المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في بيع الطعام قبل أن يستوفي) - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ٩

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌ بَاب الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ)

- ‌(بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ يَمُوتُ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ)

- ‌(بَاب فِي جَمْعِ الْمَوْتَى فِي قَبْرٍ)

- ‌(بَابٌ فِي الْحَفَّارِ يَجِدُ الْعَظْمَ)

- ‌(بَاب فِي اللَّحْدِ)

- ‌(بَاب كَمْ يَدْخُلُ الْقَبْرَ)

- ‌(باب كيف يدخل الميت قبره)

- ‌(باب كيف يجلس عِنْدَ الْقَبْرِ)

- ‌(بَاب فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يَمُوتُ لَهُ قَرَابَةٌ كَسَحَابَةٍ)

- ‌ بَاب فِي تَعْمِيقِ الْقَبْرِ)

- ‌(بَاب فِي تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ)

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ الذَّبْحِ عِنْدَ الْقَبْرِ)

- ‌(بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ حِينٍ)

- ‌(بَاب فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ)

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ)

- ‌(باب المشي بين القبور في النعل)

- ‌(بَاب فِي تَحْوِيلِ الْمَيِّتِ مِنْ مَوْضِعِهِ)

- ‌(بَاب فِي الثَّنَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ)

- ‌ بَاب فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ)

- ‌(بَاب فِي زِيَارَةِ النِّسَاءِ الْقُبُورَ)

- ‌(باب ما يقول إذا مر بالقبور)

- ‌(باب كيف يصنع بالمحرم إذا مات)

- ‌21 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌ بَاب فِي من حلف ليقتطع بها مالا)

- ‌ بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْظِيمِ الْيَمِينِ عِنْدَ مِنْبَرِ النبي)

- ‌ باب اليمين بغير الله)

- ‌ باب كَرَاهِيَةِ الْحَلْفِ بِالْآبَاءِ)

- ‌ بَابُ كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ بِالْأَمَانَةِ)

- ‌ بَابُ الْمَعَارِيضِ فِي الْأَيْمَانِ)

- ‌ بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَلْفِ بِالْبَرَاءَةِ وَبِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ)

- ‌ بَاب الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَتَأَدَّمَ)

- ‌ بَاب الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي يَمِينِ النَّبِيِّ)

- ‌(باب الحنث إذا كان خيرا)

- ‌(بَاب فِي الْقَسَمِ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا)

- ‌(باب في الحلف كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا)

- ‌(بَاب كَمْ الصَّاعُ فِي الْكَفَّارَةِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ)

- ‌(باب كراهية النذر)

- ‌(باب النَّذْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَأَى عَلَيْهِ)

- ‌ بَاب مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِ المقدس)

- ‌(باب قَضَاءِ النَّذْرِ عَنْ الْمَيِّتِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ)

- ‌(باب ما يؤمر به)

- ‌(باب النَّذْرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ)

- ‌(بَابُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ)

- ‌(باب نذر الجاهلية الخ)

- ‌(بَاب مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ)

- ‌(بَاب لَغْوِ الْيَمِينِ)

- ‌(باب فيمن حلف)

- ‌ بَاب الْيَمِينِ فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ)

- ‌(باب الحالف يستثنى بعد ما يَتَكَلَّمُ)

- ‌(بَاب مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ)

- ‌22 - كِتَابِ الْبُيُوعِ

- ‌(باب في التجارة)

- ‌ بَاب فِي اسْتِخْرَاجِ الْمَعَادِنِ)

- ‌(بَاب فِي اجْتِنَابِ الشُّبُهَاتِ)

- ‌ بَاب فِي آكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ)

- ‌(بَاب فِي وَضْعِ الرِّبَا)

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ)

- ‌ بَاب فِي الرُّجْحَانِ فِي الْوَزْنِ)

- ‌(بَاب فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلخ)

- ‌(باب في التشديد في الدين)

- ‌ بَاب فِي الْمَطْلِ أَيِ التَّسْوِيفِ وَالتَّأْخِيرِ)

- ‌(بَاب فِي حُسْنِ الْقَضَاءِ)

- ‌(بَاب فِي الصَّرْفِ)

- ‌(باب في حلية السيف تباع بالدراهم)

- ‌(بَاب فِي اقْتِضَاءِ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ)

- ‌(بَاب فِي الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً)

- ‌(بَاب فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)

- ‌(باب في الثمر بالثمر)

- ‌(بَاب فِي الْمُزَابَنَةِ)

- ‌ بَاب فِي بَيْعِ الْعَرَايَا)

- ‌(بَاب فِي مِقْدَارِ الْعَرِيَّةِ)

- ‌(بَابٌ فِي تَفْسِيرِ الْعَرَايَا)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ السِّنِينَ)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ الْغَرَرِ)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ الْمُضْطَرِّ مُفْتَعَلٌ مِنَ الضُّرِّ)

- ‌(بَاب فِي الشَّرِكَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْمُضَارِبِ يُخَالِفُ الْمُضَارَبَةُ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَتَّجِرُ فِي مَالِ الرَّجُلِ)

- ‌ بَاب فِي الشَّرِكَةِ عَلَى غَيْرِ رَأْسِ مَالٍ)

- ‌(بَاب فِي الْمُزَارَعَةِ)

- ‌(بَاب فِي التَّشْدِيدِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُزَارَعَةِ)

- ‌(بَاب فِي زَرْعِ الْأَرْضِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهَا)

- ‌(بَاب فِي الْمُخَابَرَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْمُسَاقَاةِ)

- ‌(بَاب فِي الْخَرْصِ)

- ‌كتاب الإجارة

- ‌(باب في كسب العلم)

- ‌ بَاب فِي كَسْبِ الْأَطِبَّاءِ)

- ‌(بَاب فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ)

- ‌ بَابُ فِي كَسْبِ الْإِمَاءِ)

- ‌ بَاب حُلْوَانِ الْكَاهِنِ)

- ‌ بَاب فِي عَسْبِ الْفَحْلِ)

- ‌ بَاب فِي الصَّائِغِ)

- ‌(بَاب فِي الْعَبْدِ يُبَاعُ وَلَهُ مَالٌ)

- ‌ بَاب فِي التَّلَقِّي)

- ‌ بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ النَّجْشِ)

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ)

- ‌(بَاب مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَكَرِهَهَا)

