المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النمل (27) : الآيات 22 الى 26] - التحرير والتنوير - جـ ١٩

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 27 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 56 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 77]

- ‌26- سُورَةُ الشُّعَرَاءِ

- ‌الْأَغْرَاضُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 20 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 30 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 46 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 53 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 57 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 61 الى 66]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 67 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 69 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 78 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 83 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 90 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 96 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 105 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 111 إِلَى 115]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 116 إِلَى 120]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 121 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 123 إِلَى 127]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 128 إِلَى 130]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 131 إِلَى 135]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 136 إِلَى 140]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 141 إِلَى 145]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 146 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 153 إِلَى 154]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 155 إِلَى 159]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 160 إِلَى 164]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 165 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 167 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 176 إِلَى 180]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 181 إِلَى 183]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 184]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 185 إِلَى 188]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 189]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 190 إِلَى 191]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 192 إِلَى 195]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 196 إِلَى 197]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 198 إِلَى 199]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 200 إِلَى 203]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 204 إِلَى 207]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 208]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 209]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 210 إِلَى 212]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 213]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 214]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 215]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 216]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 217 إِلَى 220]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 221 إِلَى 223]

- ‌[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 224 إِلَى 227]

- ‌27- سُورَةُ النَّمْلِ

- ‌مِنْ أَغْرَاضِ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 8 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 22 الى 26]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 29 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 42 الى 43]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 50 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 54 إِلَى 55]

الفصل: ‌[سورة النمل (27) : الآيات 22 الى 26]

احْتِمَالِ النَّفْيِ، وَلِأَنَّ اعْتِمَادَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحِفْظِ لَا عَلَى الْكِتَابَةِ، فَإِنَّ الْمَصَاحِفَ مَا كتبت حَتَّى قرىء الْقُرْآنُ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَقَدْ تَقَعُ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ أَشْيَاءُ مُخَالِفَةٌ لِمَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الرَّاسِمُونَ مِنْ بَعْدُ لِأَنَّ الرَّسْمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى تَمَامِ الضَّبْطِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ اعْتِمَادُ الْعَرَبِ عَلَى حَوَافِظِهِمْ.

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَوْ لَيَأْتِيَنِّني بِنُونَيْنِ، الْأُولَى مُشَدَّدَةٌ وَهِيَ نُونُ التَّوْكِيدِ، وَالثَّانِيَةُ نُونُ الْوِقَايَةِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ بِحَذْفِ نُونِ الْوِقَايَةِ لِتَلَاقِي النُّونَاتِ.

[22- 26]

[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 22 الى 26]

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

الْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الْحِكَايَةِ عُطِفَتْ جُمْلَةٌ عَلَى جملَة وَضمير فَمَكَثَ لِلْهُدْهُدِ.

وَالْمُكْثُ: الْبَقَاءُ فِي الْمَكَانِ وَمُلَازَمَتُهُ زَمَنًا مَا، وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ كَرَمَ وَنَصَرَ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُور بِالْأولِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَرَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِالثَّانِي.

وَأُطْلِقَ الْمُكْثُ هُنَا عَلَى الْبُطْءِ لِأَنَّ الْهُدْهُدَ لَمْ يَكُنْ مَاكِثًا بِمَكَانٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يطير وينتقل، فَأطلق الْمُكْثِ عَلَى الْبُطْءِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لِأَنَّ الْمُكْثَ يَسْتَلْزِمُ زَمَنًا.

وغَيْرَ بَعِيدٍ صِفَةٌ لِاسْمِ زَمَنٍ أَوِ اسْمِ مَكَانٍ مَحْذُوفٍ مَنْصُوبٍ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ مَكَثَ زَمَنًا غَيْرَ بَعِيدٍ، أَوْ فِي مَكَانٍ غَيْرِ بَعِيدٍ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى سُلَيْمَانَ بَعْدَ زَمَنٍ قَلِيلٍ.

