الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[3393]
(نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ
2 -
(بَاب فِي التَّشْدِيدِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُزَارَعَةِ)
[3394]
قَالَ الْخَطَّابِيُّ ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا الْبَابِ طُرُقًا لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَسَبِيلُهَا كُلُّهَا أَنْ يَرُدَّ الْمُجْمَلُ مِنْهَا إِلَى الْمُفَسَّرِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَقَدْ بَيَّنَّا عِلَلَهَا انْتَهَى
(كَانَ يُكْرِي) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الْإِكْرَاءِ (سَمِعْتُ عَمِّيَّ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ تَثْنِيَةَ
الْعَمِّ مُضَافًا إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ (أَنَّ الْأَرْضَ تُكْرَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ) أَيْ حَكَمَ بِمَا هُوَ نَاسِخٌ لِمَا كَانَ يَعْلَمُهُ مِنْ جَوَازِ الْكِرَاءِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَعَمَّاهُ هُمَا ظُهَيْرٌ وَمُظْهِرٌ ابْنَا رَافِعٍ وَذَكَرَ أَبُو داود أن رواة نافع يعني مولى بن عُمَرَ رَوَوْهُ عَنْ رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَعَنْ أَبِي النَّجَاشِيِّ عَنْ رَافِعٍ عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَهَذِهِ الطُّرُقُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلُّهَا أَسَانِيدُهَا جَيِّدَةٌ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَثِيرُ الْأَلْوَانِ
انْتَهَى
كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ (رَوَاهُ أَيُّوبُ) وَحَدِيثُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ حَتَّى بَلَغَهُ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يُحَدِّثُ فِيهَا بِنَهْيٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَأَنَا مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ كِرَاءِ المزارع فتركها بن عُمَرَ بَعْدُ فَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْهَا بَعْدُ قال زعم بن خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا (وَعُبَيْدُ اللَّهِ) بْنُ عُمَرَ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَ بن عُمَرَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَأْثِرُ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ حَدِيثًا فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ أَنَا وَالرَّجُلُ الَّذِي أَخْبَرَهُ حَتَّى أَتَى رَافِعًا فَأَخْبَرَهُ رَافِعُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَتَرَكَ عَبْدُ اللَّهِ كِرَاءَ الْأَرْضِ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا (وَكَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ) وَحَدِيثُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي الْمَزَارِعَ فَحُدِّثَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَأْثِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ قَالَ نَافِعٌ فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلَى الْبَلَاطِ وَأَنَا مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ نَعَمْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَتَرَكَ عَبْدُ اللَّهِ كِرَاءَهَا (وَمَالِكٌ) الْإِمَامُ كُلُّهُمْ (عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى بن عُمَرَ (عَنْ رَافِعِ) بْنِ خَدِيجٍ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَ رَافِعٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ غَيْرِ ذِكْرِ بَيَانِ السَّمَاعِ
لِرَافِعِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهَذَا الْحَدِيثِ (عَنْ حَفْصِ بْنِ عِنَانَ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَنُونَيْنِ الْيَمَامِيِّ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَفِيهِ الْمُذَاكَرَةُ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَسَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَقَالَ رَافِعٌ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا تُكْرُوا الْأَرْضَ بِشَيْءٍ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ رَافِعٍ لِهَذَا الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَكَذَلِكَ) أَيْ بِذِكْرِ السَّمَاعِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ) وَحَدِيثُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مُخْتَصَرًا (وَكَذَا) أَيْ بِذِكْرِ السَّمَاعِ (عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ) وَحَدِيثُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مُخْتَصَرًا (عَنْ أَبِي النَّجَاشِيِّ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ طريق يحيى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ جَابِر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاء الْأَرْض
وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كَانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا فَإِنْ لَمْ يَزْرَعهَا فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ
وَعَنْهُ قَالَ كَانَ لِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فُضُول أَرَضِينَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ لَهُ فَضْل أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحهَا أَخَاهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِك أَرْضه
وَعَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤْخَذ لِلْأَرْضِ أَجْر أَوْ حَظّ
وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعهَا وَعَجَزَ عَنْهَا فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ الْمُسْلِم وَلَا يُؤَجِّرهَا إِيَّاهُ
وَفِي لَفْظ آخَر مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعهَا أَخَاهُ وَلَا يُكْرِهَا
وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْل أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعهَا أَخَاهُ وَلَا تَبِيعُوهَا قَالَ سُلَيْم بْن حِبَّان فَقُلْت لِسَعِيدِ بْن مِينَاء مَا لَا تَبِيعُوهَا يَعْنِي الْكِرَاء قَالَ نَعَمْ
وَعَنْ جَابِر قَالَ كُنَّا نُخَابِر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَنُصِيب مِنْ الْقِصْرِيّ وَمِنْ كَذَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُحْرِثهَا أَخَاهُ وَإِلَّا فَلْيَدَعْهَا
وَعَنْهُ قَالَ كُنَّا فِي زَمَان رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم نَأْخُذ الْأَرْض بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبْع وبِالْمَاذِيَانَات فَقَامَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا فَإِنْ لَمْ يَزْرَعهَا فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَإِنْ لَمْ يَمْنَحهَا أَخَاهُ فَلْيُمْسِكْهَا
بْنِ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرِو الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَبِي النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ رَافِعٍ أَنَّ ظُهَيْرَ بْنَ رَافِعٍ وَهُوَ عَمُّهُ قَالَ أَتَانِي ظُهَيْرٌ قَالَ لَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا فَقُلْتُ وَمَا ذَاكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ حَقٌّ قَالَ سَأَلَنِي كَيْفَ تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ فقلت نؤاجرها يارسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّبِيعِ أَوِ الْأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ أَوِ الشَّعِيرِ
قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا ازْرَعُوهَا أَوْ أَزْرِعُوهَا أَوْ أَمْسِكُوهَا
وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَوَى حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَذَكَرَ فِيهِ وَاسِطَةَ عَمَّيْ رَافِعِ بْنِ خديج وأما نافع مولى بن عُمَرَ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ عَنْ رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا أَبُو النَّجَاشِيِّ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا فَمِنْهُمْ مِنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ رَافِعٍ عَنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ رَافِعٍ عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَبُو النَّجَاشِيِّ إِلَخْ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ اسْمُ أَبِي النَّجَاشِيِّ عَطَاءُ بْنُ صُهَيْبٍ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَهَذِهِ الْأَحَادِيث مُتَّفَق عَلَيْهَا وَذَهَبَ إِلَيْهَا مَنْ أَبْطَلَ الْمُزَارَعَة
