الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَوْنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَقَالَ هَذَا مُرْسَلٌ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ الله لم يدرك بن مَسْعُودٍ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَفِي إِسْنَادِهِ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كُلُّهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِهَا إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ وَفِي لَفْظٍ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ ولا يصح وإنما جاءت من رواية بن أَبِي لَيْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وَقِيلَ إِنَّهَا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصَحُّ إِسْنَادٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَةُ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ يُرِيدُ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ
انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
([3513]
بَاب فِي الشُّفْعَةِ)
قَالَ فِي الْفَتْحِ الشُّفْعَةُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَغَلِطَ مَنْ حَرَّكَهَا وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ لُغَةً مِنَ الشَّفْعِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَقِيلَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَقِيلَ مِنَ الْإِعَانَةِ
وَفِي الشَّرْعِ انْتِقَالُ حِصَّةِ شَرِيكٍ إِلَى شَرِيكٍ كَانَتِ انْتَقَلَتْ إِلَى أَجْنَبِيٍّ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الْمُسَمَّى انْتَهَى
(أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) هذا هو بن عُلَيَّةَ قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ غَلَطٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ) بِكَسْرِ الشين
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قِيلَ لَهُ وَمِنْ أَيْنَ قُلْت قَالَ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه
وَقَدْ رَوَى أَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ جَابِر مُفَسَّرًا أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ الشُّفْعَة فِيمَا لَمْ يُقْسَم فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُود فَلَا شُفْعَة وَأَبُو سَلَمَة مِنْ الْحُفَّاظ
وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْر وَهُوَ مِنْ الْحُفَّاظ عَنْ جَابِر مَا يُوَافِق قَوْل أَبِي سَلَمَة وَيُخَالِف مَا رَوَى عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان
وَفِيهِ مِنْ الْفَرْق بَيْن الشَّرِيك وَبَيْن الْمُقَاسِم فَكَانَ أَوْلَى الْأَحَادِيث أَنْ يُؤْخَذ بِهِ عِنْدنَا وَاَللَّه أَعْلَم لِأَنَّهُ أَثْبَتهَا إِسْنَادًا وَأَبْيَنهَا لَفْظًا عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْرَقهَا فِي الْفَرْق بَيْن الْمُقَاسِم وَغَيْر الْمُقَاسِم
هَذَا آخِر كَلَامه
قَالَ التِّرْمِذِيّ وَإِنَّمَا تَرَكَ شُعْبَة حَدِيث عَبْد الْمَلِك لِحَالِ هَذَا الْحَدِيث
تَمَّ كَلَامه
وَإِسْكَانِ الرَّاءِ مِنْ أَشْرَكْتُهُ فِي الْبَيْعِ إِذَا جَعَلْتُهُ لَكَ شَرِيكًا ثُمَّ خُفِّفَ الْمَصْدَرُ بِكَسْرِ الْأَوَّلِ وَسُكُونِ الثَّانِي فَيُقَالُ شِرْكٌ وَشَرِكَةٌ كَمَا يُقَالُ كَلِمٌ وَكَلِمَةٌ
قَالَهُ فِي النَّيْلِ (رَبْعَةٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ تَأْنِيثُ رَبْعٍ وَهُوَ الْمَنْزِلُ الَّذِي يَرْتَبِعُونَ فِيهِ فِي الرَّبِيعِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الدَّارُ وَالْمَسْكَنُ
وَقَوْلُهُ رَبْعَةٌ بَدَلٌ مِنْ شِرْكٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الرَّبْعُ وَالرَّبْعَةُ الْمَنْزِلُ الَّذِي يَرْبَعُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَيَتَوَطَّنُهُ يُقَالُ هَذَا رَبْعٌ وَهَذَا رَبْعَةٌ بِالْهَاءِ كَمَا قَالُوا دَارٌ وَدَارَةٌ
قَالَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ الشُّفْعَةِ فِي الشَّرِكَةِ وَهُوَ اتِّفَاقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُهَا عَنِ الْمَقْسُومِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَكِنْ دَلَالَتُهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَنْ لَا شُفْعَةَ فِي الْمَقْسُومِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا فِي الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْعُرُوضِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْحَيَوَانِ وَنَحْوِهَا انْتَهَى
(أَوْ حَائِطٍ) أَيْ بُسْتَانٍ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ فَيَأْخُذُ أَوْ يَدَعُ فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكَهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَرَوَى الْحَاكِم مِنْ طَرِيق أُمَيَّة بْن خَالِد قَالَ قُلْت لِشُعْبَة مَالَك لَا تُحَدِّث عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان قَالَ تَرَكْت حَدِيثه قَالَ قُلْت تُحَدِّث عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْعَرْزَمِيّ وَتَدَع عَبْد الْمَلِك وَقَدْ كَانَ حَسَن الْحَدِيث قَالَ مِنْ حُسْنهَا فَرَرْت
وَقَالَ أَحْمَد بْن سَعِيد الدَّارِمِيّ سَمِعْت مُسَدَّدًا وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ قَالَ شُعْبَة لَوْ أَنَّ عَبْد الْمَلِك جَاءَ بِمِثْلِهِ آخَر أَوْ اِثْنَيْنِ لَتَرَكْت حَدِيثه يَعْنِي حَدِيث الشُّفْعَة
وَقَالَ أَبُو قُدَامَة عَنْ يَحْيَى الْقَطَّان قَوْله لَوْ رَوَى عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان حَدِيثًا مِثْل حَدِيث الشُّفْعَة لَتَرَكْت حَدِيثه
وَقَالَ بَعْض النَّاس هَذَا رَأْي لِعَطَاءٍ أَدْرَجَهُ عَبْد الْمَلِك فِي الْحَدِيث إِدْرَاجًا
فَهَذَا مَا رَمَى بِهِ النَّاس عَبْد الْمَلِك وَحَدِيثه
وَقَالَ آخَرُونَ عَبْد الْمَلِك أَجَلّ وَأَوْثَق مِنْ أَنْ يُتَكَلَّم فِيهِ
وَكَانَ يُسَمَّى الْمِيزَان لِإِتْقَانِهِ وَضَبْطه وَحِفْظه وَلَمْ يَتَكَلَّم فِيهِ أَحَد قَطُّ إِلَّا شُعْبَة وَتَكَلَّمَ فِيهِ مِنْ أَجْل هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ كَلَام بَاطِل
فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُضَعِّفهُ إِلَّا مِنْ أَجْل هَذَا الْحَدِيث كَانَ ذَلِكَ دَوْرًا بَاطِلًا فَإِنَّهُ لَا يَثْبُت ضَعْف الْحَدِيث حَتَّى يَثْبُت ضَعْف عَبْد الْمَلِك فَلَا يَجُوز أَنْ يُسْتَفَاد ضَعْفه مِنْ ضَعْف الْحَدِيث الَّذِي لَمْ يُعْلَم ضَعْفه إِلَّا مِنْ جِهَة عَبْد الْمَلِك وَلَمْ يُعْلَم ضَعْف عَبْد الْمَلِك إِلَّا بِالْحَدِيثِ وَهَذَا مُحَال مِنْ الْكَلَام فَإِنَّ الرَّجُل مِنْ الثِّقَات الْأَثْبَات الْحُفَّاظ الَّذِينَ لَا مَطْمَح لِلطَّعْنِ فِيهِمْ
وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَخَرَّجَ لَهُ عِدَّة
[3514]
(فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ) وَفِي بَعْضِ النسخ في كل مالم يُقْسَمْ بِلَفْظِ مَا الْمَوْصُولَةِ مَكَانَ لَفْظِ مَالٍ (فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ) أَيْ حَصَلَتْ قِسْمَةُ الْحُدُودِ فِي الْمَبِيعِ وَاتَّضَحَتْ بِالْقِسْمَةِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَحَادِيث وَلَمْ يَذْكُر لِصَحِيحِ حَدِيثه وَالِاحْتِجَاج بِهِ أَحَد مِنْ أَهْل الْعِلْم وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيّ وَلَمْ يَرْوِ مَا يُخَالِف الثِّقَات بَلْ رِوَايَته مُوَافِقَة لِحَدِيثِ أَبِي رَافِع الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَلِحَدِيثِ سَمُرَة الَّذِي صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ فَجَابِر ثَالِث ثَلَاثَة فِي هَذَا الْحَدِيث أَبِي رَافِع وَسَمُرَة وَجَابِر فَأَيّ مَطْعَن عَلَى عَبْد الْمَلِك فِي رِوَايَة حَدِيث قَدْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة
وَاَلَّذِينَ رَدُّوا حَدِيثه ظَنُّوا أَنَّهُ مُعَارِض لِحَدِيثِ جَابِر الَّذِي رَوَاهُ أَبُو سَلِمَة عَنْهُ الشُّفْعَة فِيمَا لَمْ يَقْسِم فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُود وَصُرِفَتْ الطُّرُق فَلَا شُفْعَة
وَفِي الْحَقِيقَة لَا تَعَارُضَ بَيْنهمَا فَإِنَّ مَنْطُوق حَدِيث أَبِي سَلِمَة اِنْتِفَاء الشُّفْعَة عِنْد تَمَيُّز الْحُدُود وَتَصْرِيف الطُّرُق وَاخْتِصَاص كُلّ ذِي مِلْك بِطَرِيقٍ وَمَنْطُوق حَدِيث عَبْد الْمَلِك إِثْبَات الشُّفْعَة بِالْجِوَارِ عِنْد الِاشْتِرَاك فِي الطَّرِيق وَمَفْهُومه اِنْتِفَاء الشُّفْعَة عِنْد تَصْرِيف الطُّرُق فَمَفْهُومه مُوَافِق لِمَنْطُوقِ حَدِيث أَبِي سَلَمَة وَأَبِي الزُّبَيْر ومنطوقه غير معارض له وهذا بَيِّن وَهُوَ أَعْدَل الْأَقْوَال فِي الْمَسْأَلَة
فَإِنَّ النَّاس فِي شُفْعَة الْجِوَار طَرَفَانِ وَوَسَط
فَأَهْل الْمَدِينَة وَأَهْل الْحِجَاز وَكَثِير مِنْ الْفُقَهَاء يَنْفُونَهَا مُطْلَقًا
وَأَهْل الْكُوفَة يُثْبِتُونَهَا عِنْد الِاشْتِرَاك فِي حَقّ مِنْ حُقُوق الْمِلْك كَالطَّرِيقِ وَالْمَاء وَنَحْوه وَيَنْفُونَهَا عِنْد تَمَيُّز كُلّ مِلْك بِطَرِيقِهِ حَيْثُ لَا يَكُون بَيْن الْمُلَّاك اِشْتَرَاك
وَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَدُلّ أَحَادِيث جَابِر مَنْطُوقهَا وَمَفْهُومهَا وَيَزُول عَنْهَا التَّضَادّ وَالِاخْتِلَاف وَيُعْلَم أَنَّ عَبْد الْمَلِك لَمْ يَرْوِ مَا يُخَالِف رِوَايَة غَيْره
وَالْأَقْوَال الثَّلَاثَة فِي مَذْهَب أَحْمَد وَأَعْدَلهَا وَأَحْسَنهَا هَذَا الْقَوْل الثَّالِث وَاَللَّه الْمُوَفِّق لِلصَّوَابِ
مَوَاضِعُهَا
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَالْحُدُودُ جَمْعُ حَدٍّ وَهُوَ هُنَا مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الْأَمْلَاكُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَأَصْلُ الْحَدِّ الْمَنْعُ فَفِي تَحْدِيدِ الشَّيْءِ مَنْعُ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ وَمَنْعُ دُخُولِ غَيْرِهِ فِيهِ انْتَهَى
(وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَالْمُشَدَّدَةِ أَيْ بُيِّنَتْ مَصَارِفُهَا وَشَوَارِعُهَا
قاله القسطلاني
وقال القارىء أَيْ بُيِّنَتِ الطُّرُقُ بِأَنْ تَعَدَّدَتْ وَحَصَلَ لِكُلٍّ نصيب طريق مخصوص (فلا شفعة) قال القارىء أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ دُونَ الْجَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا مَنْ يَرَى الشُّفْعَةَ لِلْجِوَارِ لِأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ يَقُولُ إِنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ لَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ بَلْ شَيْءٌ زَادَهُ جَابِرٌ انْتَهَى
قُلْتُ رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِدْرَاجُ بِدَلِيلٍ وَوُرُودُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ الْإِدْرَاجِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هريرة الآتية
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ الْحُدُودُ جَمْعُ حَدٍّ وَهُوَ الْفَاصِلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَهُوَ هُنَا مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْأَمْلَاكُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ أَيْ بُيِّنَتْ أَقْسَامُ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بِأَنْ قُسِّمَتْ وَصَارَ كُلُّ نَصِيبٍ مُنْفَرِدًا فَلَا شُفْعَةَ لِأَنَّ الْأَرْضَ بِالْقِسْمَةِ صَارَتْ غَيْرَ مَشَاعَةٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَخْتَصُّ بِالْمَشَاعِ وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ انْتَهَى
وَقَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَبْيَنُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الشُّفْعَةِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَكَلِمَةُ إِنَّمَا يُعْمَلُ تَرْكِيبُهَا فَهِيَ مُثْبَتَةٌ لِلشَّيْءِ الْمَذْكُورِ نَافِيَةٌ لِمَا سِوَاهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْمَقْسُومِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ فَقَدْ يَحْتَجُّ بِكُلِّ لَفْظَةٍ مِنْهَا قَوْمٌ أَمَّا اللَّفْظَةُ الْأُولَى فَفِيهَا حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَرَ الشُّفْعَةَ فِي الْمَقْسُومِ وَأَمَّا اللَّفْظَةُ الْأُخْرَى فَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ يُثْبِتُ الشُّفْعَةَ بِالطَّرِيقِ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَقْسُومًا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ الطَّرِيقُ إِلَى الْمَشَاعِ دُونَ الْمَقْسُومِ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّرِيقَ تَكُونُ فِي الْمَشَاعِ شَائِعًا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدْخُلُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَيَتَوَصَّلُ إِلَى حَقِّهِ مِنَ الْجِهَاتِ كُلِّهَا فَإِذَا قُسِمَ الْعَقَارُ بَيْنَهُمْ مُنِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَطَرَّقَ شَيْئًا مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ وَأَنْ يَدْخُلَ إِلَى مِلْكِهِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ جُعِلَ لَهُ فَمَعْنَى صَرْفِ الطُّرُقِ هُوَ وُقُوعُ الْحُدُودِ هُنَا
ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ عَلَّقَ الْحُكْمَ فِيهِ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا وُقُوعُ الْحُدُودِ وَصَرْفُ الطُّرُقِ مَعًا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُثْبِتُوهُ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ نَفْيُ صَرْفِ الطُّرُقِ دُونَ نَفْيِ وُقُوعِ الْحُدُودِ انْتَهَى كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ
وأخرجه البخاري والترمذي وبن مَاجَهْ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا
[3515]
(إِذَا قُسِمَتِ الْأَرْضُ وَحُدَّتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِي الْفِعْلَيْنِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا بَيَانٌ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ بِنَفْسِ الْقِسْمَةِ وَالتَّمْيِيزِ بِالْحِصَصِ بِوُقُوعِ الْحُدُودِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلشُّفْعَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ سِوَى الْمُشَارَكَةِ وَالدُّخُولِ فِي مِلْكِ الشَّرِيكِ وَهَذَا الْمَعْنَى يَرْتَفِعُ بِالْقِسْمَةِ وَأَمْلَاكُ النَّاسِ لَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حُجَّةٍ انْتَهَى
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ وُجِدَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَكَذَا فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ لِلْخَطَّابِيِّ وَكَذَا فِي الْأَطْرَافِ لِلْحَافِظِ الْمِزِّيِّ وَكَذَا فِي الْمُنْتَقَى مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَلَكِنْ مَا وَجَدْنَاهُ فِي نُسْخَةِ الْمُنْذِرِيِّ فَلَعَلَّهُ مِنْ سَهْوِ النَّاسِخِ أَوْ مِنَ الْمُنْذِرِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ فِي النَّيْلِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ
[3516]
(بِسَقَبِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْقَافِ وَبَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَقَدْ يُقَالُ بِالصَّادِ بَدَلَ السِّينِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْقَافِ وَإِسْكَانُهَا وَهُوَ الْقُرْبُ وَالْمُجَاوَرَةُ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْقَائِلُونَ بِثُبُوتِ شُفْعَةِ الْجَارِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الشُّفْعَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الشُّفْعَةَ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْبِرِّ وَالْمَعُونَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَارِ الشَّرِيكَ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِ قَدْ يَقَعُ عَلَى الشَّرِيكِ فَإِنَّهُ قَدْ يُجَاوِرُ شَرِيكَهُ وَيُسَاكِنُهُ فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا كَالْمَرْأَةِ تُسَمَّى جَارَةً لِهَذَا الْمَعْنَى
(قَالَ الْأَعْشَى) أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقَهْ كَذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ غَادٍ وَطَارِقَهْ قَالَ وَقَدْ تَكَلَّمَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاضْطَرَبَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَأَرْسَلَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ فِيهِ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنِ الشَّرِيدِ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَنْ لَا شُفْعَةَ إِلَّا لِلشَّرِيكِ أَسَانِيدُهَا جِيَادٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا اضْطِرَابٌ انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ بلفظ قال قلت يارسول اللَّهِ أَرْضٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا قَسْمٌ إِلَّا الْجِوَارَ فَقَالَ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ فَبَطَلَ احْتِمَالُ كَوْنِ الْمُرَادِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْبِرِّ وَالْمَعُونَةِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
[3517]
(جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا أَيْضًا قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُتَنَاوَلَ عَلَى الْجَارِ الْمُشَارِكِ دُونَ الْمُقَاسِمِ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي إِسْنَادِهِ
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْ سَمُرَةَ وَإِنَّمَا هُوَ صَحِيفَةٌ وَقَعَتْ إِلَيْهِ أَوْ كَمَا قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ سَمِعَ الْحَسَنُ مِنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ
[3518]
(يُنْتَظَرُ) عَلَى البناء للمفعول (بها) أي بالشفعة
قال بن رَسْلَانَ يُحْتَمَلُ انْتِظَارُ الصَّبِيِّ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَبْلُغُ
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّبِيُّ عَلَى شُفْعَتِهِ حَتَّى يُدْرِكَ فَإِذَا أَدْرَكَ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَزِيعٍ قَالَهُ فِي النَّيْلِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شُفْعَةَ الْغَائِبِ لَا تَبْطُلُ وَإِنْ تَرَاخَى (إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا) قَالَ فِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَوَازَ بِمُجَرَّدِهِ لَا تَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنَ اتِّحَادِ الطَّرِيقِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاعْتِبَارَ قَوْلُهُ فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ انْتَهَى
وَقَدْ حَمَلَ صَاحِبُ النيل حديث الجار أحق بسبقه وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ مُطْلَقًا عَلَى هَذَا المقيد
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا وَأَبُو سَلَمَةَ حَافِظٌ وَكَذَلِكَ أَبُو الزُّبَيْرِ وَلَا يُعَارَضُ حَدِيثُهُمَا بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَقَالَ يَحْيَى لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