وغَيْرَ بَعِيدٍ قَرِيبٌ قُرْبًا يُوصَفُ بِضِدِّ الْبُعْدِ، أَيْ يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا. وَهَذَا وَجْهُ إِيثَارِ التَّعْبِيرِ بِ غَيْرَ بَعِيدٍ لِأَنَّ غَيْرَ تُفِيدُ دَفْعَ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا، وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْقُرْبُ يُشْبِهُ الْبُعْدَ.

وَالْبُعْدُ وَالْقُرْبُ حَقِيقَتُهُمَا مِنْ أَوْصَافِ الْمَكَانِ وَيُسْتَعَارَانِ لِقِلَّةِ الْحِصَّةِ بِتَشْبِيهِ

ص: 248

الزَّمَنِ الْقَصِيرِ بِالْمَكَانِ الْقَرِيبِ وَشَاعَ ذَلِكَ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ قَالَ تَعَالَى: وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [هود: 89] .

وَالْفَاءُ فِي فَقالَ عَاطِفَةٌ عَلَى «مَكَثَ» وَجُعِلَ الْقَوْلُ عَقِيبَ الْمُكْثِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ صَدَرَ الْقَوْلُ مِنْ جِهَتِهِ فَالتَّعْقِيبُ حَقِيقِيٌّ.

وَالْقَوْلُ الْمُسْنَدُ إِلَى الْهُدْهُدِ إِنْ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقَوْلِ وَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ النَّاسُ، فَقَوْلُ الْهُدْهُدِ هَذَا لَيْسَ مِنْ دَلَالَةِ مَنْطِقِ الطَّيْرِ الَّذِي عَلِمَهُ سُلَيْمَانُ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَنْطِقُ الدَّالُّ عَلَى مَا فِي نُفُوسِ الطَّيْرِ مِنَ الْمُدْرَكَاتِ وَهِيَ مَحْدُودَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ [النَّمْل: 16] . وَلَيْسَ لِلْهُدْهُدِ قِبَلٌ بِإِدْرَاكِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ

الْقَوْلُ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ وَلَا بِاسْتِفَادَةِ الْأَحْوَالِ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْأَقْوَامِ وَالْبُلْدَانِ حَتَّى تَخْطُرَ فِي نَفْسِهِ وَحَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهَا بِمَنْطِقِهِ الَّذِي عُلِّمَ سُلَيْمَانُ دَلَالَتَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. فَهَذَا وَحْيٌ لِسُلَيْمَانَ أَجْرَاهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ الْهُدْهُدِ.

وَأَمَّا قَوْلُ سُلَيْمَانَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ [النَّمْل: 27] فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ تِلْقَاءِ الْهُدْهُدِ كَلَامًا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ مِنْ جَانِبِ الْهُدْهُدِ لِيُضَلِّلَ سُلَيْمَانَ وَيَفْتِنَهُ بِالْبَحْثِ عَنْ مَمْلَكَةٍ مَوْهُومَةٍ لِيَسْخَرَ بِهِ كَمَا يَسْخَرُ بِالْمُتَثَائِبِ، فَعَزَمَ سُلَيْمَانُ عَلَى اسْتِثْبَاتِ الْخَبَرِ بِالْبَحْثِ الَّذِي لَا يَتْرُكُ رِيبَةً فِي صِحَّتِهِ خِزْيًا لِلشَّيْطَانِ.

وَلْنَشْتَغِلِ الْآنَ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ فَابْتِدَاؤُهُ بِ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ تَنْبِيهٌ لِسُلَيْمَانَ بِأَنَّ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ مَمَالِكَ وَمُلُوكًا تُدَانِي مُلْكَهُ أَوْ تَفُوقُهُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ الْمُلْكِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَثَلًا لَهُ، كَمَا جَعَلَ عِلْمَ الْخَضِرِ مَثَلًا لِمُوسَى عليه السلام لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِانْتِهَاءِ الْأَمْرِ إِلَى مَا بَلَغَهُ هُوَ. وَفِيهِ اسْتِدْعَاءٌ لِإِقْبَالِهِ عَلَى مَا سَيُلْقَى إِلَيْهِ بِشَرَاشِرِهِ لِأَهَمِّيَّةِ هَذَا الْمَطْلَعِ فِي الْكَلَامِ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ أَحْوَالِ الْمَمَالِكِ وَالْأُمَمِ مِنْ أَهَمِّ مَا يُعْنَى بِهِ مُلُوكُ الصَّلَاحِ لِيَكُونُوا عَلَى اسْتِعْدَادٍ بِمَا يُفَاجِئُهُمْ مِنْ تِلْقَائِهَا، وَلِتَكُونَ مِنْ دَوَاعِي الِازْدِيَادِ مِنَ الْعَمَلِ النَّافِعِ لِلْمَمْلَكَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالنَّافِعِ مِنْ أَحْوَالِ غَيْرِهَا وَالِانْقِبَاضِ عَمَّا فِي أَحْوَالِ الْمَمْلَكَةِ مِنَ الْخَلَلِ بِمُشَاهَدَةِ آثَارِ مِثْلِهِ فِي غَيْرِهَا.

