الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الْمُطَفِّفِينَ مَعَ الْإِشْرَاكِ قَالَ تَعَالَى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ إِلَى قَوْلِهِ: لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [المطففين: 1- 5] . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظَائِرِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي طَالِعَةِ هَذِهِ السُّورَةِ [8] وَجْهَ تَكْرِيرِ آيَةِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً.
[192- 195]
[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 192 إِلَى 195]
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)
عَوْدٌ إِلَى مَا افْتُتِحَتْ بِهِ السُّورَةُ مِنَ التَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ وَكَوْنِهِ الْآيَةَ الْعُظْمَى بِمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ [الشُّعَرَاء: 2] كَمَا تَقَدَّمَ لِتُخْتَتَمَ السُّورَةُ بِإِطْنَابِ التَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ كَمَا ابْتُدِئَتْ بِإِجْمَالِ التَّنْوِيهِ بِهِ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ آيَةٍ اخْتَارَهَا اللَّهُ أَنْ تَكُونَ مُعْجِزَةَ أَفْضَلِ الْمُرْسَلِينَ. فَضَمِيرُ وَإِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ بَعْدَ ذِكْرِ آيَاتِ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ. فَبِوَاوِ الْعَطْفِ اتَّصَلَتِ الْجُمْلَةُ بِالْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَبِضَمِيرِ الْقُرْآنِ اتَّصَلَ غَرَضُهَا بِغَرَضِ صَدْرِ السُّورَةِ.
فَجُمْلَةُ: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا الْمَحْكِيَّةِ فِيهَا أَخْبَارُ الرُّسُلِ الْمُمَاثِلَةِ أَحْوَالُ أَقْوَامِهِمْ لِحَالِ قَوْمِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَمَا أَيَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ آيَةُ اللَّهِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، فَعَطْفُهَا عَلَى الْجُمَلِ الَّتِي مَثْلُهَا عَطْفُ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ لِتِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ. وَلَكِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُتَّصِلَةٌ فِي الْمَعْنَى بِجُمْلَةِ: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ [الشُّعَرَاء: 2] بِحَيْثُ لَوْلَا مَا فُصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُخْرَى مِنْ طُولِ الْكَلَامِ لَكَانَتْ مَعْطُوفَةً عَلَيْهَا. وَوَجْهُ الْخِطَابِ إِلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ فِي التَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ تَسْلِيَةً لَهُ عَلَى مَا يُلَاقِيهِ مِنْ إِعْرَاضِ الْكَافِرِينَ عَنْ قَبُولِهِ وَطَاعَتِهِمْ فِيهِ.
وَالتَّأْكِيدُ بِ (إِنَّ) وَلَامِ الِابْتِدَاءِ لِرَدِّ إِنْكَارِ الْمُنْكِرِينَ.
وَالتَّنْزِيلُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ حَتَّى كَأَنَّ الْمُنَزَّلَ نَفْسُ التَّنْزِيلِ.
وَجُمْلَةُ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ بَيَان لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ، أَيْ كَانَ تَنْزِيلُهُ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِتَخْفِيفِ زَايِ نَزَلَ وَرَفْعِ الرُّوحُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ نَزَلَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَنَصْبِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، أَيْ نَزَّلَهُ اللَّهُ بِهِ.
وَ (الرُّوحُ الْأَمِينُ) جبرئيل وَهُوَ لَقَبُهُ فِي الْقُرْآنِ، سُمِّيَ رُوحًا لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ عَالَمِ الرُّوحَانِيَّاتِ وَهِيَ الْمُجَرَّدَاتُ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الرُّوحِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ، وَتَقَدَّمَ رُوحُ الْقُدُسِ فِي الْبَقَرَةِ [87] . وَنُزُولُ جِبْرِيلَ إِذْنُ اللَّهِ تَعَالَى، فَنُزُولُهُ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
والْأَمِينُ صِفَةُ جِبْرِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ أَمِنَهُ عَلَى وَحْيِهِ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: نَزَلَ بِهِ لِلْمُصَاحَبَةِ.
وَالْقَلْبُ: يُطْلَقُ عَلَى مَا بِهِ قَبُولُ الْمَعْلُومَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: 37] أَيْ إِدْرَاكٌ وَعَقْلٌ.
وَقَوْلُهُ: عَلى قَلْبِكَ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ نَزَلَ، وعَلى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّ النُّزُولَ وُصُولٌ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ فَهُوَ مُقْتَضٍ اسْتِقْرَارَ النَّازِلِ عَلَى مَكَانٍ.
وَمَعْنَى نُزُولِ جِبْرِيلَ عَلَى قَلْبِ النَّبِيءِ عليهما السلام: اتِّصَالُهُ بِقُوَّةِ إِدْرَاكِ النَّبِيءِ لِإِلْقَاءِ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ فِي قُوَّتِهِ الْمُتَلَقِّيَةِ لِلْكَلَامِ الْمُوحَى بِأَلِفَاظِهِ، فَفِعْلُ (نَزَلَ) حَقِيقَةٌ.
وَحَرْفُ عَلى مُسْتَعَارٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّمَكُّنِ مِمَّا سُمِّيَ بِقَلْبِ النَّبِيءِ مِثْلُ اسْتِعَارَتِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] .
وَقَدْ وَصَفَ النبيء صلى الله عليه وسلم ذَلِك كَمَا
فِي حَدِيثِ «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِيَ مَا يَقُولُ»
. وَهَذَانَ الْوَصْفَانِ خَاصَّانِ بِوَحْيِ نُزُولِ الْقُرْآنِ. وَثَمَّةَ وَحْيٌ مِنْ قَبِيلِ إِبْلَاغِ الْمَعْنَى وَسَمَّاهُ
النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ آخَرَ نَفْثًا. فَقَالَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ أَجَلَهَا»
. فَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ وَحْيٌ بِالْمَعْنَى (وَالرُّوعُ:
الْعَقْلُ) وَقَدْ يَكُونُ الْوَحْيُ فِي رُؤْيَا النَّوْمِ فَإِنَّ النَّبِيءَ لَا يَنَامُ