المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة غافر (40) : الآيات 84 الى 85] - التحرير والتنوير - جـ ٢٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 33 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 56 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 75]

- ‌40- سُورَةُ الْمُؤْمِنِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 15 الى 16]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 69 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 73 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 84 الى 85]

- ‌أُسْلُوبُ سُورَةِ غَافِرٍ

- ‌41- سُورَةُ فُصِّلَتْ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 6 الى 7]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 19 الى 21]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 46]

الفصل: ‌[سورة غافر (40) : الآيات 84 الى 85]

فَالَّذِينَ (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) هُمُ (الَّذِينَ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) ، وَهُمُ الَّذِينَ (حَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) ، وَالَّذِينَ رَأَوْا بَأْسَ اللَّهِ، فَمَا بِنَا إِلَّا أَنْ نُبَيِّنَ مَعْنَى فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.

فَالْفَرَحُ هُنَا مُكَنَّى بِهِ عَنْ آثَارِهِ وَهِيَ الِازْدِهَاءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ [الْقَصَص: 76] أَيْ بِمَا أَنْتَ فِيهِ مُكَنًّى بِهِ هُنَا عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ جَادَلُوا الرُّسُلَ وَكَابَرُوا الْأَدِلَّةَ وَأَعْرَضُوا عَنِ النَّظَرِ. وَمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ هُوَ مُعْتَقَدَاتُهُمُ الْمَوْرُوثَةُ عَنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ مِنْ أَسْلَافِهِمْ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالُوا لِرُسُلِهِمْ: نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْكُمْ لَنْ نُبْعَثَ وَلَنْ نُعَذَّبَ اهـ. وَإِطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ تَهَكُّمٌ وَجَرْيٌ عَلَى حَسَبِ مُعْتَقَدِهِمْ وَإِلَّا فَهُوَ جَهْلٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ:

فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِجَهْلِهِمْ يَعْنِي فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الْأَنْعَام: 148] .

وَحَاقَ بِهِمْ: أَحَاطَ، يُقَالُ: حَاقَ يَحِيقُ حَيْقًا، إِذَا أَحَاطَ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلشِّدَّةِ الَّتِي لَا تَنْفِيسَ بِهَا لِأَنَّ الْمُحِيطَ بِشَيْءٍ لَا يَدْعُ لَهُ مَفْرَجًا.

وَمَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ وَالْعَذَابُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ رُسُلَهُمْ أوعدوهم بِالْعَذَابِ فاستهزؤوا بِالْعَذَابِ، أَيْ بِوُقُوعِهِ وَفِي ذِكْرِ فِعْلِ الْكَوْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِوَعِيدِ الرُّسُلِ كَانَ شِنْشَنَةً لَهُمْ، وَفِي الْإِتْيَان ب يَسْتَهْزِؤُنَ مُضَارِعًا إِفَادَةٌ لِتَكَرُّرِ اسْتِهْزَائِهِمْ.

[84- 85]

[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 84 الى 85]

فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85)

فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا

مَوْقِعُ جُمْلَةِ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا مِنْ قَوْلِهِ: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ [غَافِر:

83] كَمَوْقِعِ جُمْلَةِ فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ: كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ [غَافِر: 82] لِأَنَّ إِفَادَةَ (لَمَّا) مَعْنَى التَّوْقِيتِ يُثِيرُ مَعْنَى تَوْقِيتِ انْتِهَاءِ مَا قَبْلَهَا، أَيْ دَامَ دُعَاءُ الرُّسُلِ إِيَّاهُمْ وَدَامَ

ص: 221

تَكْذِيبُهُمْ وَاسْتِهْزَاؤُهُمْ إِلَى أَنْ رَأَوْا بأسنا فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ.

وَالْبَأْسُ: الشِّدَّةُ فِي الْمَكْرُوهِ، وَهُوَ جَامِعٌ لِأَصْنَافِ الْعَذَابِ كَقَوْلِه تَعَالَى: فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا [الْأَنْعَام: 42، 43] فَذَلِكَ الْبَأْسُ بِمَعْنَى الْبَأْسَاءِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: تَضَرَّعُوا وَهُوَ هُنَا يَقُولُ: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا فَالْبَأْسُ هُنَا الْعَذَابُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ الْمُنْذِرُ بِالْفَنَاءِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْهُ عَلِمُوا أَنَّهُ الْعَذَابُ الَّذِي أُنْذِرُوهُ. وَفُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا، أَيْ حِينَ شَاهَدُوا الْعَذَابَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْإِيمَانُ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ الْإِيمَانَ عِنْدَ نُزُولِ عَذَابِهِ.

وَعَدَلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ، إِلَى قَوْلِهِ: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ لِدَلَالَةِ فِعْلِ الْكَوْنِ عَلَى أَنَّ خَبَرَهُ مُقَرَّرُ الثُّبُوتِ لِاسْمِهِ، فَلَمَّا أُرِيدَ نَفْيُ ثُبُوتِ النَّفْعِ إِيَّاهُمْ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِهِ اجْتَلَبَ لِذَلِكَ نَفْيَ فِعْلِ الْكَوْنِ الَّذِي خَبَرُهُ يَنْفَعُهُمْ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِيمَانَ بَعْدَ رُؤْيَةِ بَوَارِقِ الْعَذَابِ لَا يُفِيدُ صَاحِبَهُ مِثْلَ الْإِيمَانِ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ وَمِثْلَ الْإِيمَانِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا عَقِبَهُ.

سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ انتصب سُنَّتَ اللَّهِ عَلَى النِّيَابَةِ عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطلق لِأَن سُنَّتَ اسْمُ مَصْدَرِ السَّنِّ، وَهُوَ آتٍ بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: سَنَّ اللَّهُ ذَلِكَ سُنَّةً، فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابًا لِسُؤَالِ من يسْأَل لماذَا لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْإِيمَانُ وَقَدْ آمَنُوا، فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ تَقْدِيرٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ أَعْلَمَهُمْ بِهِ وَشَرَطَهُ عَلَيْهِمْ فَهِيَ قَدِيمَةٌ فِي عِبَادِهِ لَا يَنْفَعُ الْكَافِرَ الْإِيمَانُ إِلَّا قَبْلَ ظُهُورِ الْبَأْسِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ قَالَ تَعَالَى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [يُونُس: 98] .

ص: 222

وَهَذَا حُكْمُ اللَّهِ فِي الْبَأْسِ بِمَعْنَى الْعِقَابِ الْخَارِقِ لِلْعَادَةِ وَالَّذِي هُوَ آيَةٌ بَيِّنَةٌ، فَأَمَّا الْبَأْسُ الَّذِي هُوَ مُعْتَادٌ وَالَّذِي هُوَ آيَةٌ خَفِيَّةٌ مِثْلُ عَذَابِ بَأْسِ السَّيْفِ الَّذِي نَصَرَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَإِنَّ مَنْ يُؤْمِنُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ مِثْلَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ حِينَ رَأَى جَيْشَ

الْفَتْحِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ يَنْجُوَ مِنْهُ مِثْلَ إِيمَانِ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْفَتْحِ بَعْدَ رَفْعِ السَّيْفِ عَنْهُمْ، فَإِيمَانُهُ كَامِلٌ مِثْلَ إِيمَانِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ بَعْدَ ارْتِدَادِهِ.

وَوَجْهُ عَدَمِ قَبُولِ الْإِيمَانِ عِنْدَ حُلُولِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ وَقَبُولِ الْإِيمَانِ عِنْدَ نُزُولِ بَأْسِ السَّيْفِ أَنَّ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ مُشَارَفَةٌ لِلْهَلَاكِ وَالْخُرُوجِ مِنْ عَالَمِ الدُّنْيَا فَإِيقَاعُ الْإِيمَانِ عِنْدَهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصِدُ مِنْ إِيجَابِ الْإِيمَانِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ حِزْبًا وَأَنْصَارًا لِدِينِهِ وَأَنْصَارًا لِرُسُلِهِ، وَمَاذَا يُغْنِي إِيمَانُ قَوْمٍ لَمْ يَبْقَ فِيهِمْ إِلَّا رَمَقٌ ضَعِيفٌ مِنْ حَيَاةٍ، فَإِيمَانُهُمْ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ اعْتِرَافِ أَهِلِ الْحَشْرِ بِذُنُوبِهِمْ وَلَيْسَتْ سَاعَةَ عَمَلٍ، قَالَ تَعَالَى فِي شَأْن فِرْعَوْن:

إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يُونُس: 90، 91] ، أَيْ فَلَمْ يَبْقَ وَقْتٌ لِاسْتِدْرَاكِ عِصْيَانِهِ وَإِفْسَادِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً [الْأَنْعَام: 158] فَأَشَارَ قَوْلُهُ: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً إِلَى حِكْمَةِ عَدَمِ انْتِفَاعِ أَحَدٍ بِإِيمَانِهِ سَاعَتَئِذٍ. وَإِنَّمَا كَانَ مَا حَلَّ بِقَوْمِ يُونُسَ حَالًا وَسِيطًا بَيْنَ ظُهُورِ الْبَأْسِ وَبَيْنَ الشُّعُورِ بِهِ عِنْدَ ظُهُورِ عَلَاقَاتِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ.

وَجُمْلَةُ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ كَالْفَذْلَكَةِ لِقَوْلِهِ: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا، وَبِذَلِكَ آذَنَتْ بِانْتِهَاءِ الْغَرَضِ مِنَ السُّورَةِ. وهُنالِكَ اسْمُ إِشَارَةٍ إِلَى مَكَانٍ، اسْتُعِيرَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى الزَّمَانِ، أَيْ خَسِرُوا وَقْتَ رُؤْيَتِهِمْ بَأْسَنَا إِذِ انْقَضَتْ حَيَاتُهُمْ وَسُلْطَانُهُمْ وَصَارُوا إِلَى تَرَقُّبِ عَذَابٍ خَالِدٍ مُسْتَقْبَلٍ.

وَالْعُدُولُ عَنْ ضَمِيرِ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً [غَافِر: 21] إِلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْكافِرُونَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ سَبَبَ خُسْرَانِهِمْ هُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَذَلِكَ إِعْذَارٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ.

ص: 223