الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخر وقت صلاة الظهر
المجيب عبد الله بن علي الريمي
ماجستير كلية الشريعة من جامعة الإمام
كتاب الصلاة/ شروط الصلاة/المواقيت
التاريخ 16/04/1426هـ
السؤال
بعض الناس يحتارون في وقت انتهاء صلاة الظهر، أو يجهلون ذلك، وذلك بسبب وجود توقيتين لصلاة العصر، الأول حسب توقيت الجمهور، والثاني حسب توقيت الأحناف. هناك من يرى أنه على التوقيت الحنفي وقت صلاة الظهر يستمر حتى وقت صلاة العصر، فيصلون الظهر حتى ذلك الوقت، وإن كان وقت صلاة العصر على توقيت الجمهور قد بدأ. أرجو توضيح آخر وقت لصلاة الظهر حسب توقيت كل من مذهب الجمهور ومذهب الحنفية لأول صلاة العصر. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، أما بعد فقبل الجواب هناك تنبيهان مهمان:
التنبيه الأول: الواجب على جميع الخلق اتباع ما جاء في كتاب الله، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولا يقدموا بين يدي الله ورسوله قول قائل مهما كانت منزلته قال تعالى:"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"[الحشر: 7]، وقال سبحانه:"فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[النور: 63]، وقال سبحانه:"َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا"[النساء: 59]، وقال تعالى:"َمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ "[الشورى: 10]، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن -النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله" صحيح البخاري (7137) ، وصحيح مسلم (1835) .
وفي صحيح البخاري (7280) عنه رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى". قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"
وهؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة بعد نبيها إذا بلغهم شيء عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم عملوا به وتركوا قول غيره كائنا من كان، فقد بلغ علياً رضي الله عنه أن عثمان رضي الله عنه ينهى عن متعة الحج، أهلَّ علي رضي الله عنه بالحج والعمرة جميعا، وقال: ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد. أخرجه البخاري (1563) ، ومسلم (1223) .
ولما احتج بعض الناس على ابن عباس رضي الله عنهما في متعة الحج، بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في تعيين إفراد الحج، قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء!! أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر
فإذا كان من خالف السنة لقول أبي بكر وعمر تخشى عليه العقوبة فكيف بحال من خالفهما لقول من دونهما، أو لمجرد رأيه واجتهاده!.
ولما نازع بعض الناس عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: إن عمر يقول كذا وكذا؟ قال له عبد الله: هل نحن مأمورون باتباع عمر أو باتباع السنة؟
وعلى هذا سار من بعدهم من سلف هذه الأمة، إذا بلغهم الدليل عملوا به وتركوا ما سواه. فقد أخرج البيهقي في المدخل (234) عن عامر بن يساف قال: سمعت الأوزاعي رحمه الله يقول: إذا بلغك عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم، فإياك يا عامر أن تقول بغيره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مبلغاً عن الله تعالى.
وهكذا جميع الأئمة من الفقهاء يوصون جميع أتباعهم باتباع ما دل عليه الكتاب والسنة:
قال مالك رحمه الله: (ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر) ، وأشار إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم-
وقال أبو حنيفة رحمه الله: (إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين) .
وقال الشافعي رحمه الله (متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً صحيحاً فلم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب) ،
وقال أيضا رحمه الله: (إذا قلت قولاً وجاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه، فاضربوا بقولي الحائط)
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لبعض أصحابه: (لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي، وخذ من حيث أخذنا) ،
وقال أيضا رحمه الله: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهبون إلى رأي سفيان، والله –سبحانه- يقول:"فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، ثم قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله عليه الصلاة والسلام، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك) . فمن أحب هؤلاء الأئمة فليعمل بهذه الوصية العظيمة.
التنبيه الثاني: إن اتباع الدليل والعمل به لا يقتضي عدم الاستفادة من فهم العلماء لما تدل عليه النصوص، فإن الأدلة من الكتاب والسنة تستلزم فهماً لألفاظها، وتوفيقاً بين مدلولاتها، واختياراً لمناسبات القول بها، وزعم التفرد من الشخص الواحد بالفهم، واستنباط الأحكام من الدليل بغير اعتبار لما قاله العلماء في المسألة يفضي إلى الأقوال الشاذة المخالفة للصواب.