ص: 249

وَمِنْ فَقَرَاتِ الْوَزِيرِ ابْنِ الْخَطِيبِ الْأَنْدَلُسِيِّ (1) : فَأَخْبَارُ الْأَقْطَارِ مِمَّا تُنْفِقُ فِيهِ الْمُلُوكُ أَسْمَارَهَا، وَتُرَقِّمُ بِبَدِيعِ هَالَاتِهِ أَقْمَارَهَا، وَتَسْتَفِيدُ مِنْهُ حُسْنَ السِّيَرِ، وَالْأَمْنَ مِنَ الْغِيَرِ، فَتَسْتَعِينُ عَلَى الدَّهْرِ بِالتَّجَارِبِ.. وَتَسْتَدِلُّ بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ اه.

وَالْإِحَاطَةُ: الِاشْتِمَالُ عَلَى الشَّيْءِ وَجَعْلُهُ فِي حَوْزَةِ الْمُحِيطِ. وَهِيَ هُنَا مُسْتَعَارَةٌ لِاسْتِيعَابِ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً [الْكَهْف: 68] فَمَا صدق بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ مَعْلُومَاتٌ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمُ سُلَيْمَانَ.

وسَبَإٍ: بِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ وَقَدْ يُخَفَّفُ اسْمُ رَجُلٍ هُوَ عَبَّشَمْسُ بْنُ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ ابْن قَحْطَانَ. لُقِّبَ بِسَبَأٍ. قَالُوا: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَبَى فِي غَزْوِهِ. وَكَانَ الْهَمْزُ فِيهِ لِتَغْيِيرِهِ الْعِلْمِيَّةَ عَنِ الْمَصْدَرِ. وَهُوَ جَدُّ جِذِمَ عَظِيمٍ مِنْ أَجْذَامِ الْعَرَبِ. وَذُرِّيَّتُهُ كَانُوا بِالْيَمَنِ ثُمَّ

تَفَرَّقُوا كَمَا سَيَأْتِي فِي سُورَةِ سَبَأٍ. وَأُطْلِقَ هَذَا الِاسْمُ هُنَا عَلَى دِيَارِهِمْ لِأَنَّ مِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ وَهِيَ لِابْتِدَاءِ الْأَمْكِنَةِ غَالِبًا.

فَاسْمُ سَبَإٍ غَلَبَ عَلَى الْقَبِيلَةِ الْمُتَنَاسِلَةِ مِنْ سَبَأٍ الْمَذْكُورِ وَهُمْ مِنَ الْجِذْمِ الْقَحْطَانِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْعَرَبِ الْمُسْتَعْرِبَةِ، أَيْ الَّذين لم ينشأوا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ وَلَكِنَّهُمْ نَزَحُوا مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ، وَأَوَّلُ نَازِحٍ مِنْهُمْ هُوَ يَعْرُبُ (بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الرَّاءِ) بن قَحْطَانَ (وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ يَقْطَانَ) بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخَشْدَ (وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ أَرْفَكْشَادَ) بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ.

