المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النحل (16) : آية 72] - التحرير والتنوير - جـ ١٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌15- سُورَةُ الْحِجْرِ

- ‌مَقَاصِدُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 16 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 28 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 51 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 57 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 61 إِلَى 65]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 67 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 70 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 80 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 85 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 88 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 94 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 97 إِلَى 99]

- ‌16- سُورَةُ النَّحْلِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 5 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 30 الى 31]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 43 الى 44]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 86 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 98 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 108 إِلَى 109]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 112]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 116 إِلَى 117]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 118]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 120 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 123]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 128]

الفصل: ‌[سورة النحل (16) : آية 72]

وَقَدْ عُدِّيَ فِعْلُ يَجْحَدُونَ بِالْبَاءِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى يَكْفُرُونَ، وَتَكُونُ الْبَاءُ لِتَوْكِيدِ تَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ مثل وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [سُورَة الْمَائِدَة: 6] . وَتَقْدِيمُ «بِنِعْمَةِ اللَّهِ» عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ يَجْحَدُونَ لِلرِّعَايَةِ على الفاصلة.

[72]

[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 72]

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)

عَطْفٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِبَدِيعِ الصُّنْعِ فِي خَلْقِ النَّسْلِ إِذْ جُعِلَ مُقَارَنًا لِلتَّأَنُّسِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، إِذْ جَعَلَ النَّسْلَ مِنْهُمَا وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُفَارِقًا لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا.

وَجَعَلَ النَّسْلَ مَعْرُوفًا مُتَّصِلًا بِأُصُولِهِ بِمَا أُلْهِمَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ دَاعِيَةِ حِفْظِ النَّسَبِ، فَهِيَ مِنَ الْآيَاتِ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْوَحْدَانِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرُّومِ [21] : وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. فَجَعَلَهَا آيَةً تَنْطَوِي عَلَى آيَاتٍ، وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الصُّنْعُ نِعَمًا كَثِيرَةً، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ.

وَالْقَوْلُ فِي جُمْلَةِ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرَتَيْهَا الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ.

وَاللَّامُ فِي جَعَلَ لَكُمْ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ جَعَلَ إِلَى ثَانٍ.

وَمَعْنَى مِنْ أَنْفُسِكُمْ مِنْ نَوْعِكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [سُورَة النُّور: 21] أَيْ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ بِالْبُيُوتِ، وَقَوْلِهِ: رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [سُورَة آل عمرَان: 164] وَقَوْلِهِ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ [سُورَة الْبَقَرَة: 85] .

ص: 217

وَالْخِطَابُ بِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ الْمُخَاطَبِينَ مُوَجَّهٌ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَغَلَبَ ضَمِيرُ التَّذْكِيرِ.

وَهَذِهِ نِعْمَةٌ إِذْ جَعَلَ قَرِينَ الْإِنْسَانِ مُتَكَوِّنًا مِنْ نَوْعِهِ، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ ذَلِكَ لَاضْطُرَّ الْإِنْسَانُ إِلَى طَلَبِ التَّأَنُّسِ بِنَوْعٍ آخَرَ فَلَمْ يَحْصُلِ التَّأَنُّسُ بِذَلِكَ لِلزَّوْجَيْنِ. وَهَذِهِ الْحَالَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي أَغْلَبِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ فَهِيَ نِعْمَةٌ يُدْرِكُهَا الْإِنْسَانُ وَلَا يُدْرِكُهَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْوَاعِ. وَلَيْسَ مِنْ قِوَامِ مَاهِيَّةِ النِّعْمَةِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ.

وَالْأَزْوَاجُ: جَمْعُ زَوْجٍ، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَصِيرُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ اثْنَيْنِ، فَلِذَا وُصِفَ بِزَوْجٍ الْمُرَادِفُ لِثَانٍ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فِي [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 35] .

