المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة غافر (40) : الآيات 69 إلى 72] - التحرير والتنوير - جـ ٢٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 33 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 56 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 75]

- ‌40- سُورَةُ الْمُؤْمِنِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 15 الى 16]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 69 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 73 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 84 الى 85]

- ‌أُسْلُوبُ سُورَةِ غَافِرٍ

- ‌41- سُورَةُ فُصِّلَتْ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 6 الى 7]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 19 الى 21]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 46]

الفصل: ‌[سورة غافر (40) : الآيات 69 إلى 72]

عَنِ الْقَائِلِ أَسْرَعُ أَعْمَالِ الْإِنْسَانِ وَأَيْسَرُ، وَقَدِ اخْتِيرَ لِتَقْرِيبِ ذَلِكَ أَخْصَرُ فِعْلٍ وَهُوَ كُنْ الْمُرَكَّبُ مِنْ حَرْفَيْنِ متحرك وَسَاكن.

[69- 72]

[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 69 إِلَى 72]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)

بُنِيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى إِبْطَالِ جَدَلِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ جِدَالَ التَّكْذِيبِ وَالتَّوَرُّكِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ إِذْ كَانَ مِنْ أَوَّلِهَا قَوْلُهُ: مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غَافِر: 4] وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِيهَا، فَنَبَّهَ عَلَى إِبْطَالِ جِدَالِهِمْ فِي مُنَاسَبَاتِ الْإِبْطَالِ كُلِّهَا إِذِ ابْتُدِئَ بِإِبْطَالِهِ عَلَى الْإِجْمَالِ عَقِبَ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ مِنْ أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غَافِر: 4] ثُمَّ بِإِبْطَالِهِ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ [غَافِر: 35]، ثُمَّ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ [غَافِر: 56] ثُمَّ بِقَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ.

وَذَلِكَ كُلُّهُ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْبَاعِثَ لَهُمْ عَلَى الْمُجَادَلَةِ فِي آيَاتِ اللَّهِ هُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ إِبْطَالِ الشِّرْكِ فَلِذَلِكَ أَعْقَبَ كُلَّ طَرِيقَةٍ مِنْ طَرَائِقِ إِبْطَالِ شِرْكِهِمْ بِالْإِنْحَاءِ عَلَى جِدَالِهِمْ فِي آيَاتِ اللَّهِ، فَجُمْلَةُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلتَّعْجِيبِ

مِنْ حَالِ انْصِرَافِهِمْ عَنِ التَّصْدِيقِ بَعْدَ تِلْكَ الدَّلَائِلِ الْبَيِّنَةِ. وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّقْرِيرِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ لَفْظًا، وَالْمُرَادُ بِهِ: التَّقْرِيرُ عَلَى الْإِثْبَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، مِنْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ:

قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [260] .

وَالرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةٌ، وَفِعْلُهَا مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ بِالِاسْتِفْهَامِ بِ أَنَّى يُصْرَفُونَ، و (أَنَّى) بِمَعْنَى (كَيْفَ)، وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّعْجِيبِ مِثْلَ قَوْلِهِ:

ص: 200

أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ [آل عمرَان: 47] أَيْ أَرَأَيْتَ عَجِيبَ انْصِرَافِهِمْ عَنِ التَّصْدِيقِ بِالْقُرْآنِ بِصَارِفٍ غَيْرِ بَيِّنٍ مَنْشَؤُهُ، وَلِذَلِكَ بُنِيَ فِعْلُ يُصْرَفُونَ لِلنَّائِبِ لِأَنَّ سَبَبَ صَرْفِهِمْ عَنِ الْآيَاتِ لَيْسَ غَيْرَ أَنْفُسِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (أَنَّى) بِمَعْنَى (أَيْنَ) ، أَيْ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ أَيْنَ يَصْرِفُهُمْ صَارِفٌ عَنِ الْإِيمَانِ حَتَّى جَادَلُوا فِي آيَاتِ اللَّهِ مَعَ أَنَّ شُبَهَ انْصِرَافِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ مُنْتَفِيَةٌ بِمَا تَكَرَّرَ مِنْ دَلَائِلِ الْآفَاقِ وَأَنْفُسِهِمْ وَبِمَا شَاهَدُوا مِنْ عَاقِبَةِ الَّذِينَ جَادَلُوا فِي آيَاتِ اللَّهِ مِمَّنْ سَبَقَهُمْ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْمُتَعَجِّبُ مِنْ فِعْلِ أَحَدٍ «أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ» .

وَبِنَاءُ فِعْلِ يُصْرَفُونَ لِلْمَجْهُولِ عَلَى هَذَا الْوَجْه للتعجيب مِنَ الصَّارِفِ الَّذِي يَصْرِفُهُمْ وَهُوَ غَيْرُ كَائِنٍ فِي مَكَانٍ غَيْرِ نُفُوسِهِمْ.

وَأَبْدَلَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ مِنَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ لِأَنَّ صِلَتَيِ الْمَوْصُولَيْنِ صَادِقَتَانِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فالتكذيب هُوَ مَا صدق الْجِدَالِ، وَالْكِتَابُ: الْقُرْآنُ.

وَعَطْفُ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَصْلِ الْعَطْفِ مُقْتَضِيًا الْمُغَايَرَةَ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ: وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا مِنَ الْكُتُبِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ تَكْذِيبُهُمْ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ الرُّسُلُ مُرَادًا بِهِ تَكْذِيبُهُمْ جَمِيعَ الْأَدْيَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الْأَنْعَام: 91] ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ التَّكْذِيبُ بِالْبَعْثِ فَلَعَلَّهُمْ لَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِإِثْبَاتِ الْبَعْثِ سَأَلُوا عَنْهُ أَهْلَ الْكِتَابِ فَأَثْبَتُوهُ فَأَنْكَرَ الْمُشْرِكُونَ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ لِذَلِكَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفَ مُرَادِفٍ، فَائِدَتُهُ التَّوْكِيدُ، وَالْمُرَادُ بِ رُسُلَنا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم كَقَوْلِهِ: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشُّعَرَاء: 105] يَعْنِي الرَّسُولَ نُوحًا عَلَى أَنَّ فِي الْعَطْفِ فَائِدَةً زَائِدَةً عَلَى مَا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَهِيَ أَنَّ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مَوَاعِظَ وَإِرْشَادًا كَثِيرًا لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ.

وَتَفَرَّعَ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ وَعِيدُهُمْ بِمَا سَيَلْقَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقِيلَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ،

ص: 201

أَيْ سَوْفَ يَجِدُونَ الْعَذَابَ الَّذِي كَانُوا يُجَادِلُونَ فِيهِ فَيَعْلَمُونَهُ. وَعَبَّرَ عَنْ وِجْدَانِهِمُ الْعَذَابَ بِالْعِلْمِ بِهِ بِمُنَاسَبَةِ اسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى جَهْلِهِمْ بِالْبَعْثِ وتظاهرهم بِعَدَمِ فَهْمِ مَا يَقُولُهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فَأُنْذِرُوا

بِأَنَّ مَا جَهِلُوهُ سَيَتَحَقَّقُونَهُ يَوْمَئِذٍ كَقَوْلِ النَّاسِ: سَتَعْرِفُ مِنْهُ مَا تَجْهَلُ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَصِيرُ:

فَتَذُمُّ رَأْيَكَ فِي الَّذِينَ خَصَصْتَهُمْ

دُونِي وَتَعْرِفُ مِنْهُمْ مَا تَجْهَلُ

وَحُذِفَ مَفْعُولُ يَعْلَمُونَ لِدَلَالَةِ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ عَلَيْهِ، أَيْ يَتَحَقَّقُونَ مَا كَذَّبُوا بِهِ.

وَالظَّرْفُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِ يَعْلَمُونَ أَيْ يَعْلَمُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ. وَشَأْنُ (إِذْ) أَنْ تَكُونَ اسْمًا لِلزَّمَنِ الْمَاضِي وَاسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ بِقَرِينَةِ (سَوْفَ) فَهُوَ إِمَّا اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ، وَإِمَّا اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُحَقَّقِ الْوُقُوعِ تَشْبِيهًا بِالزَّمَنِ الْمَاضِي وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ. وَمِنْهُ اقْتِرَانُهَا بِ (يَوْمَ) فِي نَحْوِ قَوْلِهِ:

يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها [الزلزلة: 4]، وَقَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [الرّوم: 4، 5] . وَأَوَّلُ مَا يَعْلَمُونَهُ حِينَ تَكُونُ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ أَنَّهُمْ يَتَحَقَّقُونَ وُقُوعَ الْبَعْثِ.

وَالْأَغْلَالُ: جَمْعُ غل، بِضَم الْعين، وَهُوَ حَلَقَةٌ مِنْ قِدٍّ أَوْ حَدِيدٍ تُحِيطُ بِالْعُنُقِ تُنَاطُ بِهَا سِلْسِلَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ سَيْرٌ مِنْ قِدٍّ يُمْسَكُ بِهَا الْمُجْرِمُ وَالْأَسِيرُ.

وَالسَّلَاسِلُ: جَمْعُ سِلْسِلَةٍ بِكَسْرِ السِّينَيْنِ وَهِيَ مَجْمُوعُ حِلَقٍ غَلِيظَةٍ مِنْ حَدِيدٍ مُتَّصِلٍ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ.

وَمِنَ الْمَسَائِلِ مَا رَأَيْتُهُ أَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ عَرَفَةَ كَانَ يَوْمًا فِي دَرْسِهِ فِي التَّفْسِيرِ سُئِلَ: هَلْ تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ سَنَدًا لِمَا يَفْعَلُهُ أُمَرَاءُ الْمَغْرِبِ أَصْلَحَهُمُ اللَّهُ مَنْ وَضْعِ الْجُنَاةِ بِالْأَغْلَالِ وَالسَّلَاسِلِ جَرْيًا عَلَى حُكْمِ الْقِيَاسِ عَلَى فِعْلِ اللَّهِ فِي الْعُقُوبَاتِ كَمَا اسْتَنْبَطُوا بَعْضَ صُوَرِ عِقَابٍ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ مِنَ الرَّجْمِ بِالْحِجَارَةِ، أَوِ الْإِلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ. فَأَجَابَ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ وَضْعَ الْغُلِّ فِي الْعُنُقِ ضَرْبٌ مِنَ التَّمْثِيلِ وَإِنَّمَا يُوثَقُ الْجَانِي مِنْ يَدِهِ، قَالَ: لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا قَاسُوا عَلَى فِعْلِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُقَاسُ عَلَى

ص: 202