وَهَذَا النَّسَبُ يَتَّفِقُ مَعَ مَا فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ مِنْ سَامٍ إِلَى عَابِرٍ، فَمِنْ عَابِرٍ يَفْتَرِقُ نَسَبُ الْقَحْطَانِيِّينَ مِنْ نَسَبِ الْعِبْرَانِيِّينَ فَأَمَّا أَهْلُ أَنْسَابِ الْعَرَبِ فَيَجْعَلُونَ لِعَابِرٍ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْمُهُ قَحْطَانُ وَالْآخَرُ اسْمُهُ (فَالْغُ) . وَأَمَّا سِفْرُ التَّكْوِينِ فَيَجْعَلُ أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْمُهُ (يَقْطُنُ) وَلَا شَكَّ أَنَّهُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ قَحْطَانُ، وَالْآخَرُ اسْمُهُ (فَالِجُ) بِفَاءٍ فِي أَوَّلِهِ وَجِيمٍ فِي آخِرِهِ، فَوَقَعَ تَغْيِيرٌ فِي بَعْضِ حُرُوفِ الِاسْمَيْنِ لِاخْتِلَافِ اللُّغَتَيْنِ.

وَلَمَّا انْتَقَلَ يَعْرُبُ سَكَنَ جَنُوبَ الْبِلَادِ الْعَرَبِيَّةِ (الْيَمَنَ) فَاسْتَقَرَّ بِمَوْضِعٍ بَنَى فِيهِ مَدِينَةَ ظَفَارِ (بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُشَالَةِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ) فَهِيَ أَوَّلُ مَدِينَةٍ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ

(1) فِي رِسَالَة من مراسلاته فِي كتاب «ريحَان الكتّاب» .

ص: 250

وَانْتَشَرَ أَبْنَاؤُهُ فِي بِلَادِ الْجَنُوبِ الَّذِي عَلَى الْبَحْرِ وَهُوَ بِلَادُ (حَضْرَمَوْتَ) ثُمَّ بَنَى ابْنُهُ يَشْجُبُ (بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الْجِيمِ) مَدِينَةُ صَنْعَاءَ وَسَمَّى الْبِلَادَ بِالْيَمَنِ، ثُمَّ خَلَفَهُ ابْنُهُ عَبَّشَمْسُ (بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَمَعْنَاهُ ضَوْءُ الشَّمْسِ) وَسَادَ قَوْمَهُ وَلُقِّبِ سَبَأٌ (بِفَتْحَتَيْنِ وَهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ) وَاسْتَقَلَّ بِأَهْلِهِ فَبَنَى مَدِينَةَ مَأْرِبَ حَاضِرَةَ سَبَأٍ، قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

مِنْ سَبَأِ الْحَاضِرِينَ مَأْرِبُ إِذْ

يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهِ الْعَرِمَا

وَبَيْنَ مَأْرِبَ وَصَنْعَاءَ مَسِيرَةُ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ خَفِيفَةٍ.

ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ سَبَأٍ ابْنُهُ حِمْيَرُ وَيُلَقَّبُ الْعَرَنْجَحَ (أَيِ الْعَتِيقُ)، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ جَعَلَ بِلَادَهُ ظَفَارِ بَعْدَ أَنِ انْتَقَلَ أَبْنَاءُ يَشْجُبَ مِنْهَا إِلَى صَنْعَاءَ. وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ ظَفَرَ حَمَّرَ، أَيْ مَنْ دَخَلَ ظَفَارِ فَلْيَتَكَلَّمْ بِالْحِمْيَرِيَّةِ، وَلِهَذَا الْمَثَلِ قِصَّةٌ.

فَكَانَتِ الْبِلَادُ الْيَمَنِيَّةُ أَوِ الْقَحْطَانِيَّةُ مُنْقَسِمَةً إِلَى ثَلَاثِ قَبَائِلَ: الْيَمَنِيَّةِ، وَالسَّبَئِيَّةِ، وَالْحِمْيَرِيَّةِ. وَكَانَ على كل قبية مَلِكٌ مِنْهَا، وَاسْتَقَلَّتْ أَفْخَاذُهُمْ بِمَوَاقِعَ أَطْلَقُوا عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهَا اسْمَ مِخْلَافٍ (بِكَسْرِ الْمِيمِ) وَكَانَ لِكُلِّ مِخْلَافٍ رَئِيسٌ يُلَقَّبُ بِالْقِيلِ وَيُقَالُ لَهُ: ذُو كَذَا، بِالْإِضَافَةِ إِلَى اسْمِ مِخْلَافِهِ، مِثْلُ ذُو رُعَيْنٍ. وَالْمَلِكُ الَّذِي تَتْبَعُهُ الْأَقْيَالُ كُلُّهَا وَيَحْكُمُ الْيَمَنَ