وَالْوَصْفُ بِالزَّوْجِ يُؤْذِنُ بِمُلَازَمَتِهِ لِآخَرَ، فَلِذَا سُمِّيَ بِالزَّوْجِ قَرِينُ الْمَرْأَةِ وَقَرِينَةُ الرَّجُلِ.

وَهَذِهِ نِعْمَةٌ اخْتُصَّ بِهَا الْإِنْسَانُ إِذْ أَلْهَمَهُ اللَّهُ جَعْلَ قَرِينٍ لَهُ وَجَبَلَهُ عَلَى نِظَامِ مَحَبَّةٍ وَغَيْرِهِ لَا يَسْمَحَانِ لَهُ بِإِهْمَالِ زَوْجِهِ كَمَا تُهْمِلُ الْعَجْمَاوَاتُ إِنَاثَهَا وَتَنْصَرِفُ إِنَاثُهَا عَنْ ذُكُورِهَا.

ومِنْ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ لِلتَّبْعِيضِ.

وَجَعَلَ الْبَنِينَ لِلْإِنْسَانِ نِعْمَةً، وَجَعَلَ كَوْنَهُمْ مِنْ زَوْجَةٍ نِعْمَةً أُخْرَى، لِأَنَّ بِهَا تَحَقُّقَ كَوْنِهِمْ أَبْنَاءَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ وَدَوَامَ اتِّصَالِهِمْ بِهِ بِالنِّسْبَةِ، وَوُجُودَ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الْقِيَامِ بِتَدْبِيرِ أَمْرِهِمْ فِي حَالَةِ ضَعْفِهِمْ.

ومِنْ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَزْواجِكُمْ لِلِابْتِدَاءِ، أَيْ جَعَلَ لَكُمْ بَنِينَ مُنْحَدِرِينَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ.

وَالْحَفَدَةُ: جَمْعُ حَافِدٍ، مِثْلُ كَمَلَةٍ جَمْعُ كَامِلٍ. وَالْحَافِدُ أَصْلُهُ الْمُسْرِعُ فِي الْخِدْمَةِ.

وَأُطْلِقَ عَلَى ابْنِ الِابْنِ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ أَنْ يَخْدِمَ جَدَّهُ لِضَعْفِ الْجَدِّ بِسَبَبِ الْكِبَرِ، فَأَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى

الْإِنْسَانِ بِحِفْظِ سِلْسِلَةِ نَسَبِهِ بِسَبَبِ ضَبْطِ الْحَلْقَةِ الْأُولَى مِنْهَا،

ص: 218

وَهِيَ كَوْنُ أَبْنَائِهِ مِنْ زَوْجِهِ ثُمَّ كَوْنُ أَبْنَاءِ أَبْنَائِهِ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، فَانْضَبَطَتْ سِلْسِلَةُ الْأَنْسَابِ بِهَذَا النِّظَامِ الْمُحْكَمِ الْبَدِيعِ.

وَغَيْرُ الْإِنْسَانِ مِنَ الْحَيَوَانِ لَا يَشْعُرُ بِحَفَدَتِهِ أَصْلًا- لَا يَشْعُرُ بِالْبُنُوَّةِ إِلَّا أُنْثَى الْحَيَوَانِ مُدَّةً قَلِيلَةً قَرِيبَةً مِنَ الْإِرْضَاعِ. وَالْحَفَدَةُ لِلْإِنْسَانِ زِيَادَةٌ فِي مَسَرَّةِ الْعَائِلَةِ، قَالَ تَعَالَى: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ [سُورَة هود: 71] . وَقَدْ عَمِلَتْ مِنْ الِابْتِدَائِيَّةُ فِي حَفَدَةً بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ يَكُونُ مُبَاشَرَةً وَبِوَاسِطَةٍ.

