المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب السلف يحول) - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ٩

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌ بَاب الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ)

- ‌(بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ يَمُوتُ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ)

- ‌(بَاب فِي جَمْعِ الْمَوْتَى فِي قَبْرٍ)

- ‌(بَابٌ فِي الْحَفَّارِ يَجِدُ الْعَظْمَ)

- ‌(بَاب فِي اللَّحْدِ)

- ‌(بَاب كَمْ يَدْخُلُ الْقَبْرَ)

- ‌(باب كيف يدخل الميت قبره)

- ‌(باب كيف يجلس عِنْدَ الْقَبْرِ)

- ‌(بَاب فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يَمُوتُ لَهُ قَرَابَةٌ كَسَحَابَةٍ)

- ‌ بَاب فِي تَعْمِيقِ الْقَبْرِ)

- ‌(بَاب فِي تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ)

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ الذَّبْحِ عِنْدَ الْقَبْرِ)

- ‌(بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ حِينٍ)

- ‌(بَاب فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ)

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ)

- ‌(باب المشي بين القبور في النعل)

- ‌(بَاب فِي تَحْوِيلِ الْمَيِّتِ مِنْ مَوْضِعِهِ)

- ‌(بَاب فِي الثَّنَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ)

- ‌ بَاب فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ)

- ‌(بَاب فِي زِيَارَةِ النِّسَاءِ الْقُبُورَ)

- ‌(باب ما يقول إذا مر بالقبور)

- ‌(باب كيف يصنع بالمحرم إذا مات)

- ‌21 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌ بَاب فِي من حلف ليقتطع بها مالا)

- ‌ بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْظِيمِ الْيَمِينِ عِنْدَ مِنْبَرِ النبي)

- ‌ باب اليمين بغير الله)

- ‌ باب كَرَاهِيَةِ الْحَلْفِ بِالْآبَاءِ)

- ‌ بَابُ كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ بِالْأَمَانَةِ)

- ‌ بَابُ الْمَعَارِيضِ فِي الْأَيْمَانِ)

- ‌ بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَلْفِ بِالْبَرَاءَةِ وَبِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ)

- ‌ بَاب الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَتَأَدَّمَ)

- ‌ بَاب الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي يَمِينِ النَّبِيِّ)

- ‌(باب الحنث إذا كان خيرا)

- ‌(بَاب فِي الْقَسَمِ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا)

- ‌(باب في الحلف كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا)

- ‌(بَاب كَمْ الصَّاعُ فِي الْكَفَّارَةِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ)

- ‌(باب كراهية النذر)

- ‌(باب النَّذْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَأَى عَلَيْهِ)

- ‌ بَاب مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِ المقدس)

- ‌(باب قَضَاءِ النَّذْرِ عَنْ الْمَيِّتِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ)

- ‌(باب ما يؤمر به)

- ‌(باب النَّذْرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ)

- ‌(بَابُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ)

- ‌(باب نذر الجاهلية الخ)

- ‌(بَاب مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ)

- ‌(بَاب لَغْوِ الْيَمِينِ)

- ‌(باب فيمن حلف)

- ‌ بَاب الْيَمِينِ فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ)

- ‌(باب الحالف يستثنى بعد ما يَتَكَلَّمُ)

- ‌(بَاب مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ)

- ‌22 - كِتَابِ الْبُيُوعِ

- ‌(باب في التجارة)

- ‌ بَاب فِي اسْتِخْرَاجِ الْمَعَادِنِ)

- ‌(بَاب فِي اجْتِنَابِ الشُّبُهَاتِ)

- ‌ بَاب فِي آكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ)

- ‌(بَاب فِي وَضْعِ الرِّبَا)

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ)

- ‌ بَاب فِي الرُّجْحَانِ فِي الْوَزْنِ)

- ‌(بَاب فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلخ)

- ‌(باب في التشديد في الدين)

- ‌ بَاب فِي الْمَطْلِ أَيِ التَّسْوِيفِ وَالتَّأْخِيرِ)

- ‌(بَاب فِي حُسْنِ الْقَضَاءِ)

- ‌(بَاب فِي الصَّرْفِ)

- ‌(باب في حلية السيف تباع بالدراهم)

- ‌(بَاب فِي اقْتِضَاءِ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ)

- ‌(بَاب فِي الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً)

- ‌(بَاب فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)

- ‌(باب في الثمر بالثمر)

- ‌(بَاب فِي الْمُزَابَنَةِ)

- ‌ بَاب فِي بَيْعِ الْعَرَايَا)

- ‌(بَاب فِي مِقْدَارِ الْعَرِيَّةِ)

- ‌(بَابٌ فِي تَفْسِيرِ الْعَرَايَا)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ السِّنِينَ)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ الْغَرَرِ)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ الْمُضْطَرِّ مُفْتَعَلٌ مِنَ الضُّرِّ)

- ‌(بَاب فِي الشَّرِكَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْمُضَارِبِ يُخَالِفُ الْمُضَارَبَةُ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَتَّجِرُ فِي مَالِ الرَّجُلِ)

- ‌ بَاب فِي الشَّرِكَةِ عَلَى غَيْرِ رَأْسِ مَالٍ)

- ‌(بَاب فِي الْمُزَارَعَةِ)

- ‌(بَاب فِي التَّشْدِيدِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُزَارَعَةِ)

- ‌(بَاب فِي زَرْعِ الْأَرْضِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهَا)

- ‌(بَاب فِي الْمُخَابَرَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْمُسَاقَاةِ)

- ‌(بَاب فِي الْخَرْصِ)

- ‌كتاب الإجارة

- ‌(باب في كسب العلم)

- ‌ بَاب فِي كَسْبِ الْأَطِبَّاءِ)

- ‌(بَاب فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ)

- ‌ بَابُ فِي كَسْبِ الْإِمَاءِ)

