المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة فصلت (41) : آية 5] - التحرير والتنوير - جـ ٢٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 33 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 56 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 75]

- ‌40- سُورَةُ الْمُؤْمِنِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 15 الى 16]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 69 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 73 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 84 الى 85]

- ‌أُسْلُوبُ سُورَةِ غَافِرٍ

- ‌41- سُورَةُ فُصِّلَتْ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 6 الى 7]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 19 الى 21]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 46]

الفصل: ‌[سورة فصلت (41) : آية 5]

يُعْنَوْا بِخَيْرٍ، وَلَا حَذِرُوا الشَّرَّ، فَلَمْ يَأْخُذُوا بِالْحِيطَةِ لِأَنْفُسِهِمْ وَلَيْسَ عَائِدًا لقوم يَعْلَمُونَ لِأَنَّ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ لَا يُعْرِضُ أَحَدٌ مِنْهُمْ.

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى الْإِعْرَاضِ، أَيْ فَهُمْ لَا يُلْقُونَ أَسْمَاعَهُمْ لِلْقُرْآنِ فَضْلًا عَنْ تَدَبُّرِهِ، وَهَذَا إِجْمَالٌ لِإِعْرَاضِهِمْ. وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ فِي فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ دُونَ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَسْمَعُونَ لِإِفَادَةِ تَقَوِّي الحكم وتأكيده.

[5]

[سُورَة فصلت (41) : آيَة 5]

وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (5)

عَطْفُ وَقالُوا على فَأَعْرَضَ [فصلت: 4] أَوْ حَالٌ من أَكْثَرُهُمْ [فصلت:

4] أَوْ عَطْفٌ عَلَى لَا يَسْمَعُونَ [فصلت: 4] ، أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ أَعْرَضُوا مُصَرِّحِينَ بِقِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ وَبِالِانْتِصَابِ لِلْجَفَاءِ وَالْعَدَاءِ. وَهَذَا تَفْصِيلٌ لِلْإِعْرَاضِ عَمَّا

وُصِفَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تُقَرِّبَهُمْ إِلَى تَلَقِّيهِ لَا أَنْ يَبْعُدُوا وَيُعْرِضُوا وَقَدْ جَاءَ بِالتَّفْصِيلِ بِأَقْوَالِهِمُ الَّتِي حَرَمَتْهُمْ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالْقُرْآنِ وَاحِدًا وَاحِدًا كَمَا سَتَعْلَمُهُ.

وَالْمُرَادُ بِالْقُلُوبِ: الْعُقُولُ، حُكِيَ بِمُصْطَلَحِ كَلَامِهِمْ قَوْلُهُمْ إِذْ يُطْلِقُونَ الْقَلْبَ عَلَى الْعَقْلِ.

وَالْأَكِنَّةُ: جَمْعُ كِنَانٍ مِثْلُ: غِطَاءٍ وَأَغْطِيَةٍ وَزْنًا وَمَعْنًى، أُثْبِتَتْ لِقُلُوبِهِمْ أَغْطِيَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ التَّخْيِيلِ، وَشُبِّهَتِ الْقُلُوبُ بِالْأَشْيَاءِ الْمُغَطَّاةِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ حَيْلُولَةُ وَصُولِ الدَّعْوَةِ إِلَى عُقُولِهِمْ كَمَا يَحُولُ الْغِطَاءُ وَالْغِلَافُ دُونَ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَهُ.

وَمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يَعُمُّ كُلَّ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْمَدْلُولَاتِ وَأَدِلَّتِهَا، وَمِنْهَا دَلَالَةُ مُعْجِزَةِ الْقُرْآنِ وَمَا تَتَضَمَّنُهُ مِنْ دَلَالَةِ أُميَّة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت: 48] .

ص: 233

وَجُعِلَتِ الْقُلُوبُ فِي أَكِنَّةٍ لِإِفَادَةِ حَرْفٍ فِي مَعْنَى إِحَاطَةِ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ.

وَكَذَلِكَ جُعِلَ الْوَقْرُ فِي الْقُلُوبِ لِإِفَادَةِ تَغَلْغُلِهِ فِي إدراكهم.

و (من) فِي قَوْلِهِ: مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ بِمَعْنَى (عَنْ) مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22] وَقَوْلِهِ: قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا [الْأَنْبِيَاء: 97]، وَالْمَعْنَى: قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ فَهِيَ بَعِيدَةٌ عَمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ لَا يَنْفُذُ إِلَيْهَا.

وَالْوَقْرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ: ثِقَلُ السَّمْعِ وَهُوَ الصَّمَمُ، وَكَأَنَّ اللُّغَةَ أَخَذَتْهُ مِنَ الْوِقْرِ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَهُوَ الْحِمْلُ لِأَنَّهُ يُثْقِلُ الدَّابَّةَ عَنِ التَّحَرُّكِ، فَأَطْلَقُوهُ عَلَى عَدَمِ تَحَرُّكِ السَّمْعِ عِنْدَ قَرْعِ الصَّوْتِ الْمَسْمُوعِ، وَشَاعَ ذَلِكَ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ فَفَتَحُوا لَهُ الْوَاوَ تَفْرِقَةً بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَ الْعَضِّ الْحَقِيقِيِّ وَعَظِّ الدَّهْرِ بِأَنْ صَيَّرُوا ضَادَهُ ظَاءً. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَكِنَّةِ وَالْوَقْرِ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً فِي الْأَنْعَامِ [25] وَفِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [46] .