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ الْحُكْرَةِ)

- ‌(بَاب فِي كَسْرِ الدَّرَاهِمِ)

- ‌(بَاب فِي التَّسْعِيرِ)

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ عَنِ الْغِشِّ)

- ‌(بَاب فِي خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ)

- ‌(بَاب فِي فَضْلِ الْإِقَالَةِ)

- ‌(بَاب فِيمَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ)

- ‌ بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ الْعِينَةِ)

- ‌(بَاب فِي السَّلَفِ)

- ‌(بَاب فِي السَّلَمِ فِي ثَمَرَةٍ بِعَيْنِهَا)

- ‌(بَابٌ السَّلَفُ يُحَوَّلُ)

- ‌(بَاب فِي وَضْعِ الْجَائِحَةِ)

- ‌(بَاب فِي تَفْسِيرِ الْجَائِحَةِ)

- ‌(بَاب فِي مَنْعِ الْمَاءِ)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ)

- ‌(بَاب فِي ثَمَنِ السِّنَّوْرِ)

- ‌(بَاب فِي أَثْمَانِ الْكِلَابِ)

- ‌ بَاب فِي ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ)

- ‌(بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا خِلَابَةَ)

- ‌(بَاب فِي الْعُرْبَانِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ)

- ‌(بَاب فِي شَرْطٍ فِي بَيْعٍ)

- ‌(بَاب فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ)

- ‌(بَاب فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا)

- ‌(بَاب إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ)

- ‌ بَاب فِي الشُّفْعَةِ)

- ‌ بَاب فِي الرَّجُلِ يُفْلِسُ)

- ‌ باب فيمن أحيى حسير)

- ‌(بَاب فِي الرَّهْنِ)

- ‌(باب الرَّجُلِ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَجِدُ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَأْخُذُ حَقَّهُ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ)

- ‌(باب في قبول الهدايا)

- ‌(بَاب الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْهَدِيَّةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يُفَضِّلُ بَعْضَ وَلَدِهِ فِي النُّحْلِ)

- ‌ بَاب فِي عَطِيَّةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا)

- ‌(بَاب فِي الْعُمْرَى)

- ‌(بَاب فِي الرُّقْبَى)

- ‌(بَاب فِي تَضْمِينِ الْعَارِيَة)

- ‌(بَاب فِيمَنْ أَفْسَدَ شَيْئًا يَغْرَمُ مِثْلَهُ)

- ‌(بَاب الْمَوَاشِي تُفْسِدُ زَرْعَ قَوْمٍ)

- ‌23 - كِتَابِ الْقَضَاء

- ‌(باب في طلب القضاء)

- ‌ باب في القاضي)

- ‌(بَاب فِي طَلَبِ الْقَضَاءِ وَالتَّسَرُّعِ إِلَيْهِ)

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ الرَّشْوَةِ)

- ‌ بَاب فِي هَدَايَا الْعُمَّالِ)

- ‌ بَاب كَيْفَ الْقَضَاءُ)

- ‌ بَاب فِي قَضَاءِ الْقَاضِي إِذَا أَخْطَأَ)

- ‌(بَاب كَيْفَ يَجْلِسُ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي)

- ‌ بَاب الْقَاضِي يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ)

- ‌ بَاب الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ)

- ‌(بَاب اجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِي الْقَضَاءِ)

- ‌(بَاب فِي الصُّلْحِ)

الفصل: ‌(باب في بيع الطعام قبل أن يستوفي)

قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ

1 -

(بَاب فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ)

[3492]

أَيْ يَقْبِضَ

(مَنِ ابْتَاعَ) أَيِ اشْتَرَى (حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) أَيْ يَقْبِضَهُ

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَهُ

قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا أَوْ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ

وَقَالَ أَبُو حنيفة

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى البيهقي في سننه من حَدِيث سُفْيَان وَهَمَّام وَأَبَان الْعَطَّار عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ يَعْلَى بْن حَكِيم عَنْ يُوسُف بْن مَاهَك عَنْ عَبْد اللَّه بْن عِصْمَة عَنْ حَكِيم بْن حِزَام قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَبْتَاع هَذِهِ البيوع فما يحل لي منها وما يحرم علي قال ياابن أَخِي لَا تَبِعْ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضهُ وَلَفْظ حَدِيث أَبَان إِذَا اِشْتَرَيْت بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضهُ وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرْطهمَا سِوَى عبد الله بن عصمة وقد وثقه بن حِبَّان وَاحْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ

وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ حِزَام بْن حَكِيم قَالَ قَالَ حَكِيم بْن حِزَام اِبْتَعْت طَعَامًا مِنْ طَعَام الصَّدَقَة فَرَبِحْت فِيهِ قبل أن أقبضه فأتيت رسول الله فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضهُ وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عن جابر عن النبي أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَبِيع الرَّجُل طَعَامًا حَتَّى يَسْتَوْفِيه وَفِيهِ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة يَرْفَعهُ مَنْ اِشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالهُ قال بن الْمُنْذِر أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ اِشْتَرَى طَعَامًا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعه حَتَّى يَقْبِضهُ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ غَيْر وَاحِد مِنْ أَهْل الْعِلْم إجماعا

وأما ما حكي عن عثمان البتي من جوازه فَإِنْ صَحَّ فَلَا يُعْتَدّ بِهِ

فَأَمَّا غَيْر الطَّعَام فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاء عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة

ص: 276

لَا يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْعَقَارَ

وَقَالَ مَالِكٌ

لَا يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ وَيَجُوزُ فِيمَا سِوَاهُ وَوَافَقَهُ كَثِيرُونَ

وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَيَجُوزُ فِيمَا سِوَاهُ انْتَهَى

قُلْتُ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْآتِي فِي الْبَابِ وَحَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عِنْدَ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

أَحَدهَا أَنَّهُ يَجُوز بَيْعه قَبْل قَبْضه مَكِيلًا كَانَ أَوْ مَوْزُونًا وَهَذَا مَشْهُور مَذْهَب مَالِك

واختاره أبو ثور وبن الْمُنْذِر

وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجُوز بَيْع الدُّور وَالْأَرْض قَبْل قَبْضهَا وَمَا سِوَى الْعَقَار فَلَا يَجُوز بَيْعه قَبْل الْقَبْض وَهَذَا مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَأَبِي يُوسُف

