المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الزمر (39) : الآيات 36 الى 37] - التحرير والتنوير - جـ ٢٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 33 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 56 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 75]

- ‌40- سُورَةُ الْمُؤْمِنِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 15 الى 16]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 69 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 73 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 84 الى 85]

- ‌أُسْلُوبُ سُورَةِ غَافِرٍ

- ‌41- سُورَةُ فُصِّلَتْ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 6 الى 7]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 19 الى 21]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 46]

الفصل: ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 36 الى 37]

وَفِي «مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ» : أَنَّ مُقَاتِلًا كَانَ شَيْخَ الْمُرْجِئَةِ وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنَ الْمَعَاصِي مَعَ الْإِيمَانِ وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَدَّقَ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُكَفِّرُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا. وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَسْوَأِ عَلَى الْكُفْرِ السَّابِقِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّكْفِيرَ إِنَّمَا حَصَلَ فِي حَالِ مَا وَصَفَهُمُ الله بالتقوى وَهُوَ التَّقْوَى مِنَ الشِّرْكِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْأَسْوَأِ الْكَبَائِرَ الَّتِي يَأْتِي بِهَا بَعْدَ الْإِيمَانِ اهـ. وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ فِي «مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ» وَجَوَابُهُ: لِأَنَّ الْأَسْوَأَ مُحْتَمَلٌ أَنَّ أَدِلَّة كَثِيرَة أُخْرَى تُعَارِضُ الِاسْتِدْلَالَ بِعُمُومِهَا. وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ كلمة أَسْوَأَ وكملة أحسن محسّن الطّبق.

[36- 37]

[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 36 الى 37]

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37)

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ.

لَمَّا ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلْمُشْرِكِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِمَثَلِ رَجُلٍ فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلٍ خَالِصٍ لِرَجُلٍ، كَانَ ذَلِكَ الْمَثَلُ مُثِيرًا لِأَنْ يَقُولَ قَائِلُ الْمُشْرِكِينَ لَتَتَأَلَّبَنَّ شُرَكَاؤُنَا عَلَى الَّذِي جَاءَ يُحَقِّرُهَا وَيَسُبُّهَا، وَمُثِيرًا لِحَمِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَنْتَصِرُوا لِآلِهَتِهِمْ كَمَا قَالَ مُشْرِكُو قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ [الْأَنْبِيَاء: 68] . وَرُبَّمَا أَنْطَقَتْهُمْ حَمِيَّتُهُمْ بِتَخْوِيفِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَفِي «الْكَشَّاف» و «تَفْسِير الْقُرْطُبِيِّ» : أَنَّ قُرَيْشًا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا نَخَافُ أَنْ تَخْبِلَكَ آلِهَتُنَا وَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكَ مَعَرَّتَهَا (بِعَيْنٍ بَعْدَ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْإِصَابَةِ بِمَكْرُوهٍ يَعْنُونَ الْمَضَرَّةَ) لِعَيْبِكَ إِيَّاهَا» . وَفِي «تَفْسِيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ» مَا هُوَ بِمَعْنَى هَذَا، فَلَمَّا حَكَى تَكْذِيبَهُمْ النَّبِيءَ عَطَفَ الْكَلَامَ إِلَى مَا هَدَّدُوهُ بِهِ وَخَوَّفُوهُ مِنْ شَرِّ أَصْنَامِهِمْ بِقَوْلِهِ: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ.

فَهَذَا الْكَلَامُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ [الزمر: 29] الْآيَةَ وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ الَّذِي أَفْرَدْتُهُ بِالْعِبَادَةِ هُوَ كَافِيكَ شَرَّ الْمُشْرِكِينَ وَبَاطِلَ آلِهَتِهِمُ الَّتِي عَبَدُوهَا مِنْ دُونِهِ، فَقَوْلُهُ: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ قُدِّمَ عَلَيْهِ لِتَعْجِيلِ مَسَاءَةِ الْمُشْرِكِينَ بِذَلِكَ، وَيَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ تَعْجِيلُ مَسَرَّةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ اللَّهَ ضَامِنٌ لَهُ الْوِقَايَةَ كَقَوْلِهِ: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ [الْبَقَرَة: 137] .

ص: 12

وَأَصْلُ النَّظْمِ: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالله كَافِيكَ، فَغَيَّرَ مَجْرَى النَّظْمِ لِهَذَا

الْغَرَضِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ نَظْمَ الْكَلَامِ عَلَى تَرْتِيبِهِ فِي اللَّفْظِ فَتَجْعَلَ جُمْلَةَ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ اسْتِئْنَافًا، وَتَصِيرُ جُمْلَةُ وَيُخَوِّفُونَكَ حَالًا.