وَالْحِجَابُ: السَّاتِرُ لِلْمَرْئِيِّ مِنْ حَائِطٍ أَوْ ثَوْبٍ. أَطْلَقُوا اسْمَ الْحِجَابِ عَلَى مَا يَمْنَعُ نُفُوسَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِالدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِنْ كَرَاهِيَةِ دِينِهِ وَتَجَافِي تَقَلُّدِهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْحِجَابَ يَحُولُ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ فَلَا يَنْظُرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ، وَمُرَادُهُمُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ. مَثَّلَ نُبُوَّ قُلُوبِهِمْ عَنْ تَقَبُّلِ الْإِسْلَامِ وَاعْتِقَادِهِ بِحَالِ مَا هُوَ فِي أَكِنَّةٍ، وَعَدَمَ تَأَثُّرِ أَسْمَاعِهِمْ بِدَعْوَتِهِ بِصُمِّ الْآذَانِ، وَعَدَمَ التَّقَارُبِ بَيْنَ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ بِالْحِجَابِ

الْمَمْدُودِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَلَا تَلَاقِيَ وَلَا تَرَائِيَ.

وَقَدْ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَالَاتِ الثَّلَاثِ فِي التَّمْثِيلِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.

وَاجْتِلَابُ حَرْفِ مِنْ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ لِتَقْوِيَةِ مَعْنَى الْحِجَابِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَتَمَكُّنِ لَازِمِهِ الَّذِي هُوَ بُعْدُ الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ مِنْ هَذِهِ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ.

ص: 234

وَضَمِيرُ بَيْنِنا عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضمير أَكْثَرُهُمْ [فصلت: 4] .

وَعَطْفُ وَبَيْنِكَ تَأْكِيدٌ لِأَنَّ وَاوَ الْعَطْفِ مُغْنِيَةٌ عَنْهُ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ (بَيْنَ) أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ مِثْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ [الزخرف: 38] .

وَقَدْ جَعَلَ ابْنُ مَالِكٍ (مِنْ) الدَّاخِلَةَ عَلَى (قَبْلُ) وَ (بَعْدُ) زَائِدَةً فَيَكُونُ (بَيْنَ) مَقِيسًا عَلَى (قَبْلُ) وَ (بَعْدُ) لِأَنَّ الْجَمِيعَ ظُرُوفٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ الْمَحْكِيُّ عَنْهُمْ فِي الْقُرْآنِ بِ قالُوا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ حَكَاهُ عَنْهُمْ بِالْمَعْنَى، فَجَمَعَ الْقُرْآنُ بِإِيجَازِهِ وَبَلَاغَتِهِ مَا أَطَالُوا بِهِ الْجِدَالَ وَأَطْنَبُوا فِي اللَّجَاجِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَكَاهُ بِلَفْظِهِمْ فَيَكُونُ مِمَّا قَالَه أحد بلغائهم فِي مَجَامِعِهِمُ الَّتِي جَمَعَتْ بَيْنَهُمْ وَبَين النبيء صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا فِي سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَزَعَمَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ اسْتِهْزَاءً وَأَنَّ اللَّهَ حَكَاهُ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا تَلَقَّفُوهُ مِمَّا سَمِعُوهُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ وَصْفِ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَتَبَاعُدِهِمْ كَقَوْلِهِ: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [46]، فَإِنَّ سُورَةَ الْإِسْرَاءِ مَعْدُودَةٌ فِي النُّزُولِ قَبْلَ سُورَةِ فُصِّلَتْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [45] أَيْضًا، فَجَمَعُوا ذَلِكَ وَجَادَلُوا بِهِ الرَّسُولَ. فَيَكُونُ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْبَلَاغَةِ قَدِ اقْتَبَسُوهُ مِنْ آيَاتٍ أُخْرَى. قِيلَ: إِنَّ قَائِلَهُ أَبُو جَهْلٍ فِي مَجْمَعٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَلِذَلِكَ أَسْنَدَ الْقَوْلَ إِلَيْهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُمْ مُشَائِعُونَ لَهُ.

وَقَدْ جَاءَ فِي حِكَايَةِ أَقْوَالِهِمْ مَا فِيهِ تَفْصِيلُ مَا يُقَابِلُ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ صِفَاتِ الْقُرْآنِ وَهِيَ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [فصلت: 2، 3] ، فَإِنَّ كَوْنَهُ تَنْزِيلا من الرحمان الرَّحِيمِ يَسْتَدْعِي تَفَهُّمَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِمَا فِيهِ، فَقُوبِلَ بِقَوْلِهِمْ: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَكَوْنُهُ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ يَسْتَدْعِي تَلَقِّيَهَا وَالِاسْتِمَاعَ إِلَيْهَا فَقُوبِلَ بِقَوْلِهِمْ:

فِي آذانِنا وَقْرٌ، أَيْ فَلَا نَسْمَعُ تَفْصِيلَهُ، وَكَوْنُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا أَشَدُّ إِلْزَامًا لَهُمْ بِفَهْمِهِ فَقُوبِلَ ذَلِكَ بِمَا يَقْطَعُ هَذِهِ الْحُجَّةَ

ص: 235