المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النحل (16) : آية 75] - التحرير والتنوير - جـ ١٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌15- سُورَةُ الْحِجْرِ

- ‌مَقَاصِدُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 16 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 28 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 51 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 57 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 61 إِلَى 65]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 67 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 70 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 80 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 85 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 88 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 94 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 97 إِلَى 99]

- ‌16- سُورَةُ النَّحْلِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 5 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 30 الى 31]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 43 الى 44]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 86 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 98 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 108 إِلَى 109]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 112]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 116 إِلَى 117]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 118]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 120 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 123]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 128]

الفصل: ‌[سورة النحل (16) : آية 75]

وَوَجْهُ كَوْنِ الْإِشْرَاكِ ضَرْبَ مَثَلٍ لِلَّهِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا لِلْأَصْنَامِ صِفَاتَ الْإِلَهِيَّةِ وَشَبَّهُوهَا بِالْخَالِقِ، فَإِطْلَاقُ ضَرْبِ الْمَثَلِ عَلَيْهِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا [سُورَة الزخرف: 58] . وَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ عَنِ الْأَصْنَامِ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةُ هُنَّ بَنَاتُ اللَّهِ مِنْ سَرَوَاتِ الْجِنِّ، فَذَلِكَ ضَرْبُ مَثَلٍ وَتَشْبِيهٌ لِلَّهِ بِالْحَوَادِثِ فِي التَّأَثُّرِ بِشَفَاعَةِ الْأَكْفَاءِ وَالْأَعْيَانِ وَالِازْدِهَاءِ بِالْبَنِينَ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ تَشْبِيهِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَوَادِثِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ جَهْلَهُمْ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي تِلْكَ السَّخَافَاتِ مِنَ الْعَقَائِدِ، وَأَنَّ اللَّهَ إِذْ نَهَاهُمْ وَزَجَرَهُمْ عَنْ أَنْ يُشَبِّهُوهُ بِمَا شَبَّهُوهُ إِنَّمَا نَهَاهُمْ لِعِلْمِهِ بِبُطْلَانِ اعْتِقَادِهِمْ.

وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ اسْتِدْعَاءٌ لِإِعْمَالِ النَّظَرِ الصَّحِيحِ لِيَصِلُوا إِلَى الْعِلْمِ الْبَرِيءِ من الأوهام.

[75]

[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 75]

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لَا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)

أَعْقَبَ زَجْرَهُمْ عَنْ أَنْ يُشَبِّهُوا اللَّهَ بِخَلْقِهِ أَوْ أَنْ يُشَبِّهُوا الْخَلْقَ بِرَبِّهِمْ بِتَمْثِيلِ حَالِهِمْ فِي ذَلِكَ بِحَالِ مَنْ مَثَّلَ عَبْدًا بِسَيِّدِهِ فِي الْإِنْفَاقِ، فَجُمْلَةُ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً إِلَخْ مُسْتَأْنَفَةٌ

اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ [سُورَة النَّحْل: 73] .

فَشَبَّهَ حَالَ أَصْنَامِهِمْ فِي الْعَجْزِ عَنْ رِزْقِهِمْ بِحَالِ مَمْلُوكٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُ مَالًا، وَشَبَّهَ شَأْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي رِزْقِهِ إِيَّاهُمْ بِحَالِ الْغَنِيِّ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ إِنْفَاقٍ وَغَيْرِهِ، وَمَعْرِفَةُ الْحَالَيْنِ الْمُشَبَّهَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْمَقَامُ، وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ، فَكَيْفَ يَزْعُمُونَ مُمَاثَلَةَ أَصْنَامِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْإِلَهِيَّةِ، وَلِذَلِكَ أُعْقِبَ بِجُمْلَةِ هَلْ يَسْتَوُونَ.

ص: 223

وَذَيَّلَ هَذَا التَّمْثِيلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ كَمَا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ [26] أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ الْآيَةَ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمَقَامَيْنِ مُتَّحِدٌ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الأسلوب إِنَّمَا يومىء إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقْصُودِ أَوَّلًا وَالْمَقْصُودِ ثَانِيًا كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ هُنَالِكَ.

وَالْعَبْدُ: الْإِنْسَانُ الَّذِي يَمْلِكُهُ إِنْسَانٌ آخَرُ بِالْأَسْرِ أَوْ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْإِرْثِ.

