الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ فِيهِ حُجَّةٌ لِشُرُوعِ الْأَذَانِ قَائِمًا
قُلْتُ وَكَذَا احْتَجَّ به بن خزيمة وبن الْمُنْذِرِ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قُمْ أَيِ اذْهَبْ إِلَى مَوْضِعٍ بَارِزٍ فَنَادِ فِيهِ بِالصَّلَاةِ لِيَسْمَعَكَ النَّاسُ
وَقَالَ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْقِيَامِ فِي حَالِ الْأَذَانِ انْتَهَى
وَمَا نَفَاهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الصِّيغَةَ مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ أَرْجَحَ وَنَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الْأَذَانَ قَاعِدٌ لَا يَجُوزُ إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ وَوَافَقَهُ أَبُو الْفَرَجِ الْمَالِكِيُّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبِأَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كُلِّهِمْ أَنَّ الْقِيَامَ سُنَّةٌ وَأَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ قاعدا صح والصواب ما قال بن الْمُنْذِرِ إِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ مِنَ السُّنَّةِ (لَجَعَلَهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ يَرْجِعُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ جَوَابُ لَوْلَا
وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّشَاوُرِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُتَشَاوِرِينَ إِذَا أَخْبَرَ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
وَقَدِ اسْتُشْكِلَ إِثْبَاتُ حُكْمِ الْأَذَانِ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ رُؤْيَا غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُبْنَى عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ مُقَارَنَةِ الْوَحْيِ لِذَلِكَ أَوْ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِمُقْتَضَاهَا لينظر أيقر على ذلك أم لا ولاسيما لَمَّا رَأَى نَظْمَهَا يُبْعِدُ دُخُولَ الْوَسْوَاسِ فِيهِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا رَأَى الْأَذَانَ جَاءَ لِيُخْبِرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ الْوَحْيُ قَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ فَمَا رَاعَهُ إِلَّا أَذَانُ بِلَالٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَقَكَ بِذَلِكَ الْوَحْيُ
وَأَشَارَ السُّهَيْلِيُّ إِلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ابْتِدَاءِ شَرْعِ الْأَذَانِ عَلَى لِسَانِ غير النيي صلى الله عليه وسلم التَّنْوِيهُ بِعُلُوِّ قَدْرِهِ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ لِيَكُونَ أَفْخَمُ لِشَأْنِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
7 -
(بَاب كَيْفَ الْأَذَانُ)
[499]
(حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ) هُوَ بَدَلٌ عَنْ أَبِي
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ أُرِيَ الْأَذَانَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ (لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ) لَعَلَّ مَعْنَاهُ أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ
وَالنَّاقُوسُ هُوَ خَشَبَةٌ طَوِيلَةٌ تُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ أَصْغَرَ مِنْهَا يَجْعَلُهُ النَّصَارَى عَلَامَةً لِأَوْقَاتِ صَلَاتِهِمْ (يُعْمَلُ) حَالٌ وَهُوَ مَجْهُولٌ (لِيُضْرَبَ بِهِ) أَيْ بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَهُوَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولٍ (لِلنَّاسِ) أَيْ لِحُضُورِهِمْ (لِجَمْعِ الصَّلَاةِ) أَيْ لِأَدَائِهَا جَمَاعَةً (طَافَ بِي) جَوَابٌ لِمَا أَيْ مربي (وَأَنَا نَائِمٌ) حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ طَيْفُ الْخَيَالِ مَجِيئُهُ فِي النَّوْمِ يُقَالُ مِنْهُ طَافَ الْخَيَالُ يَطِيفُ طَيْفًا وَمَطَافًا
قَالَ الطِّيبِيُّ قوله (رجل) في الحديث فاعل والأظهر أَنَّ تَقْدِيرَهُ جَاءَنِي رَجُلٌ فِي عَالَمِ الْخَيَالِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ طَافَ بِي رَجُلٌ يُرِيدُ الطَّيْفَ وَهُوَ الْخَيَالُ الَّذِي يُلِمُّ بِالنَّائِمِ يُقَالُ مِنْهُ طَافَ يَطِيفُ وَمِنَ الطَّوَافِ طَافَ يَطُوفُ وَمِنَ الْإِحَاطَةِ بِالشَّيْءِ أَطَافَ يُطِيفُ (يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ) الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِرَجُلٍ (قَالَ) الرَّجُلُ (وَمَا تَصْنَعُ بِهِ) أَيْ بِالنَّاقُوسِ وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ (فَقُلْتُ نَدْعُو) أَيِ النَّاسَ (بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ ضَرْبِهِ وَحُصُولِ الصَّوْتِ بِهِ (إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَوْ بَدَلٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ (قَالَ) الرَّجُلُ (خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيِ النَّاقُوسُ (قَالَ) الرَّاوِيُ وَهُوَ الرَّائِي (فَقَالَ) الرَّجُلُ أَيِ الْمَرْئِيُّ (تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ) إِلَى آخِرِ الْأَذَانِ
ذَكَرَ ثَعْلَبٌ أَنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى أَكْبَرَ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مَعْنَاهُ كَبِيرٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَهُوَ أَهْوَنُ عليه مَعْنَاهُ وَهُوَ هَيِّنٌ عَلَيْهِ
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَهِشَامُ مَعْنَاهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَحُذِفَتْ من وقال بن الْأَنْبَارِيِّ وَأَجَازَ أَبُو الْعَبَّاسِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ وَقْفًا لَا إِعْرَابَ فِيهِ قوله أشهد أن لا إله ألاالله مَعْنَاهُ أَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ وَمِنْ ذَلِكَ شَهِدَ الشَّاهِدُ عند الحاكم معناه قدبين لَهُ وَأَعْلَمَهُ الْخَبَرَ الَّذِي عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو عبيدة معناه أقضى كما في شهدالله مَعْنَاهُ قَضَى اللَّهُ
وَقَالَ الزَّجَّاجُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الشَّهَادَةِ هُوَ تَيَقُّنُ الشَّيْءِ وَتَحَقُّقُهُ مِنْ شَهَادَةِ الشَّيْءِ أَيْ حُضُورِهِ
وَقَوْلُهُ حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ الْفَرَّاءُ مَعْنَاهُ هَلُمَّ وَفُتِحَتِ الْيَاءُ مِنْ حَيِّ لِسُكُونِ الْيَاءِ الَّتِي قَبْلَهَا
وَمَعْنَى الْفَلَاحِ الْفَوْزُ يُقَالُ أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِذَا فَازَ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ
الْبُخَارِيِّ (قَالَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ (ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي) أَيِ الرَّجُلُ الْمَرْئِيُّ (غَيْرَ بعيد)
أي بعد ما عَلَّمَهُ الْأَذَانَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ تَكُونَ الْإِقَامَةُ فِي غَيْرِ مَوْقِفِ الْأَذَانِ (ثُمَّ قَالَ) الرَّجُلُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ أَيْ مِنَ الرُّؤْيَا (فَقَالَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إِنَّهَا) أَيْ رُؤْيَاكَ (لَرُؤْيَا حَقٌّ) أَيْ ثَابِتَةٌ صَحِيحَةٌ صَادِقَةٌ مُطَابِقَةٌ لِلْوَحْيِ أَوْ مُوَافِقَةٌ لِلِاجْتِهَادِ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ أَوْ لِلتَّعْلِيقِ (فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ أَمْلِ (عَلَيْهِ) عَلَى بِلَالٍ (فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ) أَيْ بِمَا يُلْقِي إِلَيْهِ (فَإِنَّهُ) أَيْ بِلَالًا (أَنْدَى) أَيْ أَرْفَعُ (صَوْتًا مِنْكَ) قَالَ الرَّاغِبُ أَصْلُ النِّدَاءِ مِنَ النَّدَى أَيِ الرُّطُوبَةِ يُقَالُ صَوْتٌ نَدِيٌّ أَيْ رَفِيعٌ وَاسْتِعَارَةُ النِّدَاءِ لِلصَّوْتِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَنْ تَكْثُرُ رُطُوبَةُ فَمِهِ حَسَنٌ كَلَامُهُ وَيُعَبَّرُ بِالنَّدَى عَنِ السَّخَاءِ يُقَالُ فُلَانٌ أَنْدَى كَفًّا مِنْ فُلَانٍ أَيْ أَسْخَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَرْفَعُ صَوْتًا كَانَ أَوْلَى بِالْأَذَانِ لِأَنَّ الْأَذَانَ إِعْلَامٌ وَكُلُّ مَنْ كَانَ الْإِعْلَامُ بِصَوْتِهِ أَوْقَعُ كَانَ بِهِ أَحَقُّ وَأَجْدَرُ (فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ) أَيِ الْأَذَانَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى بِلَالٍ أَيْ أُلَقِّنُهُ لَهُ (وَيُؤَذِّنُ) أَيْ بِلَالٌ (بِهِ) أَيْ بِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ (قَالَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ (فَسَمِعَ ذَلِكَ) أَيْ بِصَوْتِ الْأَذَانِ (وَهُوَ فِي بَيْتِهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَخَرَجَ) أَيْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُسْرِعًا (يَجُرُّ رِدَاءَهُ) أَيْ وَرَاءَهُ (لَقَدْ رَأَيْتُ مثل ما أرى) ولعل هذا القول صدر عنه بعد ما حُكِيَ لَهُ بِالرُّؤْيَا السَّابِقَةِ أَوْ كَانَ مُكَاشَفَةً لَهُ رضي الله عنه وَهَذَا ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ قاله علي القارىء (فَلِلَّهِ) أَيْ لَا لِغَيْرِهِ (الْحَمْدُ) حَيْثُ أَظْهَرَ الْحَقَّ ظُهُورًا وَازْدَادَ فِي الْبَيَانِ نُورًا (هَكَذَا) أَيْ كَمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ (رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ إِلَخْ) بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ وَبِتَثْنِيَةِ التَّكْبِيرِ فِي الْإِقَامَةِ وَبِإِفْرَادِ كُلِّ أَلْفَاظِهَا غَيْرَ جُمْلَةِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ
فَإِنَّهَا مَرَّتَانِ فَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ رَوَى عَنْ محمد بن إبراهيم بن الحارث والزهري كِلَاهُمَا هَكَذَا
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَحَدِيثُ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ مُتَّصِلٌ وَهُوَ خِلَافُ مَا رَوَاهُ الْكُوفِيُّونَ انْتَهَى
وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَضْرِبَ بِالنَّاقُوسِ وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ لِمُوَافَقَتِهِ النَّصَارَى طَافَ بِي مِنَ اللَّيْلِ طَائِفٌ وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ يَحْمِلُهُ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ قَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ
قَالَ قُلْتُ نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ فَقُلْتُ بَلَى قَالَ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أن محمدا رسول الله
أشهد أن محمدا رَسُولُ اللَّهِ
حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ
حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ
حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ
حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
قَالَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ قَالَ ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ اللَّهُ أَكْبَرُ الله أكبر
أشهد أن لا أله ألاالله
أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ
حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ
قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ
قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إله لا إلاالله قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن هَذِهِ الرُّؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّأْذِينِ فَكَانَ بِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ وَيَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلَاةِ
قَالَ فَجَاءَهُ فَدَعَاهُ ذَاتَ غَدَاةٍ إِلَى الْفَجْرِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَائِمٌ فصرخ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَأَدْخَلْتُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي التَّأْذِينِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَقَالَ هَذِهِ أَمْثَلُ الرِّوَايَاتِ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَدْ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَرَوَاهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَشُعَيْبُ وبن إسحاق عن الزهري ومتابعة هؤلاة لِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ تَرْفَعُ احْتِمَالَ التدليس الذي تحتمله عنعنة بن إِسْحَاقَ
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الحارث أخرجه بن خزيمة وبن حبان في صحيحهما والبيهقي وبن مَاجَهْ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ يَعْنِي هَذَا لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيد
وقال بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ لِأَنَّ مُحَمَّدًا سَمِعَ مِنْ أبيه وبن إِسْحَاقَ سَمِعَ مِنِ التَّيْمِيِّ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا دَلَّسَهُ
وَقَدْ صَحَّحَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْبُخَارِيُّ فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْهُ
قَالَهُ فِي غاية المقصود
(وقال فيه بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ) أَيْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ عَنِ
الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ فِي أَلْفَاظِ الْأَذَانِ أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ (وَقَالَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) مَرَّتَانِ لَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَبِهَذَا صَرَّحَ بِقَوْلِهِ (لَمْ يُثَنِّيَا) مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ
قال الجوهري ثنية تَثْنِيَةً أَيْ جَعَلْتُهُ اثْنَيْنِ
وَفِي اللِّسَانِ وَثَنَّيْتُ الشيء جعلته اثنين
وقال بن رَسْلَانٍ أَيْ لَمْ يُثَنِّيَا مَعْمَرُ وَيُونُسُ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِأَنْ جَعَلَهُ أَرْبَعًا
وَسُمِّيَ التَّرْبِيعُ تَثْنِيَةٌ لِأَنَّ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِهَذَا شَرَعَ جَمْعُ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ فِي الْأَذَانِ بِنَفْسِ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
انْتَهَى
قُلْتُ وَهَذَا اخْتِلَافٌ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي التَّكْبِيرِ فِي الْأَذَانِ فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ وَرَوَى مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا أَرْبَعُ مَرَّاتٍ وَاتَّفَقُوا فِي أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ
وَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ وَيُونُسَ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى
وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ حديث الزهري عن سعيد الْمُسَيَّبِ مَشْهُورٌ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا اخْتِيَارُ الْكُوفِيِّينَ فِي هَذَا الْبَابِ فَمَدَارُهَا عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ آبَائِهِمْ فَغَيْرُ مُسْتَقِيمَةِ الْأَسَانِيدِ
انْتَهَى
قَالَهُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ وَالْقِصَّةُ بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ وَهَذَا الْإِسْنَادُ أَصَحُّهَا وَفِيهِ أَنَّهُ ثَنَّى الْأَذَانَ وَأَفْرَدَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي الْحَرَمَيْنِ وَالْحِجَازِ وَبِلَادِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَدِيَارِ مِصْرَ وَنَوَاحِي الْمَغْرِبِ إِلَى أَقْصَى حِجْرٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ حَكَاهُ سَعْدٌ الْقُرَظِيُّ
وَقَدْ كَانَ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ بِقُبَاءَ ثُمَّ اسْتَخْلَفَهُ بِلَالٌ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَانَ يُفْرِدُ الْإِقَامَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَلَدُ أَبِي مَحْذُورَةَ وَهُمُ الَّذِينَ يَلُونَ الْأَذَانَ بِمَكَّةَ يُفْرِدُونَ الْإِقَامَةَ وَيَحْكُونَهُ عَنْ جَدِّهِمْ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ رَوَى فِي قِصَّةِ أَذَانِ أَبِي مَحْذُورَةَ الَّذِي عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنْصَرِفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ أَنَّ الأذان تسع عشر كلمة والإقامة سبع عشر كَلِمَةً
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ غَيْرُ أَنَّ التَّثْنِيَةَ عَنْهُ أَشْهَرُ إِلَّا أَنَّ فِيهِ إِثْبَاتَ التَّرْجِيعِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مِنْ أَبِي مَحْذُورَةَ وَمِنْ وَلَدِهِ بَعْدَهُ إِنَّمَا اسْتَمَرَّ عَلَى إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ إِمَّا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِالتَّثْنِيَةِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِلَالًا بِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ فَاتَّبَعَهُ وَكَانَ أَمْرُ الْأَذَانِ يُنْقَلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَتَدْخُلُهُ الزيادة والنقصان
وَلَيْسَ أُمُورُ كُلِّ الشَّرْعِ يَنْقُلُهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَلَا كَانَ وَقَعَ بَيَانُهَا كُلُّهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً
وَقِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَكَانَ يَأْخُذُ فِي هَذَا بِأَذَانِ بِلَالٍ أَلَيْسَ أَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ أَذَانِ بِلَالٍ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَلَيْسَ لَمَّا عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِهِ
وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يَرَوْنَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ مِنْهُ مَثْنَى عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي رُوِيَ فِيهِ بِتَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ
انْتَهَى
قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
[500]
(عَنْ أَبِيهِ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ لِمُحَمَّدٍ وَأَبُوهُ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكُ (عَنْ جَدِّهِ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ لِمُحَمَّدٍ وَجَدُّهُ هُوَ أَبُو مَحْذُورَةَ الصَّحَابِيُّ (قَالَ) أَيِ أَبُو مَحْذُورَةَ (عَلَّمَنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ) أَيْ طَرِيقَتَهُ فِي الشرع
قال الزيلعي وهو لفظ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاخْتَصَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْعَدَهُ وَأَلْقَى عَلَيْهِ الْأَذَانُ حَرْفًا حَرْفًا
قَالَ بِشْرٌ فَقُلْتُ لَهُ أَعِدْ عَلَيَّ فوصف الأذان بالترجيع
انتهى
وطوله النسائي وبن مَاجَهْ وَأَوَّلُهُ خَرَجْتُ فِي نَفَرٍ فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ قَالَ لِي ارْجِعْ فَامْدُدْ مِنْ صَوْتِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَدِيثُ
قَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ مَا رَوَاهُ أَبُو مَحْذُورَةَ تَعْلِيمًا فَظَنَّهُ تَرْجِيعًا
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ يَحْتَمِلُ أَنَّ التَّرْجِيعَ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ لَمْ يَمُدَّ بِذَلِكَ صَوْتَهُ كَمَا أَرَادَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ عليه السلام ارْجِعْ فَامْدُدْ مِنْ صَوْتِكَ انْتَهَى
وقال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ إِنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ كَافِرًا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَلَمَّا أَسْلَمَ وَلَقَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعَادَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ وَكَرَّرَهَا لِيَثْبُتَ عِنْدَهُ وَيَحْفَظَهَا وَيُكَرِّرَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْفِرُونَ مِنْهَا خِلَافَ نُفُورِهِمْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَمَّا كَرَّرَهَا عَلَيْهِ ظَنَّهَا مِنَ الْأَذَانِ فَعَدَّهُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً
انْتَهَى
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ فِي المعنى ويردها لفظ أبي داود قلت يارسول اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ وَفِيهِ ثُمَّ تَقُولُ أشهد أن لا إله إلاالله أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتُكَ بِهَا فَجَعَلَهُ مِنْ سنة الأذان وهو كذلك في صحيح بن حِبَّانَ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ
انْتَهَى
كَلَامُ الزَّيْلَعِيُّ
قُلْتُ وَتُؤَيِّدُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَلَى مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَفْظُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْأَذَانَ تِسْعَ عشر كلمة والإقامة سبع عشر كَلِمَةً
(قَالَ) أَبُو مَحْذُورَةَ (فَمَسَحَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مُقَدَّمَ رَأْسِي) لِيَحْصُلَ له بَرَكَةُ يَدِهِ الْمَوْصُولَةِ إِلَى الدِّمَاغِ وَغَيْرِهِ فَيَحْفَظُ مَا يُلْقِي إِلَيْهِ وَيُمْلِي عَلَيْهِ (قَالَ تَقُولُ) بِتَقْدِيرِ أَنْ أَيِ الْأَذَانَ قَوْلُكَ وَقِيلَ أُطْلِقَ الْفِعْلُ وَأُرِيدَ بِهِ الْحَدَثُ عَلَى مَجَازِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ أَوْ خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَيْ قَالَ (تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَوِ اسْتِئْنَافِيَّةٌ مُبَيِّنَةٌ (حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) مَعْنَاهُ هَلُمَّ وَمَعْنَى الْفَلَاحِ الْفَوْزُ قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ فِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ حَيُّ هَلًا بِالتَّنْوِينِ وَفَتْحِ اللَّامِ بِغَيْرِ تَنْوِينَ وَتَسْكِينِ الْهَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ بِغَيْرِ تَنْوِينِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَحَيَّ هَلَنْ وَحَيَّ هَلِينَ
انْتَهَى
(فَإِنْ كَانَ) أَيِ الْوَقْتُ أَوْ مَا يُؤَذَّنُ لَهَا (صَلَاةَ الصُّبْحِ) بِالنَّصْبِ أَيْ وَقْتُهُ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ فَكَانَ تَامَّةٌ (قُلْتُ) أَيْ فِي أَذَانِهَا (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) أَيْ لَذَّتُهَا خَيْرٌ مِنْ لَذَّتِهِ عِنْدَ أَرْبَابِ الذَّوْقِ وَأَصْحَابِ الشَّوْقِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْعَسَلِ أَحْلَى مِنَ الْخَلِّ
قاله علي القارىء
وَفِي الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ التَّرْجِيعِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ بِنَفْسِهِ أَبَا مَحْذُورَةَ الْأَذَانَ مَعَ التَّرْجِيعِ وَفِيهِ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ وَالتَّرْجِيعُ هُوَ الْعُودُ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بَعْدَ قَوْلِهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ بِخَفْضِ الصَّوْتِ
قَالَ فِي النَّيْلِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ التَّرْجِيعَ فِي الْأَذَانِ ثَابِتٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى زِيَادَةٍ غَيْرِ مُنَافِيَةٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا وَهُوَ أَيْضًا مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ حُنَيْنٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَيُرَجِّحُهُ أَيْضًا عَمَلُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ فِعْلِ التَّرْجِيعِ
وَتَرْكِهِ وَفِيهِ التَّثْوِيبُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ
انْتَهَى
وَإِنَّمَا اخْتُصَّ التَّرْجِيعُ بِالتَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ
[501]
(وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَبِي عاصم (قال) بن جُرَيْجٍ (أَخْبَرَنِي أَبِي وَأُمِّ عَبْدِ الْمَلِكِ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَبِي (نَحْوَ هَذَا الْخَبَرِ) أَيْ مِثْلَ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ الَّذِي سَبَقَ (وَفِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِ أَبِي عَاصِمٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِتَمَامِهِ فِي سُنَنِهِ (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فِي الْأُولَى) أَيْ فِي الْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ الْأُولَى (مِنَ الصُّبْحِ بَيَانٌ لِلْأُولَى وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ فَإِذَا أَذَّنْتَ بِالْأُولَى مِنَ الصُّبْحِ)(قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدِيثُ مُسَدَّدٍ أَبْيَنُ) أَيْ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ فِي بَيَانِ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَإِنْ كَانَ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ زِيَادَةُ أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ مَا لَيْسَتْ فِي حَدِيثِ مُسَدَّدٍ لَكِنْ رِوَايَةُ مُسَدَّدٍ أَتَمُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فِي أَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (قَالَ فِيهِ) أي قال بن جريج في حديثه (وَعَلَّمَنِي الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) كَلِمَتَانِ فِي أَوَّلِ الْإِقَامَةِ (فَقُلْهَا) أَيْ كَلِمَةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ (أَسَمِعْتَ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ يَعْنِي قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي مَحْذُورَةَ أَسَمِعْتَ مَا قُلْتُ لَكَ فِي أَمْرِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (قَالَ) أَيِ السَّائِبُ (فَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لَا يَجُزُّ) أَيْ لَا يَقْطَعُ مِنْ بَابِ قَتَلَ
يُقَالُ جَزَزْتُ الصُّوفَ جَزًّا أَيْ قَطَعْتُهُ (نَاصِيَتَهُ) أَيْ شَعْرَ نَاصِيَتِهِ
[502]
(حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ثِقَةٌ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ
وَسُئِلَ عَنْ أَبَانَ وَهَمَّامٍ فَقَالَ هَمَّامٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ فَهُمَا مُتَقَارِبَانِ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَلْوَانِيُّ سَمِعْتُ عَفَّانَ يَقُولُ كَانَ هَمَّامٌ لَا يَكَادُ يَرْجِعُ إِلَى كِتَابِهِ وَلَا يَنْظُرُ فِيهِ وَكَانَ يُخَالِفُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى كِتَابِهِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدُ فَنَظَرَ فِي كتبه فقال ياعفان كنا نخطىء كَثِيرًا فَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ قَالَهُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ (أن بن مُحَيْرِيزٍ حَدَّثَهُ) أَيْ مَكْحُولًا (أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ حدثه) أي بن مُحَيْرِيزٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ) أَيِ أَبَا مَحْذُورَةَ (الْأَذَانَ تِسْعَ) بِتَقْدِيمِ التَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ قَبْلَ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ (عَشْرَةَ) بِسُكُونِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ (كَلِمَةً) مَعَ التَّرْجِيعِ (وَالْإِقَامَةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْأَذَانِ أَيْ وَعَلَّمَهُ الْإِقَامَةَ (سَبْعَ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ قَبْلَ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (عَشْرَةَ) بِالْوَجْهَيْنِ (كَلِمَةً) لِأَنَّهُ لَا تَرْجِيعُ فِيهَا فَانْحَذَفَ عَنْهَا كَلِمَتَانِ وَزِيدَتِ الْإِقَامَةُ شَفْعًا (الْأَذَانُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ فِي أَوَّلِهِ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلاالله أشهد أن لا إله إلاالله
أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) بِتَثْنِيَةِ الشَّهَادَتَيْنِ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ) بِتَرْجِيعِ الشَّهَادَتَيْنِ مَثْنَى مَثْنَى هَكَذَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ بِإِثْبَاتِ أَلْفَاظِ التَّرْجِيعِ وَكَذَا فِي نُسَخِ الْمُنْذِرِيِّ
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ وَفِيهِ الْأَذَانُ تسع عشرة كلمة والإقامة بسبع عَشْرَةَ كَلِمَةً فَذَكَرَ الْأَذَانَ مُفَسَّرًا بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ أَوَّلَهُ وَفِيهِ التَّرْجِيعُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا لم يذكرا فِيهِ لَفْظَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إِلَّا أَنَّ النَّسَائِيَّ قَالَ ثُمَّ عَدَّهَا أَبُو مَحْذُورَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَسَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً
انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ إِنَّ فِي حَدِيثِ هَمَّامٍ ذِكْرُ الْكَلِمَاتِ تِسْعَ عَشْرَ وَسَبْعَ عَشْرَ وَهَذَا يَنْفِي الْغَلَطَ فِي الْعَدَدِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِيهَا اخْتِلَافٌ وَإِسْقَاطٌ وَقَدْ وُجِدَ مُتَابِعٌ لِهَمَّامٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَامِرٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ
عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْأَذَانَ تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة
انْتَهَى كَلَامُهُ
وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ بِإِسْنَادِهِ بِإِثْبَاتِ أَلْفَاظِ التَّرْجِيعِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ مِثْلَهُ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَبِي محذورة أخرجه الشافعي وأبو داود والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ فَذَكَرَ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ
وَقَالَ بن الْقَطَّانِ الصَّحِيحُ فِي هَذَا تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ وَبِهِ يَصِحُّ كَوْنُ الْأَذَانِ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَقَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ وَهِيَ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُمَدَّ فِي الصَّحِيحِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ بِسَنَدِهِ وَفِيهِ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ وَقَالَ بَعْدَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بن الْمَدِينِيِّ عَنْ مُعَاذٍ انْتَهَى وَمَا وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ بِإِسْقَاطِ أَلْفَاظِ التَّرْجِيعِ هُوَ غَلَطٌ قَطْعًا لَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَهُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
(حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) بِتَثْنِيَةِ الْحَيْعَلَتَيْنِ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أكبر) بتثنية التكبير (لا إله ألاالله) مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَصَارَتْ كَلِمَةُ الْأَذَانِ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ أَوَّلَهُ وَتَثْنِيَةِ الشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ يُرَجِّعُ بِهَا مَثْنَى مَثْنَى وَتَثْنِيَةِ الْحَيْعَلَتَيْنِ وَتَثْنِيَةِ التَّكْبِيرِ وَيَخْتِمُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَرَّةً (وَالْإِقَامَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِهَا (أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله أشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله) بثنية الشَّهَادَتَيْنِ (حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) بِتَثْنِيَةِ الْحَيْعَلَتَيْنِ (قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ) مَرَّتَيْنِ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) بِتَثْنِيَةِ التَّكْبِيرِ (لا إله إلاالله) مَرَّةً وَاحِدَةً فَهَذِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً (كَذَا فِي كِتَابِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ هَكَذَا فِي كِتَابِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ بِذِكْرِ أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَهَذَا تَثْبِيتٌ لِرِوَايَةِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ حَدَّثَ هَكَذَا مِنْ كِتَابِهِ دُونَ حِفْظِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَمَّامًا كَانَ صَاحِبُ كِتَابٍ فَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كتابه
أَتْقَنَ فَلَا يُقَالُ إِنَّ هَمَّامًا وَهِمَ فِي ذكر الإقامة كما قال البيهقي في الْمَعْرِفَةِ إِنَّ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ تَرَكَ رِوَايَةَ هَمَّامٍ عَنْ عَامِرٍ وَاعْتَمَدَ عَلَى رِوَايَةِ هِشَامِ عن عامر التي لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْإِقَامَةِ
انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ
قُلْتُ رَوَى هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ التَّرْجِيعُ وَالْإِقَامَةُ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَرَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ عَامِرٍ فِيهِ التَّرْجِيعُ دُونَ الْإِقَامَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ لَكِنْ عَدَمَ تَخْرِيجِ مُسْلِمٍ لَهُ لَا يَقْتَضِي لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إِخْرَاجَ كُلِّ الصَّحِيحِ وَعَلَى أَنَّهُ قَدْ تَابَعَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ هَمَّامًا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَامِرٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا وَهْمَ لِرِوَايَةِ هَمَّامٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَهُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
[503]
(أخبرني بن عَبْدِ الْمَلِكِ) وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أن عبد الله بن محيريزأخبره وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ
الْحَدِيثُ (عن بن مُحَيْرِيزٍ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَهَكَذَا فِي تُحْفَةِ الْأَشْرَافِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ وفي بعض النسخ عن بن أَبِي مُحَيْرِيزٍ وَهُوَ غَلَطٌ (عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ) اسْمُهُ سَمُرَةُ أَوْ سَلَمَةُ بْنُ مُغِيرَةَ
قَالَهُ علي القارىء فِي الْمِرْقَاةِ (قَالَ أَلْقَى) أَيْ أَمْلَى (عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّأْذِينَ هو نفسه) التَّأْذِينُ بِمَعْنَى الْأَذَانِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَقَّنَنِي كُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي أَبُو مَحْذُورَةَ تَصْوِيرَ تِلْكَ الْحَالَةِ وَلِهَذَا عَدَلَ عَنِ الْمَاضِي إِلَى الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ تَعُودُ فَتَقُولُ
انْتَهَى
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الْأَمْرِ إِلَى المضارع قاله علي القارىء (فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ) أَمْرٌ مِنْ مَدَّ يَمُدُّ