وَوَقَعَ التَّعْبِيرُ عَنِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ وَهُوَ عَبْدَهُ دُونَ ضَمِيرِ الْخِطَابِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَوْجِيهُ الْكَلَامِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَحُذِفَ الْمَفْعُول الثَّانِي لكاف لِظُهُورِ أَنَّ الْمَقْصُودَ كَافِيكَ أَذَاهُمْ، فَأَمَّا الْأَصْنَامُ فَلَا تَسْتَطِيعُ أَذًى حَتَّى يُكْفَاهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم. وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ ظَنَّهُمْ أَنْ لَا حَامِيَ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ضُرِّ الْأَصْنَامِ. وَالْمُرَادُ بِ عَبْدَهُ هُوَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَا مَحَالَةَ وَبِقَرِينَةِ ويُخَوِّفُونَكَ.

وَفِي اسْتِحْضَارِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِوَصْفِ الْعُبُودِيَّةِ وَإِضَافَتِهِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ، مَعْنًى عَظِيمٌ مِنْ تَشْرِيفِهِ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ وَتَحْقِيقِ أَنَّهُ غَيْرُ مُسَلِّمِهِ إِلَى أَعْدَائِهِ.

وَالْخِطَابُ فِي وَيُخَوِّفُونَكَ لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْتِفَاتٌ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ الْعَائِدِ عَلَى عَبْدَهُ، وَنُكْتَةُ هَذَا الِالْتِفَاتِ هُوَ تَمْحِيضُ قَصْدِ النَّبِيءِ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ جُمْلَةِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ كَمَا علمت آنِفا.

وبِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ هُمُ الْأَصْنَامُ. عَبَّرَ عَنْهُمْ وَهُمْ حِجَارَةٌ بِمَوْصُولِ الْعُقَلَاءِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ فِي الْكَلَامِ بِصِيَغِ الْعُقَلَاءِ. ومِنْ دُونِهِ صِلَةُ الْمَوْصُولِ عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَجْرُورُ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، تَقْدِيرُهُ: اتَّخَذُوهُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِهِ.

وَوَقَعَ فِي «تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ» أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ خَبَرُ تَوْجِيهِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى هَدْمِ الْعُزَّى وَأَنَّ سَادِنَ الْعُزَّى قَالَ لِخَالِدٍ: أُحَذِّرُكَهَا يَا خَالِدُ فَإِنَّ لَهَا شِدَّةً لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، فَعَمَدَ خَالِدٌ إِلَى الْعُزَّى فَهَشَّمَ أَنْفَهَا حَتَّى كَسَرَهَا بِالْفَأْسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَتَأَوَّلَ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ: وَيُخَوِّفُونَكَ بِأَنَّ تَخْوِيفَهُمْ خَالِدًا أَرَادُوا بِهِ تَخْوِيفَ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مَدَنِيَّةً وَسِيَاقُ الْآيَةِ نَابَ عَنْهُ. وَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ قَالَ هَذَا إِنَّمَا أَرَادَ الِاسْتِشْهَادَ لِتَخْوِيفِ الْمُشْرِكِينَ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَصْنَامِهِمْ بِمِثَالٍ مَشْهُورٍ.

ص: 13

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكافٍ عَبْدَهُ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ عِبَادَهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ أَيِ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمْ لَمَّا خَوَّفُوا النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ أَرَادُوا تَخْوِيفَهُ وَتَخْوِيفَ أَتْبَاعِهِ وَأَنَّ اللَّهَ كَفَاهُمْ شَرَّهُمْ.

وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ الْآيَةَ وَجُمْلَةِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي

انْتِقامٍ

قَصَدَ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَنَّ ضَلَالَهُمْ دَاءٌ عَيَاءٌ لِأَنَّهُ ضَلَالٌ مُكَوَّنٌ فِي نُفُوسِهِمْ وَجِبِلَّتِهِمْ قَدْ ثَبَّتَتْهُ الْأَيَّامُ، وَرَسَّخَهُ تَعَاقُبُ الْأَجْيَالِ، فَرَانَ بِغِشَاوَتِهِ عَلَى أَلْبَابِهِمْ، فَلَمَّا صَارَ ضَلَالُهُمْ كَالْمَجْبُولِ الْمَطْبُوعِ أُسْنِدَ إِيجَادُهُ إِلَى اللَّهِ كِنَايَةً عَنْ تَعَسُّرِ أَوْ تَعَذُّرِ اقْتِلَاعِهِ مِنْ نُفُوسِهِمْ.

وَأُرِيدَ مِنْ نَفْيِ الْهَادِي مِنْ قَوْلِهِ: فَما لَهُ مِنْ هادٍ نَفِيُ حُصُولِ الِاهْتِدَاءِ، فَكُنِّيَ عَنْ عَدَمِ حُصُولِ الْهُدَى بِانْتِفَاءِ الْهَادِي لِأَنَّ عَدَمَ الِاهْتِدَاءِ يَجْعَلُ هَادِيَهُمْ كَالْمَنْفِيِّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [186] مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ.

وَالْآيَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي إِفَادَةِ نَفْيِ جِنْسِ الْهَادِي، إِلَّا أَنَّ إِفَادَةَ ذَلِكَ هُنَا بِزِيَادَةِ مِنْ تَنْصِيصًا عَلَى نَفْيِ الْجِنْسِ. وَفِي آيَةِ الْأَعْرَافِ بِبِنَاءِ هَادِي عَلَى الْفَتْحِ بَعْدَ (لَا) النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ فَإِنَّ بِنَاءَ اسْمِهَا عَلَى الْفَتْحِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْجِنْسِ نَصًّا. وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْأُسْلُوبَيْنِ تَفَنُّنٌ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ مِنْ مَقَاصِدِ الْبُلَغَاءِ.

وَتَقْدِيمُ لَهُ عَلَى هادٍ لِلِاهْتِمَامِ بِضَمِيرِهِمْ فِي مَقَامِ نَفْيِ الْهَادِي لَهُمْ لِأَنَّ ضَلَالَهُمُ الْمَحْكِيَّ هُنَا بَالِغٌ فِي الشَّنَاعَةِ إِذَا بَلَغَ بِهِمْ حَدُّ الطَّمَعِ فِي تَخْوِيفِ النَّبِيءِ بِأَصْنَامِهِمْ فِي حَالِ ظُهُورِ عَدَمِ اعْتِدَادِهِ بِأَصْنَامِهِمْ لِكُلِّ مُتَأَمِّلٍ مِنْ حَالِ دَعْوَتِهِ، وَإِذْ بَلَغَ بِهِمُ اعْتِقَادُ مَقْدِرَةِ أَصْنَامِهِمْ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ قُدْرَةِ الرَّبِّ الْحَقِّ، بِخِلَافِ آيَةِ الْأَعْرَافِ فَإِنَّ فِيهَا ذِكْرَ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ النَّظَرِ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ ضَلَالٌ دُونَ ضَلَالِ التَّخْوِيفِ مِنْ بَأْسِ أَصْنَامِهِمْ.

ص: 14

وَأَمَّا جُمْلَةُ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ فَقَدِ اقْتَضَاهَا أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي اعْتَرَضَتْ بَعْدَهُ الْجُمْلَتَانِ اقْتَضَى فَرِيقَيْنِ: فَرِيقًا مُتَمَسِّكًا بِاللَّهِ الْقَادِرِ عَلَى النَّفْعِ وَالضَّرِّ وَهُوَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنُونَ، وَآخَرُ مُسْتَمْسِكًا بِالْأَصْنَامِ الْعَاجِزَةِ عَنِ الْأَمْرَيْنِ، فَلَمَّا بَيَّنَ أَنَّ ضَلَالَ الْفَرِيقِ الثَّانِي ضَلَالٌ مَكِينٌ بِبَيَانِ أَنَّ هُدَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ رَاسِخٌ مَتِينٌ فَلَا مَطْمَعَ لِلْفَرِيقِ الضَّالِّ بِأَنْ يَجُرُّوا الْمُهْتَدِينَ إِلَى ضَلَالِهِمْ.

أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ.

تَعْلِيلٌ لِإِنْكَارِ انْتِفَاءِ كِفَايَةِ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ كَإِنْكَارِ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِعِزَّةِ اللَّهِ مُتَقَرِّرٌ فِي النُّفُوسِ لِاعْتِرَافِ الْكُلِّ بِإِلَهِيَّتِهِ وَالْإِلَهِيَّةُ تَقْتَضِي الْعِزَّةَ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ مُنْتَقِمٌ مُتَقَرِّرٌ مِنْ مُشَاهَدَةِ آثَارِ أَخْذِهِ لِبَعْضِ الْأُمَمِ مِثْلَ عَادٍ وَثَمُودَ. فَإِذَا كَانُوا يُقِرُّونَ لِلَّهِ بِالْوَصْفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَمَا عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ كَافٍ عَبْدَهُ بِعِزَّتِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إِصَابَةِ عَبْدِهِ بِسُوءٍ، وَبِانْتِقَامِهِ مِنَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ لِعَبْدِهِ الْأَذَى.

والعزيز: صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْعِزِّ، وَهُوَ مَنَعَةُ الْجَانِبِ وَأَنْ لَا يَنَالَهُ الْمُتَسَلِّطُ وَهُوَ ضِدُّ الذُّلِّ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [209] .

والانتقام: الْمُكَافَأَةُ عَلَى الشَّرِّ بِشَرٍّ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّقْمِ وَهُوَ الْغَضَبُ كَأَنَّهُ مُطَاوِعُهُ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنِ النَّقْمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [136] . وَانْظُرْ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ

ص: 15