وَقَدْ وُصِفَ عَبْداً هُنَا بِقَوْلِهِ: مَمْلُوكاً تَأْكِيدًا لِلْمَعْنَى الْمَقْصُودِ وَإِشْعَارًا لِمَا فِي لَفْظِ عَبْدٍ مِنْ مَعْنَى الْمَمْلُوكِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي عَمَلِهِ تَصَرُّفَ الْحُرِّيَّةِ.

وَانْتَصَبَ عَبْداً عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلًا وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَي حَال بعد، لِأَنَّ الْمَثَلَ هُوَ لِلْهَيْئَةِ الْمُنْتَزَعَةِ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ. وَجُمْلَةُ لَا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ صِفَةُ عَبْداً، أَيْ عَاجِزًا عَنْ كُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ النَّاسُ، كَأَنْ يَكُونُ أَعْمَى وَزَمِنًا وَأَصَمَّ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَقَلَّ الْعَبِيدِ فَائِدَةً.

فَهَذَا مَثَلٌ لِأَصْنَامِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ تَدْعُون مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ [سُورَة النَّحْل: 20]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً [سُورَة العنكبوت: 17] .

ومَنْ مَوْصُولَة مَا صدقهَا حُرٌّ، بِقَرِينَةِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ، وَأَنَّهُ وُصِفَ بِالرِّزْقِ الْحَسَنِ فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا، أَيْ كَيْفَ شَاءَ. وَهَذَا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْأَحْرَارِ، لِأَنَّ الْعَبِيدَ لَا يَمْلِكُونَ رِزْقًا فِي عُرْفِ الْعَرَبِ. وَأَمَّا حُكْمُ تَمَلُّكِ الْعَبْدِ مَالًا فِي الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى أَدِلَّةٍ أُخْرَى مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَلَا عَلَاقَةَ لِهَذِهِ الْآيَةِ بِهِ.

وَالرِّزْقُ: هُنَا اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَرْزُوقِ بِهِ.

وَالْحَسَنُ: الَّذِي لَا يَشُوبُهُ قُبْحٌ فِي نَوْعِهِ مِثْلُ قِلَّةِ وِجْدَانِ وَقْتِ الْحَاجَةِ، أَوْ إِسْرَاعِ فَسَادٍ إِلَيْهِ كَسُوسِ الْبُرِّ، أَوْ رَدَاءَةٍ كَالْحَشَفِ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ الْمَعْنَى

ص: 224

الْحَاصِلُ فِي حَالِ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنَ الْحَقَارَةِ وَعَدَمِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَالْعَجْزِ عَنْ كُلِّ عَمَلٍ، وَمِنْ حَالِ الْحُرِّيَّةِ وَالْغِنَى وَالتَّصَرُّفِ كَيْفَ يَشَاءُ.

وَجُعِلَتْ جُمْلَةُ فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ مُفَرَّعَةً عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا دُونَ أَنْ تُجْعَلَ صِفَةً لِلرِّزْقِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَضْمُونَ كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ كَمَالٌ فِي مَوْصُوفِهِ، فَكَوْنُهُ صَاحِبَ رِزْقٍ حَسَنٍ كَمَالٌ، وَكَوْنُهُ يَتَصَرَّفُ فِي رِزْقِهِ بِالْإِعْطَاءِ كَمَالٌ آخَرُ، وَكِلَاهُمَا بِضِدِّ نَقَائِصِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْإِنْفَاقِ وَلَا مَا يُنْفِقُ مِنْهُ.

وَجَعَلَ الْمُسْنَدَ فِعْلًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّقَوِّي، أَيْ يُنْفَقُ إِنْفَاقًا ثَابِتًا. وَجَعَلَ الْفِعْلَ مُضَارِعًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالتَّكَرُّرِ. أَيْ يُنْفِقُ وَيَزِيدُ.

وسِرًّا وَجَهْراً حَالَانِ مِنْ ضَمِيرِ يُنْفِقُ، وَهُمَا مَصْدَرَانِ مُؤَوَّلَانِ بِالصِّفَةِ، أَيْ مُسِرًّا وَجَاهِرًا بِإِنْفَاقِهِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهِمَا تَعْمِيمُ الْإِنْفَاقِ، كِنَايَةً عَنِ اسْتِقْلَالِ التَّصَرُّفِ وَعَدَمِ الْوِقَايَةِ مِنْ مَانِعِ إِيَّاهُ عَنِ الْإِنْفَاقِ.

وَهَذَا مَثَلٌ لِغِنَى اللَّهِ تَعَالَى وَجُودِهِ عَلَى النَّاسِ.