- ‌ بَاب حُلْوَانِ الْكَاهِنِ)

- ‌ بَاب فِي عَسْبِ الْفَحْلِ)

- ‌ بَاب فِي الصَّائِغِ)

- ‌(بَاب فِي الْعَبْدِ يُبَاعُ وَلَهُ مَالٌ)

- ‌ بَاب فِي التَّلَقِّي)

- ‌ بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ النَّجْشِ)

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ)

- ‌(بَاب مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَكَرِهَهَا)

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ الْحُكْرَةِ)

- ‌(بَاب فِي كَسْرِ الدَّرَاهِمِ)

- ‌(بَاب فِي التَّسْعِيرِ)

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ عَنِ الْغِشِّ)

- ‌(بَاب فِي خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ)

- ‌(بَاب فِي فَضْلِ الْإِقَالَةِ)

- ‌(بَاب فِيمَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ)

- ‌ بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ الْعِينَةِ)

- ‌(بَاب فِي السَّلَفِ)

- ‌(بَاب فِي السَّلَمِ فِي ثَمَرَةٍ بِعَيْنِهَا)

- ‌(بَابٌ السَّلَفُ يُحَوَّلُ)

- ‌(بَاب فِي وَضْعِ الْجَائِحَةِ)

- ‌(بَاب فِي تَفْسِيرِ الْجَائِحَةِ)

- ‌(بَاب فِي مَنْعِ الْمَاءِ)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ)

- ‌(بَاب فِي ثَمَنِ السِّنَّوْرِ)

- ‌(بَاب فِي أَثْمَانِ الْكِلَابِ)

- ‌ بَاب فِي ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ)

- ‌(بَاب فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ)

- ‌(بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا خِلَابَةَ)

- ‌(بَاب فِي الْعُرْبَانِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ)

- ‌(بَاب فِي شَرْطٍ فِي بَيْعٍ)

- ‌(بَاب فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ)

- ‌(بَاب فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا)

- ‌(بَاب إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ)

- ‌ بَاب فِي الشُّفْعَةِ)

- ‌ بَاب فِي الرَّجُلِ يُفْلِسُ)

- ‌ باب فيمن أحيى حسير)

- ‌(بَاب فِي الرَّهْنِ)

- ‌(باب الرَّجُلِ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَجِدُ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَأْخُذُ حَقَّهُ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ)

- ‌(باب في قبول الهدايا)

- ‌(بَاب الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْهَدِيَّةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يُفَضِّلُ بَعْضَ وَلَدِهِ فِي النُّحْلِ)

- ‌ بَاب فِي عَطِيَّةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا)

- ‌(بَاب فِي الْعُمْرَى)

- ‌(بَاب فِي الرُّقْبَى)

- ‌(بَاب فِي تَضْمِينِ الْعَارِيَة)

- ‌(بَاب فِيمَنْ أَفْسَدَ شَيْئًا يَغْرَمُ مِثْلَهُ)

- ‌(بَاب الْمَوَاشِي تُفْسِدُ زَرْعَ قَوْمٍ)

- ‌23 - كِتَابِ الْقَضَاء

- ‌(باب في طلب القضاء)

- ‌ باب في القاضي)

- ‌(بَاب فِي طَلَبِ الْقَضَاءِ وَالتَّسَرُّعِ إِلَيْهِ)

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ الرَّشْوَةِ)

- ‌ بَاب فِي هَدَايَا الْعُمَّالِ)

- ‌ بَاب كَيْفَ الْقَضَاءُ)

- ‌ بَاب فِي قَضَاءِ الْقَاضِي إِذَا أَخْطَأَ)

- ‌(بَاب كَيْفَ يَجْلِسُ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي)

- ‌ بَاب الْقَاضِي يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ)

- ‌ بَاب الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ)

- ‌(بَاب اجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِي الْقَضَاءِ)

- ‌(بَاب فِي الصُّلْحِ)

الفصل: ‌(باب السلف يحول)

يَقُولُ بِهِ أَوْ عَلَى مَا قَرُبَ أَجَلُهُ

قَالُوا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الثِّمَارَ لَا تَبْقَى هَذِهِ الْمُدَّةَ وَلَوِ اشْتُرِطَ الْوُجُودُ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِي الرُّطَبِ إِلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ وَهَذَا أَوْلَى مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي الْجَوَازِ انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ

(فَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ) جَمْعُ نَبِيطٍ وَهُمْ قَوْمٌ مَعْرُوفُونَ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْبَطَائِحِ بَيْنَ الْعِرَاقَيْنِ

قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَأَصْلُهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ دَخَلُوا فِي الْعَجَمِ وَاخْتَلَطَتْ أَنْسَابُهُمْ وَفَسَدَتْ أَلْسِنَتُهُمْ وَيُقَالُ لَهُمْ النبط بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ وَزِيَادَةِ تَحْتَانِيَّةٍ وَإِنَّمَا سُمُّوا بِذَلِكَ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِإِنْبَاطِ الْمَاءِ أَيِ اسْتِخْرَاجِهِ لِكَثْرَةِ مُعَالَجَتِهِمُ الْفِلَاحَةَ وَقِيلَ هُمْ نَصَارَى الشَّامِ وَهُمْ عَرَبٌ دَخَلُوا فِي الرُّومِ وَنَزَلُوا بِوَادِي الشَّامِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ كَذَا فِي النَّيْلِ (فَقِيلَ لَهُ مِمَّنْ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْبُرَّ وَالزَّيْتَ

وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَا كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ فَنُسَلِّفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًى قِيلَ أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَا مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَقْرِيرِهِ صلى الله عليه وسلم لهم مع ترك الاستفصال قال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ وَأَمَّا الْمَعْدُومُ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَ غَيْرِهِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ انْتَهَى

وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ المنذري

3 -

(بَابٌ السَّلَفُ يُحَوَّلُ)

[3468]

