الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة في النعال.. ومقتضى الأمر
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصلاة/
سنن الصلاة
التاريخ 3/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه صلى فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، قال: فإن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً، فإذا أتى أحدكم المسجد فليقلب نعليه، فإن رأى خبثاً فليمسحه في الأرض ثم ليصل فيهما".
وفي سنن أبي داود عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم".
مما سبق يتضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بمخالفتهم في خلعهم الخفاف والنعال عند الصلاة، وقد زعموا أنهم يأتمون بموسى عليه السلام حيث قيل له وقت المناجاة "فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى" [طه:12] ، فنهينا عن التشبه بهم، وأمرنا أن نصلي في خفافنا ونعالنا، وإن كان بهما أذى مسحناهما بالأرض، لما روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وطئ أحدكم الأذى بنعليه فإن التراب لهما طهور" وفي لفظ قال:"إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب".
الأسئلة:
(1)
نعلم أن الأفعال في اللغة ثلاثة منها الأمر، ونعلم أن فعل الأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم يعني الوجوب، وهذا ما ورد في الأحاديث الخاصة بإطلاق اللحية، حيث أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بإطلاقها، ولفعل الأمر الذي في الحديث أصبح إطلاقها واجباً، فهل فعل الأمر الذي في الحديث والذي يأمرنا بمخالفة اليهود والصلاة في النعال والخفاف معناه الوجوب؟ وإذا كان كذلك فهل نأثم لعدم اتباع الأمر؟ وإذا لم يكن هناك ذنب فهل بالقياس لا يكون هناك ذنب لمن لا يطلق اللحية؟ مع العلم أن الأمر موجود في كلا الحديثين.
(2)
هل يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم عكس ما يأمرنا به حسب الحاجة أو حسب الظرف؟ حيث إنه صلى الله عليه وسلم صلى بالنعال كما ورد في السنن لأبي داود وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافياً ومنتعلاً، وأيضا في سنن أبي داود والنسائي عن عبد الله بن السائب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوم الفتح ووضع نعليه عن يساره. فهل قياساً على ذلك يمكن لنا نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم في أي فعل أمرنا به حسب المتاح؟ أم أن فعل الأمر أساساً ليس قرينة كافية لحالة الوجوب، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه لم يفعل ما أمرنا به؟ أفيدوني أفادكم الله، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
تحدث العلماء عن الأمر ومسائله المختلفة، ومن ذلك الصيغ التي تدل على الأمر، حيث ذكروا عدداً من الصيغ التي يفهم منها الأمر، وقسموها إلى صيغٍ صريحة، وصيغ غير صريحة، فالصريحة:
(1)
فعل الأمر (افعل)، كقوله تعالى:" فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
…
" الآية [الحج:78] .
(2)
الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر (ليفعل)، كقوله تعالى:"فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة
…
" الآية [النساء: 74] .
(3)
المصدر النائب عن فعله، كقوله تعالى:"فضرب الرقاب
…
"الآية [محمد: 4] .
4) اسم فعل الأمر، كقوله تعالى:" عليكم أنفسكم
…
"الآية [المائدة: 105] .
أما الصيغ غير الصريحة فهي كثيرة، ومنها:
(1)
ورود الأمر بصيغة الخبر، كقوله تعالى:" كتب عليكم الصيام
…
"الآية [البقرة:183] .
(2)
ما جاء مدحه أو مدح فاعله، كقوله تعالى:" إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
…
"الآية [العكنبوت: 45] . وغير ذلك.
وعموماً كل صيغة فهم منها الأمر فهي دالة عليه، سواءٌ أكانت من الصيغ السابقة، أم من غيرها، ولكن إذا أتى أي أمر في القرآن الكريم أو في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهل يحمل على الوجوب، أو لا؟ هذه المسألة يعبر عنها العلماء بقولهم: مقتضى الأمر، والراجح من كلام أهل العلم في ذلك أن مقتضى الأمر المطلق هو الوجوب، فإذا أتى أمر في كتاب الله أو في سنة نبيه عليه الصلاة والسلام فإنا نحمله على الوجوب، ويلزمنا امتثاله.
