الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
71 -
(بَاب فِي تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ)
[3218]
(عَنْ أَبِي هَيَّاجٍ الْأَسَدِيِّ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَاسْمُهُ حَيَّانُ بْنُ حُصَيْنٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ) أَيْ أَرْسَلَنِي إِلَى تَغْيِيرِهِ وَلِذَا عُدِّيَ بِعَلَى أَوْ أُرْسِلَكَ لِلْأَمْرِ الَّذِي أَرْسَلَنِي له (أن لا أدع) أن مصدرية ولا نَافِيَةٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ أَنْ لا أدع وقيل أن تفسيرية ولا نَاهِيَةٌ أَيْ لَا أَدَعَ (قَبْرًا مُشْرِفًا) هُوَ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ حَتَّى ارْتَفَعَ دُونَ الَّذِي أُعْلِمَ عَلَيْهِ بِالرَّمْلِ وَالْحَصْبَاءِ أَوْ مَحْسُومَةٌ بِالْحِجَارَةِ ليعرف ولا يوطأ
قاله القارىء (إِلَّا سَوَّيْتُهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنَّ الْقَبْرَ لَا يُرْفَعُ عَلَى الْأَرْضِ رَفْعًا كَثِيرًا وَلَا يُسَنَّمُ بَلْ يُرْفَعُ نَحْوَ شِبْرٍ وَيُسَطَّحُ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ
وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُمْ تَسْنِيمَهَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ انْتَهَى
قُلْتُ وَقَوْلُهُ لَا يُسَنَّمُ فِيهِ نَظَرٌ
وَفِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنَّ الْقَبْرَ لَا يُرْفَعُ رَفْعًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَنْ كَانَ فَاضِلًا وَمَنْ كَانَ غَيْرَ فَاضِلٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَفْعَ الْقُبُورِ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مُحَرَّمٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٌ
وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ لِوُقُوعِهِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بِلَا نَكِيرٍ لَا يَصِحُّ وَهُوَ مِنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَقَدْ لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاعِلَ ذَلِكَ وَكَمْ قَدْ سَرَى عَنْ تَشْيِيدِ أَبْنِيَةِ الْقُبُورِ وَتَحْسِينِهَا مِنْ مَفَاسِدَ يَبْكِي لَهَا الْإِسْلَامُ مِنْهَا اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ لَهَا كَاعْتِقَادِ الْكُفَّارِ لِلْأَصْنَامِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَهَذِهِ الْآثَار لَا تَضَادّ بَيْنهَا وَالْأَمْر بِتَسْوِيَةِ الْقُبُور إِنَّمَا هُوَ تَسْوِيَتهَا بِالْأَرْضِ وَأَنْ لَا تُرْفَع مُشْرِفَة عَالِيَة وَهَذَا لَا يُنَاقِض تَسْنِيمهَا شَيْئًا يَسِيرًا عَنْ الْأَرْض
وَلَوْ قُدِّرَ تَعَارُضهَا فَحَدِيث سُفْيَان بْن دِينَار التَّمَّار أَصَحّ مِنْ حَدِيث الْقَاسِم
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيث الْقَاسِم بْن مُحَمَّد فِي هَذَا الْبَاب أَصَحّ وَأَوْلَى أَنْ يَكُون مَحْفُوظًا
وَلَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ
فَحَدِيث سُفْيَان رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَحَدِيث الْقَاسِم لَمْ يَرْوِهِ أَحَد مِنْ أَصْحَاب الصَّحِيح
وَعُظِّمَ ذَلِكَ فَظَنُّوا أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى جَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ فَجَعَلُوهَا مَقْصِدًا لِطَلَبِ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَمَلْجَأً لِنَجَاحِ الْمَطَالِبِ وَسَأَلُوا مِنْهَا مَا يَسْأَلُهُ الْعُبَّادُ مِنْ رَبِّهِمْ وَشَدُّوا إِلَيْهَا الرِّحَالَ وَتَمَسَّحُوا بِهَا وَاسْتَغَاثُوا وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا شَيْئًا مِمَّا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ بِالْأَصْنَامِ إِلَّا فَعَلُوهُ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
وَمَعَ هَذَا الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ وَالْكُفْرِ الْفَظِيعِ لَا نَجِدُ من يغضب لله ويغتار حَمِيَّةً لِلدِّينِ الْحَنِيفِ لَا عَالِمًا وَلَا مُتَعَلِّمًا وَلَا أَمِيرًا وَلَا وَزِيرًا وَلَا مَلِكًا وَقَدْ تَوَارَدَ إِلَيْنَا مِنَ الْأَخْبَارِ مَا لَا شَكَّ مَعَهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْقُبُورِيِّينَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ إِذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مِنْ جِهَةِ خَصْمِهِ حَلَفَ بِاللَّهِ فَاجِرًا فَإِذَا قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ احْلِفْ بِشَيْخِكَ وَمُعْتَقَدِكَ الْوَلِيِّ الْفُلَانِيِّ تَلَعْثَمَ وَتَلَكَّأَ وَأَبَى وَاعْتَرَفَ بِالْحَقِّ وَهَذَا مِنْ بَيْنِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ شِرْكَهُمْ قَدْ بَلَغَ فَوْقَ شِرْكِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى ثَانِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ
