المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة غافر (40) : آية 4] - التحرير والتنوير - جـ ٢٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 33 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 56 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 75]

- ‌40- سُورَةُ الْمُؤْمِنِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 15 الى 16]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 69 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 73 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 84 الى 85]

- ‌أُسْلُوبُ سُورَةِ غَافِرٍ

- ‌41- سُورَةُ فُصِّلَتْ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 6 الى 7]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 19 الى 21]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 46]

الفصل: ‌[سورة غافر (40) : آية 4]

وَوُقُوعُهُ مَعَ شَدِيدِ الْعِقابِ وَمُزَاوَجَتُهَا بِوَصْفَيْ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ لِيُشِيرَ إِلَى التَّخْوِيفِ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ مِنْ وَصْفِ شَدِيدِ الْعِقابِ، وَبِعَذَابِ الدُّنْيَا مِنْ وَصْفِ ذِي الطَّوْلِ كَقَوْلِهِ: أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ [الزخرف: 42]، وَقَوْلُهُ:

قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً [الْأَنْعَام: 37] . وَأَعْقَبَ ذَلِكَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَبِأَنَّ الْمَصِيرَ، أَيِ الْمَرْجِعَ إِلَيْهِ تَسْجِيلًا لِبُطْلَانِ الشِّرْكِ وَإِفْسَادًا لِإِحَالَتِهِمُ الْبَعْثَ.

فَجُمْلَةُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ، وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِجُمْلَةِ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ إِنْذَارًا

بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا أُجْرِيَتْ صِفَاتُ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ أُثِيرَ فِي الْكَلَامِ الْإِطْمَاعُ وَالتَّخْوِيفُ فَكَانَ حَقِيقًا بِأَنْ يَشْعُرُوا بِأَنَّ الْمَصِيرَ إِمَّا إِلَى ثَوَابِهِ وَإِمَّا إِلَى عِقَابِهِ فَلْيَزِنُوا أَنْفُسَهُمْ لِيَضَعُوهَا حَيْثُ يَلُوحُ مِنْ حَالِهِمْ.

وَتَقْدِيُمُ الْمَجْرُورِ فِي إِلَيْهِ الْمَصِيرُ لِلِاهْتِمَامِ وَلِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ بِحَرْفَيْنِ: حَرْفِ لِينٍ، وَحَرْفٍ صَحِيحٍ مِثْلَ: الْعَلِيمِ، وَالْبِلَادِ، وَعِقَابِ.

وَقَدِ اشْتَمَلَتْ فَاتِحَةُ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى مَا يُشِيرُ إِلَى جَوَامِعِ أَغْرَاضِهَا وَيُنَاسِبُ الْخَوْضَ فِي تَكْذِيبِ الْمُشْرِكِينَ بِالْقُرْآنِ وَيُشِيرُ إِلَى أَنَّهُمْ قَدْ اعْتَزُّوا بِقُوَّتِهِمْ وَمَكَانَتِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ زَائِلٌ عَنْهُمْ كَمَا زَالَ عَنْ أُمَمٍ أَشَدَّ مِنْهُمْ، فَاسْتَوْفَتْ هَذِهِ الْفَاتِحَةُ كَمَالَ مَا يُطْلَبُ فِي فَوَاتِحِ الْأَغْرَاضِ مِمَّا يُسَمَّى بَرَاعَةَ الْمَطْلَعِ أَوْ براعة الاستهلال.

[4]

[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 4]

مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَاّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [غَافِر: 2] الْمُقْتَضِي أَنَّ كَوْنَ الْقُرْآنِ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَمْرٌ لَا رَيْبَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَنْشَأُ فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ أَنْ يَقُولُوا: فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الْمُجَادِلِينَ فِي صِدْقِ نِسْبَةِ الْقُرْآنِ إِلَى اللَّهِ لَمْ تُقْنِعْهُمْ دَلَائِلُ نُزُولِ الْقُرْآنِ مِنَ اللَّهِ، فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَا يُجَادِلُ فِي صِدْقِ الْقُرْآنِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَإِذْ قَدْ كَانَ كُفْرُ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ أَمْرًا مَعْلُومًا كَانَ الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ

ص: 81

بِأَنَّهُمْ كَافِرُونَ غَيْرَ مَقْصُودٍ مِنْهُ إِفَادَةَ اتِّصَافِهِمْ بِالْكُفْرِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ فِي فَائِدَةِ الْخَبَرِ لَا بِمَنْطُوقِهِ وَلَا بِمَفْهُومِهِ، فَإِنَّ مَفْهُومَ الْحَصْرُ وَهُوَ: أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا لَا يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ كَذَلِكَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ مُقَرَّرٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ بِالَّذِينِ كَفَرُوا نَفْسَ الْمُجَادِلِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِكُفْرِهِمْ كُفْرُهُمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ بِسَبَبِ إِشْرَاكِهِمْ، فَالْمَعْنَى: لَا عَجَبَ فِي جِدَالِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ أَتَوْا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ وَهُوَ الْإِشْرَاكُ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْله تَعَالَى: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النِّسَاء: 153] .

وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ بِالَّذِينِ كَفَرُوا جَمِيعَ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ مِنَ السَّابِقِينَ وَالْحَاضِرِينَ، أَيْ مَا الْجَدَلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْإِشْرَاكِ، وَمُجَادَلَةُ مُشْرِكِي مَكَّةَ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ مُجَادَلَةِ كُلِّ الْكَافِرِينَ، فَيَكُونُ اسْتِدْلَالًا بِالْأَعَمِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ تُرِكَ عَطْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا.