وَأَمَّا الَّذِينَ صَحَّحُوهَا فَهُمْ فُقَهَاء الْحَدِيث كَالْإِمَامِ أَحْمَد وَالْبُخَارِيّ وَإِسْحَاق وَاللَّيْث بْن سعد وبن خزيمة وبن الْمُنْذِر وَأَبِي دَاوُدَ وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد وَهُوَ قَوْل عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز والقاسم بن محمد وعروة وبن سِيرِينَ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَطَاوُسٍ وَعَبْد الرَّحْمَن بْنِ الْأَسْوَد وَمُوسَى بْن طَلْحَة وَالزُّهْرِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى وَمُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن وَمُعَاذ الْعَنْبَرِيّ وَهُوَ قَوْل الْحَسَن وَعَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد
قَالَ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه قَالَ قَيْس بْنُ مُسْلِم عَنْ أَبِي جَعْفَر مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْل بَيْت هِجْرَة إِلَّا يَزْدَرِعُونَ عَلَى الثُّلُث وَالرُّبُع قَالَ الْبُخَارِيّ وَزَارَعَ عَلِيّ وَسَعِيد بْن مَالِك وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالْقَاسِم وَعُرْوَة وَآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وبن سِيرِينَ وَعَامَلَ عُمَر النَّاس عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ عُمَر بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْده فَلَهُ الشَّطْر وإن جاؤوا هُمْ بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا وَقَالَ الْحَسَن لَا بَأْس أَنْ تَكُون الْأَرْض لِأَحَدِهِمَا فَيَتَّفِقَانِ جَمِيعًا فَمَا يَخْرُج فَهُوَ بَيْنهمَا وَرَأَى ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ
وَحُجَّتهمْ مُعَامَلَة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَهْل خَيْبَر بِشَطْرِ مَا يَخْرُج مِنْهَا مِنْ تَمْر أَوْ زَرْع وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ بَيْن الأمة
[3395]
(كُنَّا نُخَابِرُ) أَيْ نُزَارِعُ أَوْ نَقُولُ بِجَوَازِ المزارعة ونعتقد صحتها
قاله القارىء (فَذَكَرَ) أَيْ رَافِعُ (أَتَاهُ) أَيْ رَافِعًا (فَقَالَ) أَيْ بَعْضُ عُمُومَتِهِ (وَطَوَاعِيَةُ اللَّهِ) أَيْ طَاعَتُهُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ أَنْفَعُ (وَأَنْفَعُ) كَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ (وَمَا ذَاكَ) أَيِ الْأَمْرُ الَّذِي كَانَ لَكُمْ نَافِعًا (فَلْيَزْرَعْهَا) مِنْ زَرَعَ يَزْرَعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ لِيَزْرَعْهَا بِنَفْسِهِ (أَوْ لِيُزْرِعْهَا) مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ أَيْ لِيُعْطِهَا لِغَيْرِهِ يَزْرَعُهَا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ (وَلَا يُكَارِيهَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا يُكَارِهَا بالنهي
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالَ أَبُو جَعْفَر عَامَلَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَهْل خَيْبَر بِشَطْرِ مَا يَخْرُج مِنْهَا مِنْ تَمْر أَوْ زَرْع ثُمَّ أَبُو بَكْر ثُمَّ عُمَر ثُمَّ عُثْمَان ثُمَّ عَلِيّ ثُمَّ أَهْلُوهُمْ إِلَى الْيَوْم يُعْطُونَ الثُّلُث وَالرُّبُع
وَهَذَا أَمْر صَحِيح مَشْهُور قَدْ عَمِلَ بِهِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَاتَ ثُمَّ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْده حَتَّى مَاتُوا ثُمَّ أَهْلُوهُمْ مِنْ بَعْدهمْ وَلَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَةِ أَهْل بَيْت حَتَّى عَمِلُوا بِهِ وَعَمِلَ بِهِ أَزْوَاج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَعْده
وَمِثْل هَذَا يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون مَنْسُوخًا لِاسْتِمْرَارِ الْعَمَل بِهِ مِنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اللَّه وَكَذَلِكَ اِسْتِمْرَار عَمَل خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ بِهِ فَنَسْخ هَذَا مِنْ أَمْحَل الْمُحَال