وَالثَّالِث مَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَلَا يَصِحّ بَيْعه قَبْل الْقَبْض سَوَاء أَكَانَ مَطْعُومًا أَمْ لَمْ يَكُنْ وَهَذَا يُرْوَى عن عثمان رضي الله عنه وهو مذهب بن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاق وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب أَحْمَد بْن حَنْبَل

وَالرَّابِع أَنَّهُ لَا يَجُوز بَيْع شَيْء مِنْ الْمَبِيعَات قبل قبضه بحال وهذا مذهب بن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَات عَنْ أَحْمَد

وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الصَّحِيح الَّذِي نَخْتَارهُ

وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَصْحَاب أَحْمَد فِي الْمَنْع مِنْ بَيْع الْمَكِيل وَالْمَوْزُون قَبْل قَبْضه عَلَيَّ ثَلَاثَة طُرُق

أَحَدهَا أَنَّ الْمُرَاد مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقّ التَّوْفِيَة بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْن كَرِطْلٍ مِنْ زُبْرَة أَوْ قَفِيز مِنْ صُبْرَة وَهَذِهِ طَرِيقَة الْقَاضِي وَصَاحِب الْمُحَرَّر وَغَيْرهمَا وَعَلَى هَذَا فَمَنَعُوا بَيْع مَا يَتَعَلَّق بِهِ حَقّ تَوْفِيَة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلًا وَلَا مَوْزُونًا كَمَنْ اِشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَة أَذْرُع أَوْ قَطِيعًا كُلّ شَاة بِدِرْهَمٍ

وَالطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَنَّ الْمُرَاد بِهِ مَا كَانَ مَكِيل الْجِنْس وَمَوْزُونه وَإِنْ اِشْتَرَاهُ جُزَافًا كَالصُّبْرَةِ وَزُبْرَة الْحَدِيد وَنَحْوهمَا

وَالطَّرِيقَة الثَّالِثَة أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمَكِيل وَالْمَوْزُون مِنْ الْمَطْعُوم وَالْمَشْرُوب نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مهنا فَقَالَ كُلّ شَيْء يُبَاع قَبْل قَبْضه إِلَّا مَا كَانَ يُكَال أَوْ يُوزَن مِمَّا يُؤْكَل وَيُشْرَب

فَصَارَ فِي مَذْهَبه أَرْبَع رِوَايَات

إِحْدَاهَا إِنَّ الْمَنْع مُخْتَصّ بِمَا يَتَعَلَّق بِهِ حَقّ التَّوْفِيَة

الثَّانِيَة أَنَّهُ عَامّ فِي كُلّ مَكِيل أَوْ مَوْزُون مَطْعُوم

الثَّالِثَة أَنَّهُ عَامّ فِي كُلّ مَكِيل أَوْ مَوْزُون مَطْعُومًا كَانَ أَوْ غَيْره

الرَّابِعَة أَنَّهُ عَامّ فِي كُلّ مَبِيع

وَالصَّحِيح هُوَ هَذِهِ الرِّوَايَة لِوُجُوهٍ

ص: 277

أَحْمَدَ بِلَفْظِ إِذَا اشْتَرَيْتَ شَيْئًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ فَإِنَّهُمَا بِعُمُومِهِمَا يَشْمَلَانِ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

أَحَدهَا حَدِيث حَكِيم بْن حِزَام قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَبْتَاع هَذِهِ الْبُيُوع فَمَا يحل لي منها وما يحرم علي قال ياابن أَخِي لَا تَبِعْ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَام عَلَيْهِ

الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْبَاب مِنْ حَدِيث زَيْد بْن ثابت نهى رسول الله أَنْ تُبَاع السِّلَع حَيْثُ تُبْتَاع وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فَهُوَ الثِّقَة الصَّدُوق

وَقَدْ اِسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الرَّدّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ مِنْ هَذَا الْكِتَاب

فَإِنْ قِيلَ الْأَحَادِيث كُلّهَا مُقَيَّدَة بِالطَّعَامِ سِوَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّهُمَا مُطْلَقَانِ أَوْ عَامَّانِ

وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَنُقَيِّدهُمَا بِأَحَادِيث الطعام أو نخصمها بِمَفْهُومِهَا جَمْعًا بَيْن الْأَدِلَّة وَإِلَّا لَزِمَ إِلْغَاء وَصْف الْحُكْم وَقَدْ عُلِّقَ بِهِ الْحُكْم

قِيلَ عَنْ هَذَا جَوَابَانِ أَحَدهمَا أَنَّ ثُبُوت الْمَنْع فِي الطَّعَام بِالنَّصِّ وَفِي غَيْره إِمَّا بِقِيَاسِ النظير كما صح عن بن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ وَلَا أَحْسِب كُلّ شَيْء إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الطَّعَام أَوْ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا نَهَى عَنْ بَيْع الطَّعَام قَبْل قَبْضه مَعَ كَثْرَة الْحَاجَة إِلَيْهِ وَعُمُومهَا فَغَيْر الطَّعَام بِطَرِيقِ الْأَوْلَى

وَهَذَا مَسْلَك الشَّافِعِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ

الجواب الثاني أن اختصاص الطعام بالمنع إنما هُوَ مُسْتَفَاد مِنْ مَفْهُوم اللَّقَب وَهُوَ لَوْ تَجَرَّدَ لَمْ يَكُنْ حُجَّة فَكَيْف وَقَدْ عَارَضَهُ عُمُوم الْأَحَادِيث الْمُصَرِّحَة بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا وَالْقِيَاس الْمَذْكُور حَتَّى لَوْ لَمْ تَرِد النُّصُوص الْعَامَّة لَكَانَ قِيَاسه عَلَى الطَّعَام دَلِيلًا عَلَى الْمَنْع وَالْقِيَاس فِي هَذَا يُمْكِن تَقْدِيره مِنْ طَرِيقَيْنِ

