الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 33 إِلَى 34]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34)
اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ جُمْلَةِ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [سُورَة الرَّعْد: 42] لِأَنَّهَا تُثِيرُ سُؤَالَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ إِبَّانِ حُلُولِ الْعَذَابِ عَلَى هَؤُلَاءِ كَمَا حَلَّ بِالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَقِيلَ: مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا أَحَدَ أَمْرَيْنِ هُمَا مَجِيءُ الْمَلَائِكَةِ لَقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ فَيَحِقُّ عَلَيْهِمُ الْوَعِيدُ الْمُتَقَدِّمُ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ. وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِئْصَالُ الْمُعَرَّضُ بِالتَّهْدِيدِ فِي قَوْلِهِ: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ [سُورَة النَّحْل: 26] .
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ بعده الِاسْتِثْنَاء.
ونْظُرُونَ
هُنَا بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ وَهُوَ النِّظَرَةُ. وَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم تَذْكِيرًا بِتَحْقِيقِ الْوَعِيدِ وَعَدَمِ اسْتِبْطَائِهِ وَتَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ اغْتِرَارِهِمْ بِتَأَخُّرِ الْوَعِيدِ وَحَثًّا لَهُمْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْإِيمَانِ.
وَإِسْنَادُ الِانْتِظَارِ الْمَذْكُور إِلَيْهِم جَار عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَنْتَظِرُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، لِأَنَّ حَالَهُمْ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْوَعِيدِ وَعَدَمِ التَّفَكُّرِ فِي دَلَائِلِ صِدْقِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مَعَ ظُهُورِ تِلْكَ الدَّلَائِلِ وَإِفَادَتِهَا التَّحَقُّقَ كَحَالِ مَنْ أَيْقَنَ حُلُولَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِهِ فَهُوَ يَتَرَقَّبُ أَحَدَهُمَا، كَمَا تَقُولُ لِمَنْ لَا يَأْخُذُ حَذَرَهُ مِنَ الْعَدُوِّ: مَا تَتَرَقَّبُ إِلَّا أَنْ تَقَعَ أَسِيرًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ [سُورَة يُونُس: 102] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ [سُورَة الْقَصَص: 19] . وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ وَمَا هُوَ بِذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ تَنْظِيرٌ بِأَحْوَالِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ تَحْقِيقًا لِلْغَرَضَيْنِ.
وَالْإِشَارَةُ إِلَى الِانْتِظَارِ الْمَأْخُوذِ مِنْ (يَنْظُرُونَ) الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ وَالْإِبْطَاءُ،، أَيْ كَإِبْطَائِهِمْ فِعْلَ الَّذِينَ من قبلهم، فيوشك أَنْ يَأْخُذَهُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً كَمَا أَخَذَ الَّذِينَ مِنْ قبلهم. وَهَذَا تحذير لَهُمْ وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ- عليه الصلاة والسلام بِبَرَكَتِهِ وَلِإِرَادَتِهِ انتشار دينه.
وَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [سُورَة الرَّعْد: 42] .
وَجُمْلَةُ مَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
مُعْتَرضَة بَين جملةَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
[سُورَة النَّحْل: 33] وَجُمْلَة فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا.
وَوَجْهُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَنَّ التَّعَرُّضَ إِلَى مَا فَعَلَهُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُشِيرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ عَاقِبَتِهِمْ وَهُوَ اسْتِئْصَالُهُمْ، فَعُقِّبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
، أَيْ فِيمَا أَصَابَهُمْ.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ مُشْتَمِلًا عَلَى أَنَّهُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ صَارَ تَفْرِيعُ فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَا قَبْلَهُ. وَهُوَ أُسْلُوبٌ مِنْ نَظْمِ الْكَلَامِ عَزِيزٌ. وَتَقْدِيرُ
أَصْلِهِ: كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ. فَفِي تَغْيِيرِ الْأُسْلُوبِ الْمُتَعَارَفِ تَشْوِيقٌ إِلَى الْخَبَرِ، وَتَهْوِيلٌ لَهُ بِأَنَّهُ ظُلْمُ أَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَظْلِمْهُمْ، فَيَتَرَقَّبُ السَّامِعُ خَبَرًا مُفْظِعًا وَهُوَ فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا.
وَإِصَابَةُ السَّيِّئَاتِ إِمَّا بِتَقْدِيرٍ مُضَافٍ، أَيْ أَصَابَهُمْ جَزَاؤُهَا، أَوْ جُعِلَتْ أَعْمَالُهُمُ السَّيِّئَةُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ لِأَنَّهَا سَبَبُ مَا أَصَابَهُمْ، فَهُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ.
وحاقَ: أَحَاطَ. وَالْحَيْقُ: الْإِحَاطَةُ. ثُمَّ خَصَّ الِاسْتِعْمَالُ الْحَيْقَ بِإِحَاطَةِ الشَّرِّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