وَأَمَّا حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج فَجَوَابه مِنْ وُجُوه
أَحَدهَا أَنَّهُ حَدِيث فِي غَايَة الِاضْطِرَاب وَالتَّلَوُّن
قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج أَلْوَان
وَقَالَ أَيْضًا حَدِيث رَافِع ضُرُوب
الثَّانِي أَنَّ الصَّحَابَة أَنْكَرُوهُ عَلَى رَافِع قَالَ زَيْد بْن ثَابِت وَقَدْ حَكَى لَهُ حَدِيث رَافِع أَنَا أَعْلَم بِذَلِكَ مِنْهُ وَإِنَّمَا سَمِعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَيْنِ قَدْ اِقْتَتَلَا فَقَالَ إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنكُمْ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِع وقد تقدم
(
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار قَالَ قُلْت لِطَاوُس لَوْ تَرَكْت الْمُخَابَرَة فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها قال إن أعلمهم يعني بن عَبَّاس أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهَا وَلَكِنْ قَالَ أَنْ يَمْنَح أَحَدكُمْ أَخَاهُ أَرْضه خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا
فَإِنْ قِيلَ إِنْ كَانَ قَدْ أَنْكَرَهُ بَعْض الصَّحَابَة عَلَيْهِ فقد أقره بن عمر ورجع إليه فالجواب أولا أن بن عُمَر لَمْ يُحَرِّم الْمُزَارَعَة وَلَمْ يَذْهَب إِلَى حَدِيث رَافِع وَإِنَّمَا كَانَ شَدِيد الْوَرَع فَلَمَّا بَلَغَهُ حَدِيث رَافِع خَشِيَ أَنْ يَكُون رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَحْدَثَ فِي الْمُزَارَعَة شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فَتَرَكَهَا لِذَلِكَ
الثَّانِي وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُصَرَّحًا بِهِ فِي الصحيحين أن بن عُمَر إِنَّمَا تَرَكَهَا لِذَلِكَ وَلَمْ يُحَرِّمهَا عَلَى النَّاس
الثَّالِث أَنَّ فِي بَعْض أَلْفَاظ حَدِيث رَافِع مَا لَا يَقُول بِهِ أَحَد وَهُوَ النَّهْي عَنْ كِرَاء الْمَزَارِع عَلَى الْإِطْلَاق
وَمَعْلُوم أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْ كِرَائِهَا مُطْلَقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْر مَحْفُوظ
الرَّابِع أَنَّهُ تَارَة يُحَدِّثهُ عَنْ بَعْض عُمُومَته وَتَارَة عَنْ سَمَاعه وَتَارَة عَنْ رَافِع بْن ظُهَيْر مَعَ اِضْطِرَاب أَلْفَاظه فَمَرَّة يَقُول نَهَى عَنْ الْجُعْل وَمَرَّة يَقُول عَنْ كِرَاء الْأَرْض وَمَرَّة يَقُول لَا يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ وَلَا رُبُع وَلَا طَعَام مُسَمًّى كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْر أَلْفَاظه
وَإِذَا كَانَ شَأْن الْحَدِيث هَكَذَا وَجَبَ تَرْكه وَالرُّجُوع إِلَى الْمُسْتَفِيض الْمَعْلُوم مِنْ فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه مِنْ بَعْده الَّذِي لَمْ يَضْطَرِب وَلَمْ يَخْتَلِف
الْخَامِس أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ حَدِيث رَافِع وَجَمَعَ طُرُقه وَاعْتَبَرَ بَعْضهَا بِبَعْضٍ وَحَمَلَ مُجْمَلهَا عَلَى مُفَسَّرهَا وَمُطْلَقهَا عَلَى مُقَيَّدهَا عَلَى أَنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ أَمْر بَيِّن الْفَسَاد وَهُوَ الْمُزَارَعَة الظَّالِمَة الْجَائِرَة فَإِنَّهُ قَالَ كُنَّا نُكْرِي الْأَرْض عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ وَلَهُمْ هَذِهِ فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِج هَذِهِ
وَفِي لَفْظ لَهُ كَانَ النَّاس يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَات وَأَقْبَال الْجَدَاوِل وَأَشْيَاء مِنْ الزَّرْع كَمَا تَقَدَّمَ
وَقَوْله وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاء إِلَّا هَذَا فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ وَأَمَّا بِشَيْءٍ مَعْلُوم مَضْمُون فَلَا بَأْس وَهَذَا مِنْ أَبْيَن مَا فِي حَدِيث رَافِع وَأَصَحّه وَمَا فِيهَا مِنْ مُجْمَل أَوْ مُطْلَق أَوْ مُخْتَصَر فَيُحْمَل عَلَى هَذَا الْمُفَسَّر الْمُبَيَّن الْمُتَّفَق عَلَيْهِ لَفْظًا وَحُكْمًا
قَالَ اللَّيْث بْن سَعْد الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَمْر إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ ذُو الْبَصِيرَة بِالْحَلَالِ والحرام