أَحَدهمَا قِيَاس بِإِبْدَاءِ الْجَامِع ثُمَّ لِلْمُتَكَلِّمِينَ فِيهِ طَرِيقَانِ

أَحَدهمَا أَنَّهُ قِيَاس تَسْوِيَة

وَالثَّانِي أَنَّهُ قِيَاس أَوْلَوِيَّة

وَالثَّانِي مِنْ الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قِيَاس بِإِلْغَاءِ الْفَارِق فَإِنَّهُ لَا فَارِق بَيْن الطَّعَام وَغَيْره فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا لَا يَقْتَضِي الْحُكْم وُجُودًا وَلَا عَدَمًا فَافْتِرَاق الْمَجْلِس فِيهَا عَدِيم التَّأْثِير

يُوَضِّحهُ أَنَّ الْمَسَالِك الَّتِي اِقْتَضَتْ الْمَنْع مِنْ بَيْع الطَّعَام قَبْل قَبْضه مَوْجُودَة بِعَيْنِهَا فِي غَيْره كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه

قَالَ الْمُخَصِّصُونَ لِلْمَنْعِ تَعْلِيق النَّهْي عَنْ ذَلِكَ الطَّعَام يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعِلَّة لِأَنَّ الْحُكْم لَوْ تَعَلَّقَ بِالْأَعَمِّ لَكَانَ الْأَخَصّ عَدِيم التَّأْثِير فَكَيْف يَكُون الْمَنْع عَامًّا فَيُعَلِّقهُ الشَّارِع بِالْخَاصِّ

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قَالَ الْمُعَمِّمُونَ لَا تَنَافِي بَيْن الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ تَعْلِيق الْحُكْم بِعُمُومِ الْمَبِيعَات مُسْتَقِلّ بِإِفَادَةِ التَّعْمِيم وَتَعْلِيقه بِالْخَاصِّ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِاخْتِصَاصِ الْحُكْم بِهِ فَثَبَتَ التَّعَارُض وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون لِغَرَضٍ دَعَا إِلَى التَّعْيِين مِنْ غَيْر اِخْتِصَاص الْحُكْم بِهِ إِمَّا لِحَاجَةِ الْمُخَاطَب وَإِمَّا لِأَنَّ غَالِب التِّجَارَة حِينَئِذٍ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ فِيهِ فَخَرَجَ ذِكْر الطَّعَام مَخْرَج الْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَر فَإِنَّ غَالِب تِجَارَتهمْ بِالْمَدِينَةِ كَانَتْ فِي الطَّعَام وَمَنْ عَرَفَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْقَوْم مِنْ سِيرَتهمْ عَرَفَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْر الطَّعَام لِاخْتِصَاصِ الْحُكْم بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هُوَ الْأَظْهَر لَكَانَ مُحْتَمَلًا فَقَدْ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالَانِ وَالْأَحَادِيث الْعَامَّة لَا مُعَارِض لَهَا فَتَعَيَّنَ الْقَوْل بِمُوجَبِهَا

قَالَ الْمُخَصِّصُونَ لَا يُمْكِنكُمْ الْقَوْل بِعُمُومِ الْمَنْع فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ جَوَاز التَّصَرُّف فِي غَيْر الطَّعَام قَبْل قَبْضه بِالْبَيْعِ وَهُوَ الِاسْتِبْدَال بِالثَّمَنِ قَبْل قَبْضه وَالْمُصَارَفَة عَلَيْهِ

قَالَ الْمُعَمِّمُونَ الْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ

أَحَدهمَا الْفَرْق بَيْن الثَّمَن فِي الذِّمَّة وَالْمَبِيع الْمُتَعَيَّن مِنْ وُجُوه ثَلَاثَة

أَحَدهَا أَنَّ الثَّمَن مُسْتَقِرّ فِي الذِّمَّة لَا يُتَصَوَّر تَلَفه وَالْبَيْع لَيْسَ كَذَلِكَ نَعَمْ لَوْ كَانَ الثَّمَن مُعَيَّنًا لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيع المتعين

الثَّانِي أَنَّ بَيْع الثَّمَن هَا هُنَا إِنَّمَا هُوَ مِمَّنْ فِي ذِمَّته لَيْسَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَلَوْ بَاعَ الثَّمَن قَبْل الْقَبْض لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّته لَمْ يَجُزْ فِي أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الرَّافِعِيّ وَغَيْره مِنْ أَصْحَابه

الثَّالِث أَنَّ الْعِلَل الَّتِي لِأَجْلِهَا اِمْتَنَعَ الْعَقْد عَلَى الْمَبِيع قَبْل قَبْضه مُنْتَفِيَة فِي الثَّمَن بِأَسْرِهَا

فَإِنَّ الْمَآخِذ ثَلَاثَة إِمَّا عَدَم اِسْتِقْرَار الْمَبِيع وَكَوْنه عُرْضَة لِلتَّلَفِ وَانْفِسَاخ الْعَقْد وَهَذِهِ الْعِلَّة مَأْمُونَة بِكَوْنِ الثَّمَن فِي الذِّمَّة

وَأَمَّا إِنْ عَلَّقَ الْبَائِع لَمْ تَنْقَطِع عَنْ الْمَبِيع وَهَذِهِ الْعِلَّة أَيْضًا مُنْتَفِيَة هَا هُنَا وَإِمَّا أَنَّهُ عُرْضَة لِلرِّبْحِ وَهُوَ مَضْمُون عَلَى الْبَائِع فَيُؤَدِّي إِلَى رِبْح مَا لَمْ يُضْمَن

وَهَذِهِ الْعِلَّة أَيْضًا مُنْتَفِيَة فِي الثَّمَن فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَجُوز لَهُ الِاسْتِبْدَال بِهِ بِسِعْرِ يَوْمه كَمَا شَرَطَهُ النَّبِيّ لِئَلَّا يَرْبَح فِيمَا لَمْ يَضْمَن

وَلَا يُمْكِن أَنْ يُقَال مِثْل هَذَا فِي السِّلَع لِأَنَّهُ إِنَّمَا اِشْتَرَاهَا لِلرِّبْحِ فَلَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْ بَيْعهَا إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَن لَمْ يَكُنْ فِي الشِّرَاء فَائِدَة بِخِلَافِ الْأَثْمَان فَإِنَّهَا لَمْ تُوضَع لِذَلِكَ وإنما وضعت رؤوسا لِلْأَمْوَالِ لَا مَوْرِدًا لِلْكَسْبِ وَالتِّجَارَة

