أَنَسٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ فَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ عَنْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ عَنْهُ وَعَلَى هَذَا اللَّفْظِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ وَجَاءَ عَنْهُ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ وَرُوَاةُ هَذِهِ أَقَلُّ مِنْ رُوَاةِ ذَلِكَ
وَانْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ وَجَاءَ عَنْهُ حَدِيثُ هَمَّامٍ وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ سُئِلَ أَنَسٌ كَيْفَ كَانَ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كَانَتْ مَدًّا يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَجَاءَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَسْلَمَةَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ قِيلَ إِنَّهُ سئل بما كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ ثُمَّ قَالَ الْحَازِمِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ وَلَا نَاسِخَ فِي ذَلِكَ وَلَا منسوخ والله أعلم
انتهى
وذكر بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَارَةً وَيُخْفِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا جَهَرَ بِهَا وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْهَرُ بِهَا دَائِمًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَبَدًا حَضَرًا وَسَفَرًا وَيُخْفِي ذَلِكَ عَلَى خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَعَلَى جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ بَلَدِهِ فِي الْأَعْصَارِ الْفَاضِلَةِ هَذَا مِنْ أَمْحَلِ الْمُحَالِ حَتَّى يحتاج إلى التشبث فِيهِ بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ وَأَحَادِيثَ وَاهِيَةٍ
فَصَحِيحُ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ غَيْرُ صَرِيحٍ وَصَرِيحُهَا غَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي السُّبُلِ وَأَطَالَ الْجِدَالَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الطَّوَائِفِ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ بِهَا تَارَةً جَهْرًا وَتَارَةً يُخْفِيهَا
انْتَهَى