الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْجَرَمُ- بِالتَّحْرِيكِ-: أَصْلُهُ الْبُدُّ. وَكَثُرَ فِي الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى صَارَ بِمَعْنَى حَقًّا. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ فِي سُورَةِ هُودٍ [22] .
وَقَوْلُهُ: أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذُوفٍ مُتَعَلِّقٍ بِ جَرَمَ. وَخَبَرُ لَا النَّافِيَةِ مَحْذُوفٌ لِظُهُورِهِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: لَا جَرَمَ مَوْجُودٌ. وَحَذْفُ الْخَبَرِ فِي مِثْلِهِ كَثِيرٌ.
وَالتَّقْدِيرُ: لَا جَرَمَ فِي أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَوْ لَا جَرَمَ مِنْ أَنَّهُ يَعْلَمُ، أَيْ لَا بدّ من أَنَّهُ يَعْلَمُ، أَيْ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ، أَيْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنِ الْوَعِيدِ بِالْمُؤَاخَذَةِ بِمَا يُخْفُونَ وَمَا يُظْهِرُونَ مِنَ الْإِنْكَارِ والاستكبار وَغَيرهمَا بالمؤاخذة بِمَا يخفون وَمَا يظهرون من الْإِنْكَار وَالِاسْتِكْبَارِ وَغَيْرِهِمَا مُؤَاخَذَةِ عِقَابٍ وَانْتِقَامٍ، فَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِجُمْلَةِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُسْتَكْبِرِينَ
الْوَاقِعَةِ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ وَالتَّذْيِيلِ لَهَا، لِأَنَّ الَّذِي لَا يُحِبُّ فِعْلًا وَهُوَ قَادِرٌ يُجَازِي فَاعِلَهُ بِالسُّوءِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْمُسْتَكْبِرِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، لِأَنَّ شَأْنَ التَّذْيِيلِ الْعُمُومُ. وَيَشْمَلُ هَؤُلَاءِ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ فَيَكُونُ إِثْبَاتُ الْعِقَابِ لَهُمْ كَإِثْبَاتِ الشَّيْء بدليله.
[24، 25]
[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 24 إِلَى 25]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ (25)
وإِذا قِيلَ لَهُمْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ [سُورَة النَّحْل: 22] ، لِأَنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ مِنْ أَحْوَالِهِمُ الْمُتَقَدِّمُ بَعْضُهَا، فَإِنَّهُ ذَكَرَ اسْتِكْبَارَهُمْ وَإِنْكَارَهُمُ الْوَحْدَانِيَّةَ، وَأَتْبَعَ بِمَعَاذِيرِهِمُ الْبَاطِلَةِ لِإِنْكَارِ نُبُوءَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَبِصَدِّهِمُ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْإِسْلَامِ. وَالتَّقْدِيرُ:
قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَمُسْتَكْبِرَةٌ فَلَا يَعْتَرِفُونَ
بِالنُّبُوءَةِ وَلَا يُخَلُّونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَنْ يَتَطَلَّبُ الْهُدَى، مُضِلُّونَ لِلنَّاسِ صَادُّونَهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ.
وَذِكْرُ فِعْلِ الْقَوْلِ يَقْتَضِي صُدُورَهُ عَنْ قَائِلٍ يَسْأَلُهُمْ عَنْ أَمْرٍ حَدَثَ بَيْنَهُمْ وَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ، وَأَنَّهُمْ يُجِيبُونَ بِمَا ذُكِرَ مَكْرًا بِالدِّينِ وَتَظَاهُرًا بِمَظْهَرِ النَّاصِحِينَ لِلْمُسْتَرْشِدِينِ الْمُسْتَنْصِحِينِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [سُورَة النَّحْل:
25] .