فَيَا عُلَمَاءَ الدِّينِ وَيَا مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ أَيُّ رُزْءٍ لِلْإِسْلَامِ أَشَدُّ مِنَ الْكُفْرِ وَأَيُّ بَلَاءٍ لِهَذَا الدِّينِ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَأَيُّ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ تَعْدِلُ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ وَأَيُّ مُنْكَرٍ يَجِبُ إِنْكَارُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِنْكَارُ هَذَا الشِّرْكِ الْبَيِّنِ وَاجِبًا
لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي وَلَوْ نَارًا نَفَخْتَ بِهَا أَضَاءَتْ وَلَكِنْ أَنْتَ تَنْفُخُ فِي رَمَادِ انْتَهَى وَكَلَامُهُ
هَذَا حَسَنٌ جِدًّا لَا مَزِيَّةَ عَلَى حُسْنِهِ جَزَاهُ الله خيرا
وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ قُدُومُ وُفُودِ الْعَرَبِ وَهَذَا حَالُ الْمَشَاهِدِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْقُبُورِ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيُشْرَكُ بِأَرْبَابِهَا مَعَ اللَّهِ لَا يَحِلُّ إِبْقَاؤُهَا فِي الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ هَدْمُهَا وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا وَلَا الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهَا وَأَوْقَافَهَا لِجُنْدِ الْإِسْلَامِ وَيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ مَا فِيهَا مِنَ الْآلَاتِ وَالْمَتَاعِ وَالنُّذُورِ الَّتِي تُسَاقُ إِلَيْهَا يُضَاهَى بِهَا الْهَدَايَا الَّتِي تُسَاقُ إِلَى الْبَيْتِ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا كُلِّهَا وَصَرْفُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمْوَالَ بُيُوتِ هَذِهِ الطَّوَاغِيتِ وَصَرَفَهَا فِي مَصَالِحِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ يُفْعَلُ عِنْدَهَا مَا يُفْعَلُ عِنْدَ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ سَوَاءٌ مِنَ النُّذُورِ لَهَا وَالتَّبَرُّكِ بِهَا وَتَقْبِيلِهَا وَاسْتِلَامِهَا هَذَا كَانَ شِرْكُ الْقَوْمِ بها ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السماوات وَالْأَرْضَ بَلْ كَانَ شِرْكُهُمْ بِهَا كَشِرْكِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَشَاهِدِ بِعَيْنِهِ انْتَهَى
(وَلَا تِمْثَالًا) أَيْ صُورَةً ذِي رُوحٍ (إِلَّا طَمَسْتُهُ) أي محوته
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِيُّ حَدِيث سُفْيَان التَّمَّار أَثْبَت وَأَصَحّ فَكَانَ الْعَمَل بِهِ أَوْلَى
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيث سُفْيَان وَصِحَّة رِوَايَة سُفْيَان لَهُ مُسَنَّمًا فَكَأَنَّهُ غُيِّرَ يَعْنِي الْقَبْر عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيم
فَقَدْ سَقَطَ جِدَاره فِي زَمَن الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك ثم أصلح
الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَتَبْوِيب أَبِي دَاوُدَ وَذِكْره هَذَا الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَقَيَّد عِنْده بِوَقْتٍ لَا شَهْر وَلَا غَيْره وَقَدْ رَوَى سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى أُمّ سَعْد بَعْد موتها بشهر وهذا مرسل صحيح
وصلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين وصلى عَلَى غَيْر وَاحِد فِي الْقَبْر لِدُونِ الشَّهْر
وَأَبْطَلْتُهُ
فِيهِ الْأَمْرُ بِتَغْيِيرِ صُوَرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[3219]
(أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيَّ) هُوَ ثُمَامَةُ بْنُ شُفَيٍّ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ وَهُوَ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ مِصْرَ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ (بِرُودِسَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِرَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاوٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ دَالٌ مُهْمَلَةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ عَنِ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِفَتْحِ الدَّالِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي السُّنَنِ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَقَالَ هِيَ جَزِيرَةٌ بِأَرْضِ الرُّومِ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ مَكْسُورَةٌ وَسِينٌ مُهْمَلَةٌ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَقْيِيدِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ (فَسُوِّيَ) أَيْ جُعِلَ مُتَّصِلًا بِالْأَرْضِ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ مُسَنَّمًا بَلْ جُعِلَ مُسَطَّحًا وَإِنِ ارْتَفَعَ عَنِ الْأَرْضِ بِقَلِيلٍ
قَالَهُ السِّنْدِيُّ فِي حَاشِيَةِ النَّسَائِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[3220]