مِنَ التَّحْوِيلِ أَيْ يُصْرَفُ

(مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفُهُ) بِصِيغَةِ النَّهْيِ وَقِيلَ بِالنَّفْيِ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ إِلَى شَيْءٍ (إِلَى غَيْرِهِ) أَيْ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ

قَالَ السِّنْدِيُّ رحمه الله أَيْ بِأَنْ يُبَدِّلَ الْمَبِيعَ قَبْلَ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله

ص: 254

الْقَبْضِ بِغَيْرِهِ

وَقَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ فِي غَيْرِهِ إِلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ مَنْ أَسْلَفَ يَعْنِي لَا يَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ إِلَى شَيْءٍ أَيْ لَا يُبَدَّلُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِشَيْءٍ آخَرَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِذَا أَسْلَفَهُ دِينَارًا فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ إِلَى شَهْرٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَأَعْوَزَهُ الْبُرُّ فَإِنَّ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

اِخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي حُكْم هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ جَوَاز أَخْذ غَيْر الْمُسْلَم فِيهِ عِوَضًا عَنْهُ وَلِلْمَسْأَلَةِ صُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنْ يُعَاوِض عَنْ الْمُسْلَم فِيهِ مَعَ بَقَاء عَقْد السَّلَم فَيَكُون قَدْ بَاعَ دَيْن السَّلَم قَبْل قَبْضه

وَالصُّورَة الثَّانِيَة أَنْ يَنْفَسِخ الْعَقْد بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرهَا

فَهَلْ يَجُوز أَنْ يُصْرَف الثَّمَن فِي عِوَض آخَر غَيْر الْمُسْلَم فِيهِ فَأَمَّا الْمَسْأَلَة الْأُولَى فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُور عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوز بَيْعه قَبْل قَبْضه لَا لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّته وَلَا لِغَيْرِهِ وَحَكَى بَعْض أَصْحَابنَا ذَلِكَ إِجْمَاعًا

وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ فَمَذْهَب مَالِك جَوَازه وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد فِي غَيْر مَوْضِع وَجَوَّزَ أَنْ يَأْخُذ عِوَضه عَرْضًا بِقَدْرِ قِيمَة دَيْن الْمُسْلِم وَقْت الِاعْتِيَاض وَلَا يَرْبَح فِيهِ

وَطَائِفَة مِنْ أَصْحَابنَا خَصَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَة بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِير فَقَطْ كَمَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِب وَمَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْء لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذ مِنْ غَيْر جِنْسه بِحَالٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ

وَالْأُخْرَى يَجُوز أَنْ يَأْخُذ مَا دُون الْحِنْطَة مِنْ الْحُبُوب كَالشَّعِيرِ وَنَحْوه بِمِقْدَارِ كَيْل الْحِنْطَة لَا أَكْثَر مِنْهَا وَلَا بِقِيمَتِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَة أَبِي طَالِب إِذَا أَسْلَفْت فِي كُرّ حِنْطَة فَأَخَذْت شَعِيرًا فَلَا بَأْس وَهُوَ دُون حَقّك وَلَا يَأْخُذ مَكَان الشَّعِير حِنْطَة

وَطَائِفَة ثَالِثَة مِنْ أَصْحَابنَا جَعَلَتْ الْمَسْأَلَة رِوَايَة وَاحِدَة وَأَنَّ هَذَا النَّصّ بِنَاء عَلَى قَوْله فِي الْحِنْطَة وَالشَّعِير أَنَّهُمَا جِنْس وَاحِد وَهِيَ طَرِيقَة صَاحِب الْمُغْنِي

وَطَائِفَة رَابِعَة مِنْ أَصْحَابنَا حَكَوْا رِوَايَة مُطْلَقَة فِي الْمَكِيل وَالْمَوْزُون وَغَيْره

وَنُصُوص أَحْمَد تَدُلّ عَلَى صِحَّة هَذِهِ الطَّرِيقَة وَهِيَ طَرِيقَة أَبِي حَفْص الطَّبَرِيِّ وَغَيْره

قَالَ الْقَاضِي نَقَلْت مِنْ خَطّ أَبِي حَفْص فِي مَجْمُوعه فَإِنْ كَانَ مَا أَسْلَمَ فِيهِ مِمَّا يُكَال أَوْ يُوزَن فَأَخَذَ مِنْ غَيْر نَوْعه مِثْل كَيْله مِمَّا هُوَ دُونه فِي الْجَوْدَة جَازَ وَكَذَلِكَ إِنْ أَخَذَ بِثَمَنِهِ مِمَّا لَا يُكَال وَلَا يُوزَن كَيْف شَاءَ

وَنَقَلَ أَبُو الْقَاسِم عَنْ أَحْمَد قُلْت لِأَبِي عَبْد اللَّه إِذَا لَمْ يَجِد مَا أَسْلَمَ فِيهِ وَوَجَدَ غَيْره مِنْ جِنْسه

ص: 255

أَبَا حَنِيفَةَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَرَضًا بِالدِّينَارِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِرَأْسِ الْمَالِ عَلَيْهِ قَوْلًا بِعُمُومِ الْخَبَرِ وَظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ عَرَضًا بِالدِّينَارِ إِذَا تَقَايَلَا وَقَبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِئَلَّا يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ فَأَمَّا قَبْلَ الْإِقَالَةِ فَلَا يَجُوزُ وَهُوَ مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ صَرْفِ السَّلَفِ إِلَى

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

أَيَأْخُذُهُ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَانَ دُون الشَّيْء الَّذِي لَهُ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي قَفِيز حنطة موصلي فقال آخذ مكانه شلبيا أَوْ قَفِيز شَعِير فَكَيْلَته وَاحِدَة لَا يَزْدَاد وَإِنْ كَانَ فَوْقه فَلَا يَأْخُذ وَذَكَرَ حَدِيث بن عباس رواه طاووس عَنْهُ إِذَا أَسْلَمْت فِي شَيْء فَجَاءَ الْأَجَل فَلَمْ تَجِد الَّذِي أَسْلَمْت فِيهِ فَخُذْ عِوَضًا بِأَنْقَص مِنْهُ وَلَا تَرْبَح مَرَّتَيْنِ