قَالَ الْمُخَصِّصُونَ قَدْ سَلَّمْتُمْ نُفُوذ الْعِتْق قَبْل الْقَبْض وَهُوَ تَصَرُّف يُزِيل الْمِلْك فَمَا الْفَرْق بَيْنه وَبَيْن الْبَيْع النَّاقِل لِلْمِلْكِ

ص: 279

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قَالَ الْمُعَمِّمُونَ الْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الشَّارِع جَعَلَ لِلْعِتْقِ مِنْ الْقُوَّة وَالسِّرَايَة وَالنُّفُوذ مَا لَمْ يَجْعَل لِغَيْرِهِ حَتَّى أَدْخَلَ الشِّقْص الَّذِي لِلشَّرِيكِ فِي مِلْك الْعِتْق قَهْرًا وَأَعْتَقَهُ عَلَيْهِ قَهْرًا وَحَتَّى أَعْتَقَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْتِقهُ لِقُوَّتِهِ وَنُفُوذه فَلَا يَصِحّ إِلْحَاق غَيْره مِنْ التَّصَرُّفَات بِهِ

قَالَ الْمُخَصِّصُونَ قَدْ جَوَّزْتُمْ بَيْع الْمِلْك قَبْل قَبْضه فِي صُوَر

إِحْدَاهَا بَيْع الْمِيرَاث قَبْل قَبْض الْوَارِث لَهُ

الثَّانِيَة إِذَا أَخْرَجَ السُّلْطَان رِزْق رَجُل فَبَاعَهُ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ

الثَّالِثَة إِذَا عَزَلَ سَهْمه فَبَاعَهُ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ

الرَّابِعَة مَا مَلَكَهُ بِالْوَصِيَّةِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعهُ بَعْد الْقَبُول وَقَبْل الْقَبْض

الْخَامِسَة غَلَّة مَا وُقِفَ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَبِيعهَا قَبْل أَنْ يَقْبِضهَا

السَّادِسَة الْمَوْهُوب لِلْوَلَدِ إِذَا قَبَضَهُ ثُمَّ اِسْتَرْجَعَهُ الْوَالِد فَلَهُ أَنْ يَبِيعهُ قَبْل قَبْضه

السَّابِعَة إِذَا أَثْبَتَ صَيْدًا ثُمَّ بَاعَهُ قَبْل الْقَبْض جَازَ

الثَّامِنَة الِاسْتِبْدَال بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْر جِنْسه هُوَ بَيْع قَبْل الْقَبْض

نَصَّ الشَّافِعِيّ عَلَى الْمِيرَاث وَالرِّزْق يُخْرِجهُ السُّلْطَان وَخَرَجَ الْبَاقِي عَلَى نَصّه

التَّاسِعَة بَيْع الْمَهْر قَبْل قَبْضه جَائِز وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى جَوَاز هِبَة الْمَرْأَة صَدَاقهَا مِنْ زَوْجهَا قَبْل قَبْضه

الْعَاشِرَة إِذَا خَالَعَهَا عَلَى عِوَض جَازَ التَّصَرُّف فِيهِ قَبْل قَبْضه حَكَاهُ صَاحِب الْمُسْتَوْعِب وَغَيْره

وَقَالَ أَبُو الْبَرَكَات فِي الْمُحَرَّر هُوَ كَالْبَيْعِ يَعْنِي فِي عَدَم جَوَاز التَّصَرُّف فِيهِ قَبْل الْقَبْض

الْحَادِيَة عَشْرَة إِذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَال جَازَ التَّصَرُّف فِيهِ قَبْل قَبْضه حَكَاهُ صَاحِب الْمُسْتَوْعِب

الثَّانِيَة عَشْرَة إِذَا صَالَحَهُ عَنْ دَم الْعَمْد بِمَالٍ جَازَ التَّصَرُّف فِيهِ قَبْل قَبْضه وَكَذَلِكَ إِذَا أَتْلَفَ لَهُ مَالًا وَأَخْرَجَ عِوَضه

وَمَنَعَ صَاحِب الْمُحَرَّر مِنْ ذَلِكَ كُلّه وَأَلْحَقَهُ بِالْمَبِيعِ

قَالَ الْمُعَمِّمُونَ الْفَرْق بَيْن هَذِهِ الصُّوَر وبين التصرف في المبيع قَبْل قَبْضه أَنَّ الْمِلْك فِيهِ غَيْر مُسْتَقِرّ فَلَمْ يُسَلَّط عَلَى التَّصَرُّف فِي مِلْك مُزَلْزَل بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّوَر فَإِنَّ الْمِلْك فِيهَا مُسْتَقِرّ غَيْر مُعَرَّض لِلزَّوَالِ عَلَى أَنَّ الْمُعَاوَضَات فِيهَا غَيْر مُجْمَع عَلَيْهَا بَلْ مُخْتَلَف فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ

وَفِيهَا طَرِيقَتَانِ لِأَصْحَابِ أَحْمَد إِحْدَاهُمَا طَرِيقَة صَاحِب الْمُسْتَوْعِب وَهِيَ أَنَّ كُلّ عَقْد مَلَكَ بِهِ الْعِوَض فَإِنْ كَانَ يُنْتَقَض بِهَلَاكِ الْعِوَض قَبْل قَبْضه كَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْح عَنْ الْمَبِيع فَحُكْمه فِي جَوَاز التَّصَرُّف فِيهِ حُكْم الْعِوَض الْمُتَعَيَّن بِعَقْدِ الْبَيْع وَإِنْ كَانَ الْعَقْد لَا يُنْتَقَض بِهَلَاكِ الْعِوَض الْمُتَعَيَّن بِهِ كَالْمَهْرِ وَعِوَض الْخُلْع والعتق

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَالصُّلْح عَنْ دَم الْعَمْد فَحُكْمه حُكْم الْمَمْلُوك بِعَقْدِ الْبَيْع وَمَا مَلَكَ بِغَيْرِ عِوَض كَالْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّة وَالْهِبَة فَالتَّصَرُّف فِيهِ جَائِز قَبْل قَبْضه

قَالَ الْمُخَصِّصُونَ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه فِي سَفَر فَكُنْت عَلَى بَكْر صَعْب لِعُمَر فَكَانَ يَغْلِبنِي فَيَتَقَدَّم أَمَام الْقَوْم فَيَزْجُرهُ عُمَر وَيَرُدّهُ ثُمَّ يَتَقَدَّم فَيَزْجُرهُ وَيَقُول لِي أَمْسِكْهُ لا يتقدم بين يدي النبي فقال له رسول الله بعنيه ياعمر

