الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ مِنَ الْوَعِيدِ، إِذِ الْوَعِيدُ وَالزَّجْرُ إِنَّمَا كَانَا لِأَجْلِ إِبْطَالِ الْإِشْرَاكِ، فَكَانَتْ جُمْلَةُ أَتى أَمْرُ اللَّهِ كَالْمُقَدِّمَةِ، وَجُمْلَةُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ كَالْمَقْصِدِ.
وَ (مَا) فِي قَوْلِهِ: عَمَّا يُشْرِكُونَ مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ عَنْ إِشْرَاكِهِمْ غَيْرِهِ مَعَهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُشْرِكُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ، فَعَدَلَ عَنِ الْخِطَابِ لِيَخْتَصَّ التَّبَرُّؤُ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَنْ شَرَفِ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ.
وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ تَبَعًا لِقَوْلِهِ: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ.
[2]
[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 2]
يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَاّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2)
كَانَ اسْتِعْجَالُهُمْ بِالْعَذَابِ اسْتِهْزَاءً بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَتَكْذِيبِهِ، وَكَانَ نَاشِئًا عَنْ عَقِيدَةِ الْإِشْرَاكِ الَّتِي مِنْ أُصُولِهَا اسْتِحَالَةُ إِرْسَالِ الرُّسُلِ مِنَ الْبَشَرِ.
وَأُتْبِعَ تَحْقِيقُ مَجِيءِ الْعَذَابِ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ عَنِ الشَّرِيكِ فَقُفِّيَ ذَلِكَ بتبرئة الرَّسُول- عليه الصلاة والسلام مِنَ الْكَذِبِ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنْ رَبِّهِ وَوَصَفَ لَهُمُ الْإِرْسَالَ وَصْفًا مُوجَزًا. وَهَذَا اعْتِرَاضٌ فِي أَثْنَاءِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى التَّوْحِيدِ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ وَهُوَ جِبْرَئِيلُ- عليه السلام.
وَالرُّوحُ: الْوَحْيُ. أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الرُّوحِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ الْوَحْيَ بِهِ هدي الْعُقُول إِلَى الْحَقِّ، فَشَبَّهَ الْوَحْيَ بِالرُّوحِ كَمَا يُشَبِّهُ الْعِلْمَ الْحَقَّ بِالْحَيَاةِ، وَكَمَا يُشَبِّهُ الْجَهْلَ بِالْمَوْتِ قَالَ تَعَالَى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [سُورَة الْأَنْعَام: 122] .
وَوَجْهُ تَشْبِيهِ الْوَحْيِ بِالرُّوحِ أَنَّ الْوَحْيَ إِذَا وَعَتْهُ الْعُقُولُ حَلَّتْ بِهَا الْحَيَاةُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَهُوَ الْعِلْمُ، كَمَا أَنَّ الرُّوحَ إِذَا حَلَّ فِي الْجِسْمِ حَلَّتْ بِهِ الْحَيَاةُ الْحِسِّيَّةُ، قَالَ تَعَالَى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [سُورَة الشورى: 52] .
وَمَعْنَى مِنْ أَمْرِهِ الْجِنْسُ، أَيْ مِنْ أُمُوره، وَهِي شؤونه وَمُقَدَّرَاتُهُ الَّتِي اسْتَأْثَرَ بهَا.
وَذَلِكَ وَجه إِضَافَتُهُ إِلَى اللَّهِ كَمَا هُنَا وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا، وَقَوْلَهِ تَعَالَى: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [سُورَة الرَّعْد: 11]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [سُورَة الْإِسْرَاء: 85] لِمَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ مِنَ التَّخْصِيصِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُنَزِّلُ- بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ مَكْسُورَةً-.
وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ- بِسُكُونِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الزَّاي مَكْسُورَةً، والْمَلائِكَةَ مَنْصُوبًا.
وَقَرَأَهُ رَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ- بِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ مَفْتُوحَةً وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ مَفْتُوحَةً وَرَفْعِ الْمَلائِكَةَ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ تَتَنَزَّلُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ رَدٌّ عَلَى فُنُونٍ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ فَقَدْ قَالُوا:
لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [سُورَة الزخرف: 31] وَقَالُوا:
فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ [سُورَة الزخرف: 53] أَيْ كَانَ مَلِكًا، وَقَالُوا: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [سُورَة الْفرْقَان: 7] . وَمَشِيئَةُ اللَّهِ جَارِيَةٌ عَلَى وَفْقِ حِكْمَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [سُورَة الْأَنْعَام: 124] .
وأَنْ أَنْذِرُوا تَفْسِيرٌ لِفِعْلِ يُنَزِّلُ لِأَنَّهُ فِي تَقْدِيرِ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالْوَحْيِ.
وَقَوْلُهُ: بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ اعْتِرَاضٌ وَاسْتِطْرَادٌ بَيْنَ فِعْلِ يُنَزِّلُ وَمُفَسِّرِهِ.