الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُعَرَّضِ بِهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ هَذَا النَّهْيَ وَمَجِيءَ الْبَيِّنَاتِ هُوَ مِنْ جَانِبِ سَيِّدِهِ وَسَيِّدِهِمْ فَمَا يَسَعُهُمْ إِلَّا أَنْ يُطِيعُوهُ وَلِذَلِكَ عَزَّزَهُ بِإِضَافَةِ الرَّبِّ إِلَى الْجَمِيعِ فِي قَوْلِهِ: وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ أَيْ رَبُّكُمْ وَرَبُّ غَيْرِكُمْ فَلَا مُنْصَرَفَ لَكُمْ عَنْ طَاعَتِهِ.
وَالْإِسْلَامُ: الِانْقِيَادُ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَفِعْلُهُ مُتَعَدٍّ، وَكَثُرَ حَذْفُ مَفْعُولِهِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، فَأَصْلُهُ: أَسْلَمَ نَفْسَهُ أَوْ ذَاتَهُ أَوْ وَجْهَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ، وَمِنِ اسْتِعْمَالِهِ كَاللَّازِمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [20] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [131] ، وَكَذَلِكَ هُوَ هُنَا.
[67]
[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 67]
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)
اسْتِئْنَافٌ رَابِعٌ بَعْدَ اسْتِئْنَافِ جُمْلَةِ هُوَ الْحَيُّ [غَافِر: 65] وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهَا، وَكلهَا ناشىء بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ. وَهَذَا الِامْتِنَانُ بِنِعْمَةِ الْإِيجَادِ وَهُوَ نِعْمَةٌ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ شَرَفٌ وَالْمَعْدُومَ لَا عِنَايَةَ بِهِ. وَأُدْمِجَ فِيهِ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْإِبْدَاعِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَطْوَارِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَعْضِهِ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ.
وَالطِّفْلُ: اسْمٌ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ قَالَ تَعَالَى:
أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ [النُّور: 31] وَقَدْ يُطَابِقُ فَيُقَالُ: طِفْلٌ وَطِفْلَانِ وَأَطْفَالٌ.
وَاللَّامَاتُ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِ (ثُمَّ) مُتَعَلِّقَاتٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: ثُمَّ يُبْقِيكُمْ، أَوْ ثُمَّ يُنْشِئُكُمْ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ، وَهِيَ لَامَاتُ
التَّعْلِيلِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى (إِلَى) لِأَنَّ الْغَايَةَ الْمُقَدَّرَةَ مِنَ اللَّهِ تُشْبِهُ الْعِلَّةَ فِيمَا يُفْضِي إِلَيْهَا، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ.
وَقَوْلُهُ: وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى عَطْفٌ عَلَى لِتَكُونُوا شُيُوخاً أَيْ لِلشَّيْخُوخَةِ غَايَةٌ
وَهِيَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى أَيِ الْمَوْتُ فَلَا طَوْرَ بَعْدَ الشَّيْخُوخَةِ. وَأَمَّا الْأَجَلُ الْمُقَدَّرُ لِلَّذِينَ يَهْلِكُونَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الشَّيْخُوخَةَ فَقَدِ اسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ أَنَّ مِنْ قَبْلِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَطْوَارِ، أَيْ يُتَوَفَّى قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ طِفْلًا وَهُوَ السَّقْطُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْأَشُدَّ، أَوْ يُتَوَفَّى قَبْلَ أَنْ يَكُونَ شَيْخًا. وَلِتَعَلُّقِهِ بِمَا يَلِيهِ خَاصَّةً عُطِفَ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ وَلَمْ يُعْطَفْ بِ (ثُمَّ) كَمَا عُطِفَتِ الْمَجْرُورَاتُ الْأُخْرَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ انْقِرَاضَ الْأَجْيَالِ وَخَلَقَهَا بِأَجْيَالٍ أُخْرَى، فَالْحَيُّ غَايَتُهُ الْفَنَاءُ وَإِنْ طَالَتْ حَيَاتُهُ، وَلَمَّا خَلَقَهُ على حَالَة تؤول إِلَى الْفَنَاءِ لَا مَحَالَةَ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْغَايَاتِ فِي ذَلِكَ الْخَلْقِ أَنْ يَبْلُغُوا أَجَلًا.
وَبُنِيَ قَبْلُ عَلَى الضَّمِّ عَلَى نِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ مِنْ قَبْلِ مَا ذُكِرَ. وَالْأَشُدُّ:
الْقُوَّةُ فِي الْبَدَنِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ ثَمَان عشرَة سنة إِلَى الثَلَاثِينَ وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [22] .
وَشُيُوخٌ: جَمْعُ شَيْخٍ، وَهُوَ مَنْ بَلَغَ سِنَّ الْخَمْسِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهذا بَعْلِي شَيْخاً فِي سُورَةِ هُودٍ [72] . وَيَجُوزُ فِي (شُيُوخٍ) ضَمُّ الشِّينِ. وَبِهِ قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ. وَيَجُوزُ كَسْرُ الشِّينِ وَبِهِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ.
وَقَوْلُهُ: وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ عَطْفٌ عَلَى وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى أَيْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْحَالَةِ الْمُبَيَّنَةِ، أَنْ تَكُونَ فِي تِلْكَ الْخِلْقَةِ دَلَالَةٌ لِآحَادِهِ عَلَى وُجُودِ هَذَا الْخَالِقِ الْخَلْقَ الْبَدِيعَ، وَعَلَى انْفِرَادِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَعَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَصْفَ الْإِلَهِيَّةِ، فَمَنْ عَقَلَ ذَلِكَ مِنَ النَّاسِ فَقَدِ اهْتَدَى إِلَى مَا أُرِيدَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَدِيمِ الْعَقْلِ. وَلِأَجْلِ هَذِهِ النُّكْتَةِ لَمْ يُؤْتَ