فقال هو لك يا رسول الله

قَالَ بِعْنِيهِ فَبَاعَهُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمالك يَا عَبْد اللَّه فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْت فَهَذَا تَصَرُّف فِي الْمَبِيع غَيْر الْمَكِيل وَالْمَوْزُون قَبْل قَبْضه

قَالَ الْمُعَمِّمُونَ لَا رَيْب أَنَّ هَذَا تَصَرُّف فِيهِ بِالْهِبَةِ لَا بِالْمُعَاوَضَةِ

وَنَحْنُ لَنَا فِي مِثْل هَذَا التَّصَرُّف قَبْل الْقَبْض خِلَاف فَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ يُجَوِّزهُ وَنُفَرِّق بَيْن التَّصَرُّف فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالتَّصَرُّف بِالْهِبَةِ

وَنُلْحِق الْهِبَة بِالْعِتْقِ وَنَقُول هِيَ إِخْرَاج عَنْ مِلْكه لَا تَتَوَالَى فِيهِ ضَمَانَات وَلَا يَكُون التَّصَرُّف بِهَا عرضة لِرِبْحٍ مَا لَمْ يُضْمَن بِخِلَافِ الْبَيْع وَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ مَنَعَهَا وَقَالَ الْعِلَّة الْمَانِعَة مِنْ بَيْعه قَبْل قَبْضه عَدَم اِسْتِقْرَار الْمِلْك وَضَعْفه وَلَا فَرْق فِي ذَلِكَ بَيْن تَصَرُّف وَتَصَرُّف فَإِنْ صَحَّ الْفَرْق بَطَلَ الْقَبْض وَإِنْ بَطَلَ الْقَبْض سَوَّيْنَا بَيْن التَّصَرُّفَات وَعَلَى هَذَا فَالْحَدِيث لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى التَّصَرُّف قَبْل الْقَبْض إِذْ قَبْض ذَلِكَ الْبَعِير حَصَلَ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنه وَبَيْنه مَعَ تَمَيُّزه وَتَعَيُّنه وَهَذَا كَافٍ فِي الْقَبْض فَصْل

وَقَدْ ذُكِرَ لِلْمَنْعِ مِنْ بَيْع مَا لَمْ يُقْبَض عِلَّتَانِ

إِحْدَاهُمَا ضَعْف الْمِلْك لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ اِنْفَسَخَ الْبَيْع

وَالثَّانِيَة أَنَّ صِحَّته تُفْضِي إِلَى تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ فَإِنَّا لَوْ صَحَّحْنَاهُ كَانَ مَضْمُونًا لِلْمُشْتَرِي

الْأَوَّل عَلَى الْبَائِع الْأَوَّل وَالْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْبَائِع الثَّانِي فَكَيْف يَكُون الشَّيْء الْوَاحِد مَضْمُونًا لِشَخْصٍ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَهَذَانِ التَّعْلِيلَانِ غَيْر مَرْضِيَّيْنِ

أَمَّا الْأَوَّل فَيُقَال ما تعندون بِضَعْفِ الْمِلْك هَلْ عَنَيْتُمْ بِهِ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ سَبَب يُوجِب فَسْخه يَنْفَسِخ بِهِ أَوْ أَمْرًا آخَر فَإِنْ عَنَيْتُمْ الْأَوَّل فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّهُ مَانِع مِنْ صِحَّة الْبَيْع وَأَيّ مُلَازَمَة بَيْن الِانْفِسَاخ بِسَبَبٍ طَارِئ وَبَيْن عَدَم الصِّحَّة شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِضَعْفِ الْمِلْك أَمْرًا آخَر فَعَلَيْكُمْ بَيَانه لِنَنْظُر فِيهِ

وَأَمَّا التَّعْلِيل الثَّانِي فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَلَا تَظْهَر فِيهِ مُنَاسَبَة تَقْتَضِي الْحُكْم فَإِنَّ كَوْن الشَّيْء مَضْمُونًا عَلَى الشَّخْص بِجِهَةٍ وَمَضْمُونًا لَهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى غَيْر مُمْتَنِع شَرْعًا وَلَا عَقْلًا وَيَكْفِي فِي رَدّه أَنَّهُ لَا دَلِيل عَلَى اِمْتِنَاعه كَيْف وَأَنْتُمْ تُجَوِّزُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِجَارَة مَا اِسْتَأْجَرَهُ وَالْمَنْفَعَة مَضْمُونَة لَهُ عَلَى الْمُؤَجِّر وَهِيَ مَضْمُونَة عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي وَكَذَلِكَ الثِّمَار بَعْد بُدُوّ صَلَاحهَا إِذَا بِيعَتْ عَلَى أُصُولهَا

ص: 281

ومسلم والنسائي وبن ماجه

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

فَهِيَ مَضْمُونَة عَلَى الْبَائِع إِذَا اِحْتَاجَتْ إِلَى سَقْي اِتِّفَاقًا

وَإِنْ تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ فَهِيَ مَضْمُونَة عَلَيْهِ وَلَهُ

وَلِهَذَا لَمَّا رَأَى أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ ضَعْف هَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ قَالَ لَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ وَالْمُعْتَمَد فِي بُطْلَان الْبَيْع إِنَّمَا هُوَ الْإِخْبَار فَالشَّافِعِيّ يَمْنَع التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع قَبْل قَبْضه وَيَجْعَلهُ مِنْ ضَمَان الْبَائِع مُطْلَقًا وَهُوَ رِوَايَة عَنْ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَة كَذَلِكَ إِلَّا فِي الْعَقَار

وَأَمَّا مَالِك وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَبه فَيَقُولَانِ مَا يُمَكَّن الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضه وَهُوَ الْمُتَعَيَّن بِالْعَقْدِ فَهُوَ مِنْ ضَمَان الْمُشْتَرِي وَمَالِك وَأَحْمَد يُجَوِّزَانِ التَّصَرُّف فِيهِ وَيَقُولَانِ الْمُمَكَّن مِنْ الْقَبْض جَارٍ مَجْرَى الْقَبْض عَلَى تَفْصِيل فِي ذَلِكَ