وَنَقَلَ أَحْمَد بْن أَصْرَم سُئِلَ أَحْمَد عَنْ رَجُل أَسْلَمَ فِي طَعَام إِلَى أَجَل فَإِذَا حَلَّ الْأَجَل يَشْتَرِي مِنْهُ عَقَارًا أَوْ دَارًا فَقَالَ نَعَمْ يَشْتَرِي مِنْهُ مَا لَا يُكَال وَلَا يُوزَن

وَقَالَ حَرْب سَأَلْت أَحْمَد فَقُلْت رَجُل أَسْلَمَ إِلَى رَجُل دَرَاهِم فِي بُرّ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَل لَمْ يَكُنْ عِنْده بُرّ فَقَالَ قَوِّمْ الشَّعِير بِالدَّرَاهِمِ فَخُذْ مِنْ الشَّعِير فَقَالَ لَا يَأْخُذ مِنْهُ الشَّعِير إِلَّا مِثْل كَيْل الْبُرّ أَوْ أَنْقَص

قُلْت إِذَا كَانَ الْبُرّ عَشَرَة أَجْرِبَة يَأْخُذ الشَّعِير عَشَرَة أَجْرِبَة قَالَ نَعَمْ

إِذَا عُرِفَ هَذَا فَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِوُجُوهٍ

أَحَدهَا الحديث

والثاني نهي النبي عَنْ بَيْع الطَّعَام قَبْل قَبْضه

وَالثَّالِث نَهْيه عَنْ رِبْح مَا لَمْ يُضْمَن وَهَذَا غَيْر مَضْمُون عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّة الْمُسْلَم إِلَيْهِ

وَالرَّابِع أَنَّ هَذَا الْمَبِيع مَضْمُون لَهُ عَلَى الْمُسْلَم إِلَيْهِ فَلَوْ جَوَّزْنَا بَيْعه صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي فَيَتَوَالَى فِي الْمَبِيع ضَمَانَانِ

الْخَامِس أَنَّ هَذَا إِجْمَاع كَمَا تَقَدَّمَ

هَذَا جُمْلَة مَا اِحْتَجُّوا بِهِ

قَالَ الْمُجَوِّزُونَ الصَّوَاب جَوَاز هَذَا الْعَقْد

وَالْكَلَام مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ

أَحَدهمَا فِي الِاسْتِدْلَال عَلَى جَوَازه

وَالثَّانِي فِي الْجَوَاب عَمَّا اِسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ عَلَى الْمَنْع

فَأَمَّا الْأَوَّل فنقول قال بن المنذر ثبت عن بن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ إِذَا أَسْلَفْت فِي شَيْء إِلَى أَجَل فَإِنْ أَخَذْت مَا أَسْلَفْت فِيهِ وَإِلَّا فَخُذْ عِوَضًا أَنْقَص مِنْهُ وَلَا تَرْبَح مَرَّتَيْنِ رَوَاهُ شُعْبَة

فَهَذَا قَوْل صَحَابِيّ وَهُوَ حُجَّة مَا لَمْ يُخَالَف

قَالُوا وَأَيْضًا فَلَوْ اِمْتَنَعَتْ الْمُعَاوَضَة عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ كَوْنه مَبِيعًا لَمْ يَتَّصِل بِهِ الْقَبْض وَقَدْ ثَبَتَ

ص: 256

غَيْرِهِ عِنْدَهُ انْتَهَى

قَالَ الْعَلْقَمِيُّ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَبْدَلَ عَنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ

وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْ إِلَّا مَا سَلَّفَ فِيهِ أَوْ رَأْسَ مَالِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

عن بن عمر أنه قال أتيت النبي فَقُلْت إِنِّي أَبِيع الْإِبِل بِالْبَقِيعِ فَأَبِيع بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذ الدَّرَاهِم وَأَبِيع بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذ الدَّنَانِير فَقَالَ لَا بَأْس أَنْ تَأْخُذهَا بِسِعْرِ يَوْمهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنكُمَا شَيْء فَهَذَا بَيْع لِلثَّمَنِ مِمَّنْ هُوَ فِي ذِمَّته قَبْل قَبْضه

فَمَا الْفَرْق بَيْنه وَبَيْن الِاعْتِيَاض عَنْ دَيْن السَّلَم بِغَيْرِهِ قَالُوا وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى جَوَاز بَيْع الدَّيْن لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّته وَلِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَر أَصْحَابنَا لَا يَحْكُونَ عَنْهُ جَوَازه لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّته فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِع حَكَاهُ شَيْخنَا أَبُو الْعَبَّاس بْن تَيْمِيَة رحمه الله عَنْهُ

وَاَلَّذِينَ مَنَعُوا جَوَاز بَيْعه لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّته قَاسُوهُ عَلَى السَّلَم وَقَالُوا لِأَنَّهُ دَيْن فَلَا يَجُوز بَيْعه كَدَيْنِ السَّلَم وَهَذَا ضَعِيف مِنْ وَجْهَيْنِ

أَحَدهمَا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيث بن عُمَر جَوَازه

وَالثَّانِي أَنَّ دَيْن السَّلَم غَيْر مُجْمَع عَلَى مَنْع بَيْعه فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ بن عَبَّاس جَوَازه وَمَالِك يُجَوِّز بَيْعه مِنْ غَيْر الْمُسْتَسْلِف

وَاَلَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْن دَيْن السَّلَم وَغَيْره لَمْ يُفَرِّقُوا بِفَرْقٍ مُؤَثِّر وَالْقِيَاس التَّسْوِيَة بَيْنهمَا

