المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 44] - التحرير والتنوير - جـ ١٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌15- سُورَةُ الْحِجْرِ

- ‌مَقَاصِدُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 16 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 28 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 51 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 57 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 61 إِلَى 65]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 67 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 70 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 80 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 85 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 88 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 94 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 97 إِلَى 99]

- ‌16- سُورَةُ النَّحْلِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 5 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 30 الى 31]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 43 الى 44]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 86 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 98 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 108 إِلَى 109]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 112]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 116 إِلَى 117]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 118]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 120 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 123]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 128]

الفصل: ‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 44]

وَأَنَّ التَّوَكُّلَ دَيْدَنُهُمْ لِأَنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ أَعْمَالًا جَلِيلَةً تَتِمُّ لَهُمْ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي أُمُورِهِمْ فَهُمْ يُكَرِّرُونَهُ. وَفِي هَذَا بِشَارَةٌ بِضَمَانِ النَّجَاحِ.

وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [سُورَة الزمر: 10] .

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ لِلْقَصْرِ، أَيْ لَا يَتَوَكَّلُونَ إِلَّا عَلَى رَبِّهِمْ دُونَ التَّوَكُّلِ عَلَى سَادَةِ الْمُشْرِكِينَ وَوَلَائِهِمْ.

[43، 44]

[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 43 الى 44]

وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)

وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ 43 بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ.

كَانَتِ الْآيَاتُ السَّابِقَةُ جَارِيَةً عَلَى حِكَايَةِ تَكْذِيبِ الْمُشْرِكِينَ نُبُوءَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنْكَارِهِمْ أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ وَحْيُ اللَّهِ إِلَيْهِ، ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [سُورَة النَّحْل: 24] ، وَرَدِّ مَزَاعِمِهِمُ الْبَاطِلَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْقَارِعَةِ لَهُمْ مُتَخَلِّلًا بِمَا أُدْمِجَ فِي أَثْنَائِهِ مِنْ مَعَانٍ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، فَعَادَ هُنَا إِلَى إِبْطَالِ شُبْهَتِهِمْ فِي إِنْكَارِ نُبُوءَتِهِ مِنْ أَنَّهُ بَشَرٌ لَا يَلِيقُ بِأَنْ يَكُونَ سَفِيرًا بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاسِ، إِبْطَالًا بِقِيَاسِ التَّمْثِيلِ بِالرُّسُلِ الْأَسْبَقِينَ الَّذِينَ لَا تُنْكِرُ قُرَيْشٌ رِسَالَتَهُمْ مِثْلُ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ- عليهما السلام.

وَهَذَا يَنْظُرُ إِلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [سُورَة النَّحْل: 1] .

وَقَدْ غُيِّرَ أُسْلُوبُ نَظْمِ الْكَلَامِ هُنَا بِتَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ كَانَ جَارِيًا عَلَى أُسْلُوبِ الْغَيْبَةِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ [سُورَة النَّحْل: 22]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [سُورَة النَّحْل: 35] الْآيَةَ، تأنيسا للنبيء- عليه الصلاة والسلام لِأَنَّ فِيمَا مَضَى مِنَ

ص: 160

الْكَلَامِ آنِفًا حِكَايَةُ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا، فَأَقْبَلَ اللَّهُ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِالْخِطَابِ لِمَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ تَنْوِيهِ مَنْزِلَتِهِ بِأَنَّهُ فِي مَنْزِلَةِ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ- عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

وَفِي هَذَا الْخِطَابِ تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ، وَلِذَلِكَ الْتَفَتَ إِلَى خِطَابِهِمْ بقوله تَعَالَى:

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ.

وَصِيغَةُ الْقَصْرِ لِقَلْبِ اعْتِقَادِ الْمُشْرِكِينَ وَقَوْلِهِمْ: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا [سُورَة الْإِسْرَاء: 94] ، فَقُصِرَ الْإِرْسَالُ عَلَى التَّعَلُّقِ بِرِجَالٍ مَوْصُوفِينَ بِأَنَّهُمْ يُوحَى إِلَيْهِمْ.

ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِشَوَاهِدِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ تَوْبِيخًا لَهُمْ لِأَنَّ التَّوْبِيخَ يُنَاسِبُهُ الْخِطَابُ لِكَوْنِهِ أَوْقَعَ فِي نَفْسِ الْمُوَبَّخِ، فَاحْتَجَّ عَلَيْهِم بقوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ إِلَخْ. فَهَذَا احْتِجَاجٌ بِأَهْلِ الْأَدْيَانِ السَّابِقِينَ أَهْلِ الْكُتُبِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئَةِ.

والذِّكْرِ: كِتَابُ الشَّرِيعَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ فِي أول سُورَة الْحِجْرِ [6] .

وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ قَصَدُوا الْمُكَابَرَةَ وَالتَّمْوِيهَ لِتَضْلِيلِ الدَّهْمَاءِ، فَلِذَلِكَ جِيءَ فِي الشَّرْطِ بِحَرْفِ إِنْ الَّتِي تَرِدُ فِي

الشَّرْطِ الْمَظْنُونِ عَدَمَ وجوده.

وَجُمْلَة فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَما أَرْسَلْنا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ.

وَالْجُمْلَةُ الْمُعْتَرِضَةُ تَقْتَرِنُ بِالْفَاءِ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْجُمْلَةِ مُفَرَّعًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَقَدْ جَعَلَهَا فِي «الْكَشَّافِ» مُعْتَرِضَةً عَلَى اعْتِبَارِ وُجُوهٍ ذَكَرَهَا فِي مُتَعَلِّقِ قَوْلِهِ تَعَالَى: بِالْبَيِّناتِ.

وَنُقِلَ عَنْهُ فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ [29] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا أَنَّهُ لَا تَقْتَرِنُ الْجُمْلَةُ الْمُعْتَرِضَةُ بِالْفَاءِ. وَتَرَدَّدَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فِي صِحَّةِ ذَلِكَ عَنْهُ لِمُخَالَفَتِهِ كَلَامَهُ فِي آيَةِ سُورَةِ النَّحْلِ.

ص: 161

وَقَوْلُهُ بِالْبَيِّناتِ مُتَعَلِّقٌ بِمُسْتَقَرِّ صِفَةٍ أَوْ حَالًا مِنْ رِجالًا. وَفِي تَعَلُّقِهِ وُجُوهٌ أُخَرُ ذَكَرَهَا فِي «الْكَشَّافِ» ، وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ مَصْحُوبِينَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ، فَالْبَيِّنَاتُ دَلَائِلُ الصِّدْقِ مِنْ مُعْجِزَاتٍ أَوْ أَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ. وَقَدِ اجْتَمَعَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَافْتَرَقَ بَيْنَ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ كَمَا تَفَرَّقَ مِنْهُ كَثِيرٌ لِرَسُولِنَا صلى الله عليه وسلم.

والزُّبُرِ: جَمْعُ زَبُورٍ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الزَّبْرِ أَيِ الْكِتَابَةِ، فَفَعُولُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.

والزُّبُرِ الْكُتُبُ الَّتِي كُتِبَ فِيهَا مَا أُوحِيَ إِلَى الرُّسُلِ مِثْلُ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَالتَّوْرَاةِ وَمَا كَتَبَهُ الْحَوَارِيُّونَ مِنَ الْوَحْيِ إِلَى عِيسَى- عليه السلام وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْهُ عِيسَى.

وَلَعَلَّ عطف الزُّبُرِ عَلَى بِالْبَيِّناتِ عَطْفُ تَقْسِيمٍ بِقَصْدِ التَّوْزِيعِ، أَيْ بَعْضُهُمْ مَصْحُوبٌ بِالْبَيِّنَاتِ وَبَعْضُهُمْ بِالْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُ قد تَجِيء رُسُلٌ بِدُونِ كُتُبٍ، مِثْلُ حَنْظَلَةَ بْنِ صَفْوَانَ رَسُولِ أَهْلِ الرَّسِّ وَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ رَسُولِ عَبْسٍ. وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ لِنُوحٍ- عليه السلام كِتَابًا.

وَقَدْ تُجْعَلُ الزُّبُرِ خَاصَّةً بِالْكُتُبِ الْوَجِيزَةِ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا شَرِيعَةٌ وَاسِعَةٌ مِثْلُ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُدَ- عليهما السلام وَالْإِنْجِيلُ كَمَا فَسَّرُوهَا بِهِ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ.

وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ لَمَّا اتَّضَحَتِ الْحُجَّةُ بِشَوَاهِدِ التَّارِيخِ الَّذِي لَا يُنْكَرُ ذُكِرَتِ النَّتِيجَةُ الْمَقْصُودَةُ، وَهُوَ أَنَّ مَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا هُوَ ذِكْرٌ وَلَيْسَ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ.

ص: 162

وَالذِّكْرُ الْكَلَامُ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يُذْكَرَ، أَيْ يُتْلَى وَيُكَرَّرَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [6] . أَيْ مَا كُنْتَ بِدَعًا مِنَ الرُّسُلِ فَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ. وَالذِّكْرُ: مَا أُنْزِلَ ليقرأه النَّاس ويتلونه تَكْرَارًا لِيَتَذَكَّرُوا مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ. وَتَقْدِيمُ الْمُتَعَلِّقِ الْمَجْرُورِ عَلَى الْمَفْعُولِ لِلِاهْتِمَامِ بِضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ.

وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى إِنْزَالِ الذِّكْرِ عَقِبَ قَوْلِهِ: بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْكِتَابَ الْمُنَزَّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم هُوَ بَيِّنَةٌ وَزَبُورٌ مَعًا، أَيْ هُوَ مُعْجِزَةٌ وَكِتَابُ شَرْعٍ. وَذَلِكَ مِنْ مَزَايَا الْقُرْآنِ الَّتِي لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا كِتَابٌ آخَرُ، وَلَا مُعْجِزَةٌ أُخْرَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ سُورَة العنكبوت [50، 51] .

وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيءٌ إِلَّا أُوتِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

. وَالتَّبْيِينُ: إِيضَاحُ الْمَعْنَى.

وَالتَّعْرِيفُ فِي «النَّاسِ» لِلْعُمُومِ.

وَالْإِظْهَارُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ يَقْتَضِي أَن مَا صدق الْمَوْصُولَ غَيْرُ الذِّكْرِ الْمُتَقَدِّمِ، إِذْ لَوْ كَانَ إِيَّاهُ لَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ لِتُبَيِّنَهُ: لِلنَّاسِ. وَلِذَا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَا نَزَّلَ إِلَيْهِمُ الشَّرَائِعَ الَّتِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ الْقُرْآنَ جَامِعًا لَهَا وَمُبَيِّنًا لَهَا بِبَلِيغِ نَظْمِهِ وَوَفْرَةِ مَعَانِيهِ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [سُورَة النَّحْل: 89] .

وَإِسْنَادُ التَّبْيِينِ إِلَى النَّبِيءِ- عليه الصلاة والسلام بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْمُبَلِّغُ لِلنَّاسِ هَذَا الْبَيَان. واللّام عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِذِكْرِ الْعِلَّةِ الْأَصْلِيَّةِ فِي إِنْزَالِ الْقُرْآنِ.

ص: 163