وَالْمُرَادُ بِالْمُجَادَلَةِ هُنَا الْمُجَادَلَةُ بِالْبَاطِلِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ فَمَعْنَى فِي آياتِ اللَّهِ فِي

صِدْقِ آيَاتِ اللَّهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [غَافِر: 2] فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ مُضَافٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ كَمَا دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ [هود: 74]، عَلَى تَقْدِيرِ: فِي إِهْلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ، فَصِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْفِعْلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لِإِفَادَةِ التَّكَرُّرِ مِثْلَ: سَافَرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ، وَهُمْ يَتَلَوَّنُونَ فِي الِاخْتِلَاقِ وَيُعَاوِدُونَ التَّكْذِيبَ وَالْقَوْلَ الزُّورَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْأَنْعَام: 25]، سِحْرٌ مُبِينٌ [الْمَائِدَة: 110] ، بِقَوْلِ كاهِنٍ [الحاقة: 42] ، بِقَوْلِ شاعِرٍ [الحاقة:

41] لَا يَنْفَكُّونَ عَنْ ذَلِكَ. وَمِنَ الْمُجَادَلَةِ تَوَرُّكُهُمْ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِسُؤَالِهِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَاتٍ كَمَا يَقْتَرِحُونَ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الْإِسْرَاء:

90] الْآيَاتِ وَقَوْلِهِمْ: لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً [الْفرْقَان: 7] الْآيَاتِ.

وَقَدْ كَانَ لِتَعَلُّقِ فِي الظَّرْفِيَّةِ بِالْجِدَالِ، وَلِدُخُولِهِ عَلَى نَفْسِ الْآيَاتِ دُونَ أَحْوَالِهَا فِي قَوْلِهِ: مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ مَوْقِعٌ عَظِيمٌ مِنَ الْبَلَاغَةِ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ تَحْوِي جَمِيعَ أَصْنَافِ الْجِدَالِ، وَجُعِلَ مَجْرُورُ الْحَرْفِ نَفْسَ الْآيَاتِ دُونَ تَعْيِينِ نَحْوِ صِدْقِهَا أَوْ وُقُوعِهَا أَوْ صِنْفِهَا، فَكَانَ قَوْلُهُ: فِي آياتِ اللَّهِ جَامِعًا لِلْجَدَلِ بِأَنْوَاعِهِ

ص: 82

وَلِمُتَعَلِّقِ الْجَدَلِ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ وَالْمُرَادُ الْجِدَالُ بِالْبَاطِلِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَنْظِيرُ حَالِهِمْ بِحَالِ مَنْ قَالَ فِيهِمْ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ [غَافِر: 5] فَإِذَا أُرِيدَ الْجِدَالُ بِالْحَقِّ يُقَيَّدُ فِعْلُ الْجِدَالِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَالْمَعْنَى: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ تَحَدَّاهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا، وَإِنَّمَا هُوَ تَلْفِيقٌ وَتَسَتُّرٌ عَنْ عَجْزِهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَاعْتِصَامٌ بالمكابرة فمجادلتهم بعد مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّحَدِّي دَالَّةٌ عَلَى تَمَكُّنِ الْكُفْرِ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ مُعَانِدُونَ وَبِذَلِكَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ فَائِدَةِ هَذَا وَإِلَّا فَكَوْنُهُمْ كُفَّارًا مَعْلُومٌ.

وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ دُونَ أَنْ يَقُولَ: فِي آيَاتِهِ، لِتَفْظِيعِ أَمْرِهَا بِالصَّرِيحِ لِأَنَّ ذِكْرَ اسْمِ الْجَلَالَةِ مُؤْذِنٌ بِتَفْظِيعِ جِدَالِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَلِلتَّصْرِيحِ بِزِيَادَةِ التَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ.

وَفُرِّعَ قَوْلُهُ: فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ عَلَى مَضْمُونِ مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى تِلْكَ الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمُجَادِلِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ هُمْ أَهْلُ الْكُفْرِ، وَذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُثِيرَ فِي نَفْسِ مَنْ يَرَاهُمْ فِي مُتْعَةٍ وَنِعْمَةٍ أَنْ يَتَسَاءَلَ فِي نَفْسِهِ كَيْفَ يَتْرُكُهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَظُنُّ أَنَّهُمْ أَمِنُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَفَرَّعَ عَلَيْهِ الْجَوَابَ فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ أَيْ إِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ وَمِقْدَارٌ مِنْ حِلْمِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ وَقْتًا مَا،

أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا إِصْرَارًا عَلَى الْكُفْرِ فَلَا يُوهِمُكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ أَنَّا لَا نُؤَاخِذُهُمْ بِذَلِكَ.

وَالْغُرُورُ: ظَنُّ أَحَدٍ شَيْئًا حَسَنًا وَهُوَ بِضِدِّهِ يُقَالُ: غَرَّكَ، إِذَا جعلك تظن السيّء حَسَنًا. وَيَكُونُ التَّغْرِيرُ بِالْقَوْلِ أَوْ بِتَحْسِينِ صُورَةِ الْقَبِيحِ.

وَالتَّقَلُّبُ: اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَنَاوُلِ مَحْبُوبٍ وَمَرْغُوبٍ. والْبِلادِ الْأَرْضُ، وَأُرِيدَ بِهَا هُنَا الدُّنْيَا كِنَايَةً عَنِ الْحَيَاةِ.

وَالْمُخَاطَبُ بِالنَّهْيِ فِي قَوْلِهِ: فَلا يَغْرُرْكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَيَعُمَّ كُلَّ مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَغُرَّهُ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّهْيُ جَارِيًا

ص: 83