الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترنم والتطويل في الأذان
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
كتاب الصلاة/الأذان والإقامة
التاريخ 4/6/1425هـ
السؤال
ما حكم ترنيم وتطويل الصوت في الأذان؟ الذي نعرفه أنه يستحب أن يكون صوت المؤذن عالياً وجميلاً، لكن أحد الإخوة ذكر واقعة حصلت مع ابن عمر رضي الله عنهما حين قال له أحد المؤذنين "إني أحبك في الله" فرد عليه ابن عمر- رضي الله عنهما:"إني أكرهك في الله". فسأله المؤذن عن سبب ذلك فأجابه ابن عمر رضي الله عنه أن السبب أن الرجل كان يغالي في أذانه ويأخذ الأجرة عليه، فهل يكره الترنم والتطويل في الأذان كما نسمع من الحرم المكي وغيره من المساجد؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإنه لا ريب أنه يستحب للمؤذن أن يرفع صوته بالأذان لا سيما عند عدم وجود مكبِّر للصوت، وأن يهتم بتحسين صوته بالآذان وتجميله؛ للحديث الوارد في سنن أبي داود (499)، وابن ماجة (706) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "
…
فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به؛ فإنه أندى صوتاً منك
…
"، وفي رواية الترمذي (185) : فإنه أندى وأمدّ صوتاً منك، ثم قال الترمذي
(1/359) : حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه حديث حسن صحيح ا. هـ.
وحكى عنه الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/198)، أنه قال: "لا نعرف لعبد الله بن زيد شيئاً يصح إلا حديث الأذان، ثم قال الحافظ: وكذا قال البخاري، ا. هـ، وقد فسر الحافظ ابن حجر في الفتح (2/87) ، هذا الحديث، فإنه أندى صوتاً منك، فقال: أي: أقعد في المد، والإطالة، والإسماع؛ ليعم الصوت، ويطول أمد التأذين، فيكثر الجمع، ويفوت على الشيطان مقصوده من إلهاء الآدمي عن إقامة الصلاة في الجماعة، ا. هـ، وقال الشوكاني في النَّيْل (2/20)، أي: أحسن صوتاً منك، ا. هـ، وقد ذكر هذين القولين الإمام ابن الأثير في النهاية (5/36)، فقال: أي: أرفع وأعلى، وقيل: أحسن وأعذب، وقيل: أبعد
…
ا. هـ.
فأما زيادة التلحين والتطريب فقد كرهها بعض أهل العلم، بل ذهب بعضهم إلى التحريم إذا أدى التلحين والترنم إلى تغيير مقتضيات الحروف، بحيث يتغير المعنى، كمدِّ همزة (أكبر) بحيث تصير استفهاماً، أو مدِّ باء (أكبر) بحيث يصير جمع (كبر) وهو طبل له وجه واحد، وهكذا
…
وإلى هذا ذهب العز بن عبد السلام، كما حكى عنه الهيثمي في المنهج القويم
(1/154) ، واستدلوا بمجموعة من أدلة الآثار والمعنى، ومنها الأثر الذي ورد عن الضحاك بن قيس، وعن ابن عمر – رضي الله عنهما كما أشار إليه السائل وقد وردا بإسنادين ضعيفين:
فالأول أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (1853)، عن معمر عن قتادة عن الضحاك ابن قيس: أن رجلاً قال: إني لأحبك في الله، قال له: ولكني أبغضك في الله، قال: لم؟ قال: إنك تبغي في آذانك، وتأخذ الأجر على كتاب الله" وسنده ضعيف؛ لأنه من طريق قتادة، وهو مدلس، ولم يصرح بالتحديث فيكون منقطعاً، وأيضاً فإنه لم يدرك الضحاك إلا وعمره ثلاث سنين أو أربع، حيث إن قتادة ولد سنة (61هـ)، وتوفي الضحاك بن قيس سنة:(65) ، وهذا شاهد آخر على الانقطاع.
وأما الطريق الثاني: فأخرجه أيضاً عبد الرزاق في مصنفه (1/481) ، وابن عدي في الكامل
(7/192)، كلاهما من طريق يحيى البكاء أنه قال:"رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يسعى بين الصفا والمروة، ومعه ناس، فجاءه رجل طويل اللحية، فقال: يا أبا عبد الرحمن: إني لأحبك في الله، فقال ابن عمر رضي الله عنهما لكني أبغضك في الله، فكأن أصحاب ابن عمر رضي الله عنهما لاموه وكلموه، فقال: إنه يبغي في أذانه، ويأخذ عنه أجراً"، ثم قال ابن عدي:"ويحيى البكاء هذا، ليس بذاك المعروف، وليس له كثير رواية" ا. هـ، وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (7645) ، ضعيف ا. هـ.
ومع هذا، فإنه لا ينبغي للمؤذن أن يبالغ في التلحين والتمطيط والمدّ، بحيث يمل السامع من متابعة الأذان، وربما خرج به عن معناه إلى معنى آخر، فوقع في المحظور. وقد أخرج البخاري معلقاً بصيغة الجزم في كتاب: الأذان، باب: رفع الصوت بالنداء عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لمؤذنه: أذن أذانا سمحاً وإلا فاعتزلنا.
قال ابن حجر في الفتح (2/116) : (والظاهر أنه خاف عليه من التطريب الخروج عن الخشوع، لا أنه نهاه عن رفع الصوت) ، والله -تعالى- أعلم.