الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعُدَّ مِنْ كُبَرَائِهِمْ خَمْسَةٌ هُمُ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، وَالْحَارِثُ بن عَيْطَلَةَ (وَيُقَالُ ابْنُ عَيْطَلٍ وَهُوَ اسْمُ أُمِّهِ دُعِيَ لَهَا وَاسْمُ أَبِيهِ قَيْسٌ.
وَفِي «الْكَشَّاف» و «الْقُرْطُبِيّ» أَنَّهُ ابْنُ الطُّلَاطِلَةِ، وَمِثْلُهُ فِي «الْقَامُوسِ» ، وَهِيَ بِضَمِّ الطَّاءِ
الْأُولَى وَكَسْرِ الطَّاءِ الثَّانِيَةِ) وَالْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ، هَلَكُوا بِمَكَّةَ مُتَتَابِعِينَ، وَكَانَ هَلَاكُهُمُ الْعَجِيبُ الْمَحْكِيُّ فِي كُتُبِ السِّيرَةِ صَارِفًا أَتْبَاعَهُمْ عَنْ الِاسْتِهْزَاءِ لِانْفِرَاطِ عِقْدِهِمْ.
وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَسْبَابِ كِفَايَتِهِمْ زِيَادَةُ الدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ صَارَ بَأْسُ الْمُسْلِمِينَ مَخْشِيًّا وَقَدْ أَسْلَمَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه فَاعْتَزَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ إِلَّا الِاسْتِهْزَاءُ، ثُمَّ أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه فَخَشِيَهُ سُفَهَاءُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ فِي حُدُودِ سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْبَعْثَةِ.
وَوَصْفُهُمْ بِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لِلتَّشْوِيهِ بِحَالِهِمْ، وَلِتَسْلِيَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُمْ مَا اقْتَصَرُوا عَلَى الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ فَقَدِ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ.
وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَجْعَلُونَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى ذَلِكَ مُجَدِّدُونَ لَهُ.
وَفُرِّعَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ الْوَعِيدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ. وَحَذْفُ مَفْعُولِ يَعْلَمُونَ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ، أَيْ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ جَزَاء بهتانهم.
[97- 99]
[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 97 إِلَى 99]
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
لَمَّا كَانَ الْوَعِيدُ مُؤْذِنًا بِإِمْهَالِهِمْ قَلِيلًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [سُورَة المزمل: 11] كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ التَّنْفِيسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [سُورَة الْحجر: 96] طَمْأَنَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِأَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى تَحَرُّجِهِ مِنْ أَذَاهُمْ وَبُهْتَانِهِمْ مِنْ أَقْوَالِ الشِّرْكِ وَأَقْوَالِ الِاسْتِهْزَاءِ فَأَمَرَهُ بِالثَّبَاتِ وَالتَّفْوِيضِ إِلَى رَبِّهِ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي إِمْهَالِهِمْ، وَلِذَلِكَ افْتُتِحَتِ الْجُمْلَةُ بِلَامِ الْقَسَمِ وَحَرْفِ التَّحْقِيقِ.
وَلَيْسَ الْمُخَاطَبُ مِمَّنْ يُدَاخِلُهُ الشَّكُّ فِي خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ كِنَايَةٌ عَنْ الِاهْتِمَامِ بِالْمُخْبَرِ وَأَنَّهُ بِمَحَلِّ الْعِنَايَةِ مِنَ اللَّهِ فَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [سُورَة الْحجر: 95] أَوْ حَالٌ.
وَضِيقُ الصَّدْرِ: مَجَازٌ عَنْ كَدَرِ النَّفْسِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ فِي سُورَةِ هُودٍ [12] .
وَفُرِّعَ عَلَى جُمْلَةِ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَمْرُهُ بِتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا يَقُولُونَهُ مِنْ نِسْبَةِ
الشَّرِيكِ، أَيْ عَلَيْكَ بِتَنْزِيهِ رَبِّكَ فَلَا يَضُرُّكَ شِرْكُهُمْ. عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَاهُ الْكِنَائِيِّ مَعَ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ فَيُفِيدُ الْإِنْكَارَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا يَقُولُونَ، أَيْ فَاقْتَصِرْ فِي دَفْعِهِمْ عَلَى إِنْكَارِ كَلَامِهِمْ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [سُورَة الْإِسْرَاء: 93] .
وَالْبَاءُ فِي بِحَمْدِ رَبِّكَ لِلْمُصَاحَبَةِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَسَبِّحْ رَبَّكَ بِحَمْدِهِ فَحُذِفَ مِنَ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي. وَتَسْبِيحُ اللَّهِ تَنْزِيهُهُ بِقَوْلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ.
وَالْأَمْرُ فِي وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ مُسْتَعْمَلَانِ فِي طَلَبِ الدَّوَامِ.
ومِنَ السَّاجِدِينَ أَبْلَغُ فِي الِاتِّصَافِ بِالسُّجُودِ مِنْ (سَاجِدًا) كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ [119] ، وَقَوْلِهِ قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [67] وَنَظَائِرِهِمَا.
وَالسَّاجِدُونَ: هُمُ الْمُصَلُّونَ. فَالْمَعْنَى: وَدُمْ عَلَى الصَّلَاةِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ.
وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ سَجْدَةٍ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ (لَعَلَّهُ يَعْنِي بِهِ أَبَا حُذَيْفَةَ الْيَمَانَ
بن الْمُغِيرَةِ الْبَصْرِيَّ مِنْ أَصْحَابِ عِكْرِمَةَ وَكَانَ مُنْكَرَ الْحَدِيثِ) وَالِيمَانُ بْنُ رِئَابٍ (كَذَا) رَأَيَاهَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَاجِبَةً.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: شَاهَدْتُ الْإِمَامَ بِمِحْرَابِ زَكَرِيَّاءَ مِنَ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ سَجَدَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حِينَ قِرَاءَتِهِ فِي تَرَاوِيحِ رَمَضَانَ وَسَجَدْتُ مَعَهُ فِيهَا. وَسُجُودُ الْإِمَامِ عَجِيبٌ وَسُجُودُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ مَعَهُ أَعْجَبُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا سَجْدَةَ هُنَا، فَالسُّجُودُ فِيهَا يُعَدُّ زِيَادَةً وَهِيَ بِدْعَةٌ لَا مَحَالَةَ.
والْيَقِينُ: الْمَقْطُوعُ بِهِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ النَّصْرُ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ بِهِ.