وَأَمَّا الْمَقَام الثَّانِي فَقَالُوا أَمَّا الْحَدِيث فَالْجَوَاب عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ

أَحَدهمَا ضَعْفه كَمَا تَقَدَّمَ

والثاني أن المراد به أن لا يَصْرِف الْمُسْلَم فِيهِ إِلَى سَلَم آخَر أَوْ يَبِيعهُ بِمُعَيَّنٍ مُؤَجَّل لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِير بَيْع دَيْن بِدَيْنٍ وَهُوَ مُنْهًى عَنْهُ وَأَمَّا بَيْعه بِعِوَضٍ حَاضِر مِنْ غَيْر رِبْح فَلَا مَحْذُور فيه كما أذن فيه النبي في حديث بن عُمَر

فَاَلَّذِي نَهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مِنْ جِنْس مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ بَيْع الكالىء بالكالىء وَاَلَّذِي يَجُوز مِنْهُ هُوَ مِنْ جِنْس مَا أَذِنَ فِيهِ مِنْ بَيْع النَّقْد لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّته بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْر رِبْح

وَأَمَّا نهي النبي عَنْ بَيْع الطَّعَام قَبْل قَبْضه فَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُعَيَّن أَوْ الْمُتَعَلِّق بِهِ حَقّ التَّوْفِيَة مِنْ كَيْل أَوْ وَزْن فَإِنَّهُ لَا يَجُوز بَيْعه قَبْل قَبْضه

وَأَمَّا مَا فِي الذِّمَّة فَالِاعْتِيَاض عَنْهُ مِنْ جِنْس الِاسْتِيفَاء وَفَائِدَته سُقُوط مَا فِي ذِمَّته عَنْهُ لَا حُدُوث مِلْك لَهُ فَلَا يُقَاسَ بِالْبَيْعِ الَّذِي يَتَضَمَّن شَغْل الذِّمَّة فَإِنَّهُ إِذَا

ص: 257

وَعُلِمَ مِنْ مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا التَّوْلِيَةُ فِيهِ وَلَا الشَّرِكَةُ وَلَا الْمُصَالَحَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا لِبِنْتِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إِنْ كَانَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ أَوْ خَالَعَهَا لَمْ يَصِحَّ انْتَهَى

قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ

وَعَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

أَخَذَ مِنْهُ عَنْ دَيْن السَّلَم عَرْضًا أَوْ غَيْره أَسْقَطَ مَا فِي ذِمَّته

فَكَانَ كَالْمُسْتَوْفِي دَيْنه لِأَنَّ بَدَله يَقُوم مَقَامه

وَلَا يَدْخُل هذا في بيع الكالىء بالكالىء بِحَالٍ

وَالْبَيْع الْمَعْرُوف هُوَ أَنْ يَمْلِك الْمُشْتَرِي مَا اِشْتَرَاهُ

وَهَذَا لَمْ يُمَلِّكهُ شَيْئًا بَلْ سَقَطَ الدَّيْن مِنْ ذِمَّته

وَلِهَذَا لَوْ وَفَّاهُ مَا فِي ذِمَّته لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ بَاعَهُ دَرَاهِم بِدَرَاهِم بَلْ يُقَال وَفَّاهُ حَقّه بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ دَرَاهِم مُعَيَّنَة بِمِثْلِهَا فَإِنَّهُ بَيْع

فَفِي الْأَعْيَان إِذَا عَاوَضَ عَلَيْهَا بِجِنْسِهَا أَوْ بِعَيْنٍ غَيْر جِنْسهَا يُسَمَّى بَيْعًا

وَفِي الدَّيْن إِذَا وَفَّاهَا بِجِنْسِهَا لَمْ يَكُنْ بَيْعًا

فَكَذَلِكَ إِذَا وَفَّاهَا بِغَيْرِ جِنْسهَا لَمْ يَكُنْ بَيْعًا بَلْ هُوَ إِيفَاء فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَة

وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقّه غَدًا فَأَعْطَاهُ عَنْهُ عَرْضًا بَرَّ فِي أَصَحّ الْوَجْهَيْنِ

وَجَوَاب آخَر أَنَّ النَّهْي عَنْ بَيْع الطَّعَام قَبْل قَبْضه أُرِيدَ بَيْعه مِنْ غَيْر بَائِعه

وَأَمَّا بَيْعه مِنْ الْبَائِع فَفِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ

وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّة فِي الْمَنْع إِنْ كَانَتْ تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ اِطَّرَدَ الْمَنْع فِي الْبَائِع وَغَيْره وَإِنْ كَانَتْ عَدَم تَمَام الِاسْتِيلَاء وَأَنَّ الْبَائِع لَمْ تَنْقَطِع عَلَقه عَنْ الْمَبِيع بِحَيْثُ يَنْقَطِع طَمَعه فِي الْفَسْخ وَلَا يَتَمَكَّن مِنْ الِامْتِنَاع مِنْ الْإِقْبَاض إِذَا رَأَى الْمُشْتَرِي قَدْ رَبِحَ فِيهِ لَمْ يَطَّرِد النَّهْي فِي بَيْعه مِنْ بَائِعه قَبْل قَبْضه لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الْعِلَّة فِي حَقّه

وَهَذِهِ الْعِلَّة أَظْهَر وَتَوَالِي الضَّمَانَيْنِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ مُؤَثِّرَة وَلَا تَنَافِي بَيْن كَوْن الْعَيْن الْوَاحِدَة مَضْمُونَة لَهُ مِنْ وَجْه وَعَلَيْهِ مِنْ وَجْه آخَر فَهِيَ مَضْمُونَة لَهُ وَعَلَيْهِ بِاعْتِبَارَيْنِ

