الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
23 -
(باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصَّلَاةُ)
[489]
(عَنْ أَبِي ذَرٍّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ اسْمُهُ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ عَلَى الْأَصَحِّ تَقَدَّمَ إِسْلَامُهُ وَتَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ فَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ (جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طُهُورًا) بِالضَّمِّ مُطَهِّرًا عِنْدَ فَقَدِ الْمَاءِ وَعُمُومُ ذِكْرِ الْأَرْضِ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ مَا نَهَى الشَّارِعُ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَبِهِ تَحْصُلُ مُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الطَّهُورَ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّاهِرَ لَمْ تَثْبُتِ الْخُصُوصِيَّةُ وَالْحَدِيثُ إنما سيق لإثباتها وقد روى بن المنذر وبن الْجَارُودِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا جُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَمَعْنَى طَيِّبَةٍ طَاهِرَةٌ فَلَوْ كَانَ مَعْنَى طَهُورًا طَاهِرًا لَلَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ (وَمَسْجِدًا) أَيْ مَوْضِعُ سُجُودٍ لَا يَخْتَصُّ السُّجُودُ مِنْهَا بِمَوْضِعٍ دُونَ غَيْرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا عَنِ الْمَكَانِ الْمَبْنِيِّ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتِ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِهَا كَانَتْ كَالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَحْتَ قَوْلِهِ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَهَذَا إِجْمَالٌ وَإِبْهَامٌ وَتَفْصِيلُهُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ وَقَدْ يُحْتَجُّ بِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَنْ يَرَى التَّيَمُّمَ جَائِزًا بِجَمِيعِ الْأَجْزَاءِ مِنْ جِصٍّ وَنُورَةٍ وَزِرْنِيخٍ وَنَحْوِهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا بِالتُّرَابِ
قَالَ وَالْمُفَسَّرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَلِ وَإِنَّمَا جَاءَ قَوْلُهُ عليه السلام جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا عَلَى مَذْهَبِ الِامْتِنَانِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنْ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الطَّهُورِ بِالْأَرْضِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا فِي بِقَاعِهَا وَكَانَتِ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَإِنَّمَا سِيقَ هَذَا الْحَدِيثُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَبَيَانُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ مِنْهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ إِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاحْتَجَّ مَنْ خَصَّ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ
وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ وَهَذَا خَاصٌّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْعَامُّ عَلَيْهِ فَتَخْتَصُّ الطَّهُورِيَّةُ بِالتُّرَابِ وَدَلَّ الِافْتِرَاقُ فِي اللَّفْظِ حَيْثُ حَصَلَ التَّأْكِيدُ فِي جَعْلِهَا مَسْجِدًا دُونَ الْآخَرِ عَلَى افْتِرَاقِ الْحُكْمِ وَإِلَّا لَعُطِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ نَسَقًا كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَمَنَعَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِدْلَالَ بِلَفْظِ التُّرْبَةِ عَلَى خُصُوصِيَّةِ التَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ بِأَنْ قَالَ تُرْبَةُ كُلِّ مَكَانٍ مَا فِيهِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ التُّرَابِ أَخْرَجَهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَجُعِلَ التُّرَابُ لِيَ طَهُورًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
وَيُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالتُّرَابِ أَنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ لِإِظْهَارِ التَّشْرِيفِ وَالتَّخْصِيصِ فَلَوْ كَانَ جَائِزًا بِغَيْرِ التُّرَابِ لَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ التَّيْمِيِّ عن أبي ذر فصل المسجد خاصة
