الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِينَ لَمْ يَتَّعِظُوا بِأَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْأُمَمِ مِنْ قَبْلِهِمُ الَّتِي عَرَفُوا أَخْبَارَهَا وَرَأَوْا آثَارَهَا.
وَلِذَلِكَ أَعْقَبَ الْجُمْلَةَ بِجُمْلَةِ وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، أَيِ الْمَدِينَةُ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا هِيَ بِطْرِيقٍ بَاقٍ يُشَاهِدُ كَثِيرٌ مِنْكُمْ آثَارَهَا فِي بِلَادِ فِلَسْطِينَ فِي طَرِيقِ تِجَارَتِكُمْ إِلَى الشَّامِ وَمَا حَوْلَهَا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
[سُورَة الصافات: 137- 138] .
وَالْمُقِيمُ: أَصْلُهُ الشَّخْصُ الْمُسْتَقِرُّ فِي مَكَانِهِ غَيْرُ مُرْتَحِلٍ. وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِآثَارِ الْمَدِينَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الْمَكَانِ بِتَشْبِيهِهِ بِالشَّخْصِ الْمُقِيمِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ تَذْيِيلٌ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ مِنَ الْقِصَّةِ مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَيْهَا مِنَ التَّذْكِيرِ بِأَنَّ قُرَاهُمْ وَاضِحَةٌ فِيهَا آثَارُ الْخَسْفِ وَالْأَمْطَارِ بِالْحِجَارَةِ الْمُحْمَاةِ.
وَعَبَّرَ فِي التَّذْيِيلِ بِالْمُؤْمِنِينَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَسِّمِينَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
وَجَعَلَ ذَلِكَ (آيَةً) بِالْإِفْرَادِ تَفَنُّنًا لِأَنَّ (آيَةً) اسْمُ جِنْسٍ يَصْدُقُ بِالْمُتَعَدِّدِ، عَلَى أَنَّ مَجْمُوعَ مَا حَصَلَ لَهُمْ آيَةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنَ الْقِصَّةِ وَهُوَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ. وَفِي مَطَاوِي تِلْكَ الْآيَاتِ آيَاتٌ. وَالَّذِي فِي دُرَّةِ التَّنْزِيلِ، أَيِ الْفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِ الْآيَاتِ فِي الْأَوَّلِ، وَإِفْرَادِهِ ثَانِيًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّ مَا قُصَّ مِنْ حَدِيثِ لُوطٍ وَضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ وَمَا كَانَ مِنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ آيَةٌ. فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ هُوَ عِدَّةُ آيَاتٍ. وَأَمَّا كَوْنُ قَرْيَةِ لُوطٍ بِسَبِيلٍ مُقِيمٍ فَهُوَ فِي جُمْلَتِهِ آيَةٌ وَاحِدَة. فتأمّل.
[78، 79]
[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 78 إِلَى 79]
وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (79)
وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ.
عَطَفَ قِصَّةً عَلَى قِصَّةٍ لِمَا فِي كِلْتَيْهِمَا مِنَ الْمَوْعِظَةِ. وَذِكْرُ هَاتَيْنِ الْقِصَّتَيْنِ الْمَعْطُوفَتَيْنِ تَكْمِيلٌ وَإِدْمَاجٌ، إِذْ لَا عَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُمَا مِنْ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ
وَالْمَلَائِكَةِ. وَخَصَّ بِالذِّكْرِ أَصْحَابَ الْأَيْكَةِ وَأَصْحَابَ الْحِجْرِ لِأَنَّهُمْ مِثْلُ قَوْمِ لُوطٍ فِي مَوْعِظَةِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يُشَاهِدُونَ دِيَارَ هَذِهِ الْأُمَمِ الثَّلَاثِ.
وإِنْ مُخَفَّفَةُ (إِنَّ) وَقَدْ أُهْمِلَ عَمَلُهَا بِالتَّخْفِيفِ فَدَخَلَتْ عَلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ. وَاللَّامُ الدَّاخِلَة على (الظَّالِمين) اللَّامُ الْفَارِقَةُ بَيْنَ (إِنَّ) الَّتِي أَصْلُهَا مُشَدَّدَةٌ وَبَيْنَ (إِنَّ) النَّافِيَةِ.
والْأَيْكَةِ: الْغَيْضَةُ مِنَ الْأَشْجَارِ الْمُلْتَفُّ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. وَاسْمُ الْجَمْعِ (أَيْكٌ) ، وَأُطْلِقَتْ هُنَا مُرَادًا بِهَا الْجِنْسُ إِذْ قَدْ كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ فِي غَيْضَةٍ مِنَ الْأَشْجَارِ الْكَثِيرَةِ الْوَرق.
وَقَدْ تُخَفَّفُ الْأَيْكَةُ فَيُقَالُ: لَيْكَةُ.
وأَصْحابُ الْأَيْكَةِ: هُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ- عليه السلام وَهُمْ مَدْيَنُ. وَقِيلَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ فَرِيقٌ مِنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ غَيْرُ أَهْلِ مَدْيَنَ. فَأَهْلُ مَدين هم سُكَّانُ الْحَاضِرَةِ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ هُمْ بَادِيَتُهُمْ، وَكَانَ شُعَيْبٌ رَسُولًا إِلَيْهِمْ جَمِيعًا. قَالَ تَعَالَى: كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ [سُورَة الشُّعَرَاء: 176- 177] . وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ على ذَلِك مُسْتَوفى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ.
وَالظَّالِمُونَ: الْمُشْرِكُونَ.
وَالِانْتِقَامُ: الْعُقُوبَةُ لِأَجْلِ ذَنْبٍ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ النَّقْمِ، وَهُوَ الْإِنْكَارُ عَلَى الْفِعْلِ. يُقَالُ:
نَقَمَ عَلَيْهِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَنَقَمَ مِنْهُ أَيْضًا. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَما تَنْقِمُ مِنَّا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [126] . وَأُجْمِلَ الِانْتِقَامُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَبُيِّنَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى مِثْلِ آيَةِ هُودٍ.
وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ ضَمِيرُ إِنَّهُما لِقَرْيَةِ قَوْمِ لُوطٍ وَأَيْكَةُ قَوْمُ شُعَيْبٍ- عليهما السلام..