فِي الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ التَّرْجِيعِ
[504]
(قَالَ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ (سَمِعْتُ جَدِّي عَبْدَ الْمَلِكِ) هُوَ بِالنَّصْبِ بَدَلٌ عَنْ جَدِّي (يَذْكُرُ) أَيْ عَبْدُ الْمَلِكِ (يَقُولُ) أَبُو مَحْذُورَةَ (أَشْهَدُ) أَيْ أَعْلَمُ وَأَبْيَنُ (أَنْ لَا إِلَهَ ألا الله) أي لامعبود بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ إِلَّا اللَّهُ (حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَى الْحَيْعَلَتَيْنِ هَلُمَّ بِوَجْهِكَ وَسَرِيرَتِكَ إِلَى الْهُدَى عَاجِلًا وَالْفَوْزُ بِالنَّعِيمِ آجِلًا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُقْتَصِرًا مِنْهُ عَلَى الْأَذَانِ خَاصَّةً وَفِيهِ التكبير مرتين والترجيع وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا انْتَهَى
وَفِي الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ التَّرْجِيعِ وَالْقَوْلُ فِي الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ
[505]
(اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) بِثَنِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ وَرِوَايَةُ تَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ أَكْبَرُ (ثُمَّ ذَكَرَ) أَيْ نَافِعُ بن عمر (مثل أذان حديث بن جُرَيْجٍ) أَيْ فِي حَدِيثِ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ تَثْنِيَةُ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ بِخِلَافِ رِوَايَةِ بن جُرَيْجٍ فَإِنَّ فِيهَا تَرْبِيعَ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ وَأَمَّا بَاقِي أَلْفَاظِ الْأَذَانِ فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ مِثْلُ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ لِرِوَايَةِ بن جَرِيرٍ الَّتِي مَضَتْ وَمَعْنَى رِوَايَةِ مَعَ إِثْبَاتِ التَّرْجِيعِ (وَفِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ إِلَخْ) يَعْنِي فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ أَيْضًا تثنية التكبير
فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ كَمَا فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَطُّ بِمَعْنَى حَسْبُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ بِتَثْنِيَةِ التَّكْبِيرِ وَبَاقِي الْأَلْفَاظِ مِثْلُ رواية بن جريج (عن عمه) أي عم بن أبي محذورة (عن جده) أي جد بن أَبِي مَحْذُورَةَ (إِلَّا أَنَّهُ قَالَ) أَيْ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِهِ (ثُمَّ تَرْجِعُ فَتَرْفَعُ صوتك) وفي حديث بن جُرَيْجٍ ثُمَّ ارْجِعْ فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) هَذَا بَيَانُ التَّشْبِيهِ أَيْ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَعْفَرَ بِتَثْنِيَةِ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ الله أكبر
[506]
(سمعت بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ تَابِعِيٌّ (أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ) أَيْ نُقِلَتْ مِنْ حَالٍ إلى حال قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ مَعْنَاهَا غُيِّرَتْ ثَلَاثَ تَغْيِيرَاتٍ أَوْ حُوِّلَتْ ثَلَاثَ تَحْوِيلَاتٍ
انْتَهَى
يَعْنِي كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ وَالْمُرَادُ مِنَ الْإِحَالَةِ التَّغَيُّرُ يَعْنِي غُيِّرَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ تَغْيِيرَاتٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا وَالْمُرَادُ مِنَ الصَّلَاةِ الصَّلَاةُ مَعَ مُتَعَلِّقَاتِهَا لِيَتَنَاوَلَ الْأَذَانُ (قَالَ) أي بن أَبِي لَيْلَى (وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْحَالِ الْأَوَّلِ مِنَ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ إِنْ أَرَادَ الصَّحَابَةُ فَهُوَ قَدْ سَمِعَ مِنْ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُسْنَدًا وَإِلَّا فَهُوَ مرسل
انتهى
قال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة وبن خُزَيْمَةَ وَالطَّحَاوِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ
حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَتَعَيَّنَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ وَلِهَذَا صححها بن حزم وبن دَقِيقِ الْعِيدِ
انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ الْمُنْذِرِيِّ قُلْتُ أراد به الصحابة صرح بذلك بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يارسول اللَّهِ رَأَيْتَ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا قَامَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ فَقَامَ عَلَى حَائِطٍ فَأَذَّنَ مَثْنَى مَثْنَى وَأَقَامَ مَثْنَى مَثْنَى
انْتَهَى
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ بِهِ
قَالَ فِي الْإِمَامِ وَهَذَا
رِجَالُ الصَّحِيحِ وَهُوَ مُتَّصِلٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ فِي عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ وَأَنَّ جَهَالَةِ أَسْمَائِهِمْ لَا تَضُرُّ (أَوْ قَالَ الْمُؤْمِنِينَ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (وَاحِدَةً) أَيْ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ مَعَ الْجَمَاعَةِ لا منفردا وكان الناس يصلون منفردا من غير جماعة (أن أبعث رِجَالًا) أَيْ أَنْشُرَهُمْ
فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ بَثَّ السُّلْطَانُ الْجُنْدَ فِي الْبِلَادِ أَيْ نَشَرَهُمْ مِنْ بَابِ قَتَلَ
انْتَهَى
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا (فِي الدُّورِ) جَمْعُ دَارٍ أَيْ فِي الْمَحَلَّاتِ (يُنَادُونَ النَّاسَ) وَيُخْبِرُونَهُمْ (بِحِينِ الصَّلَاةِ) قَالَ بن رَسْلَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي أَيْ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَبِالْأَسْحَارِ هم يستغفرون أَيْ فِي وَقْتِ الْأَسْحَارِ يَسْتَغْفِرُونَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل وَالصَّحِيحُ أَنَّ الظَّرْفِيَّةَ الَّتِي بِمَعْنَى فِي تَدْخُلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ كَمَا فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَتَكُونُ مع النكرة كقوله تعالى نجيناهم بسحر قَالَ أَبُو الْفَتْحِ وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ إِلَّا مَعَ الْمَعْرِفَةِ نَحْوَ كُنَّا بِالْبَصْرَةِ وَأَقَمْنَا بِالْمَدِينَةِ
انْتَهَى (عَلَى الْآطَامِ) جَمْعُ الْأُطُمِ بالضم
قال بن رَسْلَانَ بِنَاءٌ مُرْتَفِعٌ وَآطَامُ الْمَدِينَةِ حُصُونٌ لِأَهْلِهَا (حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ حَتَّى نَقَسُوا مِنْ نَصْرٍ أَيْ ضَرَبُوا بِالنَّاقُوسِ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مِنَ التَّنْقِيسِ بِمَعْنَى الضَّرْبِ بِالنَّاقُوسِ (قَالَ) أي بن أَبِي لَيْلَى (فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنِّي لَمَّا رَجَعْتُ) مِنْ عِنْدِكَ يارسول اللَّهِ (لِمَا رَأَيْتُ مِنِ اهْتِمَامِكَ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ عِلَّةً لِقَوْلِهِ الْمُقَدَّمِ أَيْ رَجَعْتُ (رَأَيْتُ رَجُلًا) وَهُوَ جَزَاءٌ لَمَّا رَجَعْتُ (فَقَامَ) أَيِ الرَّجُلُ الْمَرْئِيُّ (عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ) وَفِي رِوَايَةِ الْأَحْمَدَانِيِّ بَيْنَا أَنَا بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقِظَانِ إِذْ رَأَيْتُ شَخْصًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُثَنَّى حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْأَذَانِ ثُمَّ أُمْهِلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ مِثْلَ الَّذِي قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ يَزِيدُ فِي ذَلِكَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِّمْهَا بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ بِهَا فَكَانَ بِلَالٌ أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ بِهَا
قَالَ وَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ يارسول اللَّهِ قَدْ طَافَ بِي مِثْلُ
الَّذِي طَافَ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ سَبَقَنِي (وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ) أَيْ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ بِصِيغَةِ الْغَائِبِ (قَالَ بن الْمُثَنَّى) لَفْظُ (أَنْ تَقُولُوا) بِصِيغَةِ الْخِطَابِ مَكَانُ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ أَيْ لَوْلَا أَخَافُ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ إِنَّهُ كَاذِبٌ (لَقُلْتُ إِنِّي كُنْتُ يَقْظَانًا غَيْرَ نَائِمٍ) يَعْنِي أَنِّي فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ صَادِقٌ لَا رَيْبَ فِيهَا كَأَنِّي رَأَيْتُ الرَّجُلَ الْمَرْئِيَّ الَّذِي أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي حَالِ الْيَقَظَةِ لَا فِي حَالِ النَّوْمِ