[490]
(بن لَهِيعَةَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْهَاءِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ ضَعِيفٌ (وَيَحْيَى بْنُ أَزْهَرَ) الْبَصْرِيُّ مَوْلَى قُرَيْشٍ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ (الْمُرَادِيِّ) نِسْبَةً إِلَى الْمُرَادِ وَهُوَ قَبِيلَةٌ (مَرَّ بِبَابِلِ) أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيِّ بَابِلُ بِالْعِرَاقِ مَدِينَةُ السِّحْرِ مَعْرُوفَةٌ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ بَابِلُ اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْعِرَاقِ يُنْسَبُ إِلَيْهِ السِّحْرُ وَالْخَمْرُ
وَقَالَ الْأَخْفَشُ لَا يَنْصَرِفُ لِتَأْنِيثِهِ
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (يُؤْذِنُهُ) مِنَ الْإِيذَانِ (فَلَمَّا بَرَزَ مِنْهَا) أَيْ فَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ مِنْ بَابِلَ (فَلَمَّا فَرَغَ) أَيْ عَلِيٌّ مِنَ الصَّلَاةِ (قَالَ إِنَّ حِبِّي) يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَقْبَرَةِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ
الْمَقْبُرَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ هُوَ الْمَسْمُوعُ وَالْقِيَاسُ فَتْحُ الْبَاءِ وَفِي شَرْحِ الْهَادِي أَنَّ مَا جَاءَ عَلَى مَفْعُلَةٍ بِالضَّمِّ يُرَادُ بِهَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِذَلِكَ وَمُتَّخَذَةٌ لَهُ فَإِذَا قَالُوا الْمَقْبَرَةُ بِالْفَتْحِ أَرَادُوا مَكَانَ الْفِعْلِ وَإِذَا ضَمُّوا أَرَادُوا الْبُقْعَةَ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُقْبَرَ فِيهَا وَكَذَلِكَ الْمَشْرَبَةُ وَالْمَشْرُبَةُ (وَنَهَانِي أَنْ أُصَلِّي فِي أَرْضِ بَابِلَ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ) أَيْ أَرْضُ بَابِلَ مَغْضُوبَةٌ عَلَيْهَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ مَقَالٌ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ حَرَّمَ الصَّلَاةَ فِي أَرْضِ بَابِلَ وَقَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُتَّخَذَ أَرْضُ بَابِلَ
وَطَنًا وَدَارًا لِلْإِقَامَةِ فَتَكُونُ صَلَاتُهُ فِيهَا إِذَا كَانَتْ إِقَامَتُهُ بِهَا وَيَخْرُجُ هَذَا النَّهْيُ فِيهِ على الخصوص ألا تراه يَقُولُ نَهَانِي وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْهُ إِنْذَارٌ مِمَّا أَصَابَهُ مِنَ الْمِحْنَةِ فِي الْكُوفَةَ وَهِيَ أَرْضُ بَابِلَ وَلَمْ يَنْتَقِلْ قَبْلَهُ أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عَنْ الْمَدِينَةِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُحِلِّيِّ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ قَالَ كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ فَمَرَرْنَا عَلَى الْخَسْفِ الَّذِي بِبَابِلَ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى أجازه أي تعداه
ومن طريق عَنْ عَلِيٍّ قَالَ مَا كُنْتُ لِأُصَلِّيَ فِي أَرْضٍ خَسَفَ اللَّهُ بِهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثَ مِرَارٍ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْخَسْفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا خَسْفٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَالْمُرَادُ بِالْخَسْفِ هُنَا مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عليهم السقف من فوقهم الْآيَةَ
ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَالْأَخْبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ النُّمْرُودَ بْنَ كَنْعَانَ بَنَى بِبَابِلَ بُنْيَانًا عَظِيمًا يُقَالُ إِنَّ ارْتِفَاعَهُ كَانَ خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِمْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ حَرَّمَ الصَّلَاةَ فِي أَرْضِ بَابِلَ فَإِنْ كَانَ حَدِيثُ عَلِيٍّ ثَابِتًا فَلَعَلَّهُ نَهَاهُ أَنْ يَتَّخِذَهَا وَطَنًا لِأَنَّهُ إِذَا أَقَامَ بِهَا كَانَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا يَعْنِي أَطْلَقَ الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ اللَّازِمَ
قَالَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ النهي خاص بعلي إنذارا له بما لَقِيَ مِنَ الْفِتْنَةِ بِالْعِرَاقِ
قُلْتُ وَسِيَاقُ قِصَّةِ عَلِيٍّ الْأُولَى يُبْعِدَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَبُو صَالِحٍ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْغِفَارِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ
قَالَ بن يُونُسَ يَرْوِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَا أَظُنُّهُ سَمِعَ مِنْ عَلِيٍّ وَيَرْوِي عَنْ أبي هرية وهيب بن مغفل وصله بن الحارث
انتهى
قال العيني قال بن الْقَطَّانِ فِي سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ رِجَالٌ لَا يُعْرَفُونَ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَهُوَ حَدِيثٌ وَاهٍ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ إِسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٌّ
انْتَهَى
[491]
(بِمَعْنَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ) أَيْ بِمَعْنَى حَدِيثِ سُلَيْمَانَ (قَالَ) أَيْ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ (فَلَمَّا خَرَجَ مَكَانَ) أَيْ بَدَلَ لَفْظِ فَلَمَّا بَرَزَ
[492]
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الْخُدْرِيِّ (يَحْسَبُ عَمْرٌو) أَيْ يَظُنُّ (الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ) أَيْ يَجُوزُ
السُّجُودُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (إِلَّا الْحَمَّامُ وَالْمَقْبَرَةُ) الْمَقْبَرَةُ وَهِيَ الْمَحَلُّ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمَوْتَى وَالْحَمَّامُ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْأُولَى هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ بِالْحَمِيمِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمَاءُ الْحَارُّ ثُمَّ قِيلَ لِلِاغْتِسَالِ بِأَيِّ مَاءٍ كَانَ
وَحِكْمَةُ الْمَنْعِ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ
قِيلَ هُوَ مَا تَحْتَ الْمُصَلِّي مِنَ النَّجَاسَةِ وَقِيلَ لِحُرْمَةِ الْمَوْتَى وَحِكْمَةُ الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ أَنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِ النَّجَاسَاتُ وَقِيلَ إِنَّهُ مَأْوَى الشَّيْطَانِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا كَانَتْ الْمَقْبَرَةُ مُخْتَلِطَةُ التُّرَابِ بِلُحُومِ الْمَوْتَى وَصَدِيدِهِمْ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ لَمْ تَجُزِ الصَّلَاةُ فِيهَا لِلنَّجَاسَةِ فَإِنْ صَلَّى الرَّجُلُ فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ مِنْهَا أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ قَالَ وَكَذَلِكَ الْحَمَّامُ إِذَا صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَظِيفٍ مِنْهُ طَاهِرٍ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ
وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يُصَلَّى فِي حَمَّامٍ وَلَا فِي مَقْبُرَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ
وَكَانَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَكْرَهَانِ ذَلِكَ وَرُوِيَتِ الْكَرَاهِيَةُ فِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ
وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ لَمْ يُجِزِ الصَّلَاةَ فِي الْمَقْبَرَةِ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةُ التُّرْبَةِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا مَقَابِرَ قَالَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْبَرَةَ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ لِلصَّلَاةِ
انْتَهَى
قُلْتُ وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا كَمَا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ فَالْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِ قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَذَكَرَ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ أَرْسَلَهُ
قَالَ وَكَأَنَّ رِوَايَةَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَثْبَتُ وَأَصَحُّ
4 -
[493](لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ) جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعِ مَبَارِكِ الابل وفي