كُلَّهَا يُلَقَّبُ تُبَّعَ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ بِأُمَرَاءَ كَثِيرِينَ.

وَقَدِ انْفَرَدَتْ سَبَأٌ بِالْمُلْكِ فِي حُدُودِ الْقَرْنِ السَّابِعِ عَشَرَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَكَانَ أَشْهَرُ مُلُوكِهِمْ أَوْ أَوَّلُهُمُ الْهِدْهَادُ بْنُ شُرَحْبِيلَ وَيُلَقَّبُ الْيَشَرَّحَ (بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُشَدَّدَةً وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فِي آخِرِهِ) . ثُمَّ وَلِيَتْ بَعْدَهُ بِلْقِيسُ ابْنَةُ شُرَحْبِيلَ أَيْضًا أَوْ شَرَاحِيلَ وَلَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً شَدَدَ بْنَ زَرْعَةَ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ فَمَاتَ. وَكَانَ أَهْلُ سَبَأٍ صَابِئَةً يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ.

وَبَقِيَّةُ ذِكْرِ حَضَارَتِهِمْ تَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سَبَأٍ.

وأَحَطْتُ يُقْرَأُ بِطَاءٍ مُشَدَّدَةٍ لِأَنَّهُ الْتِقَاءُ طَاءِ الْكَلِمَةِ وَتَاءِ الْمُتَكَلِّمِ فَقُلِبَتْ هَذِهِ التَّاءُ طَاءً وَأُدْغِمَتَا.

ص: 251

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِنَبَإٍ لِلْمُصَاحَبَةِ لِأَنَّ النَّبَأَ كَانَ مُصَاحِبًا لِلْهُدْهُدِ حِينَ مَجِيئِهِ، وَالنَّبَأُ: الْخَبَرُ المهم.

وَبَين ب سَبَإٍ وبِنَبَإٍ الْجِنَاسُ الْمُزْدَوَجُ. وَفِيهِ أَيْضًا جِنَاسُ الْخَطِّ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ صُورَةُ الْكَلِمَتَيْنِ وَاحِدَةً فِي الْخَطِّ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفَانِ فِي النُّطْقِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشُّعَرَاء: 79، 80] .

وَوَصْفُهُ بِ يَقِينٍ تَحْقِيقٌ لَكَوْنِ مَا سَيُلْقَى إِلَيْهِ شَيْءٌ مُحَقَّقٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَوُصِفَ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ.

وَجُمْلَةُ: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً بَيَان لنبأ فَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ. وَإِدْخَالُ (إِنَّ) فِي صَدْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِأَهَمِّيَّةِ الْخَبَرِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَلِكًا.

وَفِعْلُ تَمْلِكُهُمْ هُنَا مُشْتَقٌّ مِنَ الْمُلْكِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفِعْلُهُ كَفِعْلِ مِلْكِ الْأَشْيَاءِ. وَرَوِيَ حَدِيثُ هِرَقْلَ «هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مِنْ مَلَكٍ» بِفَتْحِ اللَّامِ، أَيْ كَانَ مَلِكًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ بِالْمَصْدَرِ فَمَصْدَرُ هَذَا مُلْكٌ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَالْآخَرُ بِكَسْرِهَا، وَضَمِيرُ الْجَمْعِ رَاجِعٌ إِلَى سَبَأٍ.

وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ أُرِيدَ بِهَا بِلْقِيسُ (بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْقَافِ) ابْنَةُ شَرَاحِيلَ وَفِي تَرْتِيبِهَا مَعَ مُلُوكِ سَبَأٍ وَتَعْيِينِ اسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا اضْطِرَابٌ لِلْمُؤَرِّخِينَ.

