الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفْسِهِ، وَتَمُرُّ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي آلِهِمْ وَفِي عَشَائِرِهِمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَمَّا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ وَبَدِيعِ الصُّنْعِ.
وَجَعَلَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ آيَاتٍ كَثِيرَةً لِأَنَّهُمَا حَالَتَانِ عَجِيبَتَانِ ثُمَّ فِي كُلِّ حَالَةٍ تَصَرُّفٌ يُغَايِرُ التَّصَرُّفَ الَّذِي فِي الْأُخْرَى، فَفِي حَالَةِ الْمَوْتِ سَلْبُ الْحَيَاةِ عَنِ الْجِسْمِ وَبَقَاءُ الْجِسْمِ كَالْجَمَادِ وَمَنْعٌ مِنْ أَنْ تَعُودَ إِلَيْهِ الْحَيَاةُ وَفِي حَالَةِ النَّوْمِ سَلْبُ بَعْضِ الْحَيَاةِ عَنِ الْجِسْمِ حَتَّى يَكُونَ كَالْمَيِّتِ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ثُمَّ مَنْحُ الْحَيَاةِ أَنْ تَعُودَ إِلَيْهِ دَوَالَيْكَ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ إِبَّانُ سَلْبِهَا عَنْهُ سلبا مستمرا.
و (الْآيَات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) حَاصِلَةٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ إِرَادَةِ التَّمْثِيل وَإِرَادَة اسْتِدْلَال عَلَى الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ. وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ إِنَّ لِتَنْزِيلِ مُعْظَمِ النَّاسِ مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِ لِتِلْكَ الْآيَاتِ لِعَدَمِ جَرْيِهِمْ فِي أَحْوَالِهِمْ عَلَى مُقْتَضَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَالتَّفَكُّرُ: تَكَلُّفُ الْفِكْرَةِ، وَهُوَ مُعَالَجَةُ الْفِكْرِ وَمُعَاوَدَةُ التَّدَبُّرِ فِي دَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْحَقَائِقِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ بِبِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ وَنَصْبِ الْمَوْتِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ بِبِنَاءِ الْفِعْلِ لِلنَّائِبِ وَبِرَفْعِ الْمَوْتِ وَهُوَ عَلَى مُرَاعَاةِ نَزْعِ الْخَافِضِ. وَالتَّقْدِيرُ: قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْمَوْتِ، فَلَمَّا حُذِفَ الْخَافِضُ صَارَ الِاسْمُ الَّذِي كَانَ مَجْرُورًا بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُولِ بِهِ فَجُعِلَ نَائِبًا عَنِ الْفَاعِلِ، أَوْ عَلَى تَضْمِينِ قَضى مَعْنَى كتب وَقدر.
[43- 44]
[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 43 إِلَى 44]
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)
أَمِ مُنْقَطِعَةٌ وَهِيَ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ انْتِقَالًا مِنْ تَشْنِيعِ إِشْرَاكِهِمْ إِلَى إِبْطَالِ مَعَاذِيرِهِمْ فِي شِرْكِهِمْ، ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا دَمَغَتْهُمْ حُجَجُ الْقُرْآنِ بِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ
شُرَكَاءُ تَمَحَّلُوا تَأْوِيلًا لِشِرْكِهِمْ فَقَالُوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: 3] كَمَا حُكِيَ عَنْهُمْ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَلَمَّا اسْتُوفِيَتِ الْحُجَجُ عَلَى إِبْطَالِ الشِّرْكِ أَقْبَلَ هُنَا عَلَى إِبْطَالِ تَأْوِيلِهِمْ مِنْهُ وَمَعْذِرَتِهِمْ. وَالِاسْتِفْهَامُ الَّذِي تُشْعِرُ بِهِ أَمِ فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِهَا هُوَ هُنَا لِلْإِنْكَارِ بِمَعْنَى أَنَّ تَأْوِيَلَهُمْ وَعُذْرَهُمْ مُنْكَرٌ كَمَا كَانَ الْمُعْتَذَرُ عَنْهُ مُنْكَرًا فَلَمْ يَقْضُوا بِهَذِهِ الْمَعْذِرَةِ وَطَرًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بَيَانُ مُرَادِهِمْ بِكَوْنِهِمْ شُفَعَاءَ.
وَأَمْرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ مَقَالَةً تَقْطَعُ بُهْتَانَهُمْ وَهِيَ أَوَلَوْ كانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ.
فَالْوَاوُ فِي أَوَلَوْ كانُوا عَاطِفَةٌ كَلَامَ الْمُجِيبِ عَلَى كَلَامِهِمْ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا سُمِّيَ بِعَطْفِ التَّلْقِينِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [124]، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَ لِلْحَالِ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي نَظِيرِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلَوِ افْتَدى بِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [91] . وَصَاحِبُ الْحَالِ مُقَدَّرٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ. وَالتَّقْدِيرُ: أَيَشْفَعُونَ لَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ تَصْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ قَبْلَ وَاوِ الْحَالِ كَحُكْمِ تَصْدِيرِهِ قَبْلَ وَاوِ الْعَطْفِ.
وَأَفَادَ تَنْكِيرُ شَيْئاً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ عُمُومَ كُلِّ مَا يُمْلَكُ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الشَّفَاعَةِ. وَلَمَّا كَانَتِ الشَّفَاعَةُ أَمْرًا مَعْنَوِيًّا كَانَ مَعْنَى مِلْكِهَا تَحْصِيلُ إِجَابَتِهَا، وَالْكَلَامُ تَهَكُّمٌ إِذْ كَيْفَ يَشْفَعُ مَنْ لَا يَعْقِلُ فَإِنَّهُ لِعَدَمِ عَقْلِهِ لَا يُتَصَوَّرُ خُطُورُ مَعْنَى الشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَتَوَجَّهَ إِرَادَتُهُ إِلَى الِاسْتِشْفَاعِ فَاتِّخَاذُهُمْ شُفَعَاءَ مِنَ الْحَمَاقَةِ.
وَلَمَّا نَفَى أَنْ يَكُونَ لِأَصْنَامِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الشَّفَاعَةِ فِي عُمُومِ نَفْيِ مِلْكِ شَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ عَنِ الْأَصْنَامِ، قُوبِلَ بِقَوْلِهِ: لِلَّهِ الشَّفاعَةُ أَيِ الشَّفَاعَةُ كُلُّهَا لِلَّهِ. وَأُمِرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَهُمْ لِيَعْلَمُوا أَنْ لَا يَمْلِكَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا اللَّهُ، أَيْ هُوَ مَالِكُ إِجَابَةِ شَفَاعَةِ الشُّفَعَاءِ الْحَقِّ.