الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حج وهو مضيع للصلاة
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
كتاب الصلاة/ حكم الصلاة وحكم تاركها/حكم تارك الصلاة
التاريخ 05/04/1425هـ
السؤال
رجل كان تاركاً للصلاة بالكلية، ولا يصوم من رمضان إلا قليلاً، ثم أراد الحج مع أمه ليكون محرماً لها ويؤدي فريضته، فقبيل الحج بدأ يصلي، ولكنه عند طواف الإفاضة نوى قطع حجته بسبب الزحام، ولكنه أكمل الطواف والسعي وباقي مناسك الحج مع أمه لكيلا تعلم بحاله، وبعد عودته إلى المخيم في اليوم الحادي عشر رجع إلى ترك الصلاة، ولا يدري بالكلية أو بعض الصلوات، وشك هل كان طاهراً في طواف الوداع أم لا؟ وشك كذلك في الجمرات، هل رماها كلها أم لا؟ علماً أنه لما عاد إلى بلده داوم على الصلاة مدة قصيرة، ثم عاد كما كان، وقبل سنتين منّ الله عليه بالتوبة، وقد حفظ تسعة أجزاء من القرآن، ولا يزال مستمراً في حفظه، وفي حضور الدروس العلمية.
-ما حكم حجه؟
الجواب
من ترك الصلاة بالكلية يستتاب، فإن تاب ورجع إلى الصلاة وإلا قتل بإجماع أهل العلم من السلف والخلف بلا منازع، ولكن اختلفوا هل يقتل كفراً أي لردته، أو يقتل حداً؟ ذهب الإمامان مالك، وأبو حنيفة، والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه أنه يقتل مرتداً فلا يرث ولا يورث، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين استناداً إلى نصوص كثيرة منها قوله –تعالى-:"ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"[البقرة:217]، وقوله –تعالى-:"فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون"[الماعون:5] ، فإذا كان هذا العذاب الشديد قد توعد الله به من انشغل عن الصلاة فلم يصلها إلا بعد خروج وقتها، فعذاب من تركها بالكلية أشد وأعظم، وبمثل قول النبي –صلى الله عليه وسلم:"إن بين الرجل والكفر أو الشرك ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر" رواه مسلم (82) من حديث جابر – رضي الله عنه، وذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد في الرواية الأخرى، والصحيحة عنه إلى أن من ترك الصلاة تهاوناً أو كسلاً يقتل حداً لا كفراً، ومعنى ذلك: أنه مسلم له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، واستدلوا لهذا القول بأدلة أيضاً من القرآن والسنة، كقوله –تعالى-:"إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"[النساء:48] ، فهذا نص على أن كل الذنوب ومنها ترك الصلاة يغفره الله إذا شاء ما عدا الشرك، فإن من مات عليه لا يغفر الله له فهو خالد مخلد في النار، وبمثل قوله –تعالى- حكاية عن قول الحواريين:"إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين"[المائدة:112]، وجه الاستدلال: أن الشك في قدرة الله كفر بدليل قوله: "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين"، ومع هذا لم يكفر الحواريون بقولهم هذا، واستدلوا من السنة بحديث رواه البخاري (7506) ومسلم (2756) من
حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وفيه: قصة الرجل الذي أوصى بنيه إذا مات أن يحرقوه ويذروه ويرموا رماده في البحر، وقال:"والله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من خلقه فبعثه الله، وقال له: ما الذي حملك على ذلك، قال: مخافتك يا رب قال الله: أدخلوا عبدي الجنة"، ووجه الاستدلال: أن الرجل شك في قدرة الله، والشك في ذلك كفر بلا نزاع بين أهل العلم قاطبة، وهو أعظم من ترك الصلاة ومع هذا غفر الله، وأيضاً لم ينقل في التاريخ الإسلامي كله إلى يومنا هذا أن أحداً قتل مرتداً لتركه الصلاة علاوة على ما يترتب على هذا القول –مع كثر من يترك الصلاة- طلاق زوجته، وأن أولاده أولاد غير شرعيين
…
إلخ.
والذي يظهر لي -والله أعلم- القول بعدم تكفير تارك الصلاة كسلاً أو تهاوناً، مع وجوب قتله حداً إن لم يتب ويقيم الصلاة.
وبعد تحرير هذه المسألة ينبني عليها القول في حكم الردة في إبطال الأعمال، مثل رجل حج حجة الإسلام ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام، فهل حجته الأولى قبل ردته تكفيه أو يلزمه أن يحج من جديد؟
اختلف العلماء فيه على قولين: الأول: أن الردة تبطل الأعمال التي قبلها، واستدلوا بقوله:"ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فقد حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"[البقرة:217] ، فعلق بطلان العمل على مجرد الردة، وبقوله –تعالى-:"لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن في الآخرة من الخاسرين"[الزمر:65] ، إذا كان في خطاب الرسول –صلى الله عليه وسلم وحاشاه عن ذلك بأبي هو وأمي، فما بالك بمن دونه، وعلى هذا القول يلزم السائل أن يحج مرة أخرى عن حجته الأولى؛ لأنها بطلت بالردة وهي تركه للصلاة بالكلية.
والقول الثاني في المسألة: أن الردة لا تبطل العمل السابق لها ولا يلزم إعادته أخذاً من القيد في توبة "فيمت وهو كافر" فقيد بطلان العمل بالموت على الكفر لا غير، واستدلوا من السنة بحديث حكم بن حزام رضي الله عنه: أنه قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت أشياء كنت أتحنث (أتعبد) بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة وصلة رحم، فهل فيها من أجرٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أسلمت على ما أسلفت من خير" رواه البخاري (1436)، ومسلم (123) . فالأعمال الحسنة التي عملت في الجاهلية تكتب لأصحابها بعد إسلامهم كما في الحديث الآخر:"خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا"رواه البخاري (4689) ومسلم (2378) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وعلى هذا القول لا يلزم السائل أن يعيد حجه مرة أخرى، بل تكفيه حجته الأولى، والذي يظهر لي -والله أعلم- رجحان هذا القول؛ لقوة أدلته، ولأن عدم الإلزام بإعادة الأعمال هو المتفق مع أدلة يسر الشريعة وسماحتها "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر".
وخلاصة الجواب: أن حج السائل صحيح، ولا يؤثر عليه تردده في قطعه نتيجة الزحام ولا شكه في الطهارة في طواف الوداع أو عدد رميه الجمار.