(
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
علم أنه لا يجوز
وقال بن الْمُنْذِر قَدْ جَاءَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَافِع بِعِلَلٍ تَدُلّ عَلَى أَنَّ النَّهْي كَانَ لِتِلْكَ الْعِلَل
فَلَا تَعَارُض إِذَنْ بَيْن حَدِيث رَافِع وَأَحَادِيث الْجَوَاز بِوَجْهٍ
السَّادِس أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ مُعَارَضَة حَدِيث رَافِع لِأَحَادِيث الْجَوَاز وَامْتَنَعَ الْجَمْع بَيْنهَا لَكَانَ مَنْسُوخًا قَطْعًا بِلَا رَيْب لِأَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ نَسْخ أَحَد الْخَبَرَيْنِ وَيَسْتَحِيل نَسْخ أَحَادِيث الْجَوَاز لِاسْتِمْرَارِ الْعَمَل بِهَا مِنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَاسْتِمْرَار عَمَل الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ بِهَا وَهَذَا أَمْر مَعْلُوم عِنْد مَنْ لَهُ خِبْرَة بِالنَّقْلِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْره فَيَتَعَيَّن نَسْخ حَدِيث رَافِع
السَّابِع أَنَّ الْأَحَادِيث إِذَا اِخْتَلَفَتْ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ يُنْظَر إِلَى مَا عَمِلَ بِهِ أَصْحَابه مِنْ بَعْده وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْر عَمَل الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ وَأَهْلِيهِمْ وَغَيْرهمْ مِنْ الصَّحَابَة بِالْمُزَارَعَةِ
الثَّامِن أَنَّ الَّذِي فِي حَدِيث رَافِع إِنَّمَا هُوَ النَّهْي عَنْ كِرَائِهَا بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُع لَا عَنْ الْمُزَارَعَة وَلَيْسَ هَذَا بِمُخَالِفٍ لِجَوَازِ الْمُزَارَعَة فَإِنَّ الْإِجَارَة شَيْء وَالْمُزَارَعَة شَيْء فَالْمُزَارَعَة مِنْ جِنْس الشَّرِكَة يَسْتَوِيَانِ فِي الْغُنْم وَالْغُرْم فَهِيَ كَالْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَة فَإِنَّ الْمُؤَجِّر عَلَى يَقِين مِنْ الْمَغْنَم وَهُوَ الْأُجْرَة وَالْمُسْتَأْجِر عَلَى رَجَاء وَلِهَذَا كَانَ أَحَد الْقَوْلَيْنِ لِمُجَوِّزِي الْمُزَارَعَة أَنَّهَا أَحَلّ مِنْ الْإِجَارَة وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُمَا عَلَى سَوَاء فِي الغنم وَالْغُرْم فَهِيَ أَقْرَب إِلَى الْعَدْل فَإِذَا اِسْتَأْجَرَهَا بِثُلُثٍ أَوْ رُبُع كَانَتْ هَذِهِ إِجَارَة لَازِمَة وَذَلِكَ لَا يَجُوز وَلَكِنْ الْمَنْصُوص عَنْ الْإِمَام أَحْمَد جَوَاز ذَلِكَ
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابه عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال فِي نَصّه
فَقَالَتْ طَائِفَة يَصِحّ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْمُؤَاجَرَة وَيَكُون مُزَارَعَة فَيَصِحّ بِلَفْظِ الْإِجَارَة كَمَا يَصِحّ بِلَفْظِ الْمُزَارَعَة
قَالُوا وَالْعِبْرَة فِي الْعُقُود بِمَعَانِيهَا وَحَقَائِقهَا لَا بِصِيَغِهَا وَأَلْفَاظهَا
قَالُوا فَتَصِحّ مزارعة وَلَا تُصْبِح إِجَارَة وَهَذِهِ طَرِيقَة الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد الْمَقْدِسِيِّ
الثَّانِي أَنَّهَا لَا تَصِحّ إِجَارَة وَلَا مزارعة
أَمَّا الْإِجَارَة فَلِأَنَّ مِنْ شَرْطهَا كَوْن الْعِوَض فِيهَا مَعْلُومًا مُتَمَيِّزًا مَعْرُوف الْجِنْس وَالْقَدْر وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الثُّلُث وَالرُّبُع
وأما المزارعة فلأنهما لم يعقدا عقدا مُزَارَعَة
إِنَّمَا عَقَدَا عَقْد إِجَارَة وَهَذِهِ طَرِيقَة أَبِي الْخَطَّاب
الثَّالِث أَنَّهَا تَصِحّ مُؤَاجَرَة وَمُزَارَعَة وَهِيَ طَرِيقَة الْقَاضِي وَأَكْثَر أَصْحَابه
فَحَدِيث رَافِع إِمَّا أَنْ يَكُون النَّهْي فِيهِ عَنْ الْإِجَارَة دُون الْمُزَارَعَة أَوْ عَنْ الْمُزَارَعَة الَّتِي كَانُوا
(وأخرجه النسائي وبن ماجه
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
يَعْتَادُونَهَا وَهِيَ الَّتِي فَسَّرَهَا فِي حَدِيثه
وَأَمَّا الْمُزَارَعَة الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْده فَلَمْ يَتَنَاوَلهَا النَّهْي بِحَالٍ