مَوْضِعِ أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَفِي مَوْضِعِ مُنَاخِ الْإِبِلِ وَفِي مَوْضِعِ مَرَابِدِ الْإِبِلِ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا قال يارسول اللَّهِ أُصَلِّي فِي مَبَاءَةِ الْغَنَمِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أُصَلِّي فِي مَبَاءَةِ الْإِبِلِ قَالَ لَا وَالْمَبَارِكُ جَمْعُ مَبْرَكٍ وَهُوَ مَوْضِعُ بُرُوكِ الْجَمَلِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ
وَالْأَعْطَانُ جَمْعُ عَطَنٍ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ عِنْدَ وُرُودِهَا الماء فقط
وقال بن حَزْمٍ كُلُّ عَطَنٍ فَهُوَ مَبْرَكٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَبْرَكٍ عَطَنًا لِأَنَّ الْعَطَنَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ عِنْدَ وُرُودِهَا الْمَاءَ فَقَطْ وَالْمَبْرَكُ أَعَمُّ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الْمُتَّخَذُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ وَالْمُنَاخُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفِي آخِرِهِ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ الْمَكَانُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ الْإِبِلُ
وَالْمَرَابِدُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ الْأَمَاكِنُ الَّتِي تُحْبَسُ فِيهَا الْإِبِلُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ
وَالْمَبَاءَةُ الْمَنْزِلُ الَّذِي يَأْوِي إِلَيْهِ الْإِبِلُ
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الْإِبِلِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ) أَيِ الْإِبِلُ خلقت من الشياطين كما في رواية بن مَاجَهْ
فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ كَوْنُ الْإِبِلِ مِنَ الشَّيَاطِينِ لَا غَيْرَ فَالْإِبِلُ تَعْمَلُ عَمَلَ الشَّيَاطِينِ والأجنة لِأَنَّ الْإِبِلَ كَثِيرَةُ الشِّرَادِ فَتُشَوِّشُ قَلْبَ الْمُصَلِّي وَتَمْنَعُ الْخُشُوعَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ يُرِيدُ أَنَّهَا لِمَا فِيهَا مِنَ النِّفَارِ وَالشُّرُودِ وَرُبَّمَا أَفْسَدَتْ عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَارِدٍ شَيْطَانًا كَأَنَّهُ يَقُولُ كَأَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا صَلَّى بحضرتها كان مغررا بصلاته لما لا يؤمن نِفَارَهَا وَخَبْطَهَا الْمُصَلِّيَ وَهَذَا الْمَعْنَى مَأْمُونٌ مِنَ الْغَنَمِ لِمَا فِيهَا مِنَ السُّكُوتِ وَضَعْفِ الْحَرَكَةِ إِذَا هُيِّجَتْ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي السُّهُولِ مِنَ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْإِبِلَ إِنَّمَا تَأْوِي إِلَيْهَا وَتَعْطِنُ فِيهَا وَالْغَنَمُ تَبُوءُ وَتَرُوحُ إِلَى الْأَرْضِ الصُّلْبَةِ قَالَ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ الرَّخْوَةَ الَّتِي يَكْثُرُ تُرَابُهَا رُبَّمَا كَانَتْ فِيهَا النَّجَاسَةُ فَلَا يَتَبَيَّنُ موضعها فلا يأمن المصلي أن تكون صلاته فيها عَلَى نَجَاسَةٍ فَأَمَّا الْقَرَارُ الصُّلْبُ مِنَ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ ضَاحٍ بَارِزٌ لَا يُخْفِي مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ إِذَا كَانَتْ فِيهِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَحُطُّ النَّاسُ رِحَالَهُمْ فِيهَا إِذَا نَزَلُوا الْمَنَازِلَ فِي الْأَسْفَارِ قَالَ وَمِنْ عَادَةِ الْمُسَافِرِينَ أَنْ يَكُونَ بِرَازُهُمْ بِالْقُرْبِ مِنْ رِحَالِهِمْ فَتُوجَدُ هَذِهِ الْأَمَاكِنُ فِي الْأَغْلَبِ نَجِسَةً فَقِيلَ لَهُمْ لَا تُصَلُّوا فِيهَا وَتَبَاعَدُوا عَنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ) هِيَ جَمْعُ مِرْبَضٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ رَبَضَ يَرْبِضُ مِثْلُ ضَرَبَ يَضْرِبُ يُقَالُ رَبَضَ فِي الْأَرْضِ إِذَا الْتَصِقَ بِهَا وَأَقَامَ مُلَازِمًا لَهَا وَاسْمُ الْمَكَانِ مِرْبَضٌ وَهُوَ مَأْوَى الْغَنَمِ مِثْلُ بُرُوكِ الْإِبِلِ
وَفِي الصِّحَاحِ رُبُوضُ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْفَرَسِ وَالْكَلْبِ مِثْلُ بُرُوكِ الْإِبِلِ وَجُثُومِ الطَّيْرِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (صَلُّوا فِيهَا) أَيْ فِي مَرَابِضِ