وَالْمَوْثُوقُ بِهِ أَنَّهَا كَانَتْ مُعَاصِرَةً سُلَيْمَانَ فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ السَّابِعِ عَشَرَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَكَانَتِ امْرَأَةً عَاقِلَةً. وَيُقَالُ: هِيَ الَّتِي بَنَتْ سَدَّ مَأْرِبَ. وَكَانَتْ حَاضِرَةُ مُلْكِهَا مَأْرِبَ مَدِينَةً عَظِيمَةً بِالْيَمَنِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَنْعَاءَ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي سُورَةِ سَبَأٍ.

وَتَنْكِيرُ امْرَأَةً وَهُوَ مَفْعُولٌ أَوَّلُ لِ وَجَدْتُ لَهُ حُكْمُ الْمُبْتَدَأِ فَهُوَ كَالِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ إِذَا أُرِيدَ بِالنَّكِرَةِ التَّعَجُّبُ مِنْ جِنْسِهَا كَقَوْلِهِمْ: بَقَرَةٌ تَكَلَّمَتْ، لِأَنَّ الْمُرَادَ حِكَايَةُ أَمْرٍ عَجِيبٍ عِنْدَهُمْ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ مَلِكَةً عَلَى قَوْمٍ. وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: وَجَدْتُهُمْ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ.

وَالْإِيتَاءُ: الْإِعْطَاءُ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُعْطَى مَرْغُوبٌ فِيهِ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازَمِهِ وَهُوَ النَّوْلُ.

ص: 252

وَمَعْنَى أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ نَالَتْ مَنْ كُلِّ شَيْءٍ حسن من شؤون الْمُلْكِ. فَعُمُومُ كُلِّ شَيْءٍ عُمُومٌ عُرْفِيٌّ مِنْ جِهَتَيْنِ يُفَسِّرُهُ الْمَقَامُ كَمَا فَسَّرَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النَّمْل: 16] ، أَيْ أُوتِيتُ مِنْ خِصَالِ الْمُلُوكِ وَمِنْ ذَخَائِرِهِمْ وَعَدَدِهِمْ وَجُيُوشِهِمْ وَثَرَاءِ مَمْلَكَتِهِمْ وَزُخْرُفِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَحَامِدِ وَالْمَحَاسِنِ.

وَبِنَاءُ فِعْلِ أُوتِيَتْ إِلَى الْمَجْهُولِ إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِتَعْيِينِ أَسْبَابِ مَا نَالَتْهُ بَلِ الْمَقْصُودُ مَا نَالَتْهُ عَلَى أَنَّ الْوَسَائِلَ وَالْأَسْبَابَ شَتَّى، فَمِنْهُ مَا كَانَ إِرْثًا مِنَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ سَلَفُوهَا، وَمِنْهُ مَا كَانَ كَسْبًا مِنْ كَسْبِهَا وَاقْتِنَائِهَا، وَمِنْهُ مَا وَهَبَهَا اللَّهُ مِنْ عَقْلٍ وَحِكْمَةٍ، وَمَا مُنِحَ بِلَادُهَا مِنْ خِصْبٍ وَوَفْرَةِ مِيَاهٍ. وَقَدْ كَانَ الْيُونَانُ يُلَقِّبُونَ مَمْلَكَةَ الْيَمَنِ بِالْعَرَبِيَّةِ السَّعِيدَةِ أَخْذًا مِنْ مَعْنَى الْيُمْنِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ تَعَالَى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ: 15] . وَأَمَّا رَجَاحَةُ الْعُقُولِ

فَفِي الْحَدِيثِ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ»

فَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ مَا آتَاهَا اللَّهُ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهَا وَخِلْقَةِ أُمَّتِهَا وَبِلَادِهَا، وَلِذَا فَلَمْ يَتَعَيَّنِ الْفَاعِلُ عُرْفًا. وَكُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

وَخَصَّ مِنْ نَفَائِسَ الْأَشْيَاءِ عَرْشَهَا إِذْ كَانَ عَرْشًا بَدِيعًا وَلَمْ يَكُنْ لِسُلَيْمَانَ عَرْشٌ مِثْلُهُ.

