الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْأَلْوَانُ: جَمْعُ لَوْنٍ. وَهُوَ كَيْفِيَّةٌ لِسُطُوحِ الْأَجْسَامِ مُدْرَكَةٌ بِالْبَصَرِ تَنْشَأُ مِنَ امْتِزَاجِ بَعْضِ الْعَنَاصِرِ بِالسَّطْحِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ أَوْ بِصَبْغِهَا بِعُنْصُرٍ ذِي لَوْنٍ مَعْرُوفٍ. وَتَنْشَأُ مِنَ اخْتِلَاطِ عُنْصُرَيْنِ فَأَكْثَرَ أَلْوَانٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [69] .
وَنِيطَ الِاسْتِدْلَالُ بِاخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ بِوَصْفِ التَّذَكُّرِ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ تَذَكُّرِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ إِذْ هِيَ مَشْهُورَةٌ.
وَإِقْحَامُ لَفْظِ (قَوْمٍ) وَكَوْنُ الْجُمْلَةِ تَذْيِيلًا تَقَدَّمَ آنِفًا.
وَأَبْدَى الْفَخْرُ فِي «دُرَّةِ التَّنْزِيلِ» وَجْهًا لِاخْتِلَافِ الْأَوْصَافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [سُورَة النَّحْل: 11] وَقَوْلِهِ: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [سُورَة النَّحْل: 12] وَقَوْلِهِ: لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ: بِأَنَّ ذَلِكَ لِمُرَاعَاةِ اخْتِلَافِ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى قُوَّةِ التَّأَمُّلِ بِدَلَالَةِ الْمَخْلُوقَاتِ النَّاجِمَةِ عَنِ الْأَرْضِ يحْتَاج إِلَى التفكر، وَهُوَ إِعْمَالُ النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْعِلْمِ. وَدَلَالَةُ مَا ذَرَأَهُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْحَيَوَانِ مُحْتَاجَةٌ إِلَى مَزِيدِ تَأَمُّلٍ فِي التَّفْكِيرِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَتَنَاسُلِهَا وَفَوَائِدِهَا، فَكَانَتْ بحاجة إِلَى التذكّر، وَهُوَ التَّفَكُّرُ مَعَ تَذَكُّرِ أَجْنَاسِهَا
وَاخْتِلَافِ خَصَائِصِهَا. وَأَمَّا دَلَالَةُ تَسْخِيرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْعَوَالِمِ الْعُلْوِيَّةِ فَلِأَنَّهَا أَدَقُّ وَأَحْوَجُ إِلَى التَّعَمُّقِ. عَبَّرَ عَنِ الْمُسْتَدِلِّينَ عَلَيْهَا بِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ، وَالتَّعَقُّلُ هُوَ أَعْلَى أَحْوَالِ الِاسْتِدْلَال اه.
[14]
[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 14]
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
الْقَوْلُ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَإِدْمَاجُ الِامْتِنَانِ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِيمَا سَبَقَ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَسْخِيرِ الْفُلْكِ فِي الْبَحْرِ وَتَسْخِيرِ الْأَنْهَارِ فِي أَثْنَاءِ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ.
وَمِنْ تَسْخِيرِ الْبَحْرِ خَلْقُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يُمْكِنُ مَعَهَا السَّبْحُ وَالسَّيْرُ بِالْفُلْكِ، وَتَمْكِينُ السَّابِحِينَ وَالْمَاخِرِينَ مِنْ صَيْدِ الْحِيتَانِ الْمَخْلُوقَةِ فِيهِ وَالْمُسَخَّرَةِ لِحِيَلِ الصَّائِدِينَ. وَزِيدَ فِي الِامْتِنَانِ أَنَّ لَحْمَ صَيْدِهِ طَرِيٌّ.
وَ (مِنْ) ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ تَأْكُلُوا لَحْمًا طَرِيًّا صَادِرًا مِنَ الْبَحْرِ.
وَالطَّرِيُّ: ضِدُّ الْيَابِسِ. وَالْمَصْدَرُ: الطَّرَاوَةُ. وَفِعْلُهُ: طَرُوَ، بِوَزْنِ خَشُنَ.
وَالْحِلْيَةُ: مَا يَتَحَلَّى بِهِ النَّاسُ، أَيْ يَتَزَيَّنُونَ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [17] . وَذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ فَاللُّؤْلُؤُ يُوجَدُ فِي بَعْضِ الْبِحَارِ مِثْلِ الْخَلِيجِ الْفَارِسِيِّ، وَالْمَرْجَانُ يُوجِدُ فِي جَمِيعِ الْبِحَارِ وَيَكْثُرُ وَيَقِلُّ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى اللُّؤْلُؤِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ، وَفِي سُورَة الرحمان. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْمَرْجَانِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ.
وَالِاسْتِخْرَاجُ: كَثْرَةُ الْإِخْرَاجِ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ مِثْلُ: اسْتَجَابَ لِمَعْنَى أَجَابَ.
وَاللُّبْسُ: جَعْلُ الثَّوْبِ وَالْعِمَامَةِ وَالْمَصُوغِ عَلَى الْجَسَدِ. يُقَالُ: لُبْسُ التَّاجِ، وَلُبْسُ الْخَاتَمِ، وَلُبْسُ الْقَمِيصِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [26] .
وَإِسْنَادُ لِبَاسِ الْحِلْيَةِ إِلَى ضَمِيرِ جَمْعِ الذُّكُورِ تَغْلِيبٌ، وَإِلَّا فَإِنَّ غَالِبَ الْحِلْيَةِ يَلْبَسُهَا النِّسَاءُ عَدَا الْخَوَاتِيمِ وَحِلْيَةِ السُّيُوفِ.
وَجُمْلَةُ وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ مَعَ إِمْكَانِ الْعَطْفِ
لِقَصْدِ مُخَالَفَةِ الْأُسْلُوبِ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ تَسْخِيرِ السَّيْرِ فِي الْبَحْرِ بِاسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ بِوَاسِطَةِ فِعْلِ الرُّؤْيَةِ. وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّعْجِيبِ كَثِيرًا بِصِيَغٍ كَثِيرَةٍ نَحْوَ: وَلَو ترى، وأ رَأَيْت، وَمَاذَا تَرَى. وَاجْتِلَابُ فِعْلِ الرُّؤْيَةِ فِي أَمْثَالِهِ يُفِيدُ الْحَثَّ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ. فَهَذَا النَّظْمُ لِلْكَلَامِ لِإِفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَوْلَاهَا لَكَانَ الْكَلَامُ هَكَذَا: وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ فِي فُلْكٍ مَوَاخِرَ.