فَظَاهِر مَذْهَب أَحْمَد أَنَّ النَّاقِل لِلضَّمَانِ إِلَى الْمُشْتَرِي هُوَ التَّمَكُّن مِنْ الْقَبْض لَا نَفْسه وَكَذَلِكَ ظَاهِر مَذْهَبه أَنَّ جَوَاز التَّصَرُّف فِيهِ لَيْسَ مُلَازِمًا لِلضَّمَانِ وَلَا مُبْتَنِيًا عَلَيْهِ وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابه فَقَدْ وَهَمَ فَإِنَّهُ يَجُوز التَّصَرُّف حَيْثُ يَكُون مِنْ ضَمَان الْبَائِع كَمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّمَن وَمَنَافِع الْإِجَارَة وَبِالْعَكْسِ أَيْضًا كَمَا فِي الصُّبْرَة الْمُعَيَّنَة

وَقَدْ نَصَّ الْخِرَقِيّ عَلَى هَذَا وَهَذَا فَقَالَ فِي الْمُخْتَصَر وَإِذَا وَقَعَ الْمَبِيع عَلَى مَكِيل أَوْ مَوْزُون أَوْ مَعْدُود فَتَلِفَ قَبْل قَبْضه

فَهُوَ مِنْ مَال الْبَائِع

ثُمَّ قَالَ وَمَنْ اِشْتَرَى مَا يَحْتَاج إِلَى بَيْعه لَمْ يَجُزْ بَيْعه حَتَّى يَقْبِضهُ

ثُمَّ قَالَ وَمَنْ اِشْتَرَى صُبْرَة طَعَام لَمْ يَبِعْهَا حَتَّى يَنْقُلهَا

فَالصُّبْرَة مَضْمُونَة عَلَى الْمُشْتَرِي بِالتَّمَكُّنِ وَالتَّخْلِيَة اِتِّفَاقًا وَمَعَ هَذَا لَا يَبِيعهَا حَتَّى يَقْبِضهَا وَهَذَا مَنْصُوص أَحْمَد

فَالْمَأْخَذ الصَّحِيح فِي الْمَسْأَلَة أَنَّ النَّهْي مُعَلَّل بِعَدَمِ تَمَام الِاسْتِيلَاء وَعَدَم اِنْقِطَاع عَلَاقَة الْبَائِع عَنْهُ فَإِنَّهُ يَطْمَع فِي الْفَسْخ وَالِامْتِنَاع مِنْ الْإِقْبَاض إِذَا رَأَى الْمُشْتَرِي قَدْ رَبِحَ فِيهِ وَيَغُرّهُ الرِّبْح وَتَضِيق عَيْنه مِنْهُ وَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَى التَّحَيُّل عَلَى الْفَسْخ وَلَوْ ظُلْمًا وَإِلَى الْخِصَام وَالْمُعَادَاة وَالْوَاقِع شَاهِد بِهَذَا

فَمِنْ مَحَاسِن الشَّرِيعَة الْكَامِلَة الْحَكِيمَة مَنْع الْمُشْتَرِي مِنْ التَّصَرُّف فِيهِ حَتَّى يَتِمّ اِسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهِ وَيَنْقَطِع عَنْ الْبَائِع وَيَنْفَطِم عَنْهُ فَلَا يَطْمَع فِي الْفَسْخ وَالِامْتِنَاع مِنْ الْإِقْبَاض وَهَذَا مِنْ الْمَصَالِح الَّتِي لَا يُهْمِلهَا الشَّارِع حَتَّى إِنَّ مَنْ لَا خِبْرَة لَهُ مِنْ التُّجَّار بِالشَّرْعِ يَتَحَرَّى ذَلِكَ وَيَقْصِدهُ لِمَا فِي ظَنّه مِنْ الْمَصْلَحَة وَسَدّ بَاب الْمَفْسَدَة

وَهَذِهِ الْعِلَّة أَقْوَى مِنْ تَيْنِك الْعِلَّتَيْنِ

وَعَلَى هَذَا فَإِذَا بَاعَهُ قَبْل قَبْضه مِنْ بَائِعه جَازَ عَلَى الصَّحِيح لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الْعِلَّة

ص: 282

[3493]

(نَبْتَاعُ الطَّعَامَ) أَيْ نَشْتَرِيهِ (فَيُبْعَثُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ هَكَذَا مَضْبُوطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الظَّاهِرُ

وَقَوْلُهُ مَنْ يَأْمُرُنَا هُوَ مَفْعُولُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لَكِنْ قَالَ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ فَيَبْعَثُ أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُهُ مَنْ يَأْمُرُنَا مَحَلُّهُ نَصْبُ مَفْعُولِ يَبْعَثُ انْتَهَى

وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْمُحَدِّثُ وَلِيُّ اللَّهِ الدَّهْلَوِيُّ فِي الْمُصَفَّى شَرْحُ الْمُوَطَّأِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(يَعْنِي جِزَافًا) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الْبَيْعُ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا تَقْدِيرٍ

قَالَهُ النَّوَوِيُّ

وَقَالَهُ يَعْنِي جِزَافًا هُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ نَبْتَاعُ الطَّعَامَ أَيْ نَبْتَاعُ جِزَافًا

قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَقْبُوضُ يَخْتَلِفُ فِي الْأَشْيَاءِ حَسَبَ اخْتِلَافِهَا فِي أَنْفُسِهَا وَحَسَبَ اخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ فِيهِ فَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِأَنْ يُوضَعَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِالنَّقْلِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِأَنْ يُكَالَ وَذَلِكَ فِيمَا يَبِيعُ مِنَ الْكَيْلِ كَيْلًا فَأَمَّا مَا يُبَاعُ مِنْهُ جُزَافًا صُبْرَةً مَصْبُورَةً عَلَى الْأَرْضِ فَالْقَبْضُ فِيهِ أَنْ يُنْقَلَ وَيُحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فَإِنْ ابْتَاعَ طَعَامًا كَيْلًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بِالْكَيْلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَكِيلَهُ عَنِ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي انْتَهَى

قَالَ النَّوَوِيُّ وَجَوَازُ بَيْعِ الصُّبْرَةِ جِزَافًا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا جِزَافًا صَحِيحٌ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والنسائي

[3494]