وإِذا ظَرْفٌ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ. وَهَذَا الشَّرْطُ يُؤْذِنُ بِتَكَرُّرِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَهَمَّهُمْ أَمْرُ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَرَأَوْا تَأْثِيرَ الْقُرْآنِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، وَأَخَذَ أَتْبَاعُ الْإِسْلَامِ يَكْثُرُونَ، وَصَارَ الْوَارِدُونَ إِلَى مَكَّةَ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ يَسْأَلُونَ النَّاسَ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ، وَمَاذَا يَدْعُو إِلَيْهِ، دَبَّرَ لَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ مَعَاذِيرَ وَاخْتِلَاقًا يَخْتَلِقُونَهُ لِيُقْنِعُوا السَّائِلِينَ بِهِ، فَنَدَبَ مِنْهُمْ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا بَعَثَهُمْ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ يَقْعُدُونَ فِي عَقَبَاتِ مَكَّةَ وَطُرُقِهَا الَّتِي يَرِدُ مِنْهَا النَّاسُ، يَقُولُونَ لِمَنْ سَأَلَهُمْ: لَا تَغْتَرُّوا بِهَذَا الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنَّهُ مَجْنُونٌ أَوْ سَاحِرٌ أَوْ شَاعِرٌ أَوْ كَاهِنٌ، وَأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يَقُولُهُ أَسَاطِيرُ مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْحِجْرِ. وَكَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ يَقُولُ: أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَجْمَلُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ أَحَادِيثَ رُسْتُمَ وَإِسْفَنْدِيَارَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [93] .
وَمُسَاءَلَةُ الْعَرَبِ عَنْ بَعْثِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم كَثِيرَةٌ وَاقِعَةٌ. وَأَصْرَحُهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يزْعم أَنه نبيء، فَقُلْتُ لِأَخِي أُنَيْسٍ: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ كَلِّمْهُ وَائْتِنِي بِخَبَرِهِ، فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ. فَقُلْتُ: لَمْ تشفني من الْخَيْر، فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ فَجَعَلْتُ لَا أَعْرِفُهُ
وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ
…
» إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ.
وَسُؤَالُ السَّائِلِينَ لِطَلَبِ الْخَبَرِ عَنِ الْمُنَزَّلِ مِنَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُؤَالَهُمْ سُؤَالُ مُسْتَرْشِدٍ عَنْ دَعْوَى بَلَغَتْهُمْ وَشَاعَ خَبَرُهَا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ حُسْنِ طَوِيَّةٍ، وَيَصُوغُونَ السُّؤَالَ عَنِ الْخَبَرِ كَمَا بَلَغَتْهُمْ دَعْوَتُهُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ فَهُوَ جَوَابٌ بَلِيغٌ تَضَمَّنَ بَيَانَ نَوْعِ هَذَا الْكَلَامِ، وَإِبْطَالَ أَنْ يَكُونَ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَنَّ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ مَعْرُوفَةٌ وَالْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ مِنْ قَبْلُ.
وماذا كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ (مَا) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ، وَيَقَعُ بَعْدَهَا فِعْلٌ هُوَ صِلَةٌ لِمَوْصُولٍ مَحْذُوفٍ نَابَ عَنْهُ اسْمُ الْإِشَارَةِ. وَالْمَعْنَى: مَا هَذَا الَّذِي أُنْزِلَ.
وَ (مَا) يُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ بَيَانِ الْجِنْسِ وَنَحْوِهِ. وَمَوْضِعُهَا أَنَّهَا خَبَرٌ مُقَدَّمٌ. وَمَوْضِعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ الِابْتِدَاءُ. وَالتَّقْدِيرُ: هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ رَبُّكُمْ مَا هُوَ. وَقَدْ تَسَامَحَ النَّحْوِيُّونَ فَقَالُوا: إِنَّ (ذَا) مِنْ قَوْلِهِمْ (مَاذَا) صَارَتِ اسْمَ مَوْصُولٍ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [215] .
وأَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي السُّؤَالِ. وَالتَّقْدِيرُ: هُوَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، أَيِ الْمَسْئُولُ عَنْهُ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.
وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مُنَزَّلًا مِنْ رَبِّهِمْ لِأَنَّ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ لَا تَكُونُ مُنَزَّلَةً مِنَ اللَّهِ كَمَا قُلْنَاهُ آنِفًا. وَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ لَوْ نُصِبَ لَاقْتَضَى التَّقْدِيرُ:
أَنْزَلَ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ، وَهُوَ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ. لِأَنَّ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ السَّابِقَةَ لَا تَكُونُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ الْآنَ.