وَقَوْلُهُ لَقُلْتُ جَوَابُ لَوْلَا وَغَيْرَ نَائِمٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ تأكيد لقوله يقظان وفي رواية لأحمداني رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ وَلَوْ قُلْتُ إِنِّي لم أكن نائما لصدقت (وقال بن الْمُثَنَّى لَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَلَمْ يَقُلْ عَمْرٌو لَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ خَيْرًا) هَذِهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ أَيْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَمُرْ بِلَالًا لَكِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ أَيْ لَقَدْ أَرَاكَ الله خيرا في رواية بن المثنى وليست في رواية عمرو (قال) بن أَبِي لَيْلَى (مِثْلَ الَّذِي رَأَى) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ (وَلَكِنْ لَمَّا سَبَقْتُ اسْتَحْيَيْتُ) أَنْ أَقُصَّ عَلَيْكَ رُؤْيَايَ إِلَى هُنَا تَمَّ الْحَالُ الْأَوَّلُ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُحَوَّلَةِ وَالتَّغَيُّرَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ التَّغْيِيرِ الْأَوَّلِ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُحَوَّلَةِ وَالتَّغَيُّرَاتِ الثَّلَاثَةِ هُوَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ وَيُؤَدُّونَهَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُنْفَرِدِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْتَمِعُوا وَيَتَّفِقُوا عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ يَجْتَمِعُ النَّاسَ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَيُؤَدُّونَهَا كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَحْسَنَ فَهَذِهِ الْحَالَةُ تَغَيَّرَتْ وَتَبَدَّلَتْ مِنَ الِانْفِرَادِ وَالْوَحْدَةِ إِلَى الْجَمَاعَةِ وَالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا تَجْوِيزُ النِّدَاءِ وَالْأَذَانِ وَبَثِّ الرِّجَالِ فِي الدُّورِ فَلَيْسَ مِنَ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِوُصُولِ وَتَحْصِيلِ هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا (قَالَ) أَيِ بن أَبِي لَيْلَى (وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا) وَهَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْحَالِ الثَّانِي مِنَ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ (قَالَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا جَاءَ) لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا (يَسْأَلُ) بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ عَنِ الْمُصَلِّينَ كَمْ صَلَّيْتُ مَعَ الْإِمَامِ وَكَمْ بَقِيَتْ (فَيُخْبَرُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَيُخْبِرُهُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدِ قَبْلَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُخْبِرُهُ الْمُصَلُّونَ بِالْإِشَارَةِ كَمَا سَيَأْتِي فَأَشَارُوا إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (بِمَا سُبِقَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ بِالْقَدْرِ الَّذِي سُبِقَ (مِنْ صَلَاتِهِ) أَيِ الرَّجُلِ الْمَسْبُوقِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِمَا الْمَوْصُولَةِ (وَأَنَّهُمْ قَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَقَاعِدٍ وَمُصَلٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ كَانُوا قَائِمِينَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ مَا كَانَ كُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي الْجَمَاعَةِ يَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَلْ بَعْضُهُمْ فِي الْقِيَامِ وَبَعْضُهُمْ فِي الرُّكُوعِ وَبَعْضُهُمْ فِي الْقَعْدَةِ وَبَعْضُهُمْ يَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَمُصَلٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا جاؤوا وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ يَسْأَلُونَ عَنِ الْمِقْدَارِ الَّذِي فَاتَ عَنْهُمْ فَيُخْبَرُونَ بِمَا سُبِقُوا مِنْ صَلَاتِهِمْ فَيَلْحَقُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ يُؤَدُّونَ مَا سُبِقُوا مِنْهَا ثُمَّ يَصْنَعُونَ كَمَا يَصْنَعُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا يُفْهَمُ الْمَعْنَى مِنْ رِوَايَةِ الْكِتَابِ
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ صَلَّوْا مَا فَاتَ عَنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فِي الْجَمَاعَةِ وَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ أَدَاءِ مَا فَاتَ عَنْهُمْ دَخَلُوا فِي الْجَمَاعَةِ وَصَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى رِوَايَةُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ وَلَفْظِهِ وَكَانُوا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ وَقَدْ سَبَقَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِهَا فَكَانَ الرَّجُلُ يُشِيرُ إِلَى الرَّجُلِ إِذَنْ كَمْ صَلَّى فَيَقُولُ وَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَتَيْنِ فَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ فِي صَلَاتِهِمْ
قَالَ فَجَاءَ مُعَاذٌ فَقَالَ لَا أَجِدُهُ عَلَى حَالٍ أَبَدًا إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَضَيْتُ مَا سَبَقَنِي
قَالَ فَجَاءَ وَقَدْ سَبَقَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِهَا قَالَ فَثَبَتَ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فَقَضَى الْحَدِيثُ
قَالَهُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
(قال بن الْمُثَنَّى) بِإِسْنَادِهِ إِلَى شُعْبَةَ (قَالَ عَمْرٌو) بْنُ مُرَّةَ (وَحَدَّثَنِي بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ (حُصَيْنُ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ أَيْ حَدَّثَنِي حُصَيْنٌ كما حدثني به بن أبي ليلى (عن بن أبي ليلى) فروى عمر بن مرة عن بن أَبِي لَيْلَى بِلَا وَاسِطَةٍ وَرُوِيَ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ حصين عن بن أَبِي لَيْلَى
قَالَهُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ (حَتَّى جَاءَ مُعَاذٌ) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ رَوَى عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى مِنْ أَوَّلِ الْحَدِيثِ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْ حَتَّى جَاءَ مُعَاذٌ وَأَمَّا بَاقِي الحديث فروى عمرو بن مرة عن بن أَبِي لَيْلَى نَفْسِهِ
قَالَهُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
(قَالَ شُعْبَةُ) بْنُ الْحَجَّاجِ (وَقَدْ سَمِعْتُهَا) هَذِهِ الرواية أنا أيضا (من حصين) بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَزَادَنِي حُصَيْنٌ عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى جَاءَ مُعَاذٌ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْآتِيَةُ (فَقَالَ) مُعَاذٌ (لَا أُرَاهُ عَلَى حَالٍ إِلَى قَوْلِهِ) وَهُوَ إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا
قَالَ فَقَالَ إِنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً (كَذَلِكَ فَافْعَلُوا) فَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ حُصَيْنٍ تَمَّ الْحَدِيثُ إِلَى قَوْلِهِ كَذَلِكَ فَافْعَلُوا
وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مرة عن
حُصَيْنٍ تَمَّ الْحَدِيثُ إِلَى قَوْلِهِ حَتَّى جَاءَ مُعَاذٌ
قَالَهُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ لِأَنَّهُ أَتَمُّ سِيَاقًا وَأَكْثَرُ بَيَانًا مِنْ حديث بن الْمُثَنَّى (قَالَ) عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ بِإِسْنَادِهِ إِلَى بن أَبِي لَيْلَى (فَجَاءَ مُعَاذٌ فَأَشَارُوا إِلَيْهِ) بِالَّذِي سَبَقَ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَأَفْهَمُوهُ بِالْإِشَارَةِ أَنَّهُ سُبِقَ بِكَذَا وَكَذَا رَكْعَةٍ (قَالَ شُعْبَةُ وَهَذِهِ) الْجُمْلَةُ (سَمِعْتُهَا) أَيِ الْجُمْلَةَ (مِنْ حُصَيْنٍ) كَرَّرَ شُعْبَةُ ذَلِكَ لِلتَّأْكِيدِ وَإِعْلَامًا بِأَنَّ عَمْرَو بْنَ مُرَّةَ وَإِنْ رَوَى عَنْ حُصَيْنٍ إِلَى قَوْلِهِ حَتَّى جَاءَ مُعَاذٌ لَكِنْ أَنَا أَرْوِي عَنْ حُصَيْنٍ إِلَى قَوْلِهِ فَافْعَلُوا كَذَلِكَ
وَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ أَنَّ شُعْبَةَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقَيْنِ
الأولى عن عمرو بن مرة عن بن أَبِي لَيْلَى وَهُوَ مَتْنٌ طَوِيلٌ مِنَ أَوَّلِ الْحَدِيثِ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ
وَالثَّانِيَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عن بن أَبِي لَيْلَى وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ الْحَدِيثِ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً كَذَلِكَ فَافْعَلُوا وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ شَيْخُ شُعْبَةَ فَهُوَ أَيْضًا رَوَى الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقَيْنِ
الأولى عن بن أبي ليلى والثانية عن حصين عن بن أَبِي لَيْلَى فَرِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى نَفْسِهِ أَطْوَلُ وَرِوَايَتُهُ عَنْ حُصَيْنٍ هِيَ إِلَى قَوْلِهِ حَتَّى جَاءَ مُعَاذٌ فَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ
هَذَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْمُؤَلِّفِ الْإِمَامِ
قَالَهُ فِي غاية المقصود
(قال) بن أَبِي لَيْلَى (فَقَالَ مُعَاذٌ لَا أَرَاهُ) أَيِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (عَلَى حَالٍ إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَا أُؤَدِّي مَا سُبِقْتُ بَلْ أَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا سَلَّمَ أَقْضِي مَا سُبِقْتُ وَبَيَانُهُ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ فَأَشَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ عَمَّا فَاتَ مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى عَادَتِهِمُ الْقَدِيمَةِ فَرَدَّ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَوْلَهُمْ وَقَالَ لَا أَفْعَلُ هَكَذَا وَلَا أُؤَدِّي الصلاة الفائتة أو لا بَلْ أَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَةِ مَعَ الْقَوْمِ وَنُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَيْ حَالٍ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ قُعُودٍ ثُمَّ أَقْضِي الصَّلَاةَ الَّتِي فَاتَتْ مِنِّي بَعْدَ إِتْمَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ وَفَرَاغِهِ مِنْهَا
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى فَجَاءَ مُعَاذٌ فَقَالَ لَا أَجِدُهُ عَلَى حَالٍ أَبَدًا إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَضَيْتُ مَا سَبَقَنِي قَالَ فَجَاءَ وَقَدْ سَبَقَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِهَا قَالَ فَثَبَتَ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فَقَضَى انْتَهَى
(قَالَ) مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ (فَقَالَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ إِلَخْ) فَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ فِعْلِ مُعَاذٍ وَرَغَّبَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَأَسْلَكَهُمْ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ
فَهَذَا تَغَيُّرٌ ثَانٍ لِلصَّلَاةِ مِنْ فِعْلِ
النَّاسِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ إِلَى فِعْلِ مُعَاذٍ
وإلى ها هنا تَمَّتِ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ لِلصَّلَاةِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا
انْتَهَى
وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ لَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هِيَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهَا قَالَ الْحَالَ الثَّالِثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَصَلَّى يَعْنِي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا
الْحَدِيثُ وَيَجِيءُ شَرْحُ الْحَدِيثِ هُنَاكَ (قال) بن أَبِي لَيْلَى (أَمَرَهُمْ) أَيِ الْمُسْلِمِينَ (بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ (ثُمَّ أَنْزَلَ رَمَضَانَ) أَيْ صَوْمُ رَمَضَانَ (وَكَانُوا قَوْمًا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصِّيَامَ) أَيْ أَنَّ النَّاسَ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُمْ بِالصِّيَامِ (وَكَانَ الصِّيَامُ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (شَدِيدًا) لَا يَتَحَمَّلُونَهُ (فَكَانَ مَنْ لَمْ يَصُمْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا) وَهَذَا هُوَ الْحَالُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِلصِّيَامِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فَكَانَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ فَهَذَا حَوْلَ الْحَدِيثِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ أَيْ فَمَنْ كَانَ حَاضِرًا مُقِيمًا غَيْرَ مُسَافِرٍ فَأَدْرَكَهُ الشَّهْرُ فَلْيَصُمْهُ
وَالشُّهُودُ الْحُضُورُ وَقِيلَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَادَةِ بِمُشَاهَدَةِ الشَّهْرِ وَهِيَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَإِذَا اسْتَهَلَّ الشَّهْرُ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ أَنْشَأَ السَّفَرَ فِي أَثْنَائِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يفطر حال السفر لحديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي
قَالَهُ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ
قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ
قَالَ الْخَازِنُ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ فِي بَعْضِ السَّفَرِ وَأَنْ يُفْطِرَ فِي بَعْضِهِ إِنْ أَحَبَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ وَأَفْطَرَ النَّاسُ مَعَهُ وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
انْتَهَى كَلَامُ الْخَازِنِ
وقال بن عُمَرَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ أَنْشَأَ السَّفَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ كَمَا قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ بِقَوْلِهِ أَخْرَجَ وكيع وعبد بن حميد وبن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ فَقَدْ لَزِمَهُ الصَّوْمُ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشهر فليصمه وأخرج سعيد بن منصور عن بن عُمَرَ فِي قَوْلِهِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فليصمه قَالَ مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ فِي أَهْلِهِ ثُمَّ أَرَادَ السَّفَرَ فَلْيَصُمْ
انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ رَحِمَهُ الله تعالى
(فَكَانَتِ الرُّخْصَةُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فَأُمِرُوا بِالصِّيَامِ) أَيْ غَيْرُ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَهَذَا هُوَ الْحَالُ الثَّانِي لِلصِّيَامِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ
وَأَمَّا أَحْوَالُ الصِّيَامِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ وَصِيَامَ عَاشُورَاءَ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فرض عليه الصيام وأنزل الله تعالى ياأيها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ على الذين من قبلكم إِلَى قَوْلِهِ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مسكين فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِينًا فَأَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ الْآيَةَ الْأُخْرَى شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أنزل فيه القران إِلَى قَوْلِهِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فَأَثْبَتَ اللَّهُ صِيَامَهُ عَلَى الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَثَبَتَ الْإِطْعَامُ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فَهَذَانِ حَالَانِ لِلْحَدِيثِ
(قَالَ) بن أَبِي لَيْلَى (وَكَانَ الرَّجُلُ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِي (قَالَ) مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ (فَجَاءَ عُمَرُ فَأَرَادَ امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ) امْرَأَةُ عُمَرَ (إِنِّي قَدْ نِمْتُ) قَبْلَ أَنْ نَأْكُلَ (فَظَنَّ) أَيْ عُمَرَ (أَنَّهَا) أَيْ أَمْرَأَتَهُ (تَعْتَلُّ) مِنَ الِاعْتِلَالِ أَيْ تُلَهِّي وَتُزَوِّرُ مِنْ تَزْوِيرِ النِّسَاءِ وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بهانه ميكتد
قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ يُقَالُ تَعَلَّلْتُ بِالْمَرْأَةِ تَعَلُّلًا لَهَوْتُ بِهَا (فَأَتَاهَا) أَيْ فَجَامَعَ أَمْرَأَتَهُ (فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ) إِلَى أَهْلِهِ وَكَانَ صَائِمًا (فَأَرَادَ الطَّعَامَ فَقَالُوا) أَيْ أَهْلُ بَيْتِهِ لِهَذَا الرَّجُلِ اصْبِرْ (حَتَّى نُسَخِّنَ لَكَ شَيْئًا) مِنَ التَّسْخِينِ أَيْ نُحْمِي لَكَ (فَنَامَ) الرَّجُلُ الْأَنْصَارِيُّ (فَلَمَّا أَصْبَحُوا نَزَلَتْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (هَذِهِ الْآيَةَ) الْآتِيَةَ (فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نسائكم وَهَذَا هُوَ الْحَالُ الثَّالِثُ لِلصِّيَامِ
قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي تَفْسِيرِ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعبد بن حميد وبن المنذر والبيهقي في سننه عن بن عَبَّاسٍ قَالَ الدُّخُولُ وَالتَّغَشِّي وَالْإِفْضَاءُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالرَّفَثُ وَاللَّمْسُ وَالْمَسُّ وَالْمَسِيسُ الْجِمَاعُ وَالرَّفَثُ فِي الصِّيَامِ الْجِمَاعُ وَالرَّفَثُ فِي الْحَجِّ الْإِغْرَاءُ بِهِ انْتَهَى
[507]
(حدثنا بن الْمُثَنَّى عَنْ أَبِي دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهَكَذَا فِي تُحْفَةِ الْأَشْرَافِ وَأَمَّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ أَبِي رَوَّادٍ فَهُوَ غَلَطٌ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ الْمَسْعُودِيُّ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَضَابِطُهُ أَنَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِبَغْدَادَ فَبَعْدَ الِاخْتِلَاطِ مِنَ السَّابِعَةِ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَسَاقَ نَصْرُ بْنُ المهاجر واقتص بن الْمُثَنَّى مِنْهُ أَيْ مِنَ الْحَدِيثِ قَطُّ بِمَعْنَى حسب قال بن الْمُثَنَّى الْحَالُ الثَّالِثُ إِلَخْ يَعْنِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُصَلُّونَ فِي أَوَّلِ قُدُومِهِمُ الْمَدِينَةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا لِمُوَافَقَةِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَيَقْصِدُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ وَأُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ فَأَمَّا أَحْوَالُ الصَّلَاةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ يُصَلِّي سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ عَلَيْهِ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السماء فلنولينك قبلة ترضاها الآية فوجهه الله إلى مكة هذا حول انْتَهَى قُلْتُ وَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ تَوَجَّهَ النبي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا هُوَ الصَّحِيحُ وَمُوَافِقٌ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَمَا فِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا فَهُوَ يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَضَعَّفَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ رِوَايَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَأَشْبَعَ الْكَلَامَ فِيهِ وَأَطَابَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمَّا غَلَبَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وتمنى النبي صلى الله عليه وسلم وَدَعَا رَبَّهُ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَبِلَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآية ألاتية قد نرى تقلب وجهك يَعْنِي تُرَدِّدُ وَجْهَكَ وَتَصْرِفُ نَظَرَكَ فِي السَّمَاءِ أَيْ إِلَى جِهَةِ السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ أَيْ فَلَنُحَوِّلَنَّكَ وَلَنَصْرِفَنَّكَ قِبْلَةً أَيْ وَلَنَصْرِفَنَّكَ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى قِبْلَةٍ تَرْضَاهَا أَيْ تُحِبُّهَا وَتَمِيلُ إِلَيْهَا فول وجهك شطر المسجد الحرام أَيْ نَحْوَهُ وَتِلْقَاءَهُ وَأَرَادَ بِهِ الْكَعْبَةَ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ أَيْ مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ مَشْرِقٍ أَوْ مَغْرِبٍ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أَيْ نَحْوَ الْبَيْتِ وَتِلْقَاءَهُ فَحُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ وَهَذِهِ
حَالَةٌ ثَالِثَةٌ لِتَغَيُّرِ الصَّلَاةِ وَتَمَّ حَدِيثُهُ أَيِ بن الْمُثَنَّى وَسَمَّى نَصْرٌ بْنُ الْمُهَاجِرِ وَقَالَ) أَيْ نصر بن المهاجر عن يزيد بن هارون فِيهِ أَيْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَيِ الرَّجُلُ الْمَرْئِيُّ ثُمَّ أَمْهَلَ الرَّجُلُ الْمَرْئِيُّ هُنَيَّةً أَيْ زَمَانًا قَلِيلًا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ زَادَ الرَّجُلُ الْمَرْئِيُّ قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لَقِّنْهَا أَيْ كَلِمَةَ الْأَذَانِ فَأَذَّنَ بِهَا بِلَالٌ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَقَالَ نَصْرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ بِسَنَدِهِ فِي الصَّوْمِ قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ كُتِبَ أَيْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ وَالصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ يُقَالُ صَامَ النَّهَارَ إِذَا اعْتَدَلَ وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إني نذرت للرحمن صوما أَيْ صَمْتًا لِأَنَّهُ إِمْسَاكٌ عَنِ الْكَلَامِ وَالصَّوْمُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِمْسَاكِ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مَعَ النِّيَّةِ قَالَهُ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين من قبلكم يَعْنِي مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى عَهْدِكُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ قَدِيمَةٌ أَيْ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ مَا أَخْلَى اللَّهُ أُمَّةً لَمْ يَفْرِضْهُ عَلَيْهِمْ كَمَا فَرَضَهُ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ شَاقَّةٌ وَالشَّيْءُ الشَّاقُّ إِذَا عَمَّ سَهُلَ عَمَلُهُ قَالَهُ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ يَعْنِي مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ فِي صِيَامِكُمْ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَصْلَةٌ إِلَى التَّقْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ النَّفْسِ وَتَرْكِ الشَّهَوَاتِ مِنَ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهِمَا أَيَّامًا نُصِبَ بِالصِّيَامِ أَوْ يَصُومُوا مُقَدَّرًا مَعْدُودَاتٍ أَيْ قَلَائِلَ أَيْ موقتات
بعدد معلوم وهي رمضان وقلله تَسْهِيلًا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ حِينَ شُهُودِ رَمَضَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَيْ مُسَافِرٌ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ فَعَلَيْهِ عِدَّةُ مَا أَفْطَرَ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يَصُومُهَا بَدَلَهُ وَعَلَى الَّذِي يُطِيقُونَهُ أَيْ يُطِيقُونَ الصَّوْمَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَغَيْرِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مُخَيَّرِينَ بَيْنَ أَنْ يَصُومُوا وَبَيْنَ أَنْ يُفْطِرُوا وَيَفْدُوا وَإِنَّمَا خَيَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصَّوْمَ ثُمَّ نُسِخَ التَّخْيِيرُ وَنَزَلَتِ الْعَزِيمَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشهر فليصمه فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةً لِلتَّخْيِيرِ قَالَهُ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ مَعْنَاهَا وَعَلَى الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ انْتَهَى أَيْ بِتَقْدِيرِ لَا فدية طعام مسكين الفدية الجزاء وهو الْقَدْرِ الَّذِي يَبْذُلُهُ الْإِنْسَانُ يَقِي بِهِ نَفْسَهُ مِنْ تَقْصِيرٍ وَقَعَ مِنْهُ فِي عِبَادَةٍ وَنَحْوَهَا وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقَضَاءِ لِكِبَرٍ أَنْ يُطْعِمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَهَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ عَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ قَالَهُ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ فَهَذَا حَوْلٌ أَيْ حَالٌ
شَهْرُ رَمَضَانَ يَعْنِي وَقْتُ صِيَامِكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ سُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا لِشُهْرَتِهِ يُقَالُ لِلسِّرِّ إِذَا أَظْهَرَهُ شَهَرَهُ وَسُمِّيَ الْهِلَالُ شَهْرًا لِشُهْرَتِهِ وَبَيَانِهِ قَالَهُ الْخَازِنُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْهُ هُدًى حَالٌ هَادِيًا مِنَ الضَّلَالَةِ لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ آيَاتٍ وَاضِحَاتٍ مِنَ الْهُدَى مِمَّا يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْفُرْقَانِ أَيْ مِنَ الْفُرْقَانِ مِمَّا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ أَيْ حَضَرَ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سفر فعدة من أيام أخر إِنَّمَا كَرَّرَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى تَخْيِيرُ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ الصَّحِيحِ ثُمَّ نُسِخَ تَخْيِيرُ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ بِقَوْلِهِ فَمَنْ شهد منكم الشهر فليصمه فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا لَاحْتَمَلَ أَنْ يَشْمَلَ النَّسْخُ الْجَمِيعَ فَأَعَادَ بَعْدَ ذِكْرِ النَّاسِخِ الرُّخْصَةَ للمريض