وَأَيّ مَحْذُور فِي هَذَا كَمَنَافِع الْإِجَارَة

فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِر لَهُ أَنْ يُؤَجِّر مَا اِسْتَأْجَرَهُ فَتَكُون الْمَنْفَعَة مَضْمُونَة لَهُ وَعَلَيْهِ وَكَالثِّمَارِ بَعْد بُدُوّ صَلَاحهَا لَهُ أَنْ يَبِيعهَا عَلَى الشَّجَر وَإِنْ أَصَابَتْهَا جَائِحَة رَجَعَ عَلَى الْبَائِع فَهِيَ مَضْمُونَة لَهُ وَعَلَيْهِ وَنَظَائِره كَثِيرَة

وَأَيْضًا فَبَيْعه مِنْ بَائِعه شَبِيه بِالْإِقَالَةِ وَهِيَ جَائِزَة قَبْل الْقَبْض عَلَى الصِّحَّة

وَأَيْضًا فَدَيْن السَّلَم تَجُوز الْإِقَالَة فِيهِ بِلَا نِزَاع وَبَيْع الْمَبِيع لِبَائِعِهِ قَبْل قَبْضه غَيْر جَائِز فِي أَحَد الْقَوْلَيْنِ

فَعُلِمَ أَنَّ الْأَمْر فِي دَيْن السَّلَم أَسْهَل مِنْهُ فِي بَيْع الْأَعْيَان

فَإِذَا جَازَ فِي الْأَعْيَان أَنْ تُبَاع لِبَائِعِهَا قَبْل الْقَبْض فَدَيْن السَّلَم أَوْلَى بِالْجَوَازِ كَمَا جَازَتْ الْإِقَالَة فِيهِ قَبْل الْقَبْض اِتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْإِقَالَة فِي الْأَعْيَان

وَمِمَّا يُوَضِّح ذَلِكَ أن بن عَبَّاس لَا يُجَوِّز بَيْع الْمَبِيع قَبْل قَبْضه واحتج عليه بنهي النبي عَنْ بَيْع الطَّعَام قَبْل قَبْضه وَقَالَ أَحْسِب كُلّ شَيْء بِمَنْزِلَةِ الطَّعَام وَمَعَ هَذَا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ جَوَّزَ بَيْع دَيْن السَّلَم مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَرْبَح فِيهِ

وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن الطَّعَام وَغَيْره وَلَا بَيْن الْمَكِيل وَالْمَوْزُون وَغَيْرهمَا

لِأَنَّ الْبَيْع هُنَا مِنْ الْبَائِع الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّته

فَهُوَ يَقْبِضهُ مِنْ نَفْسه لِنَفْسِهِ بَلْ فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ هُنَا قَبْض بَلْ يَسْقُط عَنْهُ مَا فِي ذِمَّته فَتَبْرَأ ذِمَّته وَبَرَاءَة الذِّمَم مَطْلُوبَة فِي نَظَر الشَّرْع لِمَا فِي شَغْلهَا مِنْ الْمَفْسَدَة فَكَيْف يَصِحّ قِيَاس هَذَا عَلَى بَيْع شَيْء غَيْر مَقْبُوض لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَتَحَصَّل بَعْد وَلَمْ تَنْقَطِع عَلَق بَائِعه عَنْهُ

ص: 258

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمُسْلَم فِيهِ ثُمَّ أَعَادَة إِلَيْهِ جَازَ

فَأَيّ فَائِدَة فِي أَخْذه مِنْهُ

ثُمَّ إِعَادَته إِلَيْهِ وَهَلْ ذَلِكَ إِلَّا مُجَرَّد كُلْفَة وَمَشَقَّة لَمْ تَحْصُل بِهَا فَائِدَة

وَمِنْ هُنَا يُعْرَف فَضْل عِلْم الصَّحَابَة وَفِقْههمْ عَلَى كُلّ مَنْ بَعْدهمْ

قَالُوا وَأَمَّا اِسْتِدْلَالكُمْ بنهي النبي عَنْ رِبْح مَا لَمْ يُضْمَن فَنَحْنُ نَقُول بِمُوجَبِهِ وَأَنَّهُ لَا يَرْبَح فِيهِ كَمَا قَالَ بن عَبَّاس خُذْ عَرْضًا بِأَنْقَص مِنْهُ وَلَا تَرْبَح مَرَّتَيْنِ

فَنَحْنُ إِنَّمَا نُجَوِّز لَهُ أَنْ يُعَاوِض عنه بسعر يومه كما قال النبي لِعَبْدِ اللَّه بْن عُمَر فِي بَيْع النُّقُود فِي الذِّمَّة لَا بَأْس إِذَا أَخَذْتهَا بِسِعْرِ يومها فالنبي إِنَّمَا جَوَّزَ الِاعْتِيَاض عَنْ الثَّمَن بِسِعْرِ يَوْمه لِئَلَّا يَرْبَح فِيمَا لَمْ يُضْمَن

وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى هَذَا الْأَصْل فِي بَدَل الْعِوَض وَغَيْره مِنْ الدُّيُون أَنَّهُ إِنَّمَا يُعْتَاض عَنْهُ بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن

وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِك يَجُوز الِاعْتِيَاض عَنْهُ بِسِعْرِ يومه كما قال بن عَبَّاس لَكِنْ مَالِك يَسْتَثْنِي الطَّعَام خَاصَّة لِأَنَّ مِنْ أَصْله أَنَّ بَيْع الطَّعَام قَبْل قَبْضَة لَا يَجُوز بِخِلَافِ غَيْره

وَأَمَّا أَحْمَد فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْن أَنْ يَعْتَاض عَنْهُ بِعَرْضٍ أَوْ حَيَوَان أَوْ نَحْوه دُون أَنْ يَعْتَاض بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُون

فَإِنْ كَانَ بِعَرْضٍ وَنَحْوه جَوَّزَهُ بسعر يومه كما قال بن عَبَّاس وَمَالِك وَإِنْ اِعْتَاضَ عَنْ الْمَكِيل بِمَكِيلٍ أَوْ عَنْ الْمَوْزُون بِمَوْزُونٍ فَإِنَّهُ مَنَعَهُ لِئَلَّا يُشْبِه بَيْع الْمَكِيل بِالْمَكِيلِ مِنْ غَيْر تَقَابُض إِذْ كَانَ لَمْ تُوجَد حَقِيقَة التَّقَابُض مِنْ الطَّرَفَيْنِ

وَلَكِنْ جَوَّزَهُ إِذَا أَخَذَ بِقَدْرِهِ مِمَّا هُوَ دُونه كَالشَّعِيرِ عَنْ الْحِنْطَة نَظَرًا مِنْهُ إِلَى أَنَّ هَذَا اِسْتِيفَاء لَا مُعَاوَضَة كَمَا يُسْتَوْفَى الْجَيِّد عَنْ الرَّدِيء

فَفِي الْعَرْض جَوَّزَ الْمُعَاوَضَة إِذْ لَا يُشْتَرَط هُنَاكَ تَقَابُض

وَفِي الْمَكِيل وَالْمَوْزُون مَنَعَ الْمُعَاوَضَة لِأَجْلِ التَّقَابُض وَجَوَّزَ أَخْذ قَدْر حَقّه أَوْ دُونه

لِأَنَّهُ اِسْتِيفَاء

وَهَذَا مِنْ دَقِيق فِقْهه رضي الله عنه

قَالُوا وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّ هَذَا الدَّيْن مَضْمُون لَهُ فَلَوْ جَوَّزْنَا بَيْعه لَزِمَ تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ فَهُوَ دَلِيل بَاطِل مِنْ وَجْهَيْنِ

أَحَدهمَا أَنَّهُ لَا تَوَالِي ضَمَانَيْنِ هُنَا أَصْلًا

فَإِنَّ الدَّيْن كَانَ مَضْمُونًا لَهُ فِي ذِمَّة الْمُسْلَم إِلَيْهِ

فإذا

ص: 259

بيع الطعام قبل قبضه وقال أحسب كل شيء بمنزلة الطعام ومع هذا فقد ثبت عنه أنه جوز بيع دين السلم ممن هو عليه إذا لم يربح فيه ولم يفرق بين الطعام وغيره ولا بين المكيل والموزون وغيرهما لأن البيع هنا من البائع الذي هو في ذمته فهو يقبضه من نفسه لنفسه بل في الحقيقة ليس هنا قبض بل يسقط عنه ما في ذمته فتبرأ ذمته وبراءة الذمم مطلوبة في نظر الشرع لما في شغلها من المفسدة فكيف يصح قياس هذا على بيت شيء غير مقبوض لأجنبي لم يتحصل بعد ولم تنقطع علق بائعه عنه

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

بَاعَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَصِرْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِحَالٍ

لِأَنَّهُ مَقْبُوض فِي ذِمَّة الْمُسْلَم إِلَيْهِ فَمِنْ أَيّ وَجْه يَكُون مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِع بَلْ لَوْ بَاعَهُ لِغَيْرِهِ لَكَانَ مَضْمُونًا لَهُ عَلَى الْمُسْلَم إِلَيْهِ وَمَضْمُونًا عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي وَحِينَئِذٍ فَيَتَوَالَى ضَمَانَانِ

الْجَوَاب الثَّانِي أَنَّهُ لَا مَحْذُور فِي توالي الضمانين

وليس يوصف مُسْتَلْزِم لِمَفْسَدَةٍ يَحْرُم الْعَقْد لِأَجْلِهَا

وَأَيْنَ الشَّاهِد مِنْ أُصُول الشَّرْع لِتَأْثِيرِ هَذَا الْوَصْف وَأَيّ حُكْم عَلَّقَ الشَّارِع فَسَاده عَلَى تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ وَمَا كَانَ مِنْ الْأَوْصَاف هَكَذَا فَهُوَ طَرْدِيّ لَا تَأْثِير لَهُ

وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْر الصُّوَر الَّتِي فِيهَا تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ

وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النبي أَنَّهُ جَوَّزَ الْمُعَاوَضَة عَنْ ثَمَن الْمَبِيع فِي الذِّمَّة

وَلَا فَرْق بَيْنه وَبَيْن دَيْن السَّلَم

قَالُوا وَأَيْضًا فَالْمَبِيع إِذَا تَلِفَ قَبْل التَّمَكُّن مِنْ قَبْضه كَانَ عَلَى الْبَائِع أَدَاء الثَّمَن الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي

فَإِذَا كَانَ هَذَا الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَهُ فَعَلَيْهِ أَدَاء الثَّمَن الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَالْوَاجِب بِضَمَانِ هَذَا غَيْر الْوَاجِب بِضَمَانِ الْآخَر

فَلَا مَحْذُور فِي ذَلِكَ

وَشَاهِده الْمَنَافِع فِي الْإِجَارَة وَالثَّمَرَة قَبْل الْقَطْع

فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَة الَّتِي لَا مُعَارِض لَهَا وَضْع الثَّمَن عَنْ الْمُشْتَرِي إِذَا أَصَابَتْهَا جَائِحَة

مَعَ هَذَا يَجُوز التَّصَرُّف فيها

ولو تلقت لَصَارَتْ مَضْمُونَة عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ كَمَا هِيَ مَضْمُونَة لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ

قَالُوا وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّ الْمَنْع مِنْهُ إِجْمَاع فَكَيْف يَصِحّ دَعْوَى الْإِجْمَاع مَعَ مُخَالَفَة حَبْر الْأُمَّة بن عَبَّاس وَعَالِم الْمَدِينَة مَالِك بْن أَنَس فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا نَصّ فِي التَّحْرِيم وَلَا إِجْمَاع وَلَا قِيَاس وَأَنَّ النَّصّ وَالْقِيَاس يَقْتَضِيَانِ الْإِبَاحَة كَمَا تَقَدَّمَ وَالْوَاجِب عِنْد التَّنَازُع الرَّدّ إِلَى الله وإلى رسوله صلى الله عليع وَسَلَّمَ فَصْل