(بأعلى السوق) أي في الناصية الْعُلْيَا مِنْهَا (حَتَّى يَنْقُلُوهُ) أَيْ عَنْ مَكَانِهِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَمَنْ عَلَّلَ النَّهْي بِتَوَالِي الضَّمَانَيْنِ يَمْنَع بَيْعه مِنْ بَائِعه لِوُجُودِ الْعِلَّة فَبَيْعه مِنْ بَائِعه يُشْبِه الْإِقَالَة

وَالصَّحِيح مِنْ الْقَوْلَيْنِ جَوَاز الْإِقَالَة قَبْل الْقَبْض وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْع

وَعَلَى هذا خرج حديث بن عُمَر فِي الِاسْتِبْدَال بِثَمَنِ الْمَبِيع وَالْمُصَارَفَة عَلَيْهِ قَبْل قَبْضه فَإِنَّهُ اِسْتِبْدَال وَمُصَارَفَة مَعَ الْعَاقِد لَا مَعَ غَيْره وَاَللَّه أَعْلَم

ص: 283

بِالنَّقْلِ عَنْ مَكَانِهِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنِ اشْتَرَى طَعَامًا أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ

وَحُكِيَ فِي الْفَتْحِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ فَأَجَازَ بَيْعَ الْجِزَافِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ والحديث يرد عليهم وكذا حديث بن عُمَرَ الْآتِي مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ

قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ

[3495]

(نَهَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ طَعَامًا اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ

قَالَ الزَّرْقَانِيُّ وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ الْجُزَافِ فَأَجَازَ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ مَرْئِيٌّ فَيَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ وَبَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَلَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ

وَقَدْ رَوَى أحمد عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا مَنِ اشْتَرَى بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَفِي قَوْلِهِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا خَالَفَهُ بِخِلَافِهِ

وَجَعَلَ مَالِكٌ رِوَايَةَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ تَفْسِيرًا لِرِوَايَةِ حَتَّى يَقْبِضَهُ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَكُونُ بِالْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ عَلَى الْمَعْرُوفِ لُغَةً

قَالَ تَعَالَى الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون وقال فأوف لنا الكيل وقال وأوفوا الكيل إذا كلتم انْتَهَى

وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى كَوْنِ الطَّعَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْ بَيْعِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِهِ

نَعَمْ لَوْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَابِ إِلَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا إِطْلَاقُ لَفْظِ الطَّعَامِ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَمَّا بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْجِزَافِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا فِي حديث بن عُمَرَ فَيَتَحَتَّمُ الْمَصِيرُ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الطَّعَامِ مُتَّحِدٌ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنِ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ

ص: 284

[3496]

(يَكْتَالُهُ) أَيْ يَقْبِضُهُ بِالْكَيْلِ (قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ مَا سَبَبُ النَّهْيِ (يَبْتَاعُونَ بِالذَّهَبِ وَالطَّعَامُ مُرَجًّى) بِوَزْنِ اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَالتَّفْعِيلِ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ أَيْ مُؤَخَّرٌ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكُلُّ شَيْءٍ أَخَّرْتَهُ فَقَدْ أَرْجَيْتَهُ يُقَالُ أَرْجَيْتُ الشَّيْءَ وَرَجَيْتُ أَيْ أَخَّرْتُهُ وَقَدْ يُتَكَلَّمُ بِهِ مَهْمُوزًا وَغَيْرَ مَهْمُوزٍ انْتَهَى

وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى طَعَامًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدَفَعَهَا لِلْبَائِعِ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ الطَّعَامَ وَتَأَخَّرَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَ الطَّعَامَ إِلَى آخَرَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَثَلًا فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى بِذَهَبِهِ ذَهَبًا أَكْثَرَ مِنْهُ كَذَا فِي النَّيْلِ

وَقَالَ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ إِنْسَانٍ طَعَامًا بِدِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَبِيعُهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ بِدِينَارَيْنِ مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي التَّقْدِيرِ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَالطَّعَامُ غَائِبٌ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ دِينَارَهُ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الطَّعَامَ بِدِينَارَيْنِ فَهُوَ رِبًا وَلِأَنَّهُ بَيْعُ غَائِبٍ بِنَاجِزٍ فَلَا يَصِحُّ انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ

[3497]

(عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ) فَحَمَّادٌ وَأَبُو عَوَانَةَ كِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ (قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) أَيْ يَقْبِضَهُ وَافِيًا كَامِلًا وَزْنًا أَوْ كَيْلًا (وَأَحْسِبُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا أَيْ أَظُنُّ (كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَ الطَّعَامِ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيَعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ

ص: 285

وهذا من تفقه بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ كَذَا فِي إِرْشَادِ السَّارِي وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ

[3498]

(يُضْرَبُونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ

قَالَ السُّيُوطِيُّ هَذَا أَصْلٌ فِي ضَرْبِ الْمُحْتَسِبِ أَهْلَ السُّوقِ إِذَا خَالَفُوا الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِي مُبَايَعَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمُ انْتَهَى

قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ يُعَزِّرُ مَنْ تَعَاطَى بَيْعًا فَاسِدًا وَيُعَزِّرُهُ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَرَاهُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ فِي الْبَدَنِ انْتَهَى

(جُزَافًا) أَيْ شِرَاءً جُزَافًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِمْ مُجَازِفِينَ

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ سَوَّى بَيْنَ الْجُزَافِ وَالْكَيْلِ مِنَ الطَّعَامِ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ ذَلِكَ حَتَّى يُقْبَضَ وَرَأَى نَقْلَ الْجُزَافِ قَبْضَهُ وَبِهِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثور وأحمد وداود كذا في عمدة القارىء شَرْحِ الْبُخَارِيِّ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

[3499]

(فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ) أَيْ صَارَ فِي مِلْكِي بِعَقْدِ التَّبَايُعِ

قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ (فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ) أَيْ أَعْقِدَ مَعَهُ الْبَيْعَ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يَضَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ عِنْدَ الْعَقْدِ قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ (تَحُوزُهُ) أَيْ تُحْرِزُهُ (نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ السلعة بالكسر المتاع وما اتجر بِهِ

كَذَا فِي الْقَامُوسِ (حَيْثُ تَبْتَاعُ) أَيْ فِي مَكَانِ اشْتِرَائِهَا

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ

ص: 286