المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة غافر (40) : الآيات 49 إلى 50] - التحرير والتنوير - جـ ٢٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 33 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 56 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 75]

- ‌40- سُورَةُ الْمُؤْمِنِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 15 الى 16]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 69 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 73 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 84 الى 85]

- ‌أُسْلُوبُ سُورَةِ غَافِرٍ

- ‌41- سُورَةُ فُصِّلَتْ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 6 الى 7]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 19 الى 21]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 46]

الفصل: ‌[سورة غافر (40) : الآيات 49 إلى 50]

إِنَّا كُلٌّ

فِيها

فَكِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ جَوَابٌ لَهُمْ مُؤْيِسٌ مِنْ حُصُولِ التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ. وَالْمَعْنَى: نَحْنُ مُسْتَوُونَ فِي الْعَذَابِ وَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ فَلَا مطمع فِي التَّقَصِّي مِنْ حُكْمِهِ فَقَدْ جُوزِيَ كُلُّ فَرِيقٍ بِمَا يَسْتَحِقُّ.

وَمَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ عُمُومِ تَعَلُّقِ فِعْلِ الْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ مَا يُجْعَلُ هَذَا الْبَدَلَ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ كُلِّهِمْ بِجَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ فَكَانَ قِسْطُنَا مِنَ الْحُكْمِ هَذَا الْعَذَابَ. فَكَلِمَةُ بَيْنَ هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُتَوَسِّطُ، أَيْ وَقَعَ حُكْمُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي مَجْمَعِهِمُ الَّذِي حَضَرَهُ مَنْ حُكِمَ عَلَيْهِ وَمَنْ حُكِمَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحُكُومَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكَرَامَةِ بِالْجَنَّةِ، فَلَيْسَتْ كَلِمَةُ (بَيْنَ) هُنَا بِمَنْزِلَةِ (بَيْنَ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [الْمَائِدَة: 48] فَإِنَّهَا فِي ذَلِكَ مُسْتَعْمَلَةٌ مَجَازًا فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عِبْرَةٌ لِزُعَمَاءِ الْأُمَمِ وَقَادَتِهِمْ أَنْ يَحْذَرُوا الِارْتِمَاءَ بِأَنْفُسِهِمْ فِي مَهَاوِي الْخُسْرَانِ فَيُوقِعُوا الْمُقْتَدِينَ بِهِمْ فِي تِلْكَ الْمَهَاوِي فَإِنْ كَانَ إِقْدَامُهُمْ وَمُغَامَرَتُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَأُمَمِهِمْ عَلَى عِلْمٍ بِعَوَاقِبَ ذَلِكَ كَانُوا أَحْرِيَاءَ بِالْمَذَمَّةِ وَالْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ، إِذْ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يُغْرَوْا بِأَقْوَامٍ وَكَّلُوا أُمُورَهُمْ بِقَادَتِهِمْ عَنْ حُسْنِ ظَنٍّ فِيهِمْ، أَنْ يَخُونُوا أَمَانَتَهُمْ فِيهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [العنكبوت: 13] ، وَإِنْ كَانَ قَحْمُهُمْ أَنْفُسَهُمْ فِي مَضَائِقِ الزَّعَامَةِ عَنْ جَهْلٍ بِعَوَاقِبِ قُصُورِهِمْ وَتَقْصِيرِهِمْ فَإِنَّهُمْ مَلُومُونَ على عدم التَّوَثُّق مِنْ كَفَاءَتِهِمْ لِتَدْبِيرِ الْأُمَّةِ فَيَخْبِطُوا بِهَا خَبْطَ عَشْوَاءٍ حَتَّى يَزِلُّوا بِهَا فَيَهْوُوا بِهَا مِنْ شَوَاهِقَ بَعِيدَةٍ فَيَصِيرُوا رَمِيمًا، وَيَلْقُوا فِي الْآخِرَة جحيما.

[49- 50]

[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَاّ فِي ضَلالٍ (50)

لَمَّا لَمْ يَجِدُوا مَسَاغًا لِلتَّخْفِيفِ مِنَ الْعَذَابِ فِي جَانِبِ كُبَرَائِهِمْ، وَتَنَصَّلَ كُبَرَاؤُهُمْ

ص: 163

مِنْ ذَلِكَ أَوِ اعْتَرَفُوا بِغَلَطِهِمْ وَتَوْرِيطِهِمْ قَوْمَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ تَمَالَأَ الْجَمِيعُ عَلَى مُحَاوَلَةِ طَلَبِ تَخْفِيفِ الْعَذَابِ بِدَعْوَةٍ مِنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ، فَلِذَلِكَ أُسْنِدَ الْقَوْلُ إِلَى الَّذِينَ فِي النَّارِ، أَيْ جَمِيعِهِمْ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَالَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا.

