الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالتَّنْوِيهُ بِشَأْنِ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ هَدًى لِمَنْ يُيَسِّرُ اللَّهُ الِاهْتِدَاءَ بِهِ دُونَ مَنْ جَحَدُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَالتَّحَدِّي بِعِلْمِ مَا فِيهِ مِنْ أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ.
وَالِاعْتِبَارُ بِمُلْكِ أَعْظَمِ مُلْكٍ أُوتِيَهُ نَبِيءٌ. وَهُوَ مُلْكُ دَاوُدَ وَمُلْكُ سُلَيْمَانَ عليهما السلام، وَمَا بَلَغَهُ مِنَ الْعِلْمِ بِأَحْوَالِ الطَّيْرِ، وَمَا بَلَغَ إِلَيْهِ مُلْكُهُ مِنْ عَظَمَةِ الْحَضَارَةِ.
وَأَشْهَرُ أُمَّةٍ فِي الْعَرَبِ أُوتِيَتْ قُوَّةً وَهِيَ أُمَّةُ ثَمُودَ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى مُلْكٍ عَظِيمٍ مِنَ الْعَرَبِ وَهُوَ مُلْكُ سَبَأٍ. وَفِي ذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ نُبُوءَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رِسَالَةٌ تُقَارِنُهَا سِيَاسَةُ الْأُمَّةِ ثُمَّ يَعْقُبُهَا مُلْكٌ، وَهُوَ خِلَافَةُ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم.
وَأَنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ سَيُقَامُ بِهَا مُلْكٌ لِلْأُمَّةِ عَتِيدٌ كَمَا أُقِيمَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ.
وَمُحَاجَّةُ الْمُشْرِكِينَ فِي بُطْلَانِ دِينِهِمْ وَتَزْيِيفِ آلِهَتِهِمْ وَإِبْطَالِ أَخْبَارِ كُهَّانِهِمْ وَعَرَّافِيهِمْ، وَسَدَنَةِ آلِهَتِهِمْ. وَإِثْبَاتُ الْبَعْثِ وَمَا يَتَقَدَّمُهُ مِنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَأَشْرَاطِهَا.
وَأَنَّ الْقُرْآنَ مُهَيْمِنٌ عَلَى الْكُتُبِ السَّابِقَةِ. ثُمَّ مُوَادَعَةُ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْبَاؤُهُمْ بِأَنَّ شَأْنَ الرَّسُولِ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى إِبْلَاغِ الْقُرْآنِ وَإِنْذَارُهُمْ بِأَنَّ آيَاتِ الصِّدْقِ سَيُشَاهِدُونَهَا وَاللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ.
قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: لَيْسَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ إِحْكَامٌ وَلَا نَسْخٌ. وَنَفْيُهُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا إِحْكَامٌ وَلَا نَسْخٌ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى تَشْرِيعٍ قَارٍّ وَلَا عَلَى تَشْرِيعٍ مَنْسُوخٍ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ [النَّمْل: 91، 92] الْآيَةَ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ اه، يَعْنِي الْآيَةَ النَّازِلَةَ بِالْقِتَالِ فِي سُورَةِ الْبَرَاءَةِ. وَتُسَمَّى آيَةَ السَّيْفِ، وَالْقُرْطُبِيُّ مُعَاصِرٌ لِابْنِ الْفَرَسِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ بِمِصْرَ وَابْنُ الْفَرَسِ بِالْأَنْدَلُسِ، وَقَوْلُهُ: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً [النَّمْل: 21] وَيُؤْخَذُ مِنْهُمَا حُكْمَانِ كَمَا سَيَأْتِي.
[1]
[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1)
طس.
تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ تَعْرِيضٌ بِالتَّحَدِّي بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ مُؤْتَلِفٌ مِنْ حُرُوفِ كَلَامِهِمْ. وَتَقَدَّمَ مَا فِي أَمْثَالِهَا مِنَ الْمَحَامِلِ الَّتِي حَاوَلَهَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَوِّلِينَ.
وَيَجِيءُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ تِلْكَ الْحُرُوفَ مُقْتَضَبَةٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقَالَ فِي حُرُوفِ هَذِهِ السُّورَةِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ: طس مُقْتَضَبٌ مِنْ طَاءِ اسْمِهِ تَعَالَى اللَّطِيفِ، وَمِنْ سِينِ اسْمِهِ تَعَالَى السَّمِيعِ. وَأَنَّ الْمَقْصُود الْقسم بهاذين الِاسْمَيْنِ، أَيْ وَاللَّطِيفِ وَالسَّمِيعِ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْمُبِينِ.
تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ.
الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي صَدْرِ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَخَالَفَتْ آيَةُ هَذِهِ السُّورَةِ سَابِقَتَهَا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِذِكْرِ اسْمِ الْقُرْآنِ وَبِعَطْفِ وَكِتابٍ عَلَى الْقُرْآنِ وَبِتَنْكِيرِ كِتابٍ.
فَأَمَّا ذِكْرُ اسْمِ الْقُرْآنِ فَلِأَنَّهُ عَلَمٌ لِلْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لِلْإِعْجَازِ وَالْهَدْيِ.
وَهَذَا الْعَلَمُ يُرَادِفُ الْكِتَابَ الْمُعَرَّفَ بِلَامِ الْعَهْدِ الْمَجْعُولِ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْقُرْآنِ، إِلَّا أَنَّ اسْمَ الْقُرْآنِ أَدْخَلُ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهُ عَلَمٌ مَنْقُولٌ. وَأَمَّا الْكِتَابُ فَعَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:
وَكِتابٍ مُبِينٍ الْقُرْآنُ أَيْضًا وَلَا وَجْهَ لِتَفْسِيرِهِ بِاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لِلتَّفَصِّي مِنْ إِشْكَالِ عَطْفِ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ التَّفَصِّيَ مِنْ ذَلِكَ حَاصِلٌ بِأَنَّ عَطْفَ إِحْدَى صِفَتَيْنِ عَلَى أُخْرَى كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ. وَلِمَا كَانَ فِي كُلٍّ مِنَ الْقُرْآنِ وكِتابٍ مُبِينٍ شَائِبَةُ الْوَصْفِ فَالْأَوَّلُ بِاشْتِقَاقِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَالثَّانِي بِوَصْفِهِ بِ مُبِينٍ، كَانَ عَطْفُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ رَاجِعًا إِلَى عَطْفِ الصِّفَاتِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْتَ بِالثَّانِي بَدَلًا، لِأَنَّ الْعَطْفَ أَعْلَقُ بِاسْتِقْلَالِ كِلَا الْمُتَعَاطِفَيْنِ بِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي الْكَلَامِ بِخِلَافِ الْبَدَلِ.
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ آيَةُ سُورَةِ الْحِجْرِ [1] تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ فَإِنَّ قُرْآنٍ فِي تِلْكَ الْآيَةِ فِي مَعْنَى عَطْفِ الْبَيَانِ مِنَ الْكِتابِ وَلَكِنَّهُ عَطْفٌ لِقَصْدِ جَمْعِهِمَا بِإِضَافَةِ آياتُ إِلَيْهِمَا.