وَقَدْ جَاءَ فِي الْإِصْحَاحِ الْعَاشِرِ مِنْ سِفْرِ الْمُلُوكِ الْأَوَّلِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ سُلَيْمَانَ صَنَعَ كُرْسِيَّهُ الْبَدِيعَ بَعْدَ أَنْ زَارَتْهُ مَلِكَةُ سَبَأٍ. وَسَنُشِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها [النَّمْل:

38] .

وَالْعَظِيمُ: مُسْتَعْمَلٌ فِي عَظَمَةِ الْقَدْرِ وَالنَّفَاسَةِ فِي ضَخَامَةِ الْهَيْكَلِ وَالذَّاتِ. وَأَعْقَبَ التَّنْوِيهَ بِشَأْنِهَا بِالْحَطِّ مِنْ حَالِ اعْتِقَادِهِمْ إِذْ هُمْ يَسْجُدُونَ، أَيْ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ. وَلِأَجْلِ الِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْخَبَرِ أُعِيدَ فِعْلُ وَجَدْتُهَا إِنْكَارًا لِكَوْنِهِمْ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ، فَذَلِكَ مِنْ انْحِطَاطِ الْعَقْلِيَّةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ فَكَانَ انْحِطَاطُهُمْ فِي الْجَانِبِ الْغَيْبِيِّ مِنَ التَّفْكِيرِ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ فِيهِ تَفَاوَتُ عِوَضِ الْعُقُولِ عَلَى الْحَقَائِقِ لِأَنَّهُ جَانِبٌ مُتَمَحِّضٌ لِعَمَلِ الْفِكْرِ لَا يُسْتَعَانُ فِيهِ بِالْأَدِلَّةِ

الْمَحْسُوسَةِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ تَضِلَّ فِيهِ عُقُولُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعُقُولِ الصَّحِيحَة فِي الشؤون الْخَاضِعَةِ لِلْحَوَاسِّ. قَالَ تَعَالَى فِي الْمُشْرِكِينَ يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الرّوم: 7، 8]

ص: 253

وَكَانَ عَرَبُ الْيَمَنِ أَيَّامَئِذٍ مِنْ عَبَدَةِ الشَّمْسِ ثُمَّ دَخَلَتْ فِيهِمُ الدِّيَانَةُ الْيَهُودِيَّةُ فِي زَمَنِ تُبَّعَ أَسْعَدَ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرَ، وَلِكَوْنِهِمْ عَبَدَةَ شَمْسٍ كَانُوا يُسَمَّوْنَ عَبْدَ شَمْسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اسْمِ سَبَأٍ.

وَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي أُلْقِيَ إِلَى سُلَيْمَانَ أُصُولَ الْجُغْرَافِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ مِنْ صِفَةِ الْمَكَانِ وَالْأَدْيَانِ، وَصِبْغَةِ الدَّوْلَةِ وَثَرْوَتِهَا، وَوَقَعَ الِاهْتِمَامُ بِأَخْبَارِ مَمْلَكَةِ سَبَأٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَهَمُّ لِمُلْكِ سُلَيْمَانَ إِذْ كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِمَمْلَكَتِهِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا الْبَحْرُ الْأَحْمَرُ، فَأُمُورُ هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ أَجْدَى بِعَمَلِهِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مِنْ سَبَإٍ بِالصَّرْفِ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَالْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِفَتْحَةٍ غَيْرَ مَصْرُوفٍ عَلَى تَأْوِيلِ الْبِلَادِ أَوِ الْقَبِيلَةِ. وَقَرَأَهُ قُنْبُلُ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَقْفِ إِجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ.

وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) .

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى لِسَانِ الْهُدْهُدِ، فَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَلَامٌ آخَرُ مِنَ الْقُرْآنِ ذُيِّلَ بِهِ الْكَلَامُ الْمُلْقَى إِلَى سُلَيْمَانَ، فَالْوَاوُ لِلِاعْتِرَاضِ بَيْنَ الْكَلَامِ الْمُلْقَى لِسُلَيْمَانَ وَبَيْنَ جَوَابِ سُلَيْمَانَ، وَالْمَقْصُودُ التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ.