وَجُمْلَةُ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمَا بَعْدَهَا، لِمُنَاسَبَةِ مَا فِي الْجُمَلِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا مِنْ تَضَمُّنِ الْمِنَّةِ بِنِعْمَةِ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ، فَإِن من مكمّلاتها سَعَة الرِّزْقِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آلِ عِمْرَانَ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ [سُورَة النَّحْل: 14] الْآيَةَ. وَقَالَ طَرَفَةُ:

فَأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَطَافَ بِي

بَنُونَ كِرَامٌ سَادَةٌ لِمَسُودِ

فَالْمَالُ وَالْعَائِلَةُ لَا يروق أَحدهَا بِدُونِ الْآخَرِ.

ثُمَّ الرِّزْقُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْهُ الْمَالُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ قَارُونَ:

وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ [سُورَة الْقَصَص: 82] . وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ إِعْطَاءَ الْمَأْكُولَاتِ الطَّيِّبَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً [سُورَة آل عمرَان: 37] .

ومِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ.

والطَّيِّباتِ: صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ رَزَقَكُمْ، أَيِ الْأَرْزَاقَ الطَّيِّبَاتِ.

وَالتَّأْنِيثُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ. وَالطَّيِّبُ: فَيْعِلُ صِفَةُ مُبَالَغَةٍ فِي الْوَصْفِ بِالطَّيِّبِ. وَالطَّيِّبُ: أَصْلُهُ النَّزَاهَةُ وَحُسْنُ الرَّائِحَةِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمُلَائِمِ الْخَالِصِ مِنَ النَّكَدِ، قَالَ تَعَالَى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً [سُورَة النَّحْل: 97] . وَاسْتُعْمِلَ فِي الصَّالِحِ مِنْ نَوْعِهِ

ص: 219

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ، فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [58] . وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ [سُورَة النَّحْل: 32] وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا.

فَالطَّيِّبَاتُ هُنَا الْأَرْزَاقُ الواسعة المحبوبة للنَّاس كَمَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ فِي سُورَةِ

آلِ عِمْرَانَ أَوِ الْمَطْعُومَاتُ وَالْمَشْرُوبَاتُ اللَّذِيذَةُ الصَّالِحَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الطَّيِّبَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [5]، وَذُكِرَ الطَّيِّبُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [168] .

وَفُرِّعَ عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ وَالْمِنَّةِ اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِالْبَاطِلِ الْبَيِّنِ، فَتَفْرِيعُ التَّوْبِيخِ عَلَيْهِ وَاضِحُ الِاتِّجَاهِ.

وَالْبَاطِلُ: ضِدُّ الْحَقِّ لِأَنَّ مَا لَا يَخْلُقُ لَا يُعْبَدُ بِحَقٍّ. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْله تَعَالَى: أَفَبِالْباطِلِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِالتَّعْرِيفِ بِبَاطِلِهِمْ.

وَالِالْتِفَاتُ عَنِ الْخِطَابِ السَّابِق إِلَى الْغَيْبَة فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَبِالْباطِلِ يَجْرِي الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [سُورَة النَّحْل:

71] .

وَقَوله تَعَالَى: وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ التَّوْبِيخِ، وَهُوَ تَوْبِيخٌ مُتَوَجِّهٌ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً إِلَى قَوْلِهِ:

وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ مِنْ الِامْتِنَانِ بِذَلِكَ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ بَعْدَ كَوْنِهِمَا دَلِيلًا عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْله تَعَالَى: بِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ.

وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هُمْ يَكْفُرُونَ ضَمِيرُ فَصْلٍ لِتَأْكِيدِ الْحُكْمِ بِكُفْرَانِهِمُ النِّعْمَةَ لِأَنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ أَخْفَى مِنَ الْإِيمَانِ بِالْبَاطِلِ، لِأَنَّ الْكُفْرَانَ يَتَعَلَّقُ بِحَالَاتِ الْقَلْبِ، فَاجْتمع فِي هَذِه الْجُمْلَةِ تَأْكِيدَانِ: التَّأْكِيدُ الَّذِي أَفَادَهُ التَّقْدِيمُ، وَالتَّأْكِيدُ الَّذِي أَفَادَهُ ضَمِيرُ الْفَصْلِ.

ص: 220