المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة غافر (40) : آية 65] - التحرير والتنوير - جـ ٢٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 33 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 56 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 75]

- ‌40- سُورَةُ الْمُؤْمِنِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 15 الى 16]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 69 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 73 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 84 الى 85]

- ‌أُسْلُوبُ سُورَةِ غَافِرٍ

- ‌41- سُورَةُ فُصِّلَتْ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 6 الى 7]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 19 الى 21]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 46]

الفصل: ‌[سورة غافر (40) : آية 65]

تَبَارَكَ دُونَ الْإِتْيَانِ بِضَمِيرٍ مَعَ تَقَدُّمِ اسْمِهِ، فَالْإِظْهَارُ لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ كَلِمَةَ ثَنَاءٍ مُسْتَقِلَّةً.

ورَبِّ الْعالَمِينَ خَالِقُ أَجْنَاسِ الْعُقَلَاءِ مِنَ النَّاسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ. وَهَذَا الْوَصْفُ مِنْ تَمَامِ الْإِنْشَاءِ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ رُبُوبِيَّتِهِ لِلْعَالَمِينَ وَهُمْ أَشْرَفُ أَجنَاس الموجودات استحضارا لِمَا أَفَاضَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ خَيْرَاتِ الإيجاد والإمداد.

[65]

[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 65]

هُوَ الْحَيُّ لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65)

هُوَ الْحَيُّ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.

اسْتِئْنَافٌ ثَالِثٌ لِلِارْتِقَاءِ فِي إِثْبَاتِ إِلَهِيَّتِهِ الْحَقِّ بِإِثْبَاتِ مَا يُنَاسِبُهَا وَهُوَ الْحَيَاةُ الْكَامِلَةُ، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَدِّمَةٌ لِجُمْلَةِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَإِثْبَاتُ الْحَيَاةِ الْوَاجِبَةِ لِذَاتِهِ فَإِنَّ الَّذِي رَبَّ الْعَالَمِينَ وَأَوْجَدَهُمْ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَأَمَدَّهُمْ بِمَا بِهِ قَوَامُهُمْ عَلَى مَمَرِّ الْأَزْمَانِ لَا جَرَمَ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْحَيَاةِ الْحَقِّ لِأَنَّ مُدَبِّرَ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى طُولِ الْعُصُورِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالْحَيَاةِ، إِذِ الْحَيَاةُ (مَعَ مَا عَرَضَ مِنْ عُسْرٍ فِي تَعْرِيفِهَا عِنْدَ الْحُكَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ) هِيَ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ تُصَحِّحُ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ الْإِدْرَاكَ وَالْإِرَادَةَ وَالْفِعْلَ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [28] .

فَإِنْ كَانَ اتِّصَافُ مَوْصُوفِهَا بِهَا مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ فَهِيَ حَيَاةٌ مُمْكِنَةٌ عَارِضَةٌ مِثْلُ حَيَاةِ الْمَلَائِكَةِ وَحَيَاةِ الْأَرْوَاحِ وَحَيَاةِ الْإِنْسَانِ وَحَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَحَيَاةِ الْأَسَارِيعِ، فَتَكُونُ مُتَفَاوِتَةً فِي مَوْصُوفَاتِهَا بِتَفَاوُتِ قُوَّتِهَا فِيهَا وَمُتَفَاوِتَةً فِي مَوْصُوفِهَا الْوَاحِدِ بِتَفَاوُتِ أَزْمَانِهَا مِثْلَ تَفَاوُتِ حَيَاةِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فِي وَقْتِ شَبَابِهِ، وَحَيَاتِهِ فِي وَقْتِ هِرَمِهِ وَمِثْلَ حَيَاةِ الشَّخْصِ وَقْتَ نَشَاطِهِ وَحَيَاتِهِ وَقْتَ نَوْمِهِ، وَبِذَلِكَ التَّفَاوُتِ تَصِيرُ إِلَى الخفوت ثمَّ إِلَى الزَّوَالِ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ تَفَاوُتِهَا فِي تَفَاوُتِ آثَارِهَا مِنَ الْإِدْرَاكِ وَالْإِرَادَةِ وَالْفِعْلِ.

وَإِنْ كَانَ اتِّصَافُ مَوْصُوفِهَا بِهَا أَزَلِيًّا غَيْرَ مَسْبُوقٍ بِعَدَمٍ فَهِيَ حَيَاةُ وَاجِبِ الْوُجُودِ سُبْحَانَهُ وَهِيَ حَيَاةٌ وَاجِبَةٌ ذَاتِيَّةٌ. وَهِيَ الْحَيَاةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعَرَّضَةٍ لِلنَّقْصِ وَلَا لِلزَّوَالِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْحَيُّ حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَنْبَأَتْ عَنْهُ صِيغَةُ الْحَصْرِ فِي

ص: 192

قَوْلِهِ: هُوَ الْحَيُّ وَهُوَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِحَيَاةِ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَحْيَاءِ لِأَنَّهَا عَارِضَةٌ وَمُعَرَّضَةٌ لِلْفَنَاءِ وَالزَّوَالِ.

