الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3
([3485]
بَاب فِي ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ)
(عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ هِيَ مَا زَالَتْ عَنْهُ الْحَيَاةُ لَا بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ (وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِ السِّرْقِينَ وَبَيْعِ كُلِّ نَجَسِ الْعَيْنِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ فكرهت طائفة ذلك
وممن منع منه بن سِيرِينَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ اللِّيفُ أَحَبُّ إِلَيْنَا
وَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[3486]
(إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ) وَالْعِلَّةُ فِيهِ السُّكْرُ فَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى كُلِّ مُسْكِرٍ (وَالْأَصْنَامِ) جَمْعُ صَنَمٍ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ الْوَثَنُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي النِّهَايَةِ فَقَالَ الوثن كل ماله جُثَّةٌ مَعْمُولَةٌ مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ أَوْ مِنَ الْخَشَبِ أَوْ مِنَ الْحِجَارَةِ كَصُورَةِ الْآدَمِيِّ تُعْمَلُ وَتُنْصَبُ فَتُعْبَدُ وَالصَّنَمُ الصُّورَةُ بِلَا جُثَّةٍ
قَالَ وَقَدْ يُطْلَقُ الْوَثَنُ عَلَى غَيْرِ الصُّورَةِ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (فَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (يُطْلَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِهَا) أَيْ بِشُحُومِ الْمَيْتَةِ (السُّفُنُ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ السَّفِينَةِ (وَيُدْهَنُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ) أَيْ يَجْعَلُونَهَا فِي سُرُجِهِمْ وَمَصَابِيحِهِمْ يَسْتَضِيئُونَ بِهَا أَيْ فَهَلَ يَحِلُّ بَيْعُهَا لِمَا ذُكِرَ مِنَ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا مُقْتَضِيَةٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ (فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ) أَيِ الْبَيْعُ هَكَذَا فَسَّرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَالشَّافِعِيِّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حمل قوله وهو حَرَامٍ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَقَالَ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ أَصْلًا عِنْدَهُمْ إِلَّا مَا خُصَّ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَتَنَجَّسُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ
وقال أحمد وبن الْمَاجِشُونِ لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَتْ لَهُ دَابَّةٌ سَاغَ لَهُ إِطْعَامُهَا لِكِلَابِ الصَّيْدِ فَكَذَلِكَ يَسُوغُ دَهْنُ السَّفِينَةِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ وَلَا فَرْقَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (عِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ حَرَامٌ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
وقال القارىء أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ أَرَأَيْتَ إِلَخْ (قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ) أَيْ أَهْلَكَهُمْ وَلَعَنَهُمْ وَيُحْتَمَلُ إِخْبَارًا وَدُعَاءً هُوَ مِنْ بَابِ عَاقَبْتُ اللِّصَّ (لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا) أَيْ شُحُومَ الميتة قاله القسطلاني
وقال القارىء الضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ الْبَقَرِ والغنم حرمنا عليهم شحومهما قَالَ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ اسْمُ جِنْسٍ يَجُوزُ تَأْنِيثُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى (أَجْمَلُوهُ) بِالْجِيمِ أَيْ أَذَابُوهُ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الشُّحُومِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ
ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ أَذَابُوهَا حَتَّى تَصِيرَ وَدِكًا فَيَزُولُ عَنْهَا اسْمُ الشَّحْمِ تَقُولُ جَمَلْتُ الشَّحْمَ وَأَجْمَلْتُهُ إِذَا أَذَبْتُهُ
قَالَ وَفِي هَذَا بَيَانُ بُطْلَانِ كُلِّ حِيلَةٍ يُحْتَالُ بِهَا لِلتَّوَصُّلِ إِلَى مُحَرَّمٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِتَغَيُّرِ هَيْئَتِهِ وَتَبْدِيلِ اسْمِهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
[3488]
(حَدَّثَاهُمْ) أَيْ مُسَدَّدٌ أَوْ غَيْرُهُ (الْمَعْنَى) أَيْ مَعْنَى حَدِيثِيهِمَا وَاحِدٌ وَفِي أَلْفَاظِهِمَا اخْتِلَافٌ (عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ) هُوَ خَالِدُ بْنُ مِهْرَانَ الْبَصْرِيُّ الْحَذَّاءُ (عَنْ بَرَكَةَ) بِفَتَحَاتٍ (فِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِإِضَافَةِ حَدِيثٍ إِلَى خَالِدٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي حَدِيثِهِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الضَّمِيرِ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ
وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا هُوَ الطَّحَّانُ (عَنْ بَرَكَةَ أَبِي الْوَلِيدِ) كُنْيَةُ بَرَكَةَ فَزَادَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثِهِ لَفْظَ أَبِي الْوَلِيدِ بَعْدَ لَفْظِ بَرَكَةَ وَأَمَّا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ فَلَمْ يَزِدْ فِي حَدِيثِهِ هَذَا اللَّفْظَ (ثُمَّ اتَّفَقَا) أَيْ بِشْرٌ وَخَالِدٌ (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ إِلَخْ) قَالَ فِي
الْمُنْتَقَى وَهُوَ حُجَّةٌ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الدُّهْنِ النَّجَسِ (وَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ) أَيْ مَكَانَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[3489]
(فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ فَلْيَسْتَحِلَّ أَكْلَهَا وَالتَّشْقِيصُ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَذْبَحَهَا بِالْمِشْقَصِ وَهُوَ نَصْلٌ عَرِيضٌ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا أَشْقَاصًا بَعْدَ ذَبْحِهَا كَمَا يَفْصِلُ أَجْزَاءَ الشَّاةِ إِذَا أَرَادُوا إِصْلَاحَهَا لِلْأَكْلِ
وَمَعْنَى الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ تَوْكِيدُ التَّحْرِيمِ وَالتَّغْلِيظُ فِيهِ يَقُولُ مَنْ اسْتَحَلَّ بَيْعَ الْخَمْرِ فَلْيَسْتَحِلَّ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُمَا فِي الْحُرْمَةِ وَالْإِثْمِ سَوَاءٌ أَيْ إِذَا كُنْتَ لَا تَسْتَحِلُّ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ فَلَا تَسْتَحِلَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ فَإِنَّكَ تُهْلَكُ وَتُحْرَقُ بِالنَّارِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا لَفْظُ أَمْرٍ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ تَقْدِيرُهُ مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيَكُنْ لِلْخَنَازِيرِ قَصَّابًا انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[3490]
(لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَاتُ الْأَوَاخِرُ إِلَخْ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ هُوَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ نَزَلَتْ قَبْلَ آيَةِ الرِّبَا بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَإِنَّ آيَةَ الرِّبَا آخِرُ مَا نَزَلَ أَوْ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّهْيُ عَنِ التِّجَارَةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَحْرِيمِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِتَحْرِيمِ التِّجَارَةِ حِينَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا تَوْكِيدًا وَمُبَالَغَةً وَلَعَلَّهُ حَضَرَ الْمَجْلِسَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ تَحْرِيمُ التِّجَارَةِ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