الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنَّ فِي التَّفْسِيرِ لَا يُعْطَفُ فَعَدَلَ إِلَى عَطْفِهِ لِيَكُونَ مَضْمُونُهُ مُسْتَقِلًّا بِذَاتِهِ.
وَالْأَنْدَادُ: جَمْعُ نِدٍّ بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ الْمِثْلُ. وَالْمُرَادُ: أَنْدَادٌ فِي الْإِلَهِيَّةِ.
وَالتَّعْبِيرُ عَنِ الْجَلَالَةِ بِالْمَوْصُولِ دُونَ الِاسْمِ الْعَلَمِ لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنْ تَعْلِيلِ التَّوْبِيخِ، لِأَنَّ الَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ.
وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ إِلَى «الَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ» وَفِي الْإِشَارَةِ نِدَاءٌ عَلَى بَلَادَةِ رَأْيِهِمْ إِذْ لَمْ يَتَفَطَّنُوا إِلَى أَنَّ الَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِأَنَّهُ خَالِقُ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا، وَلَا إِلَى أَنَّ رُبُوبِيَّتَهُ تَقْتَضِي انْتِفَاءَ النِّدِّ وَالشَّرِيكِ، وَإِذَا كَانَ هُوَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَهُوَ رَبُّ مَا دُونُ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَجْنَاسِ الَّتِي هِيَ أَحَطُّ مِنَ الْعُقَلَاءِ كَالْحِجَارَةِ وَالْأَخْشَابِ الَّتِي مِنْهَا صُنِعَ أَصْنَامُهُمْ. وَجُمْلَةُ ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفَاتِ على الصِّلَة.
[10]
[سُورَة فصلت (41) : آيَة 10]
وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10)
عَطْفٌ عَلَى فِعْلِ الصِّلَةِ لَا عَلَى مَعْمُولِ الْفِعْلِ، فَجُمْلَةُ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ إِلَخْ صِلَةٌ ثَانِيَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ جِيءَ بِفِعْلٍ آخَرَ غَيْرِ فِعْلِ (خَلَقَ) لِأَنَّ هَذَا الْجَعْلَ تَكْوِينٌ آخَرُ حَصَلَ بَعْدَ خَلْقِ الْأَرْضِ وَهُوَ خَلْقُ أَجْزَاءٍ تَتَّصِلُ بِهَا إِمَّا مِنْ جِنْسِهَا كَالْجِبَالِ وَإِمَّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَالْأَقْوَاتِ وَلِذَلِكَ أَعْقَبَ بِقَوْلِهِ: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:
9] .
وَالرَّوَاسِي: الثَّوَابِتُ، وَهُوَ صِفَةٌ لِلْجِبَالِ لِأَنَّ الْجِبَالَ حِجَارَةٌ لَا تَنْتَقِلُ بِخِلَافِ الرِّمَالِ وَالْكُثْبَانِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ. وَحُذِفَ الْمَوْصُوفُ لِدَلَالَةِ الصِّفَةِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ [الشورى: 32] أَيِ السُّفُنُ الْجَوَارِي. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ
وَوَصْفُ الرَّوَاسِي بِ مِنْ فَوْقِها لِاسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ الرَّائِعَةِ لِمَنَاظِرِ الْجِبَالِ، فَمِنْهَا الْجَمِيلُ الْمَنْظَرِ الْمُجَلَّلُ بِالْخُضْرَةِ أَوِ الْمَكْسُوُّ بِالثُّلُوجِ، وَمِنْهَا الرَّهِيبُ الْمَرْأَى مِثْلَ جِبَالِ النَّارِ (الْبَرَاكِينِ) ، وَالْجِبَالِ الْمَعْدِنِيَّةِ السُّودِ.
وبارَكَ فِيها جَعَلَ فِيهَا الْبَرَكَةَ. وَالْبَرَكَةُ: الْخَيْرُ النَّافِعُ، وَفِي الْأَرْضِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ فِيهَا رِزْقُ الْإِنْسَانِ وَمَاشِيَتِهِ، وَفِيهَا التُّرَابُ وَالْحِجَارَةُ وَالْمَعَادِنُ، وَكُلُّهَا بَرَكَاتٌ. وقَدَّرَ جَعَلَ قَدْرًا، أَيْ مِقْدَارًا، قَالَ تَعَالَى: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطَّلَاق: 3] .
وَالْمِقْدَارُ: النِّصَابُ الْمَحْدُودُ بالنوع أَو بالكمية، فَمَعْنَى قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها أَنَّهُ خَلَقَ فِي الْأَرْضِ الْقُوَى الَّتِي تَنْشَأُ مِنْهَا الْأَقْوَاتُ وَخَلَقَ أُصُولَ أَجْنَاسِ الْأَقْوَاتِ وَأَنْوَاعَهَا مِنَ الْحَبِّ لِلْحُبُوبِ، وَالْكَلَأِ وَالْكَمْأَةِ، وَالنَّوَى لِلثِّمَارِ، وَالْحَرَارَةِ الَّتِي يَتَأَثَّرُ بِهَا تَوَلُّدُ الْحَيَوَانِ مِنَ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ، وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْحِيتَانُ وَدَوَابُّ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ.
وَمِنَ التَّقْدِيرِ: تَقْدِيرُ كُلِّ نَوْعٍ بِمَا يَصْلُحُ لَهُ مِنَ الْأَوْقَاتِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوِ اعْتِدَالٍ.
وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: 17] وَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النَّحْل: 81] وَقَوْلُهُ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً [النَّحْل: 80] الْآيَةَ.
وَجَمْعُ الْأَقْوَاتِ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْأَرْضِ يُفِيدُ الْعُمُومَ، أَيْ جَمِيعُ أَقْوَاتِهَا وَعُمُومُهُ
بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْمُقْتَاتِينَ، فَلِلدَّوَابِّ أَقْوَاتٌ، وَلِلطَّيْرِ أَقْوَاتٌ، وَلِلْوُحُوشِ أَقْوَاتٌ، وَلِلزَّوَاحِفِ أَقْوَاتٌ، وَلِلْحَشَرَاتِ أَقْوَاتٌ، وَجُعِلَ لِلْإِنْسَانِ جَمِيعُ تِلْكَ الْأَقْوَاتِ مِمَّا اسْتَطَابَ مِنْهَا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [29] .
وَقَوْلُهُ: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَذْلَكَةٌ لِمَجْمُوعِ مُدَّةِ خَلْقِ الْأَرْضِ جِرْمِهَا، وَمَا عَلَيْهَا مِنْ رَوَاسِيَ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْقُوَى، فَدَخَلَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ الْيَوْمَانِ اللَّذَانِ فِي قَوْلِهِ: فِي يَوْمَيْنِ [فصلت: 9] فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَتِلْكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، فَقَوْلُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَذْلَكَةٌ، وَعُدِلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى مَا فِي نَسْجِ الْآيَةِ لِقَصْدِ الْإِيجَازِ