وَخَزَنَةٌ: جَمْعُ خَازِنٍ، وَهُوَ الْحَافِظُ لِمَا فِي الْمَكَانِ مِنْ مَالٍ أَو عرُوض. ولِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِمَا تَحْوِيهِ مِنَ النَّارِ وَوَقُودِهَا وَالْمُعَذَّبِينَ فِيهَا وَمُوَكَّلُونَ بِتَسْيِيرِ مَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ دَارُ الْعَذَابِ وَأَهْلِهَا وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُمْ: خَزَنَةُ النَّارِ، لِأَنَّ الْخَزْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّارِ بَلْ بِمَا يَحْوِيهَا فَلَيْسَ قَوْلُهُ هُنَا: جَهَنَّمَ إِظْهَارًا فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ إِذْ لَا يَحْسُنُ إِضَافَةُ خَزَنَةٍ إِلَى النَّارِ وَلَوْ تَقَدَّمَ لَفْظُ جَهَنَّمُ لَقَالَ: لِخَزَنَتِهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ [6- 8] وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ (جَهَنَّمَ) وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِلَى قَوْلِهِ: سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها فَإِنَّ الضَّمِيرَ لِ جَهَنَّمَ لَا لِ النَّارِ.

وَفِي «الْكَشَّافِ» إِنَّهُ مِنِ الْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارُ لِلتَّهْوِيلِ بِلَفْظِ جَهَنَّمَ، وَالْمَسْلَكُ الَّذِي سَلَكْنَاهُ أَوْضَحُ.

وَفِي إِضَافَةِ (رَبِّ) إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِغْرَاءِ بِالدُّعَاءِ، أَيْ لِأَنَّكُمْ أَقْرَبُ إِلَى اسْتِجَابَتِهِ لَكُمْ. وَلِمَا ظَنُّوهُمْ أَرْجَى لِلِاسْتِجَابَةِ سَأَلُوا التَّخْفِيفَ يَوْمًا مِنْ أَزْمِنَةِ الْعَذَابِ وَهُوَ أَنْفَعُ لَهُمْ مِنْ تَخْفِيفِ قُوَّةِ النَّارِ الَّذِي سَأَلُوهُ مِنْ مُسْتَكْبِرِيهِمْ.

وَجُزِمَ يُخَفِّفْ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ، وَلَعَلَّهُ بِتَقْدِيرِ لَامِ الْأَمْرِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَمِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ يَجْعَلُهُ جَزَمَا فِي جَوَابِ الطَّلَبِ لِتَحْقِيقِ التَّسَبُّبِ. فَيَكُونُ فِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ الَّذِينَ فِي النَّارِ وَاثِقُونَ بِأَنَّ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ إِذَا دَعَوُا اللَّهَ اسْتَجَابَ لَهُمْ. وَهَذَا الْجَزْمُ شَائِعٌ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ وَحَقُّهُ الرَّفْعُ أَوْ إِظْهَارُ لَامِ الْأَمْرِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ [31] .

وَضُمِّنَ يُخَفِّفْ مَعْنَى يُنْقِصُ فَنَصَبَ يَوْماً، أَوْ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ عَذَابَ يَوْمٍ، أَيْ مِقْدَارَ يَوْمٍ، وَانْتَصَبَ يَوْماً عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِ يُخَفِّفْ.

ص: 164

وَالْيَوْمُ كِنَايَةٌ عَنِ الْقِلَّةِ، أَيْ يُخَفِّفُ عَنَّا وَلَوْ زَمَنًا قَلِيلًا. ومِنَ الْعَذابِ بَيَانٌ لِ يَوْماً لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمِقْدَارُ فَاحْتَاجَ إِلَى الْبَيَانِ عَلَى نَحْوِ التَّمْيِيزِ. وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِ يُخَفِّفْ.

وَجَوَابُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ لَهُمْ بِطَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ الْمُرَادِ بِهِ: إِظْهَارُ سُوءِ صَنِيعِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ إِذْ لَمْ يَتَّبِعُوا الرُّسُلَ حَتَّى وَقَعُوا فِي هَذَا الْعَذَابِ، وَتَنْدِيمُهُمْ عَلَى مَا أَضَاعُوهُ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا مِنْ وَسَائِلِ النَّجَاةِ مِنَ الْعِقَابِ. وَهُوَ كَلَامٌ جَامِعٌ يَتَضَمَّنُ التَّوْبِيخَ، وَالتَّنْدِيمَ، وَالتَّحْسِيرَ، وَبَيَانِ سَبَبِ تَجَنُّبِ الدُّعَاءِ لَهُمْ، وَتَذْكِيرِهِمْ بِأَنَّ الرُّسُلَ كَانَتْ تُحَذِّرُهُمْ مِنَ الْخُلُودِ فِي الْعَذَابِ.

وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ لَمْ يُعَرِّجِ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى مَوْقِعِهَا. وَهِيَ وَاوُ الْعَطْفِ عَطَفَ بِهَا (خَزَنَةُ جَهَنَّمَ) كَلَامَهُمْ عَلَى كَلَامِ الَّذِينَ فِي النَّارِ مِنْ قَبِيلِ طَرِيقَةِ عَطْفِ الْمُتَكَلِّمِ كَلَامًا عَلَى كَلَامٍ صَدَرَ مِنَ الْمُخَاطَبِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ وَأَنْ لَا يُغْفِلَهُ، وَهُوَ مَا يُلَقَّبُ بِعَطْفِ التَّلْقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [الْبَقَرَة: 124] فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ إِذَا تَذَكَّرُوا ذَلِكَ عَلِمُوا وَجَاهَةَ تَنَصُّلِ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ مِنَ الشَّفَاعَةِ لَهُمْ، وَتَفْرِيعُ فَادْعُوا عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ.

وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّمَةٌ مِنَ التَّأْخِيرِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، لِوُجُوبِ صَدَارَتِهَا.

وَجُمْلَةُ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ تَذْيِيلًا لِكَلَامِهِمْ يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُمْ: فَادْعُوا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الْخَطَأِ، أَيْ دُعَاؤُكُمْ لَمْ يَنْفَعْكُمْ لِأَنَّ دُعَاءَ الْكَافِرِينَ فِي ضَلَالٍ وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى تَذْيِيلًا وَاعْتِرَاضًا.

وَالْبَيِّنَاتُ: الْحُجَجُ الْوَاضِحَةُ وَالدَّعَوَاتُ الصَّرِيحَةُ إِلَى اتِّبَاعِ الْهُدَى. فَلَمْ يَسَعُهُمْ إِلَّا الِاعْتِرَافُ بِمَجِيءِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا: بَلَى فَرَدَّ عَلَيْهِمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ بِالتَّنَصُّلِ مِنْ أَنْ يَدْعُوَا اللَّهَ بِذَلِكَ، إِلَى إِيكَالِ أَمْرِهِمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ بِقَوْلِهِمْ: فَادْعُوا تَفْرِيعًا عَلَى اعْتِرَافِهِمْ بِمَجِيءِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ بِالْبَيِّنَاتِ.

ص: 165

وَمَعْنَى تَفْرِيعِهِ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْكِنَائِيِّ الَّذِي هُوَ التَّنَصُّلُ مِنْ أَنْ يَدْعُوَا لَهُمْ، أَيْ كَمَا تَوَلَّيْتُمُ الْإِعْرَاضَ عَنِ الرُّسُلِ اسْتِبْدَادًا بِآرَائِكُمْ فَتَوَلُّوا الْيَوْمَ أَمْرَ أَنْفُسِكُمْ فَادْعُوا أَنْتُمْ، فَإِنَّ «مَنْ تَوَلَّى قُرَّهَا يَتَوَلَّى حَرَّهَا» ، فَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَادْعُوا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِبَاحَةِ أَوْ فِي التَّسْوِيَةِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى خَطَأِ السَّائِلِينَ فِي سُؤَالِهِمْ.

وَزِيَادَةُ فِعْلِ الْكَوْنِ فِي أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَجِيءَ الرُّسُلِ إِلَى الْأُمَمِ أَمْرٌ مُتَقَرِّرٌ مُحَقَّقٌ، لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ الْكَوْنِ مِنَ الْوُجُودِ بِمَعْنَى التَّحَقُّقِ، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْإِتْيَانِ كَانَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مَنْ (لَمِ) النَّافِيَةِ فِي الْمَاضِي.

وَالضَّلَالُ: الضَّيَاعُ، وَأَصْلُهُ: خَطَّأُ الطَّرِيقِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [السَّجْدَة: 10] .

وَالْمَعْنَى: أَنَّ دُعَاءَهُمْ لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَوْلُهُ: وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ أَوْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُقْتَضٍ عُمُومَ دُعَائِهِمْ

لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُضَافَ مَنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَقْتَضِي أَنَّ دُعَاءَ الْكَافِرِينَ غَيْرُ مُتَقَبَّلٍ فِي الْآخِرَةِ وَفِي الدُّنْيَا لِأَنَّ عُمُومَ الذَّوَاتِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ.

وَأَمَّا مَا يُوهِمُ اسْتِجَابَةَ دُعَاءِ الْكَافِرِينَ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها [الْأَنْعَام: 63، 64] وَقَوْلِهِ: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [يُونُس: 22، 23] ، فَظَاهِرٌ أَنَّ هَذِهِ لَا تَدُلُّ عَلَى اسْتِجَابَةِ كَرَامَةٍ وَلَكِنَّهَا لِتَسْجِيلِ كَفْرِهِمْ وَنُكْرَانِهِمْ، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَنْ يَدْعُوَ الْكَافِرُ فَيَقَعُ مَا طَلَبَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمُصَادَفَةِ دُعَائِهِ وَقْتَ إِجَابَةِ دُعَاءِ غَيْرِهِ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَكَيْفَ يُسْتَجَابُ دُعَاءُ الْكَافِرِ وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم اسْتِبْعَادُ اسْتِجَابَةِ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَأْكُلُ الْحَرَامَ وَيَلْبَسُ الْحَرَامَ

فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ

ص: 166