وَالْأَسَاطِيرُ: جَمْعُ أَسْطَارٍ الَّذِي هُوَ جَمْعُ سَطْرٍ. فَأَسَاطِيرُ جَمْعُ الْجَمْعِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ:
جَمْعُ أُسْطُورَةٍ- بِضَمِّ الْهَمْزَةِ- كَأُرْجُوحَةٍ. وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا
قِصَّةٌ مَكْتُوبَةٌ. وَهَذَا الَّذِي
ذَكَرَهُ الْمُبَرِّدُ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَسَاطِيرُ فِي الْأَكْثَرِ يَعْنِي بِهَا الْقِصَصَ لَا كُلَّ كِتَابٍ مَسْطُورٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [25] .
وَاللَّامُ فِي لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ تَعْلِيلٌ لِفِعْلِ قالُوا، وَهِيَ غَايَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ سَبَبًا لِأَنْ يَحْمِلُوا أَوْزَارَ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ، فَاللَّامُ مُسْتَعْمَلَةٌ مَجَازًا فِي الْعَاقِبَةِ مِثْلُ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [سُورَة الْقَصَص: 8] .
وَالتَّقْدِيرُ: قَالُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ كَحَالِ مَنْ يُغْرِي عَلَى مَا يَجُرُّ إِلَيْهِ زِيَادَةُ الضُّرِّ إِذْ حَمَلُوا بِذَلِكَ أَوْزَارَ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ زِيَادَةً عَلَى أَوْزَارِهِمْ.
وَالْأَوْزَارُ: حَقِيقَتُهَا الْأَثْقَالُ، جَمْعُ وِزْرٍ- بِكَسْرِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الزَّايِ- وَهُوَ الثِّقْلُ.
وَاسْتُعْمِلَ فِي الْجُرْمِ وَالذَّنْبِ، لِأَنَّهُ يُثْقِلُ فَاعِلَهُ عَنِ الْخَلَاصِ مِنَ الْأَلَمِ وَالْعَنَاءِ، فَأَصْلُ ذَلِكَ اسْتِعَارَةٌ بِتَشْبِيهِ الْجُرْمِ وَالذَّنْبِ بِالْوِزْرِ. وَشَاعَتْ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ، قَالَ تَعَالَى: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [31] . كَمَا يُعَبِّرُ عَنِ الذُّنُوبِ بِالْأَثْقَالِ، قَالَ تَعَالَى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [سُورَة العنكبوت: 13] .
وَحَمْلُ الْأَوْزَارِ تَمْثِيلٌ لِحَالَةِ وُقُوعِهِمْ فِي تَبِعَاتِ جَرَائِمِهِمْ بِحَالَةِ حَامِلِ الثِّقْلِ لَا يَسْتَطِيعُ تَفَصِّيًا مِنْهُ، فَلَمَّا شُبِّهَ الْإِثْمُ بِالثِّقْلِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْوِزْرُ شُبِّهَ التَّوَرُّطُ فِي تَبِعَاتِهِ بِحَمْلِ الثِّقْلِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّخْيِيلِيَّةِ، وَحَصَلَ مِنْ الِاسْتِعَارَتَيْنِ الْمُفَرَّقَتَيْنِ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ لِلْهَيْئَةِ كُلِّهَا.
وَهَذَا مِنْ أَبْدَعِ التَّمْثِيلِ أَنْ تَكُونَ الِاسْتِعَارَةُ التَّمْثِيلِيَّةُ صَالِحَةً لِلتَّفْرِيقِ إِلَى عِدَّةِ تَشَابِيهَ أَوِ اسْتِعَارَاتٍ.
وَإِضَافَةُ الْأَوْزَارِ إِلَى ضَمِيرِ «هُمْ» لِأَنَّهُمْ مَصْدَرُهَا.
وَوُصِفَتِ الْأَوْزَارُ بِ كامِلَةً تَحْقِيقًا لِوَفَائِهَا وَشِدَّةِ ثِقْلِهَا لِيَسْرِيَ ذَلِكَ إِلَى شِدَّةِ ارْتِبَاكِهِمْ فِي تَبِعَاتِهَا إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ إِضَافَةِ الْحَمْلِ إِلَى الْأَوْزَارِ.