الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ
إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ.
وَذُكِرَ اسْمُ الرَّحْمَنِ هُنَا دُونَ وَصْفِ الرَّبِّ كَمَا فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّ السِّيَاقَ هُنَا لِتَسْلِيَةِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِعْرَاضِ قَوْمِهِ فَكَانَ فِي وَصْفِ مُؤْتِي الذِّكْرِ بِالرَّحْمَنِ تَشْنِيعٌ لِحَالِ الْمُعْرِضِينَ وَتَعْرِيضٌ لِغَبَاوَتِهِمْ أَنْ يُعْرِضُوا عَمَّا هُوَ رَحْمَةٌ لَهُمْ، فَإِذَا كَانُوا لَا يُدْرِكُونَ صَلَاحَهُمْ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ حَسَرَاتٍ عَلَى قَوْمٍ أَضَاعُوا نَفْعَهُمْ وَأَنْتَ قَدْ أَرْشَدْتَهُمْ إِلَيْهِ وَذَكَّرْتَهُمْ، كَمَا قَالَ الْمَثَلُ:«لَا يَحْزُنْكَ دَمٌ هَرَاقَهُ أَهْلُهُ» وَقَالَ النَّابِغَةُ:
فَإِنْ تَغْلِبْ شَقَاوَتُكُمْ عَلَيْكُمْ
…
فَإِنِّي فِي صَلَاحِكُمْ سَعَيْتُ
وَفِي الْإِتْيَانِ بِفِعْلِ كانُوا وَخَبَرِهِ دُونَ أَنْ يُقَالَ: إِلَّا أَعْرَضُوا، إِفَادَةُ أَنَّ إِعْرَاضَهُمْ رَاسِخٌ فِيهِمْ وَأَنَّهُ قَدِيمٌ مُسْتَمِرٌّ إِذْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاء: 3] ، فَانْتِفَاءُ كَوْنِ إِيمَانِهِمْ وَاقِعًا هُوَ إِعْرَاضٌ مِنْهُمْ عَنْ دَعْوَةِ الرَّسُولِ الَّتِي طَرِيقُهَا الذِّكْرُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذِكْرٌ بَعْدَ الذِّكْرِ الَّذِي لَمْ يُؤْمِنُوا بِسَبَبِهِ وَجَدَهُمْ عَلَى إِعْرَاضِهِمُ الْقَدِيمِ.
ومِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ ذِكْرٍ مُؤَكِّدَةٌ لِعُمُومِ نَفْيِ الْأَحْوَالِ.
ومِنْ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: مِنَ الرَّحْمنِ ابْتِدَائِيَّةٌ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ أَحْوَالٍ عَامَّةٍ، فَجُمْلَةُ: كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ. وَتَقَدَّمَ الْمَجْرُورُ لرعاية الفاصلة.
[6]
[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 6]
فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6)
فَاءُ فَقَدْ كَذَّبُوا فَصِيحَةٌ، أَيْ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ إِعْرَاضَهُمْ إِعْرَاضُ تَكْذِيبٍ بعد الْإِخْبَار عَنْهُم بِأَنَّ سَنَّتَهُمُ الْإِعْرَاضُ عَنِ الذِّكْرِ الْآتِي بَعْضُهُ عَقِبَ بَعْضٍ فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ كَانَ لِأَنَّهُمْ قَدْ كَذَّبُوا بِالْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَسَيَأْتِيهِمْ فَلِتَعْقِيبِ الْإِخْبَارِ بِالْوَعِيدِ بَعْدَ الْإِخْبَارِ بِالتَّكْذِيبِ.
وَالْأَنْبَاءُ: جَمْعُ نَبَأٍ، وَهُوَ الْخَبَرُ عَنِ الْحَدَثِ الْعَظِيمِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ
وَالْأَنْبَاءُ: ظُهُورُ صِدْقِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْإِتْيَانِ هُنَا الْبُلُوغَ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ [ص: 21] لِأَنَّ بُلُوغَ الْأَنْبَاءِ قَدْ وَقَعَ فَلَا يُحْكَى بِعَلَامَةِ الِاسْتِقْبَالِ فِي قَوْلِهِ:
فَسَيَأْتِيهِمْ.
وَمَا فِي قَوْلِهِ: مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً فَيَجُوزُ أَن يكون مَا صدقهَا الْقُرْآنَ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً [الْبَقَرَة: 231] . وَجِيءَ فِي صلته بِفعل يَسْتَهْزِؤُنَ دُونَ (يُكَذِّبُونَ) لِتَحْصُلَ فَائِدَةُ الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ كذّبوا بِهِ واستهزأوا بِهِ، وَتَكُونُ الْبَاءُ فِي بِهِ لتعدية فعل يَسْتَهْزِؤُنَ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ عَائِدًا إِلَى مَا الْمَوْصُولَةِ، وَأَنْبَاؤُهُ أَخْبَارُهُ بِالْوَعِيدِ. وَيَجُوزُ أَنْ يكون مَا صدق مَا جِنْسَ مَا عُرِفُوا بِاسْتِهْزَائِهِمْ بِهِ وَهُوَ التَّوَعُّدُ، كَانُوا يَقُولُونَ: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ؟ وَنَحْوُ ذَلِك.
وَإِضَافَة أَنْبؤُا إِلَى مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ عَلَى هَذَا إِضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ، أَيْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ الَّذِي هُوَ أَنْبَاءُ مَا سَيَحُلُّ بِهِمْ.
وَجَمْعُ الْأَنْبَاءِ عَلَى هَذَا بِاعْتِبَار أَنهم استهزأوا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا الْبَعْثُ، وَمِنْهَا الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا، وَمِنْهَا نَصْرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يُونُس: 48] ، وَمِنْهَا فَتْحُ مَكَّةَ، وَمِنْهَا عَذَابُ جَهَنَّمَ، وَشَجَرَةُ الزَّقُّومِ. وَكَانَ أَبُو جَهْلٍ يَقُولُ: زَقُّمُونَا، اسْتِهْزَاءٌ.
وَيَجُوزُ كَوْنُ مَا مَصْدَرِيَّةً، أَيْ أَنْبَاءُ كَوْنِ اسْتِهْزَائِهِمْ، أَيْ حُصُولِهِ، وَضَمِيرِ بِهِ عَائِدًا إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ أَوِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم.
وَالْمُرَادُ بِأَنْبَاءِ اسْتِهْزَائِهِمْ أَنْبَاءُ جَزَائِهِ وَعَاقِبَتِهِ وَهُوَ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ.
وَالْقَوْلُ فِي إِقْحَامِ فِعْلِ كانُوا هُنَا كَالْقَوْلِ فِي إِقْحَامِهِ فِي قَوْلِهِ آنِفًا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ [الشُّعَرَاء: 5] وَلَكِنْ أُوثِرَ الْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارع وَهُوَ يَسْتَهْزِؤُنَ دُونَ اسْمِ الْفَاعِلِ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ: كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ لِأَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ يَتَجَدَّدُ عِنْدَ تَجَدُّدِ وَعِيدِهِمْ بِالْعَذَابِ، وَأَمَّا الْإِعْرَاضُ فَمُتَمَكِّنٌ مِنْهُمْ.