هذا هو الحكم العام في مقتضى الأمر، ولكن قد تأتي قرائن أو أدلة تصرف الأمر عن مقتضاه الأصلي، فحينئذٍ لا نحمله على الوجوب، وإنما نحمله على ما تقتضيه تلك القرينة أو على ما يدل عليه ذلك الدليل.
ومن الأمثلة التي أفاد الأمر فيها الوجوب لعدم وجود قرائن تصرفه عنه: النصوص الآمرة بالصلاة والزكاة والحج وصوم رمضان وحج البيت ونحو ذلك، فكل هذه الأوامر تحمل على مقتضاها الأصلي وهو الوجوب؛ لعدم وجود ما يصرفها عنه.
ومن الأمثلة التي لم يفد الأمر فيها الوجوب؛ لوجود قرائن أو أدلة تصرفه عن مقتضاه الأصلي:
قوله تعالى:"وأشهدوا إذا تبايعتم"، قال العلماء: إن الإشهاد على البيع غير واجب، بل هو مندوب إليه، حيث حملوا الأمر في الآية على الاستحباب، والذي صرف الأمر هنا عن الوجوب هو: أنه ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم باع واشترى ولم يُشهد على ذلك، وكذلك فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبايعون ولم يكن يأمرهم بالإشهاد على ذلك، ونحو ذلك.
أما ما يتعلق بحكم ترك اللحية، فقد ورد فيه عدد من الأحاديث التي أمر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بتركها وتوفيرها وإعفائها، ولم يوجد أدلة أخرى أو قرائن تصرف هذا الأمر عن الوجوب، ولذلك فإنه يجب إعفاء اللحية وتوفيرها؛ امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
أما مسألة الصلاة في النعال، فقد كان من سنته عليه الصلاة والسلام الصلاة فيها، وقد سُئل أنس رضي الله عنه:"أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه، فقال: نعم" متفق عليه.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة في النعال في عدد من الأحاديث، ومنها:
(1)
عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا جاء
أحدكم المسجد، فلينظر: فإن رأى في نعليه أذىً أو قذراً فليمسحه، وليصل فيهما" رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة.
(2)
عن شداد بن أوس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم" رواه أبو داود.
وحمل العلماء هذه الأوامر على الاستحباب، ولم يحملوها على الوجوب، والذي صرف
الأمر في هذه الأحاديث عن الوجوب إلى الاستحباب أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بغير نعال، كما ثبت أنه خير الناس في ذلك، ويدل لهذا ما رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه، فصلى الناس في نعالهم، فخلع، فخلعوا، فلما صلى قال:" من شاء أن يصلي في نعليه فليصل، ومن شاء أن يخلع فليخلع". قال الشوكاني بعد أن ذكر عدداً من الأحاديث المتعلقة بالصلاة في النعال: ويجمع بين أحاديث الباب بجعل الأحاديث التي خيّر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ صارفةً للأحاديث التي أمر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة في النعال.
وبهذا يتضح أن الصلاة في النعال سنة من السنن، فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت وتركها في وقت آخر، ولهذا فإنه يسن للمسلم أن يفعل هذه السنة إذا تيسر الأمر، كما لو كان في مسجد غير مفروش، أو كان في الصحراء، أما إذا كان في المساجد المفروشة فالأفضل ترك الصلاة في النعال؛ حفاظاً على نظافة المسجد، إلا إذا كان الإنسان متأكداً من نظافة نعليه تماماً.
أما قولك: إنه ليس كل ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن العمل به إذا كان لا يتوافق مع مقتضيات العصر، فهذا غير صحيح إطلاقاً؛ لأن الأساس في تطبيق الأحكام هو الأدلة والنصوص الشرعية، ومقتضيات العصر يؤخذ بها في نطاق ما تدل عليه النصوص الشرعية، أما إذا عارضت النصوص فلا يلتفت إليها. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.