فَمَوْقِعُ قَوْلِهِ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ مَوْقِعُ النَّتِيجَةِ مِنَ الدَّلِيلِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ سِوَاهُ لَا حَيَاةَ لَهُ وَاجِبَةٌ، فَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا مُدَبِّرًا لِلْعَالَمِ. وَجَمِيعُ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هُوَ بَيْنَ مَا لَمْ يَتَّصِفْ بِالْحَيَاةِ تَمَامًا كَالْأَصْنَامِ مِنَ الْحِجَارَةِ أَوِ الْخَشَبِ أَوِ الْمَعَادِنِ. وَمِثْلَ

الْكَوَاكِبِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالشَّجَرِ، وَبَيْنَ مَا اتَّصَفَ بِحَيَاةٍ عَارِضَةٍ غَيْرِ زَائِلَةٍ كَالْمَلَائِكَةِ، وَبَيْنَ مَا اتَّصَفَ بِحَيَاةٍ عَارِضَةٍ زَائِلَةٍ مِنْ مَعْبُودَاتِ الْبَشَرِ مثل (بوذة) و (برهما) بَلْهَ الْمَعْبُودَاتِ مِنَ الْبَقَرِ وَالثَّعَابِينَ. قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [النَّحْل: 20] أَيْ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُهُمُ التَّصَرُّفَ بِالْإِيجَادِ وَالْإِحْيَاءِ وَهُوَ مَخْلُوقٌ، أَيْ مُعَرَّضٌ لِلْحَيَاةِ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النَّحْل: 21] فَجَعَلَ نَفْيَ الْحَيَاةِ عَنْهُمْ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ دَلَالَةً عَلَى انْتِفَاءِ إِلَهِيَّتِهِمْ وَجَعَلَ نَفْيَ إِدْرَاكِ بَعْضِ الْمُدْرِكَاتِ عَنْهُمْ دَلَالَةً عَلَى انْتِفَاءِ إِلَهِيَّتِهِمْ.

وَبَعْدَ اتِّضَاحِ الدَّلَالَةِ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ فُرِّعَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ غَيْرَ مُشْرِكِينَ غَيْرَهُ فِي الْعِبَادَةِ لِنُهُوضِ انْفِرَادِهِ بِاسْتِحْقَاقِ أَنْ يُعْبَدَ.

وَالدُّعَاءُ: الْعِبَادَةُ لِأَنَّهَا يُلَازِمُهَا السُّؤَالُ وَالنِّدَاءُ فِي أَوَّلِهَا وَفِي أَثْنَائِهَا غَالِبًا، لِأَنَّ الدُّعَاءَ عُنْوَانُ انْكِسَارِ النَّفْسِ وَخُضُوعِهَا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غَافِر: 60] وَكَمَا فِي قَوْلِهِ الْآتِي: بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً [غَافِر: 74] .

وَالْإِخْلَاصُ: الْإِفْرَادُ وَتَصْفِيَةُ الشَّيْءِ مِمَّا يُنَافِيهِ أَوْ يُفْسِدُهُ.

وَالدِّينُ: الْمُعَامَلَةُ. وَأُطْلِقَ عَلَى الطَّاعَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا لِأَنَّهَا أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَ الْمُطِيعِ وَالْمُطَاعِ. وَالْمَعْنَى: فَإِذْ كَانَ هُوَ الْحَيَّ دُونَ الْأَصْنَامِ وَكَانَ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ فَاعْبُدُوهُ غَيْرَ مُشْرِكِينَ مَعَهُ غَيْرَهُ فِي عِبَادَتِهِ.

وَيَدْخُلُ فِي مَاهِيَّةِ الْإِخْلَاصِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا تَرْكُ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الرِّيَاءَ وَهُوَ أَنْ

ص: 193

يَقْصِدَ الْمُتَعَبِّدُ مِنْ عِبَادَتِهِ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ سَوَاءٌ كَانَ قَصْدًا مُجَرَّدًا أَوْ مَخْلُوطًا مَعَ قَصْدِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ. كُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ حُصُولِ حَظٍّ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَظُّ فِي جَوْهَرِهَا. وَهَذَا مَعْنَى مَا

جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «إِنَّ الرِّيَاءَ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ»

(1)

.

وَتَقْدِيمُ لَهُ الْمُتَعَلِّقِ بِمُخْلِصِينَ عَلَى مَفْعُولِ مُخْلِصِينَ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِهِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ تَعَلُّقًا بِمُتَعَلِّقِهِ مِنْ تَعَلُّقِ الْمَفْعُولِ بِعَامِلِهِ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِنْشَاءً لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ أَمْثَالِهَا فِي غَالِبِ مَوَاقِعِ اسْتِعْمَالِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً بِفِعْلِ فَادْعُوهُ عَلَى تَقْدِيرِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ قَائِلِينَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَوْ قُولُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَرِينَةُ الْمَحْذُوفِ هُوَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِمَّا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ كَثِيرًا فَصَارَتْ كَالْمَثَلِ فِي إِنْشَاءِ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ. وَالْمَعْنَى: فَاعْبُدُوهُ بِالْعَمَلِ وَبِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَشُكْرِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا أُرِيدَ بِهِ إِنْشَاءُ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ مِنْ نَفْسِهِ تَعْلِيمًا لِلنَّاسِ كَيْفَ يَحْمَدُونَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي وُجُوهِ نَظِيرِهَا فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ. أَوْ جَارِيًا عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الْأَنْعَام: 45] عَقِبَ قَوْلِهِ: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ [40] .

وَعِنْدِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْدُ مَصْدَرًا جِيءَ بِهِ بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ، أَيِ احْمَدُوا اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَعُدِلَ بِهِ عَنِ النَّصْبِ إِلَى الرَّفْعِ لِقَصْدِ الدَّلَالَةِ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ.

(1) رَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: «كُنَّا نعدّ الرِّيَاء على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الشّرك الْأَصْغَر.

وَعَن مُحَمَّد بن رَافع بن خديج رَفعه: «إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم الشّرك الْأَصْغَر قَالُوا: وَمَا الشّرك الْأَصْغَر يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الرِّيَاء..»

. الحَدِيث.

ص: 194