الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجَعَلَ الْخَبَرَ عَنِ الْكَافِرِ خَبَرًا لِ كانَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ اتِّصَافَهُ بِالْخَبَرِ أَمْرٌ مُتَقَرِّرٌ مُعْتَادٌ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ.
وَالظَّهِيرُ: الْمُظَاهِرُ، أَيِ الْمُعِينُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [88] وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ، أَيْ مَظَاهِرٍ مِثْلَ حَكِيمٍ بِمَعْنَى مُحْكِمٍ، وَعَوِينٍ بِمَعْنَى مُعَاوِنٍ. وَقَوْلُ عمر بن معد يكرب:
أَمِنْ رَيْحَانَةِ الدَّاعِي السَّمِيعِ أَيِ الْمُسْمِعِ. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «وَمَجِيءُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ غَيْرُ عَزِيزٍ» . وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ: ظَاهَرَ عَلَيْهِ، إِذَا أَعَانَ مَنْ يُغَالِبُهُ عَلَى غَلَبِهِ، وَأَصْلُهُ الْأَصِيلُ مُشْتَقٌّ مِنَ اسْمٍ جَامِدٍ وَهُوَ اسْمُ الظَّهْرِ مِنَ الْإِنْسَانِ أَوِ الدَّابَّةِ لِأَنَّ الْمُعَاوِنَ أَحَدًا عَلَى غَلَبِ غَيْرِهِ كَأَنَّهُ يَحْمِلُ الْغَالِبَ عَلَى الْمَغْلُوبِ كَمَا يُحْمَلُ عَلَى ظَهْرِ الْحَامِلِ، جَعَلَ الْمُشْرِكَ فِي إِشْرَاكِهِ مَعَ وُضُوحِ دَلَالَةِ عَدَمِ اسْتِئْهَالِ الْأَصْنَامِ لِلْإِلَهِيَّةِ كَأَنَّهُ يَنْصُرُ الْأَصْنَامَ عَلَى رَبِّهِ الْحَقِّ. وَفِي ذِكْرِ الرَّبِّ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ الْكَافِرَ عَاقٌّ لِمَوْلَاهُ. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: ظَهِيرٌ بِمَعْنَى مَظْهُورٍ، أَيْ كُفْرُ الْكَافِرِ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، يَعْنِي أَيْ فَعِيلًا فِيهِ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَلى مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ كانَ أَيْ كَانَ عَلَى الله هيّنا.
[56، 57]
[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 56 إِلَى 57]
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَاّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَاّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (57)
لَمَّا أَفْضَى الْكَلَامُ بِأَفَانِينِ انْتِقَالَاتِهِ إِلَى التَّعْجِيبِ مِنِ اسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى أَنْ يَعْبُدُوا مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ أعقب بِمَا يومىء إِلَى اسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي دَعْوَى
الرِّسَالَةِ بِنِسْبَةِ مَا بَلَّغَهُ إِلَيْهِمْ إِلَى الْإِفْكِ، وَأَنَّهُ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَأَنَّهُ سِحْرٌ، فَأُبْطِلَتْ دَعَاوِيهِمْ كُلُّهَا بِوَصْفِ النَّبِيءِ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ، وَقَصْرُهُ عَلَى صِفَتَيِ التَّبْشِيرِ وَالنِّذَارَةِ. وَهَذَا الْكَلَامُ الْوَارِدُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ جَامِعٌ بَيْنَ إِبْطَالِ إِنْكَارِهِمْ لِرِسَالَتِهِ وَبَيْنَ تَأْنِيسِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضِلٍّ وَلَكِنَّهُ مُبَشِّرٌ وَنَذِيرٌ. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنْ لَا يَحْزَنَ لِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ.
ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ طَامِعٍ مِنْ دَعْوَتِهِمْ فِي أَنْ يَعْتَزَّ بِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ
حَتَّى يَحْسَبُوا أَنَّهُمْ إِنْ أَعْرَضُوا عَنْهُ فَقَدْ بَلَغُوا مِنَ النِّكَايَةِ بِهِ أَمَلَهُمْ، بَلْ مَا عَلَيْهِ إِلَّا التَّبْلِيغُ بِالتَّبْشِيرِ وَالنِّذَارَةِ لِفَائِدَتِهِمْ لَا يُرِيدُ مِنْهُمُ الْجَزَاءَ عَلَى عَمَلِهِ ذَلِكَ.
وَالْأَجْرُ: الْعِوَضُ عَلَى الْعَمَلِ وَلَوْ بِعَمَلٍ آخَرَ يُقْصَدُ بِهِ الْجَزَاءُ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ تَأْكِيدٌ لِنَفْيِ أَنْ يَكُونَ يَسْأَلُهُمْ أَجْرًا لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَحْوَالٍ عَامَّةٍ مَحْذُوفٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ فَلِذَلِكَ كَثُرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُجْعَلَ تَأْكِيدُ الْفِعْلِ فِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَيُسَمَّى تَأْكِيدَ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ، وَبِعِبَارَةٍ أَتْقَنَ تَأْكِيدَ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ وَهُوَ مَرْتَبَتَانِ: مِنْهُ مَا هُوَ تَأْكِيدٌ مَحْضٌ وَهُوَ مَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى فِيهِ مُنْقَطِعًا عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَصْلًا كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
…
بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
فَإِنَّ فُلُولَ سُيُوفِهِمْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعَيْبِ فِيهِمْ بِحَالٍ وَمِنْهُ مَرْتَبَةُ مَا هُوَ تَأْكِيدٌ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ مَا الْمُسْتَثْنَى فِيهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَكِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ بِالْمُشَابَهَةِ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشورى: 23]، أَلَا تَرَى أَنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ يَسْأَلُهُمْ أَجْرًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: 86] . فَقَوْلُهُ تَعَالَى:
إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا مِنْ قَبِيلِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ يُنَاسِبُ أَجْرًا إِذِ التَّقْدِيرُ: إِلَّا عَمَلَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا، وَذَلِكَ هُوَ اتِّبَاعُ دِينِ الْإِسْلَامِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا إِجَابَةً لِدَعْوَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَشْبَهَ الْأَجْرَ عَلَى تِلْكَ الدَّعْوَةِ فَكَانَ نَظِيرَ قَوْلِهِ قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشورى: 23] . وَقَدْ يُسَمُّونَ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ وَيُقَدِّرُونَهُ كَالِاسْتِدْرَاكِ.
وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ. وَاتِّخَاذُ السَّبِيلِ تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الْفرْقَان: 27] . وَجُعِلَ السَّبِيلُ هُنَا إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى إِجَابَتِهِ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَهَذَا
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً [النبأ: 39] .
وَذِكْرُ وَصْفِ الرَّبِّ دُونَ الِاسْمِ الْعَلَمِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى اسْتِحْقَاقِهِ السَّيْرَ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَحْقُوقٌ بِأَنْ يَرْجِعَ إِلَى رَبِّهِ وَإِلَّا كَانَ آبقا.