وَقَوْلُهُ: أَلَّا يَسْجُدُوا قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ فِي الْخَطِّ مِنْ (أَنْ) وَ (لَا) النَّافِيَةِ كُتِبَتَا كَلِمَةً وَاحِدَةً اعْتِبَارًا بِحَالَةِ النُّطْقِ بِهَا عَلَى كُلِّ الْمَعَانِي الْمُرَادَّةِ مِنْهَا.

ويَسْجُدُوا فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ. وَيُقَدَّرُ لَامُ جَرٍّ يتَعَلَّق ب فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ أَيْ صَدَّهُمْ لِأَجْلِ أَنْ لَا يَسْجُدُوا لِلَّهِ، أَيْ فَسَجَدُوا لِلشَّمْسِ.

ص: 254

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ الْمَسْبُوكُ مِنْ أَلَّا يَسْجُدُوا بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ أَعْمالَهُمْ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ.

وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ أَلَّا كَلِمَةً وَاحِدَةً بِمَعْنَى (هَلَّا) فَإِنَّ هَاءَهَا تُبْدَلُ هَمْزَةً. وَجَعْلُ يَسْجُدُوا مُرَكَّبًا مِنْ يَاءِ النِّدَاءِ الْمُسْتَعْمَلَةِ تَأْكِيدًا لِلتَّنْبِيهِ وَفِعْلِ أَمَرَ مِنَ السُّجُودِ كَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:

أَلَا يَا اسْلَمِي يَا دَارَ مَيَّ عَلَى الْبِلَى وَهُوَ لَا يُلَائِمُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ رُسِمَ كَذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.

وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا (أَلَا) حَرْفُ الِاسْتِفْتَاحِ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ يَسْجُدُوا مُرَكَّبًا مِنْ يَاءِ النِّدَاءِ وَفِعْلِ الْأَمْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ. وَالْوَقْفُ فِي هَذِهِ عَلَى (أَلَا) .

وَتَزْيِينُ الْأَعْمَالِ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ [النَّمْل: 4] . وَإِسْنَادُهُ هُنَا لِلشَّيْطَانِ حَقِيقِيٌّ والسَّبِيلِ مُسْتَعَارٌ لِلدِّينِ الَّذِي بِاتِّبَاعِهِ تَكُونُ النَّجَاةُ مِنَ الْعَذَابِ وَبُلُوغُ دَارِ الثَّوَابِ.

والْخَبْءَ: مَصْدَرُ خَبَّأَ الشَّيْءَ إِذَا أَخْفَاهُ. أُطْلِقَ هُنَا عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيِ الْمَخْبُوءُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْخَفَاءِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ. وَمُنَاسَبَةُ وُقُوعِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ: الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ لِحَالَةِ خَبَرِ الْهُدْهُدِ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ فِيهَا اطِّلَاعًا عَلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ. وَإِخْرَاجُ الْخَبْءِ: إِبْرَازُهُ لِلنَّاسِ، أَيْ إِعْطَاؤُهُ، أَيْ إِعْطَاءُ مَا هُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَهُمْ مِنَ الْمَطَرِ وَإِخْرَاجِ النَّبَاتِ وَإِعْطَاءِ الْأَرْزَاقِ، وَهَذَا مُؤْذِنٌ بِصِفَةِ الْقُدْرَةِ. وَقَوْلُهُ:

وَيعلم مَا يخَافُونَ وَمَا يُعْلِنُونَ مُؤْذِنٌ بِعُمُومِ صِفَةِ الْعِلْمِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يُخْفُونَ

وَيُعْلِنُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ. وَقَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِتَاءِ الْخِطَابِ فَهُوَ الْتِفَاتٌ.

وَمَجِيءُ جُمْلَةِ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَقِبَ ذَلِكَ اسْتِئْنَافٌ هُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّتِيجَةِ

ص: 255