قال ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى-: "لا تقل بقول ليس لك فيه إمام"، ومثله نقل عن الإمام أحمد رحمه الله،
فالواجب على طالب العلم أن يتخير من أقوال العلماء القول المعتمد على الدليل الصحيح المعتمد على الفهم السليم، المبني على قواعد الاستنباط التي عمل بها علماء سلف هذه الأمة ،فإن عجز طالب العلم عن العمل بهذا كفاه أن يستفتي من وثق بعدالته وعلمه، وعرف عمله بالمنهج الصحيح الذي عليه العلماء من اتباع الدليل والعمل به،
أمَّا جواب السائل: عن قول الجمهور والحنفية عن آخر وقت الظهر، وأول وقت العصر فكما يلي:
في المسألة قولان:
القول الأول: أن آخر وقت الظهر إذا صار طول ظل الشيء كمثله (كأن تنصب عصا في الشمس، فإن تساوى ظل العصا مع طولها فهذا آخر وقت الظهر، وهذا قول المالكية والشافعية والحنابلة، وهو قول عند الحنفية قال به الأئمة محمد بن الحسن وأبو يوسف ، وزفر، والطحاوي، ونقل الحصكفي عن غرر الأذكار: هو المأخوذ به، وفي البرهان هو الأظهر لبيان جبريل (يعني حديث جابر أن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت) ، أخرجه أحمد (3081) ، وأبو داود (393) ، والترمذي (149)، وفي الفيض: وعليه عمل الناس اليوم وبه يفتى. أهـ.
انظر رد المحتار على الدر المختار (240/1) وكذلك انظر زبدة الأحكام (ص 59) .
القول الثاني: أن آخر وقت الظهر إذا صار طول ظل الشيء مثليه (الضعف) ، وهو المروي عن أبي حنيفة -رحمه الله تعالى - هو المذهب عند الحنفية. انظر المرجع السابق.
أما أول وقت صلاة العصر فهو إذا خرج وقت صلاة الظهر على القولين السابقين، وذلك عند الجميع.
تنبيه: بما أن الشمس متحركة في الدنيا باستمرار فإن لحظة تساوي الشيء مع ظله لا تزيد عن جزء من الثانية، فعليه بمجرد خروج وقت الظهر يدخل وقت العصر، وهذا ما يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر " صحيح مسلم (612) .
فقوله ما لم يحضر العصر يدل على أنه بخروج وقت الظهر يدخل وقت العصر مباشرة.
وقول الجمهور هو القول الصحيح الذي دلت عليه الأدلة الصحيحة، وهو قول عدد من أئمة الحنفية كما تقدم بيانه ،ومن الأدلة الصحيحة الواضحة على مواقيت الصلاة حديث
عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفّر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس". فيجب على الجميع العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الخلاصة:
1-
يجب اتباع الدليل من الكتاب والسنة، وترك قول من خالف ذلك مهما كانت منزلته.
2-
يجب الاستفادة من كلام العلماء الثقات في فهم الأدلة من الكتاب والسنة، وعدم التفرد في استنباط الأحكام من الأدلة.
3-
يجب على طالب العلم أن يختار من كلام العلماء القول المعتمد على الدليل الصحيح والفهم السليم المبني على قواعد الاستنباط التي عمل بها علماء سلف هذه الأمة.
4-
من عجز عن الاختيار من أقوال العلماء وجب عليه اتباع قول من يثق بعدالته وعلمه واتباعه للدليل على المنهج الصحيح، وهذا يعرف بالشهرة والاستفاضة.
5-
للعلماء قولان في آخر وقت الظهر:
القول الأول: آخر وقت الظهر إذا تساوى ظل الشيء مع طوله بعد فيء الزوال، وهذا قول المالكية والشافعية والحنابلة ، وهو قول محمد بن الحسن، وأبي يوسف، وزفر، والطحاوي وغيرهم من الحنفية.
القول الثاني: آخر وقت الظهر إذا صار ظل الشيء ضعف طوله بعد فيء الزوال، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله وهو المذهب عند الحنفية.
أما أول وقت صلاة العصر فهو إذا خرج وقت صلاة الظهر على القولين السابقين، وذلك عند الجميع.
تنبيه: بما أن الشمس متحركة في الدنيا باستمرار فإن لحظة تساوي الشيء مع ظله لا تزيد عن جزء من الثانية، فعليه بمجرد خروج وقت الظهر يدخل وقت العصر.
والصحيح من القولين هو قول الجمهور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر".