الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَرَادَ: تَنَكَّرَتْ حَالَةَ مُعَاشَرَتِهَا بِسَبَبِ تَغْيِيرِ الْوَاشِينَ، بِأَنْ يُغَيِّرَ بَعْضَ أَوْصَافِهِ، قَالُوا:
أَرَادَ مُفَاجَأَتَهَا وَاخْتِبَارَ مَظَنَّتِهَا.
وَالْمَأْمُورُ بِالتَّنْكِيرِ أَهْلُ الْمَقْدِرَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَلَئِهِ.
ومِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ أَبْلَغُ فِي انْتِفَاءِ الِاهْتِدَاءِ مِنْ: لَا تَهْتَدِي، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ.
[42، 43]
[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 42 الى 43]
فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43)
فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ.
دلّ قَوْله: فَلَمَّا جاءَتْ أَنَّ الْمَلِكَةَ لَمَّا بَلَغَهَا مَا أَجَابَ بِهِ سُلَيْمَانُ رُسُلَهَا أَزْمَعَتِ الْحُضُورَ بِنَفْسِهَا لَدَى سُلَيْمَانَ دَاخِلَةً تَحْتَ نُفُوذِ مَمْلَكَتِهِ، وَأَنَّهَا تَجَهَّزَتْ لِلسَّفَرِ إِلَى أُورْشَلِيمَ بِمَا يَلِيقُ بِمِثْلِهَا.
وَقَدْ طُوِيَ خَبَرُ ارْتِحَالِهَا إِذْ لَا غَرَضَ مُهِمًّا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْعِبْرَةِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهَا خَضَعَتْ لِأَمْرِ سُلَيْمَانَ وَجَاءَتْهُ رَاغِبَةً فِي الِانْتِسَابِ إِلَيْهِ.
وَبُنِيَ فِعْلُ قِيلَ لِلْمَجْهُولِ إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ غَرَضٌ بِالْقَائِلِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ هُوَ سُلَيْمَانُ.
وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) .
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي [النَّمْل: 40] الْآيَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا، أَيْ هَذَا مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي [النَّمْل: 41] الْآيَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى أَهكَذا عَرْشُكِ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا بِهِ جَوَابُهَا، أَيْ وَقِيلَ أُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا، أَيْ قَالَ الْقَائِلُ: أَهَكَذَا عَرْشُكِ، أَيْ قَالَ سُلَيْمَانُ ذَلِكَ فِي مَلَئِهِ عَقِبَ اخْتِيَارِ رَأْيِهَا شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى مَا لَدَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ، أَوْ قَالَ بَعْضُ مَلَأِ سُلَيْمَانَ لِبَعْضِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. وَلَعَلَّهُمْ تَخَافَتُوا بِهِ أَوْ رَطَنُوهُ بِلُغَتِهِمُ الْعِبْرِيَّةِ
بِحَيْثُ لَا تَفْهَمُهُمْ.
وَقَالُوا ذَلِكَ بَهِجِينَ بِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ لِمَلَأِ مَلِكَةِ سَبَأٍ، أَيْ لَا نَنْسَى بِمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ بَهْرَجَاتِ هَذِهِ الْمَلِكَةِ أَنَّنَا فِي حَالَةٍ عَقْلِيَّةٍ أَفْضَلُ. وَأَرَادُوا بِالْعِلْمِ عِلْمَ الْحِكْمَةِ الَّذِي عَلَّمَهُ اللَّهُ سُلَيْمَانَ وَرِجَالَ مَمْلَكَتِهِ وَتَشَارَكَهُمْ بَعْضُ أَهْلِ سَبَأٍ فِي بَعْضِهِ فَقَدْ كَانُوا أَهْلَ مَعْرِفَةٍ أَنْشَئُوا بِهَا حَضَارَةً مُبْهِتَةً.
فَمَعْنَى: مِنْ قَبْلِها إِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ قَوْمَهُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا أَسْبَقَ فِي مَعْرِفَةِ الْحِكْمَةِ وَحَضَارَةِ الْمُلْكِ مِنْ أَهْلِ سَبَأٍ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ ظَهَرَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَهْدِ مُوسَى، فَقَدْ سَنَّ لَهُمُ الشَّرِيعَةَ، وَأَقَامَ لَهُمْ نِظَامَ الْجَمَاعَةِ، وَعَلَّمَهُمْ أُسْلُوبَ الْحَضَارَةِ بِتَخْطِيطِ رُسُومِ مَسَاكِنِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ وَنِظَامِ الْجَيْشِ وَالْحَرْبِ وَالْمَوَاسِمِ وَالْمَحَافِلِ. ثُمَّ أَخَذَ ذَلِكَ يَرْتَقِي إِلَى أَنْ بَلَغَ غَايَةً بَعِيدَةً فِي مُدَّةِ سُلَيْمَانَ، فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَسْبَقَ إِلَى عِلْمِ الْحِكْمَةِ قَبْلَ أَهْلِ سَبَأٍ، وَإِنْ أُرِيدَ بِ مِنْ قَبْلِها الْقَبْلِيَّةُ الِاعْتِبَارِيَّةُ وَهِيَ الْفَضْلُ وَالتَّفَوُّقُ فِي الْمَزَايَا وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِالْمَعْنَى كَانَ الْمَعْنَى: إِنَّا أَوْسَعُ وَأَقْوَى مِنْهَا عِلْمًا، كَمَا
قَالَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم: «نَحْنُ الْأَوَّلُونَ السَّابِقُونَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا»
أَيْ نَحْنُ الْأَوَّلُونَ فِي غَايَاتِ الْهُدَى، وَجَعَلَ مَثَلًا لِذَلِكَ اهْتِدَاءُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَقَالَ: «وَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ إِلَيْهِ»
. فَكَانَ الْأَرْجَحُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى مِنْ قَبْلِها أَنَّا فَائِتُونَهَا فِي الْعِلْمِ وَبَالِغُونَ مَا لَمْ تَبْلُغْهُ. وَزَادُوا فِي إِظْهَارِ فَضْلِهِمْ عَلَيْهَا بِذِكْرِ النَّاحِيَةِ الدِّينِيَّةِ، أَيْ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ دُونَهَا. وَفِي ذِكْرِ فِعْلِ الْكَوْنِ دَلَالَةٌ عَلَى تَمَكُّنِهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ مُنْذُ الْقِدَمِ.
وَصَدَّهَا هِيَ عَنِ الْإِسْلَامِ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ صَدَّهَا مَعْبُودُهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَمُتَعَلِّقُ الصَّدِّ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: وَكُنَّا مُسْلِمِينَ. وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُهُ هُوَ الشَّمْسُ. وَإِسْنَادُ الصَّدِّ إِلَى الْمَعْبُودِ مَجَازٌ عَقْلِي لِأَنَّهُ سَبَب صَدِّهَا عَنِ التَّوْحِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود: 101] وَقَوْلِهِ: غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ [الْأَنْفَال: 49] .
وَفِي ذِكْرِ فِعْلِ الْكَوْنِ مَرَّتَيْنِ فِي مَا كانَتْ تَعْبُدُ. وإِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ دَلَالَةٌ عَلَى تَمَكُّنِهَا مِنْ عِبَادَةِ الشَّمْسِ وَكَانَ ذَلِكَ التَّمَكُّنُ بِسَبَبِ الِانْحِدَارِ مِنْ سُلَالَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَالشِّرْكُ مُنْطَبِعٌ فِي نَفْسِهَا بِالْوِرَاثَةِ، فَالْكُفْرُ قَدْ أَحَاطَ بِهَا