(عَنِ الْقَاسِمُ) بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه (يَا أُمَّهْ) بِسُكُونِ الْهَاءِ وَهِيَ عَمَّتُهُ لَكِنْ قَالَ يَا أُمَّهْ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ أَوْ لِكَوْنِهَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ (اكْشِفِي لِي) أَيْ أَظْهِرِي وَارْفَعِي السِّتَارَةَ (وَصَاحِبَيْهِ) أَيْ ضَجِيعَيْهِ وَهُمَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنه (فَكَشَفَتْ لِي) أَيْ لِأَجْلِي أَوْ لِرُؤْيَتِي (لَا مُشْرِفَةٍ) أَيْ مُرْتَفِعَةٍ غَايَةَ الِارْتِفَاعِ وَقِيلَ أَيْ عَالِيَةً أَكْثَرَ مِنْ شِبْرٍ (وَلَا لاطئة) بالهمزة والياء أي مستوية على وجه الأرض يقل لَطَأَ بِالْأَرْضِ أَيْ لَصِقَ بِهَا (مَبْطُوحَةٍ) صِفَةُ القبور
قال بن الْمَلَكِ أَيْ مُسَوَّاةٌ مَبْسُوطَةٌ عَلَى الْأَرْضِ
قَالَ القارىء وَفِيهِ أَنَّهَا تَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى لَاطِئَةٍ وَتَقَدَّمَ نَفْيُهَا وَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهَا مُلْقَاةٌ فِيهَا الْبَطْحَاءُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ بَطْحُ الْمَكَانِ تَسْوِيَتُهُ وَبَطَحَ
الْمَسْجِدَ أَلْقَى فِيهِ الْبَطْحَاءَ وَهُوَ الْحَصَى الصِّغَارُ الْعَرْصَةُ جَمْعُهَا عَرَصَاتٍ وَهِيَ كُلُّ مَوْضِعٍ وَاسِعٍ لَا بِنَاءَ فِيهِ وَالْبَطْحَاءُ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْحَصَى لِإِضَافَتِهَا إِلَى الْعَرْصَةِ (الْحَمْرَاءِ) صِفَةٌ لِلْبَطْحَاءِ أَوِ الْعَرْصَةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ كَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُرْتَفِعَةٍ وَلَا مُنْخَفِضَةٍ لَاصِقَةٍ بِالْأَرْضِ مَبْسُوطَةٍ مُسَوَّاةٍ وَالْبَطْحُ أَنْ يُجْعَلَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ مُسَطَّحًا حَتَّى يُسَوَّى وَيَذْهَبَ التَّفَاوُتُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ أُلْقِيَ فِيهَا بَطْحَاءُ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءُ انْتَهَى
وَأَخْرَجَ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رُفِعَ قَبْرُهُ مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا وَطُيِّنَ بِطِينٍ أَحْمَرَ مِنَ الْعَرْصَةِ انْتَهَى
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَزَادَ وَرَأَيْتُ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقَدَّمًا وَأَبُو بَكْرٍ رَأْسُهُ بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعُمَرُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْبَابِ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ قَالَ رَأَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شِبْرًا أَوْ نَحْوَ شِبْرٍ وَعَنْ عَيْثَمِ بْنِ بِسْطَامٍ الْمَدِينِيِّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الْآجُرِّيِّ فِي كِتَابِ صِفَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَأَيْتُ قَبْرَهُ صلى الله عليه وسلم فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَرَأَيْتُهُ مُرْتَفِعًا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَرَأَيْتُ قَبْرَ أَبِي بَكْرٍ وَرَاءَ قَبْرِهِ وَرَأَيْتُ قَبْرَ عُمَرَ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ أَسْفَلَ مِنْهُ
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسَنَّمًا انْتَهَى أَيْ مُرْتَفِعًا
قَالَ فِي الْقَامُوسِ التَّسْنِيمُ ضِدُّ التَّسْطِيحِ وَقَالَ سَطَحَهُ كَمَنَعَهُ بَسَطَهُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْأَفْضَلِ مِنَ التَّسْنِيمِ وَالتَّسْطِيحِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ الْكُلِّ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ إِلَى أَنَّ التَّسْطِيحَ أَفْضَلُ وَاسْتَدَلُّوا بِرِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمَا وَافَقَهَا قَالُوا وَقَوْلُ سُفْيَانَ التَّمَّارِ لَا حُجَّةَ فِيهِ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ قَبْرَهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ فِي الْأَوَّلِ مُسَنَّمًا بَلْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مُسَطَّحًا ثُمَّ لَمَّا بُنِيَ جِدَارُ الْقَبْرِ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ صَيَّرُوهَا مُرْتَفِعَةً وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَيُرَجِّحُ التَّسْطِيحَ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا أَنْ لَا يَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّاهُ
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُزَنِيُّ وَكَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَادَّعَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ اتِّفَاقَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّسْنِيمَ أَفْضَلُ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِ سُفْيَانَ التَّمَّارِ