الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: بَيْنَ ذلِكَ إِلَى الْمَذْكُورِ مِنَ الْأُمَمِ. وَمَعْنَى بَيْنَ ذلِكَ أَنَّ أُمَمًا تَخَلَّلَتْ تِلْكَ الْأَقْوَامَ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْمِ نُوحٍ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ إِيذَانٌ بِطُولِ مُدَدِ هَذِهِ الْقُرُونِ وَكَثْرَتِهَا.
وَالتَّنْوِينُ فِي كُلًّا تَنْوِينُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَكُلُّهُمْ ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَانْتَصَبَ كُلًّا الْأَوَّلُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ضَرَبْنا لَهُ تَقْدِيرُهُ: خَاطَبْنَا أَوْ حَذَّرْنَا كُلًّا وَضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ، وَانْتَصَبَ كُلًّا الثَّانِي بِإِضْمَارِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَبَّرْنا وَكِلَاهُمَا مِنْ قَبِيلِ الِاشْتِغَالِ.
وَالتَّتْبِيرُ: التَّفْتِيتُ لِلْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ كَالزُّجَاجِ وَالْحَدِيدِ. أطلق التَّتْبِيرُ عَلَى الْإِهْلَاكِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ تَبَعِيَّةً فِي تَبَّرْنا وَأَصْلِيَّةً فِي تَتْبِيراً، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [139]، وَقَوْلِهِ: وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [7] . وَانْتَصَبَ تَتْبِيراً عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُؤَكِّدٌ لِعَامِلِهِ لِإِفَادَةِ شِدَّةِ هَذَا الْإِهْلَاكِ.
وَمَعْنَى ضَرْبِ الْأَمْثَالِ: قَوْلُهَا وَتَبْيِينُهَا وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [26] .
وَالْمِثْلُ: النَّظِيرُ وَالْمُشَابِهُ، أَيْ بَيَّنَّا لَهُمُ الْأَشْبَاهَ وَالنَّظَائِرَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لِيَعْرِضُوا
حَالَ أَنْفُسِهِمْ عَلَيْهَا. قَالَ تَعَالَى: وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ [إِبْرَاهِيم: 45] .
[40]
[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 40]
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً (40)
لَمَّا كَانَ سَوْقُ خَبَرِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابِ الرَّسِّ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْقُرُونِ مَقْصُودًا لِاعْتِبَارِ قُرَيْشٍ بِمَصَائِرِهِمْ نُقِلَ نَظْمُ الْكَلَامِ هُنَا إِلَى إِضَاعَتِهِمُ الِاعْتِبَارَ بِذَلِكَ وَبِمَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْهُ لِأَنْظَارِهِمْ، وَهُوَ آثَارُ الْعَذَابِ الَّذِي نَزَلَ بِقَرْيَةِ قَوْمِ لُوطٍ.
وَاقْتِرَانُ الْخَبَرِ بِلَامِ الْقَسَمِ لِإِفَادَةِ مَعْنَى التَّعْجِيبِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ [الْفرْقَان: 21] . وَكَانَتْ قُرَيْشٌ يَمُرُّونَ بِدِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ فِي أَسْفَارِهِمْ
لِلتِّجَارَةِ إِلَى الشَّامِ فَكَانَتْ دِيَارُهُمْ يَمُرُّ بِهَا طَرِيقُهُمْ قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
[الصافات: 137، 138] . وَكَانَ طَرِيقُ تِجَارَتِهِمْ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَيَدْخُلُونَ أَرْضَ فِلَسْطِينَ فَيَمُرُّونَ حَذْوَ بُحَيْرَةِ لُوطٍ الَّتِي عَلَى شَافَّتِهَا بَقَايَا مَدِينَةِ «سَدُومَ» وَمُعْظَمُهَا غَمَرَهَا الْمَاءُ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [79] .
وَالْإِتْيَانُ: الْمَجِيءُ. وَتَعْدِيَتُهُ بِ عَلَى لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى: مَرُّوا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّذْكِيرِ بِمَجِيءِ الْقَرْيَةِ التَّذْكِيرُ بِمَصِيرِ أَهْلِهَا فَكَأَنَّ مَجِيئَهُمْ إِيَّاهَا مُرُورٌ بِأَهْلِهَا، فَضَمَّنَ الْمَجِيءَ مَعْنَى الْمُرُورِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُرُورَ، فَإِنَّ الْمُرُورَ يَتَعَلَّقُ بِالسُّكَّانِ وَالْمَجِيءَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَكَانِ فَيُقَالُ:
جِئْنَا خُرَاسَانَ، وَلَا يُقَالُ: مَرَرْنَا بِخُرَاسَانَ. وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
[الصافات: 137، 138] .
وَوَصَفَ الْقَرْيَةَ بِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ لِأَنَّهَا اشْتُهِرَتْ بِمَضْمُونِ الصِّلَةِ بَيْنَ الْعَرَبِ وَأهل الْكِتَابِ. وَهَذِهِ الْقَرْيَةُ هِيَ الْمُسَمَّاةُ «سَدُومَ» بِفَتْحِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ وَكَانَتْ لِقَوْمِ لُوطٍ قُرًى خَمْسٌ أَعْظَمُهَا «سَدُومُ» . وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [80] .
ومَطَرَ السَّوْءِ هُوَ عَذَابٌ نَزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ وَهُوَ حِجَارَةٌ مِنْ كِبْرِيتٍ وَرَمَادٍ، وَتَسْمِيَتُهُ مَطَرًا عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَطَرِ مَاءُ السَّمَاءِ.
وَالسَّوْءُ بِفَتْحِ السِّينِ: الضُّرُّ وَالْعَذَابُ، وَأَمَّا بِضَمِّ السِّينِ فَهُوَ مَا يَسُوءُ. وَالْفَتْحُ هُوَ الْأَصْلُ فِي مَصْدَرِ سَاءَهُ، وَأَمَّا السُّوءُ بِالضَّمِّ فَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ، فَغَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَصْدَرِ فِي الَّذِي يَسُوءُ بِضُرٍّ، وَاسْتِعْمَالُ اسْمِ الْمَصْدَرِ فِي ضِدِّ الْإِحْسَانِ.
وَتَفَرَّعَ عَلَى تَحْقِيقِ إِتْيَانِهِمْ عَلَى الْقَرْيَةِ مَعَ عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِهِ اسْتِفْهَامٌ صُورِيٌّ عَنِ انْتِفَاءِ رُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهَا حِينَمَا يَأْتُونَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَتَّعِظُوا بِهَا كَانُوا بِحَالِ مَنْ يَسْأَلُ عَنْهُمْ: هَلْ رَأَوْهَا، فَكَانَ الِاسْتِفْهَامُ لِإِيقَاظِ الْعُقُولِ لِلْبَحْثِ عَنْ حَالِهِمْ. وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إِمَّا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْكَارِ وَالتَّهْدِيدِ، وَإِمَّا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِيقَاظِ لِمَعْرِفَةِ سَبَبِ عَدَمِ اتِّعَاظِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: بَلْ كانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَلْ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