وَأَمَّا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَهِيَ إِذَا اِنْفَسَخَ الْعَقْد بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرهَا فَهَلْ يَجُوز أَنْ يَأْخُذ عَنْ دَيْن السَّلَم عِوَضًا مِنْ غَيْر جِنْسه فِيهِ وَجْهَانِ

أَحَدهمَا لَا يَجُوز ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضهُ ثُمَّ يَصْرِفهُ فِيمَا شَاءَ وَهَذَا اِخْتِيَار الشَّرِيف أَبِي جَعْفَر

وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة

وَالثَّانِي يَجُوز أَخْذ الْعِوَض عَنْهُ وَهُوَ اِخْتِيَار الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَشَيْخ الْإِسْلَام بن تَيْمِيَة وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَهُوَ الصَّحِيح فَإِنَّ هَذَا عِوَض مُسْتَقِرّ فِي الذِّمَّة فَجَازَتْ الْمُعَاوَضَة عَلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُون مِنْ الْقَرْض وَغَيْره

ص: 260

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَأَيْضًا فَهَذَا مَال رَجَعَ إِلَيْهِ بِفَسْخِ الْعَقْد فَجَازَ أَخْذ الْعِوَض عَنْهُ كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيع

وأيضا فحديث بن عُمَر فِي الْمُعَاوَضَة عَمَّا فِي الذِّمَّة صَرِيح في الجواز

واحتج المانعون بقوله مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْء فَلَا يَصْرِفهُ إِلَى غَيْره

قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَضْمُون عَلَى الْمُسْلَم إِلَيْهِ بِعَقْدِ السَّلَم فَلَمْ تَجُزْ الْمُعَاوَضَة عَلَيْهِ قَبْل قَبْضه وَحِيَازَته كَالْمُسْلَمِ فِيهِ

قَالَ الْمُجَوِّزُونَ أَمَّا اِسْتِدْلَالكُمْ بِالْحَدِيثِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ضَعْفه

وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَتَنَاوَل مَحَلّ النِّزَاع لِأَنَّهُ لَمْ يَصْرِف المسلم فيه في غيره وإنما عَاوَضَ عَنْ دَيْن السَّلَم بِغَيْرِهِ فَأَيْنَ الْمُسْلَم فِيهِ مِنْ رَأْس مَال السَّلَم

وَأَمَّا قِيَاسكُمْ الْمَنْع عَلَى نَفْس الْمُسْلَم فِيهِ فَالْكَلَام فِيهِ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا نَصّ يَقْتَضِي الْمَنْع مِنْهُ وَلَا إِجْمَاع وَلَا قِيَاس

ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ تَسْلِيمه لَكَانَ الْفَرْق بَيْن الْمُسْلَم فِيهِ وَرَأْس مَال السَّلَم وَاضِحًا فَإِنَّ الْمُسْلَم فِيهِ مَضْمُون بِنَفْسِ الْعَقْد وَالثَّمَن إِنَّمَا يُضْمَن بَعْد فَسْخ الْعَقْد فَكَيْف يَلْحَق أَحَدهمَا بِالْآخَرِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا نَصّ فِي الْمَنْع وَلَا إِجْمَاع وَلَا قِيَاس

فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَحُكْم رَأْس الْمَال بَعْد الْفَسْخ حُكْم سَائِر الدُّيُون لَا يَجُوز أَنْ تُجْعَل سَلَمًا فِي شَيْء آخَر لِوَجْهَيْنِ

أَحَدهمَا أَنَّهُ بَيْع دَيْن بِدَيْنٍ

وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ ضَمَان الْمُسْلَم إِلَيْهِ فَإِذَا جَعَلَهُ سَلَمًا فِي شَيْء آخَر رَبِحَ فِيهِ وَذَلِكَ رِبْح مَا لَمْ يُضْمَن وَيَجُوز فِيهِ مَا يَجُوز فِي دَيْن الْقَرْض وَأَثْمَان الْمَبِيعَات إِذَا قُسِّمَتْ فَإِذَا أُخِذَ فِيهِ أَحَد النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَر وَجَبَ قَبْض الْعِوَض فِي الْمَجْلِس لِأَنَّهُ صَرْف بِسِعْرِ يَوْمه لِأَنَّهُ غَيْر مَضْمُون عَلَيْهِ وَإِنْ عَاوَضَ عَنْ الْمَكِيل بِمَكِيلٍ أَوْ عَنْ الْمَوْزُون بِمَوْزُونٍ مِنْ غَيْر جِنْسه كَقُطْنٍ بِحَرِيرٍ أَوْ كَتَّان وَجَبَ قَبْض عِوَضه فِي مَجْلِس التَّعْوِيض وَإِنْ بِيعَ بِغَيْرِ مَكِيل أَوْ مَوْزُون كَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَان فَهَلْ يُشْتَرَط الْقَبْض فِي مَجْلِس التَّعْوِيض فِيهِ وَجْهَانِ

أَصَحّهمَا لَا يُشْتَرَط وهو منصوص أحمد

والثاني يشترط

وما أخذ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ تَأْخِير قَبْض الْعِوَض يُشْبِه بَيْع الدَّيْن بِالدَّيْنِ فَيُمْنَع مِنْهُ وَمَأْخَذ الْجَوَاز وَهُوَ الصَّحِيح أَنَّ النَّسَاءَيْنِ مَا لَا يَجْمَعهَا عِلَّة الرِّبَا كَالْحَيَوَانِ بِالْمَوْزُونِ جَائِز لِلِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَاز سَلَم النَّقْدَيْنِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم

ص: 261