وَجُمْلَةُ هَلْ يَسْتَوُونَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا، فَبَيَّنَ غَرَضَ التَّشْبِيهِ بِأَنَّ الْمَثَلَ مُرَادٌ مِنْهُ عَدَمُ تَسَاوِي الْحَالَتَيْنِ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ مُسَاوَاةِ أَصْحَابِ الْحَالَةِ الْأُولَى لِصَاحِبِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْحَالَةِ الثَّانِيَةِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْكَارِ.

وَأَمَّا جُمْلَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ الْمُفِيدِ لِلنَّفْيِ وَبَيْنَ الْإِضْرَابِ بِ بَلْ الِانْتِقَالِيَّةِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ تَبَيَّنَ مِنَ الْمَثَلِ اخْتِصَاصُ اللَّهِ بِالْإِنْعَامِ فَوَجَبَ أَنْ يُخْتَصَّ بِالشُّكْرِ وَأَنَّ أَصْنَامَهُمْ لَا تَسْتَحِقُّ أَنْ تُشْكَرَ.

وَلَمَّا كَانَ الْحَمْدُ مَظْهَرًا مِنْ مَظَاهِرِ الشُّكْرِ فِي مَظْهَرِ النُّطْقِ جُعِلَ كِنَايَةً عَنِ الشُّكْرِ هُنَا، إِذْ كَانَ الْكَلَامُ عَلَى إِخْلَالِ الْمُشْرِكِينَ بِوَاجِبِ الشُّكْرِ إِذْ

ص: 225

أَثْنَوْا عَلَى الْأَصْنَامِ وَتَرَكُوا الثَّنَاءَ

عَلَى اللَّهِ،

وَفِي الْحَدِيثِ «الْحَمْدُ رَأَسُ الشُّكْرِ»

(1)

.

جِيءَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْبَلِيغَةِ الدَّلَالَةِ الْمُفِيدَةِ انْحِصَارَ الْحَمْدِ فِي مُلْكِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ إِمَّا حَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِأَنَّ الْحَمْدَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى نِعْمَةٍ، وَغَيْرُ اللَّهِ إِذَا أَنْعَمَ فَإِنَّمَا إِنْعَامُهُ مَظْهَرٌ لِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي جَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، وَإِمَّا قَصْرٌ إِضَافِيٌّ قَصْرُ إِفْرَادٍ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ قَسَّمُوا حَمْدَهُمْ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ آلِهَتِهِمْ.

وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ هُنَا تَقَدُّمُ قَوْله تَعَالَى: وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [سُورَة النَّحْل: 72] وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً [سُورَة النَّحْل: 73] . فَلَمَّا ضَرَبَ لَهُمُ الْمَثَلَ الْمُبَيِّنَ لِخَطَئِهِمْ وأعقب بجملة هَلْ يَسْتَوُونَ ثُنِيَ عِنَانُ الْكَلَامِ إِلَى الْحَمْدِ لِلَّهِ لَا لِلْأَصْنَامِ.

وَجُمْلَةُ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِضْرَابٌ لِلِانْتِقَالِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِمْ إِلَى تَجْهِيلِهِمْ فِي عَقِيدَتِهِمْ.

وَأَسْنَدَ نَفْيَ الْعِلْمِ إِلَى أَكْثَرِهِمْ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَعْلَمُ الْحَقَّ وَيُكَابِرُ اسْتِبْقَاءً لِلسِّيَادَةِ وَاسْتِجْلَابًا لِطَاعَةِ دَهْمَائِهِمْ، فَهَذَا ذَمٌّ لِأَكْثَرِهِمْ بِالصَّرَاحَةِ وَهُوَ ذَمٌّ لِأَقَلِّهِمْ بِوَصْمَةِ الْمُكَابَرَةِ وَالْعِنَادِ بِطَرِيقِ التَّعْرِيضِ.

وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الزُّمَرِ [29] ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

وَإِنَّمَا جَاءَتْ صِيغَةُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ يَسْتَوُونَ لِمُرَاعَاةِ أَصْحَابِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ، لِأَنَّهَا أَصْنَامٌ كَثِيرَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُشَبَّهٌ بِعَبْدٍ مَمْلُوكٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَصِيغَةُ الْجَمْعِ هُنَا تَجْرِيدٌ لِلتَّمْثِيلِيَّةِ، أَيْ هَلْ يَسْتَوِي

(1) رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن عبد الله بن عمر مَرْفُوعا وَفِي سَنَده انْقِطَاع، وروى الديلمي مَا يؤيّد معنى هَذَا الحَدِيث من حَدِيث أنس بن مَالك مَرْفُوعا.

ص: 226