التَّاسِع أَنَّ مَا فِي الْمُزَارَعَة مِنْ الْحَاجَة إِلَيْهَا وَالْمَصْلَحَة وَقِيَام أَمْر النَّاس عَلَيْهَا يَمْنَع مِنْ تَحْرِيمهَا وَالنَّهْي عَنْهَا لِأَنَّ أَصْحَاب الْأَرْض كَثِيرًا مَا يَعْجِزُونَ عَنْ زَرْعهَا وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَالْعُمَّال وَالْأَكَرَة يَحْتَاجُونَ إِلَى الزَّرْع وَلَا أَرْض لَهُمْ وَلَا قِوَام لِهَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ إِلَّا بِالزَّرْعِ فَكَانَ مِنْ حِكْمَة الشَّرْع وَرَحْمَته بِالْأُمَّةِ وَشَفَقَته عَلَيْهَا وَنَظَره لَهُمْ أَنْ جَوَّزَ لِهَذَا أَنْ يَدْفَع أَرْضه لِمَنْ يَعْمَل عَلَيْهَا وَيَشْتَرِكَانِ فِي الزَّرْع هَذَا بِعَمَلِهِ وَهَذَا بِمَنْفَعَةِ أَرْضه وَمَا رَزَقَ اللَّه فَهُوَ بَيْنهمَا وَهَذَا فِي غَايَة الْعَدْل وَالْحِكْمَة وَالرَّحْمَة وَالْمَصْلَحَة
وَمَا كَانَ هَكَذَا فَإِنَّ الشَّارِع لَا يُحَرِّمهُ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ لِعُمُومِ مَصْلَحَته وَشِدَّة الْحَاجَة إِلَيْهِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَة وَالْمُسَاقَاة بَلْ الْحَاجَة فِي الْمُزَارَعَة آكَد مِنْهَا فِي الْمُضَارَبَة لِشِدَّةِ الْحَاجَة إِلَى الزَّرْع إِذْ هُوَ الْقُوت وَالْأَرْض لَا يُنْتَفَع بِهَا إِلَّا بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمَال
فَإِنْ قِيلَ فَالشَّارِع نَهَى عَنْهَا مَعَ هَذِهِ الْمَنْفَعَة الَّتِي فِيهَا وَلِهَذَا قَالَ رَافِع نَهَانَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْر كَانَ لَنَا نَافِعًا فَالْجَوَاب أَنَّ الشَّارِع لَا يَنْهَى عَنْ الْمَنَافِع وَالْمَصَالِح وَإِنَّمَا يَنْهَى عَنْ الْمَفَاسِد وَالْمَضَارّ وَهُمْ ظَنُّوا أَنْ قَدْ كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ مَنْفَعَة وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مَضَرَّة وَمَفْسَدَة مُقْتَضِيَة لِلنَّهْيِ وَمَا تَخَيَّلُوهُ مِنْ الْمَنْفَعَة فَهِيَ مَنْفَعَة جُزْئِيَّة لِرَبِّ الْأَرْض لِاخْتِصَاصِهِ بِخِيَارِ الزَّرْع وَمَا يَسْعَد مِنْهُ بِالْمَاءِ وَمَا عَلَى أَقُبَال الْجَدَاوِل فَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَة لَهُ فَهُوَ مَضَرَّة عَلَى الْمَزَارِع فَهُوَ مِنْ جِنْس مَنْفَعَة الْمُرَابِي بِمَا يَأْخُذهُ مِنْ الزِّيَادَة وَإِنْ كَانَ مَضَرَّة عَلَى الْآخَر
وَالشَّارِع لَا يُبِيح مَنْفَعَة هَذَا بِمَضَرَّةِ أَخِيهِ فَجَوَاب رَافِع أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَة لَكُمْ فَهُوَ مَضَرَّة عَلَى إِخْوَانكُمْ فَلِهَذَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
وَأَمَّا الْمُزَارَعَة الْعَادِلَة الَّتِي يَسْتَوِي فِيهَا الْعَامِل وَرَبّ الْأَرْض فَهِيَ مَنْفَعَة لَهُمَا وَلَا مَضَرَّة فِيهَا عَلَى أَحَد فَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا فَاَلَّذِي نَهَى عَنْهُ مُشْتَمِل عَلَى مَضَرَّة وَمَفْسَدَة رَاجِحَة فِي ضِمْنهَا مَنْفَعَة مَرْجُوحَة جُزْئِيَّة وَاَلَّذِي فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه مِنْ هَذِهِ مَصْلَحَة وَمَنْفَعَة رَاجِحَة لَا مَضَرَّة فِيهَا عَلَى وَاحِد مِنْهُمَا فَالتَّسْوِيَة بَيْن هَذَا وَهَذَا تَسْوِيَة بَيْن مُتَبَايِنَيْنِ لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْد اللَّه وَلَا عِنْد رَسُوله وَلَا عِنْد النَّاس
وَكَذَلِكَ الْجَوَاب عَنْ حَدِيث جَابِر سَوَاء
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَعْض طُرُقه أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْتَصُّونَ بِأَشْيَاء مِنْ الزَّرْع مِنْ الْقِصْرِيّ وَمِنْ كَذَا وَمِنْ كَذَا
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُحْرِثهَا أَخَاهُ فَهَذَا مُفَسَّر مُبَيَّن ذُكِرَ فِيهِ سَبَب النَّهْي وَأُطْلِقَ فِي غَيْره مِنْ الْأَلْفَاظ فَيَنْصَرِف مُطْلَقهَا إِلَى هَذَا الْمُقَيَّد الْمُبَيِّن وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَاد بِالنَّهْيِ
فَاتَّفَقَتْ السُّنَن عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَتَآلَفَتْ وَزَالَ عَنْهَا الِاضْطِرَاب وَالِاخْتِلَاف وَبَانَ أَنَّ لِكُلٍّ فِيهَا وَجْهًا وَأَنَّ مَا نَهَى عَنْهُ غَيْر مَا أَبَاحَهُ وَفَعَلَهُ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِب وَالْوَاقِع فِي نَفْس الْأَمْر وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ
[3397]
(أَوْ مَنِيحَةً يَمْنَحُهَا رَجُلٌ) أَيْ عَطِيَّةً يُعْطِيهَا رَجُلٌ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[3398]
(أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا (عَنِ الْحَقْلِ) أَيِ الزَّرْعِ يَعْنِي كِرَاءَ الْمَزَارِعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ) أَيْ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ وَالِاسْمُ الْمِنْحَةُ بِالْكَسْرِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ أَيْ يَجْعَلُهَا مَنِيحَةً أَيْ عَارِيَةً (أَوْ لِيَدَعْ) أَيْ لِيَتْرُكْ فَارِغَةً إِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا بِنَفْسِهِ (هَكَذَا) أَيْ كَمَا رَوَى سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ (رَوَاهُ شُعْبَةُ وَمُفَضَّلُ بْنُ مُهَلْهِلٍ عَنْ مَنْصُورٍ) عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُسَيْدٍ عَنْ رَافِعٍ فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ جَعَلُوهُ مِنْ مُسْنَدَاتِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَكَذَا رَوَاهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ مِثْلَ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَكَذَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَأَمَّا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَرِيرٍ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَافِعِ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدَاتِ أُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ
وَإِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ الْإِمَامُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (قَالَ شُعْبَةُ) أي في بعض روايته (أسيد بن أَخِي رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) وَلَمْ يَذْكُرْ شُعْبَةُ فِي بَعْضِ رِوَايَتِهِ هَذَا اللَّفْظَ بَلْ قَالَ أُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ كَمَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ قَالَ المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه
[3399]
(أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيُّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ اسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ (أَنَا وَغُلَامًا) أَنَا ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ اسْتُعِيرَ لِلْمَنْصُوبِ (شَيْءٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ بَلَغَنَا (بِهَا) أَيْ بِالْمُزَارَعَةِ (وَرُدُّوا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْفُلَانِ (أَفْقِرْ أَخَاكَ) أَيْ أَعِرْهُ أَرْضَكَ لِلزِّرَاعَةِ وَأَصْلُ الْإِفْقَارِ فِي إِعَارَةِ الظَّهْرِ يُقَالُ أَفْقَرْتُ الرَّجُلَ بَعِيرِي إِذَا أَعَرْتُهُ ظَهْرًا لِلرُّكُوبِ
قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (أَوْ أَكْرِهْ) أَمْرٌ لِلْمُخَاطَبِ مِنَ الْإِكْرَاءِ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِأَخَاكَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
(عَنِ الْمُحَاقَلَةِ) هِيَ اكْتِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ كَذَا فُسِّرَ فِي الْحَدِيثِ وَقِيلَ هِيَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى [3400] نَصِيبٍ مَعْلُومٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِمَا وَقِيلَ بَيْعُ الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ بِالْبُرِّ وَقِيلَ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ إِدْرَاكِهِ
قَالَهُ فِي المجمع (والمزابنة) هي بيع الرطب في رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ (وَرَجُلٌ مَنَحَ أَرْضًا) أَيْ أَعْطَى عَارِيَةً قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ [3401](قَالَ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ سَهْلٍ) قَالَ فِي الْأَطْرَافِ وَالصَّوَابُ عِيسَى بْنُ سَهْلٍ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ رَافِعٍ (عِمْرَانُ بْنُ سَهْلٍ) بَدَلٌ مِنْ أَخِي (عَنْ كَرْيِ الْأَرْضِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ قال المنذري