الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم. وَإِذْ كَانَ قَصْدُهُمْ مِمَّا يَأْتُونَ بِهِ مِنَ
الْأَمْثَالِ تَنْقِيصَ شَأْنِ النَّبِيءِ ذُكِّرُوا بِأَنَّهُمْ أَهْلُ شَرِّ الْمَكَانِ وَضَلَالِ السَّبِيلِ دُونَ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم.
فَالْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ خَبَرٌ عَنْهُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [97] عِنْدَ قَوْلِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ. وَتَقدَّمَ ذِكْرُ الْحَدِيثِ فِي السُّؤَالِ عَنْ كَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ.
وَشَرٌّ: اسْمُ تَفْضِيلٍ. وَأَصْلُهُ أَشَرُّ وَصِيغَتَا التَّفْضِيلِ فِي قَوْلِهِ شَرٌّ، وأَضَلُّ مُسْتَعْمَلَتَانِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الِاتِّصَافِ بِالشَّرِّ وَالضَّلَالِ كَقَوْلِهِ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً [يُوسُف: 77] فِي جَوَابِ قَوْلِ إِخْوَةِ يُوسُفَ إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يُوسُف: 77] .
وَتَعْرِيفُ جُزْأَيِ الْجُمْلَةِ يُفِيدُ الْقَصْرَ وَهُوَ قَصْرٌ لِلْمُبَالِغَةِ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنِ انْحَصَرَ الشَّرُّ وَالضَّلَالُ فِيهِمْ. وَرُوِيَ عَنْ مُقَاتِلٍ أَنَّ الْكُفَّارَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: هُمْ شَرُّ الْخُلُقِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَيَكُونُ الْقَصْرُ قَصْرَ قَلْبٍ، أَيْ هُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا لَا الْمُسْلِمُونَ، وَصِيغَتَا التَّفْضِيلِ مَسْلُوبَتَا الْمُفَاضَلَةِ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ.
وَالْمَكَانُ: الْمَقَرُّ. وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ، مَكَانُهُمْ جَهَنَّمُ، وطريقهم الطَّرِيق الْموصل إِلَيْهَا وَهُوَ الَّذِي يُحْشَرُونَ فِيهِ عَلَى وُجُوهِهِمْ.
وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ أَحْرِيَاءُ بِالْمَكَانِ الْأَشِرِ وَالسَّبِيلِ الْأَضَلِّ، لِأَجْلِ مَا سَبَقَ مِنْ أَحْوَالِهِمُ الَّتِي مِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الْفرْقَان: 32] .
وسَبِيلًا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الْفَاعِلِ، فَأَصْلُهُ: وَضَلَّ سَبِيلُهُمْ. وَإِسْنَادُ الضَّلَالِ إِلَى السَّبِيلِ فِي التَّرْكِيبِ الْمُحَوَّلِ عَنْهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّ السَّبِيلَ سَبَب ضلالهم.
[35، 36]
[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 35 إِلَى 36]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (35) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (36)
لَمَّا جَرَى الْوَعِيدُ وَالتَّسْلِيَةُ بِذِكْرِ حَالِ الْمُكَذِّبِينَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ تَمْثِيلَهُمْ بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ رُسُلَهُمْ لِيَحْصُلَ مِنْ ذَلِكَ مَوْعِظَةُ هَؤُلَاءِ وَزِيَادَةُ تَسْلِيَةِ الرَّسُولِ وَالتَّعْرِيضُ بِوَعْدِهِ بِالِانْتِصَارِ لَهُ.
وَابْتُدِئَ بِذِكْرِ مُوسَى وَقَوْمِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ زَمَنًا مِنَ الَّذِينَ ذُكِرُوا بَعْدَهُ وَلِأَنَّ بَقَايَا شَرْعِهِ
وَأُمَّتِهِ لَمْ تَزَلْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الْعَرَبِ، فَإِنْ صَحَّ مَا رُوِيَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الْفرْقَان: 32] الْيَهُودُ، فَوَجْهُ الِابْتِدَاءِ بِذِكْرِ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَظْهَرُ.
وَحَرْفُ التَّحْقِيقِ وَلَامُ الْقَسَمِ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ بِاعْتِبَارِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْوَعِيدِ بِتَدْمِيرِهِمْ. وَأُرِيدَ بِالْكِتَابِ الْوَحْيُ الَّذِي يُكْتَبُ وَيُحْفَظُ وَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ مَا ابْتُدِئَ بِوَحْيِهِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْأَلْوَاحَ لِأَنَّ إِيتَاءَهُ الْأَلْوَاحَ كَانَ بَعْدَ زَمَنِ قَوْلِهِ اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ، فَقَوْلُهُ فَقُلْنَا اذْهَبا مُفَرَّعٌ عَنْ إِيتَاءِ الْكِتَابِ، فَالْإِيتَاءُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ.
وَفِي وَصْفِ الْوَحْيِ بِالْكِتَابِ تَعْرِيضٌ بِجَهَالَةِ الْمُشْرِكِينَ الْقَائِلِينَ لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الْفرْقَان: 32] ، فَإِنَّ الْكُتُبَ الَّتِي أُوتِيَهَا الرُّسُلُ مَا كَانَتْ إِلَّا وَحْيًا نَزَلَ مُنَجَّمًا فَجَمَعَهُ الرُّسُلُ وَكتبه أتباعهم.
والتعرض هُنَا إِلَى تَأْيِيدِ مُوسَى بِهَارُونَ تَعْرِيض بِالرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ قَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً [الْفرْقَان: 7] فَإِنَّ مُوسَى لَمَّا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ تَأْيِيدَهُ لَمْ يُؤَيَّدْ بِمَلَكٍ وَلَكِنَّهُ أُيِّدَ بِرَسُولٍ مِثْلِهِ.
وَالْوَزِيرُ: الْمُؤَازِرُ وَهُوَ الْمُعَاوِنُ الْمُظَاهِرُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَزْرِ وَهُوَ الْقُوَّةُ. وَأَصْلُ الْأَزْرِ:
شَدُّ الظَّهْرِ بِإِزَارٍ عِنْدَ الْإِقْبَالِ عَلَى عَمَلٍ ذِي تَعَبٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ طَهَ. وَكَانَ هَارُونُ رَسُولًا ثَانِيًا وَمُوسَى هُوَ الْأَصْلُ. وَالْقَوْمُ هُمْ قِبْطُ مِصْرَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ.
والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَصْفٌ لِلْقَوْمِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْمَقُولِ لِمُوسَى وَهَارُونَ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ حِينَئِذٍ لَمَّا يَقَعْ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ وَصْفٌ لِإِفَادَةِ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ أَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ بَلَّغَا الرِّسَالَةَ وَأَظْهَرَ اللَّهُ مِنْهُمَا الْآيَاتِ فَكَذَّبَ بِهَا قَوْمُ فِرْعَوْنَ فَاسْتَحَقُّوا التَّدْمِيرَ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ فِي تَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَتَمْهِيدًا لِلتَّفْرِيعِ بِ فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّسْلِيَةِ.